يوميات الحرب الليبية (الحلقة الأولى): عناصر الأمن أكثر من المسافرين على حدود ليبيا.. وتحذير من «بوابات» للمتطرفين

(«الشرق الأوسط») ترصد تحركات معبر السلوم مع مصر والداخل الليبي المضطرب

جنود على الحدود المصرية ــ الليبية يقفون خلف متاريس وبجوار دبابة، ويفحصون أوراق إحدى سيارات نقل البضائع قبل السماح لها بالدخول («الشرق الأوسط»)
جنود على الحدود المصرية ــ الليبية يقفون خلف متاريس وبجوار دبابة، ويفحصون أوراق إحدى سيارات نقل البضائع قبل السماح لها بالدخول («الشرق الأوسط»)
TT

يوميات الحرب الليبية (الحلقة الأولى): عناصر الأمن أكثر من المسافرين على حدود ليبيا.. وتحذير من «بوابات» للمتطرفين

جنود على الحدود المصرية ــ الليبية يقفون خلف متاريس وبجوار دبابة، ويفحصون أوراق إحدى سيارات نقل البضائع قبل السماح لها بالدخول («الشرق الأوسط»)
جنود على الحدود المصرية ــ الليبية يقفون خلف متاريس وبجوار دبابة، ويفحصون أوراق إحدى سيارات نقل البضائع قبل السماح لها بالدخول («الشرق الأوسط»)

«لكي تعبر كل هذه النقاط الأمنية، لا بد أن تكون من مواليد محافظة مطروح، أو متزوجا ليبية، أو لديك ما يثبت أن لك أقارب في ليبيا». هكذا قال الضابط المصري على جانب الحدود، بينما كانت نحو 50 شاحنة، ونحو 70 مصريا وليبيا، ينتظرون إنهاء الإجراءات في منفذ السلوم البري لدخول ليبيا.
في السابق كانت كل هذه الساحات الخالية والممرات الشاغرة، تزدحم بألوف المغادرين والقادمين بين جانبي الحدود. كل هذا انتهى، وأصبح عدد عناصر قوات الأمن أكبر من عدد المسافرين، وأصبحت آليات حراسة الحدود أكثر من شاحنات نقل البضائع. أما بعد أن تعبر الحدود فلن تستمع في مسجل السيارة لأصوات الشعراء وهم يتغنون على وقع الموسيقى، كما كان الحال في الماضي، ولكن ستبحث عن أخبار القتلى والمهجرين وتطورات الحرب ضد المتطرفين في المدن التي تقصدها الآن.
حتى هنا في منفذ السلوم، حيث تنتظر مع 5 أو 6 من المصريين والليبيين الذين يعدون أنفسهم لاجتياز آخر حاجز أمني في اتجاه ليبيا، يمكن أن تستمع لأخبار من تعرضوا للذبح على أيدي مقاتلي داعش في مدينة درنة التي تبعد عن حدود مصر نحو 300 كيلومتر. وتتلفت حولك في المنفذ فترى نظرات الترقب في أعين الضباط والجنود والموظفين، وتكاد تشم رائحة الاقتتال والتربص على الجانب الآخر من الحدود، على مرمى البصر. ومن بين المنتظرين هنا، يقول رحومة سعيد، وهو تاجر مصري يستغل أوراق زواجه من امرأة ليبية في التنقل بين جانبي الحدود، إن مظاهر النشاط الدائب، في هذا المنفذ البري الرسمي الوحيد بين البلدين، كانت في الماضي «مظاهر تملأ العين من شدة الازدحام والرواج الاقتصادي»، أي قبل أن تندلع الاشتباكات في طول ليبيا وعرضها، وتغلق مصر حدودها مع هذا البلد النفطي شاسع المساحة.
ويتدخل أحد زملاء الطريق المتأهبين لدخول ليبيا، وهو طالب من مدينة بنغازي، وكان يدرس في جامعة الأزهر بالقاهرة، ويدعى احسونة، ويقول في أسى إن رفاق الأمس، في إشارة إلى من قاموا بالثورة ضد العقيد معمر القذافي، يبدو أنهم كانوا يحشدون إمكاناتهم في مواجهة كل منهم للآخر، منذ وقت طويل، من أجل خوض هذه الحرب المستعرة منذ أشهر.
يصمت احسونة وينظر إلى سيارات الإسعاف الجديدة المحملة بالجرحى والقادمة حالا من الجانب الليبي من الحدود، ثم يقول: «كل يوم يسقط ضحايا.. وكل يوم تهدم المباني»، لافتا إلى أن أخبار أسرته انقطعت عنه منذ بدأ الجيش الليبي في دخول بنغازي لتحريرها من جماعات المتطرفين أواخر الشهر الماضي، ويخشى أن تكون أسرته التي تتبع المنهج السلفي قد تعرضت للانتقام من جماعة «أنصار الشريعة» الدموية.
وبينما يتدخل أحد رفاق السفر لمواساته وتطمينه على أن أسرته «بالتأكيد بين يدي الله»، وأنه «ربما لم يصبها ضرر»، تأتي من الجانب الآخر، من فوق خط الحدود، حيث يمكن أن ترى ذلك بعينيك رغم بُعد المسافة، مجموعة من العجائز الليبيات وهن يجتزن معبر إمساعد الليبي، وقد وصلن توا، وبدأن في المشي على أقدامهن ناحية منفذ السلوم، وعلى ملابسهن آثار الغبار. وولجت إحداهن وهي تحمل أوراق صاحباتها، إلى صالة الوصول المصرية الخاوية، في انتظار الضابط المسؤول لكي تأخذ إذن الدخول.
أما باقي العجائز المتعبات فجلسن يترقبنها بجوار عدة سيارات إسعاف ليبية محملة بالجرحى والمرضى كانت هي الأخرى في انتظار إنهاء إجراءات الدخول للأراضي المصرية وهي إجراءات أصبحت شديدة التعقيد. وفي الخلفية من كل هذا، أي على طول السلك المصري الشائك الممتد على الجانبين، كانت هناك عدة آليات مصفحة وجنود يرتدون الخوذات ويقفون خلف مواسير المدافع الموجهة إلى الناحية الأخرى.
ويقول عبد الله، وهو سائق سيارة إسعاف ليبية تنتظر دورها لاجتياز معبر السلوم: «المصريون أغلقوا الحدود، ويؤخرون دخول الجرحى وكبار السن، لكن هذا حقهم، فهم يخشون تسلل عناصر من داعش أو من الإخوان لتنفيذ عمليات تخريبية في مصر.. على كل حال نقل الجرحى لمصر أفضل من نقلهم إلى تونس، فبالإضافة إلى بُعد المسافة من بنغازي لتونس، تتقاضى السلطات التونسية على الحدود مبالغ كبيرة تصل لنحو 50 دينارا (نحو 30 دولارا) عن كل فرد بينما المصريون لا يتقاضون أكثر من 10 جنيهات (أقل من دولار ونصف دولار».
وعلى نافذة الجوازات بدأت الحركة تدب.. فقد انتهى الضابط المصري من وقت استراحته، واستأنف عمله الذي لا يزيد عن فحص وختم بضع عشرات من جوازات السفر في اليوم. والآن أخذ يدقق في أوراق رجل ليبي وزوجته المصرية وأطفاله الـ3. ويسأل عن سبب قدومه، ويفحص على جهاز الكومبيوتر عما إذا كان اسمه من بين الأسماء المطلوبة أو الممنوعة من دخول البلاد. وأخيرا يختم جوازاتهم، ويقول وهو يتنفس الصعداء: «تفضلوا».
ويقول هذا الضابط، ويدعى أحمد، إن منفذ السلوم مغلق بشكل رسمي، وإن المنفذ يستقبل فقط المصريين العائدين من ليبيا، أما بالنسبة للأشخاص الليبيين الذين تستثنيهم السلطات المصرية ويحق لهم دخول البلاد، من المنفذ نفسه، فلا بد أن تتوافر فيهم شروط محددة وهي أن يكون من الجرحى أو المرضى الموصى بعلاجهم في مصر، لكن بعد أن تقوم السلطات الليبية بإبلاغ الجانب المصري من الحدود بأسماء هؤلاء، اسما اسما.
ومن بين الشروط أيضا أن يكون الليبي الذي يرغب في دخول مصر متزوجا من مصرية أو أنه ابن لأم مصرية. ليس هذا فقط، بل لا بد أن تكون زوجته أو والدته بصحبته، وهناك استثناءات أخرى تتعلق بكبار السن مثل العجائز اللائي ينتظرن دورهن في دخول مصر وهن يحملن صُررا من ملابسهن وما تبقى لهن من متاع الدنيا.
وبدأت تشيع فوق هضبة السلوم مقولة يرددها المسافرون لليبيا على أسماع بعضهم البعض، وهي أن الداخل إلى هناك مفقود والخارج منها مولود، بسبب ما يأتي من أخبار عن الميليشيات التي تخوض حرب حياة أو موت مع الجيش الوطني، وقيامها بالانتقام من كل من يقع بين أيديها من مؤيدي الجيش، وذلك بقتله ونحره بلا رحمة.
وعلى كل حال لم يكن من السهل اجتياز الهضبة المصرية للوصول للأراضي الليبية إلا بشق الأنفس واجتياز إجراءات متشابكة عبر عدة نقاط يتمركز فيها رجال أمن مصريون يعيدون عليك مرة وراء مرة تحذيرات بالأخطار الكامنة هناك.. «حتى لو كان من حقك أن تسافر كصحافي أو كمواطن لديه أقارب في ليبيا، فعليك أن تعلم أنك، بوصفك مصريا، ربما لن تعود إلا جثة.. وربما جثة مقطوعة الرأس.. وفي هذه الحالة لن نستطيع أن نقدم لك إلا خدمة وحيدة، وهي تسلّم جثمانك من الجانب الآخر من الحدود لتوصيله لذويك بمصر».
ويصيح أحد موظفي الجوازات متعجبا: «يا إلهي.. كيف يمكن أن تواصل السفر إلى هناك، وأنت تستمع إلى هذه الوصايا والتوقعات التي لا يحمد عقباها».
الكل يعلم أن ليبيا يتقاتل فيها من كانوا يعرفون، حتى أشهر مضت، باسم «ثوار فبراير»، أي أولئك الذين قادوا الليبيين للانتفاضة المسلحة على حكم العقيد القذافي، بمساعدة ضربات طيران حلف الناتو، في عام 2011. الكل يعلم ذلك، لكن المشكلة في التفاصيل.
الطريق من إمساعد، وهي أول مدينة ليبية بعد الحدود المصرية، إلى الداخل الليبي، غير مأمونة «لا أحد يضمن عدم وجود متطرفين أو قطاع طرق، أو مسلحين متشددين يكرهون مصر والمصريين. هؤلاء لا يتفاوضون. بل يقتلونك على الفور، وفي أفضل الأحوال، يختطفونك لكي يتفاوضوا على مبلغ مالي كبير مقابل إطلاق سراحك، وفي نهاية المطاف يمكن أن يقتلوك أيضا بعد أن يحصلوا على الفدية». هكذا يخبرك موظف في الأمن المصري بالسلوم، يدعى شريف، وهو يرفع حاجبيه كأنه يروي لك أحداث فيلم من أفلام الرعب التي يمكن أن تشاهدها على أرض الواقع وأنت في الطريق.
وتخشى السلطات المصرية من تسلل المتطرفين من جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم داعش وأنصار تنظيم القاعدة، وغيرها من التنظيمات الخطرة التي أصبحت تنتشر في ليبيا، إلى داخل أراضيها. ولهذا أصبحت إجراءات اجتياز الحدود صعبة، سواء من حيث تقديم ما يلزم من أوراق أو من خلال ما تسمعه من قصص مخيفة لا تشجع على السفر.
وفي الليلة قبل الأخيرة على الحدود تجد في الفنادق الصغيرة الواقعة تحت هضبة السلوم حكايات لا حصر لها، تجعلك تأخذ تحذيرات الموظف شريف مأخذ الجد. فبالإضافة إلى عبور العشرات يوميا ذهابا وإيابا بين حدود مصر وليبيا البرية، توجد محاولات للتسلل من خلف الحدود الرسمية، يفشل أغلبها في حينه، ويقوم بها مصريون وعرب وأفارقة للوصول لليبيا، ويقوم بها أيضا متطرفون قادمون من ليبيا في اتجاه مصر.
وتطرح الكثير من الأسئلة، وأنت تندفع إلى الأمام، من «سوق الخضراوات» بالسلوم بمصر، حتى «سوق الحوت» في طبرق الليبية، عن سبب تسلل مواطنين من جنسيات مختلفة من مصر، إلى بلد فيه قطع للرؤوس وضربات عسكرية وتوجس من الغرباء؟ هذه أسئلة ستعرف لها إجابات متعددة ضمن هذه الحلقات التي تنشرها «الشرق الأوسط» عن الحرب في ليبيا بين «الجيش الوطني» المؤيَّد من البرلمان، و«قوات المتطرفين» بكل أنواعهم، ومن بين هذه الإجابات بشكل سريع: إن بعض المغامرين يسعون فعلا للعمل في ليبيا، وبعضهم يسعى للهجرة إلى أوروبا، لكن البعض الآخر يطمح في الالتحاق بالمتطرفين الذين يقاتلون قوات الجيش والشرطة في المدن الليبية.
أما بالنسبة لمحاولات المتطرفين المدربين التسلل من ليبيا إلى الأراضي المصرية، لتنفيذ عمليات تخريبية فيها، انتقاما من الجيش والأمن بمصر، فقد أصبحت شديدة الصعوبة. أولا بالنسبة لتأمين المنفذ الرسمي بين البلدين، فتوجد في الوقت الحالي إجراءات غير مسبوقة.. مثلا توجد قوة شرطية مصرية معززة بقوة أمنية مسلحة بأسلحة ثقيلة، على المدخل الخارجي لمدينة السلوم، أي أنك قبل أن تدخل إلى، أو تخرج من، المدينة الواقعة تحت الهضبة الفاصلة بين حدود البلدين، لا بد من التعريف بنفسك وبوجهتك إضافة لتفتيشك وتفتيش سيارتك.
وقبل أن تسلك الطريق الأفعوانية الصاعدة إلى أعلى الهضبة، توجد نقطة أمنية مسلحة أخرى، تقوم بعمليات تفتيش دقيقة، وتتأكد من أن معك من الأوراق ما يمكنك من مواصلة العبور في اتجاه المنفذ. وفي أعلى الهضبة تمر بـ5 نقاط تفتيش لا يفصل كل منها عن الأخرى سوى عدة عشرات من الأمتار. نقطتان في منفذ السلوم القديم، وهو منفذ كان مهجورا وغير مستخدم منذ سنوات، لكن الآن، وبعد القلاقل المتفجرة في ليبيا، أصبحت تتمركز فيه قوات من الأمن تقف خلف متاريس وخلف مواسير المدفعية.. وهكذا تخضع في كل مرة لتفتيش دقيق لكل شيء، بداية من الأوراق الثبوتية حتى الجيوب الداخلية لحقائب السفر.
وأخيرا تنتهي من إجراءات الخروج من مصر.. تقطع نحو 500 متر مشيا على الأقدام للوصول إلى المنفذ الليبي، أي منفذ إمساعد. تجر حقائبك تحت الشمس وتتلفت خلفك فربما تأتي سيارة لتريحك من هذا المشوار المرهق. في السابق كانت هناك سيارات تقل المسافرين من منفذ السلوم إلى منفذ إمساعد، مقابل 50 جنيها للفرد الذي يفضل استئجار سيارة خاصة، أو مقابل 10 جنيهات لمن يريد أن يركب مع آخرين. في الوقت الحالي لم تعد توجد هذه الرفاهية بسبب قلة عدد المسافرين.. فقط تمشي وتتلفت وراءك ربما تأتي سيارة عابرة.
وهذا ما كان؛ سيارة كورية الصنع فخمة يقودها شاب ليبي، يدعى جمال، في العشرينات من العمر. كان في زيارة لأقاربه في السلوم، من قبيلة القطعان، وهي من كبرى القبائل في الشرق الليبي. والآن هو عائد إلى أسرته في مدينة طبرق التي يوجد فيها مقر البرلمان الليبي الجديد. سأل «إلى أين؟». وكانت الإجابة جاهزة «إلى المنفذ.. جوازات إمساعد». فوافق وقد حدد الأجرة بشكل مبالغ فيه، قائلا «أوكي.. 10 دنانير».
ومن يستطيع أن يرفض في مثل هذه الظروف. وعلى الفور كانت الحقائب في السيارة وبوابة إمساعد تقترب. يا للمفاجأة المرعبة.. البوابة خاوية. لا وجود لأي حرس أو جنود أو ضباط. لا وجود لأي موظفين. مجرد طرقات ومسارات وغرف مغلقة وقطع كبيرة من الحجارة كانت تستخدم في السابق في غلق شوارع المنفذ على ما يبدو. واجتاز السائق المعبر من دون أن نختم شعار الدخول على جواز السفر، وقال: إن هذا أمر عادي، لأنه لا يوجد أحد.
وهنا بدأ الخوف. أين هي عناصر الدولة الليبية؟ أين هو حرس الحدود؟ أين كتائب التأمين التي نقرأ عنها؟ ولم يعد هناك من ملاذ سوى السائق جمال، الذي كان يريد أن يأخذ أجرته، الـ10 دنانير، ويمضي، بيد أنه كان لا بد من إغرائه لكي ينتظر «أنت، يا أخ جمال، بالتأكيد مسافر إلى طبرق.. ولهذا دعنا نتفق على سعر التوصيلة إلى هناك بالمرة.. لكن لا يمكن مواصلة السير أكثر من هذا، قبل العودة لختم جواز السفر من المنفذ الليبي. هل تعرف أين هم ضباط الجوازات الآن؟ مَن يضمن ما يمكن أن يحدث هناك، وساعتها، لو تعرضت لأذى، لن يكون هناك أي دليل رسمي على دخولي الأراضي الليبية».
وبدأ جمال يظهر نفاد صبره، ورجع بسيارته مرة أخرى، لكن في الاتجاه المعاكس، أي من المنفذ المتجه ناحية مصر. وهناك عثر على 5 جنود ليبيين كانوا يلهون مع أحد زملائهم من زوار المنفذ قرب سيارة عسكرية عليها مدفع عيار 23 مم. قال لأحدهم «نريد أن نختم دخول مصري». وكان هناك ختمان للدخول والخروج يتدليان من عنق الجندي الذي دخل إلى غرفة ونحن خلفه، وحين شاهد كلمة صحافي في جواز السفر قال: إن هذا ممنوع، ويتطلب إجراء اتصالات مع قيادته العسكرية في المنطقة الشرقية من ليبيا. حسنا!
واستغرق الأمر مزيدا من الوقت قبل أن تأتي الموافقة بالدخول. وطبع الختم على الجواز. وبدأت السيارة تتحرك مجددا إلى أول بلدة ليبية بعد الحدود. وكما ضرب الكساد مدينة السلوم في الجانب المصري، تجد الشلل الاقتصادي شبه التام قد تمكن من مدينة إمساعد على الجانب الليبي.. محال تجارية شبه مغلقة ومقاه خاوية ومراكز اتصالات يطن فيها الذباب. توجد شاحنات ليبية وأخرى مصرية لنقل البضائع، لكن السائق جمال يقول إنها لا تساوي شيئا مقارنة بالمئات من الشاحنات الضخمة التي كانت تسد الطرقات هنا وتملأ الساحات الممتدة على جانبي المدينة.
كانت البضائع تأتي من الموانئ البحرية الليبية ويجري تشوينها في مخازن كبيرة في «إمساعد»، إلى أن تأتي الشاحنات المصرية لنقلها إلى داخل مصر. وفي المقابل كانت الشاحنات المصرية تحجب الشمس هنا من كثرتها وهي محملة بقوالب الرخام والسيراميك والإسمنت والجبس والحبال وغيرها.
وخلافا للفراغ الأمني الموجود في منفذ إمساعد البري، يبدو الأمر مختلفا في داخل بلدة إمساعد نفسها، والتي لا يزيد عدد سكانها عن نحو 5 آلاف نسمة. هنا توجد قوات عسكرية ليبية نشطة. وكان يمكن مشاهدة ما لا يقل عن 9 سيارات دفع رباعي فوقها مدافع من عيار 14.5 مم و23 مم، وجنود يحملون أسلحة من نوع «إيه كيه 47». وتشعر بوجود عيون تراقب الغرباء. وفي ساحة سيارات الأجرة بدا الموقف يعبر عن نفسه. لا أحد هنا. وتبدو موائد مطعم «ثورة 17 فبراير» الذي كان يعتمد على المسافرين بين البلدين، مهجورة ويغطيها التراب، بينما الريح تطير بقايا الورق والغبار على الواجهة.
وقبل أن يتوقف أمام مقهى «الحدود» المتخصص في بيع القهوة الإيطالي، يضيف السائق جمال قائلا في يأس، وكأنه غير قادر على السكوت، إن الحرب الداخلية في ليبيا أثرت على كل شيء وقتلت التجارة بين البلدين، ولم تعد هناك غير محاولات بائسة لتهريب البضائع إما عن طريق البر، وهو أمر أصبح شديد الصعوبة، أو عن طريق البحر، حيث تتولى مراكب صغيرة نقل السلع إلى السلوم عبر خليج البردي المقابل للهضبة المصرية.
ويزيد موضحا «اليوم.. لا يوجد شيء مضمون. الأمن الليبي في إمساعد لم يعد يتساهل مع المهربين كما كان الحال قبل شهور.. وحراس الحدود المصريون، من الجانب الآخر، يراقبون كل شيء، وأصبحوا يبصرون المراكب وهي في الظلام في عرض البحر، ويصادرونها بما فيها من سلع، ومهربين».
وظن صاحب المقهى وهو يمسح بملعقة صغيرة على رغوة الفنجان قبل أن يقدمه للسائق جمال، أننا تجار ممنوعات أو مهربون، فنبهنا سريعا لكي نأخذ حذرنا، وهو يشير إلى سيارة جيش ليبية توقفت حالا أمام المحل. وما هي إلا أقل من دقيقة حتى دخل ضابط أسمر وأحمر العينين ومتحفز.. مسدس يتدلى من خصره، وفي يده بندقية «إيه كيه 47». وفحص الأوراق، ثم بدا أنه استراح أخيرا لفكرة وجود صحافي هنا، فطلب من زميله عبر جهاز اللاسلكي أن يترك السيارة ويأتي لشرب القهوة هنا.
ويحمل الضابط رتبة مقدم، ويدعى احميدة، وهو من قبيلة العبيدات، وهي واحدة من القبائل الكبرى التي تهيمن على المنطقة الشرقية من البلاد، ويرى أن مسؤولية حماية الحدود ليست لكونه يتبع الجيش الليبي فقط، ولكن لأنه «عبيدي» أيضا هو والمجموعة التي تعمل معه، وغالبيتهم متطوعون ولا يتقاضون أي رواتب من الدولة. ويضيف أنه لا يصح أن يقال: إن المتطرفين يمرون من أراضي العبيدات سواء كان أولئك المتطرفون قادمين من مصر إلى ليبيا أو العكس.
وتمكنت مجموعة احميدة من توقيف عشرات المتسللين عبر الحدود، وتسليم المصريين منهم إلى الجيش المصري، وتسليم الليبيين أو الجنسيات غير الليبية، ممكن كانوا في طريقهم إلى مصر، إلى وحدات الجيش الليبي القريبة من هنا. ومع ذلك يقول المقدم احميدة إن مجموعته التي تعمل بالتعاون مع كتيبة «عمر المختار» التابعة لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي تفتقر للكثير من المعدات اللازمة لضبط الحدود، ومن بينها السيارات المجهزة والأسلحة ومناظير الرؤية الليلية.
ويقول إنه رغم ضعف الإمكانات فإن الكتيبة الحدودية تمكنت من توقيف المئات من الجنسيات المختلفة ممن كانوا يسعون للعبور إلى مصر أو إلى ليبيا بشكل غير قانوني، على أيدي مهربين مسلحين يستخدمون سيارات الدفع الرباعي، وإن من بين من جرى توقيفهم خلال الشهرين الماضيين مصريون وليبيون وسودانيون ويمنيون وسوريون، لافتا إلى أن غالبية هؤلاء كانوا يقصدون مدينة بنغازي للانضمام إلى المتطرفين مما يسمى بـ«أنصار الشريعة» و«ميليشيات الإخوان» الذين يحاربون الجيش والشرطة، وأن بعضهم كان قادما من مصر مباشرة والبعض الآخر كان قادما من السودان عبر الأراضي المصرية. ويضيف أن هذا النوع من المهاجرين المتطرفين يجري التعامل معهم عن طريق جهات التحقيق الليبية لمعرفة من يقف وراءهم ومن يقوم بتمويلهم، وأن بعض المهاجرين الآخرين يسعون فقط للعمل في مدينة طبرق الهادئة، لكن كل من يلقى القبض عليه تجري إعادته من حيث أتى، حيث جرى تسليم الجانب المصري أكثر من 300 مهاجر من هذا النوع خلال الأسابيع الماضية.
والعجيب أن الضابط احميدة قدم نصائح وهو يشيعنا متطابقة للنصائح التي سبق أن قدمها الضباط المصريون عن خطر البوابات الأمنية الوهمية التي يديرها المتطرفون بين المدن الليبية، واحتمال أن يذبحوك مباشرة لو عرفوا أنك صحافي مصري. وبدأت رحلة المتاعب، إلا أن السائق جمال بدأ في تلطيف الأجواء وإملاء التعليمات التي تضمن سلامة الوصول إلى طبرق؛ إنها تعليماته الخاصة.
أولا: الأجرة 160 دينارا، يضاف إليها الدنانير الـ10 الأولى الخاصة بالتوصيلة من منفذ السلوم لمنفذ إمساعد، فتكون 170 دينارا. ثانيا: لا حديث باللهجة المصرية في أي من البوابات والنقاط الأمنية التي سنمر بها، فربما تكون إحداها تابعة للمتطرفين، فيذبحونك من دون أن آخذ أجرتي. وضحك. وصمت قليلا. ثم واصل قائلا: التصوير ممنوع.. الحديث في أي أمور سياسية مع الناس، وأنت معي، ممنوع، سواء في بلدة قصر الجدي أو في طبرق. وبعد أن نفترق، افعل ما تشاء، لا تعرفني ولا أعرفك. والآن نستمع إلى الأخبار في الراديو.

يوميات الحرب الليبية (2): «إخوان» ليبيا أسسوا جهاز مخابرات في طبرق.. وسعوا لاغتيال نواب من البرلمان الجديد ترصد خط النار بين مصراتة وبنغازي


استعادة المقاتلين يتصدّر ملفات التحالف الدولي ضد «داعش»

وزير الخارجية السعودية طالب الدول التي لم تستعد مواطنيها بتحمل مسؤولياتها (الخارجية السعودية)
وزير الخارجية السعودية طالب الدول التي لم تستعد مواطنيها بتحمل مسؤولياتها (الخارجية السعودية)
TT

استعادة المقاتلين يتصدّر ملفات التحالف الدولي ضد «داعش»

وزير الخارجية السعودية طالب الدول التي لم تستعد مواطنيها بتحمل مسؤولياتها (الخارجية السعودية)
وزير الخارجية السعودية طالب الدول التي لم تستعد مواطنيها بتحمل مسؤولياتها (الخارجية السعودية)

جاء ملف استعادة عدد من الدول لمواطنيها المنضمّين إلى تنظيم «داعش»، على رأس الملفات التي طُرحت على طاولة الاجتماع الوزاري لـ«التحالف الدولي لمحاربة (داعش)»، المنعقد (الخميس)، في العاصمة السعودية الرياض، وفقاً لمصدر في التحالف الدولي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، فيما لم يتّضح بعد إن كانت الدول الأعضاء ستتوصّل إلى اتفاق بهذا الخصوص في المستقبل القريب.

ودعا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى استعادة المقاتلين من الدول التي عانت من تنظيم «داعش» مطالباً إياهم بـ«تحمّل مسؤولياتهم»، في الوقت الذي أيّد فيه وزير الخارجية الأميركي دعوة نظيره السعودي، وزاد بالتحذير خلال كلمته في الاجتماع، من أن الإبقاء على مسلحي «داعش» الأجانب في المخيمات «يهدد بعودة التنظيم»، مضيفاً في هذا الإطار «يجب إعادة المقاتلين الأجانب لبلادهم من المخيمات في سوريا».

ويعدّ «مخيم الهول» الواقع شرق مقاطعة الحسكة شمال سوريا، أحد أخطر المخيمات في العالم اليوم، فبعد القضاء على السيطرة الجغرافية لمقاتلي تنظيم «داعش» في الباغوز في مارس (آذار) من عام 2019، انتقل عشرات الآلاف من أسر المرتزقة إلى هذه المخيمات، ويقطن مخيم الهول أكثر من 54 ألف شخص ينحدرون من 52 دولة حول العالم وفق إحصاءات غير رسمية.

واختتم اجتماع «التحالف الدولي لمحاربة (داعش)» الخميس، في الرياض، أعماله مسجلاً مشاركة أكثر من 30 وزير خارجية، وعشرات من كبار المسؤولين الآخرين، في اجتماع يكشف عن أهمية ملف محاربة «داعش» دوليّاً والقضاء على ما تبقّى من خلاياه الإرهابية على أكثر من صعيد، ليس أقلها الأمني والفكري.


ثالث عاصفة ترابية تضرب دول الشرق الأوسط خلال أسبوعين

توقعات بارتفاع تكلفة خسائر العواصف الترابية (بابلك دومين)
توقعات بارتفاع تكلفة خسائر العواصف الترابية (بابلك دومين)
TT

ثالث عاصفة ترابية تضرب دول الشرق الأوسط خلال أسبوعين

توقعات بارتفاع تكلفة خسائر العواصف الترابية (بابلك دومين)
توقعات بارتفاع تكلفة خسائر العواصف الترابية (بابلك دومين)

قبل نحو 3 أعوام، خلص تقرير للبنك الدولي إلى أن «التكلفة الاقتصادية للعواصف الترابية والرملية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصل إلى 150 مليار دولار سنوياً، بما يعادل 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لمعظم بلدان المنطقة»، غير أن خبراء يتوقعون أنه «ربما تزيد التكلفة الاقتصادية لهذه العواصف، بعد تزايد وتيرة اندلاعها».

وشهدت عدة دول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اندلاع 3 عواصف ترابية خلال 13 يوماً، وهو معدل مرتفع للغاية، يؤكد العلاقة بين تلك الأحداث المتواترة والمتطرفة وتغيرات المناخ. كما يشير من ناحية أخرى إلى أن «التكلفة الاقتصادية لمثل هذه الحوادث ستتجه نحو مزيد من الارتفاع». وكانت أولى تلك العواصف الترابية في 27 مايو (أيار) الماضي، حيث ضربت بعض مناطق مصر والمملكة العربية السعودية ودول الشام، وتكررت تلك العواصف بوتيرة أشد في هذه الدول يومي 1 و2 يونيو (حزيران) الحالي، ثم عادت من جديد خلال 7 و8 يونيو الحالي.

ويميل خبراء الطقس إلى الحديث عن الأسباب المباشرة لتلك العواصف، وهي واحدة في الأحداث الثلاثة، حيث تقول منار غانم، عضو المكتب الإعلامي لهيئة الأرصاد الجوية المصرية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المنطقة تأثرت بمنخفض جوي خماسيني، وهو منخفض حراري ينشط في فصل الربيع وغير مُعتاد قدومه إلى المنطقة في هذا الوقت من العام، تصاحبه كتل هوائية تسببت في إثارة رمال وأتربة، مع وجود سحب رعدية بها رياح هابطة أدت إلى مزيد من إثارة الرمال والأتربة».

ولا يشكك خبراء المناخ بدورهم في هذه الأسباب المباشرة لاندلاع العواصف الترابية، لكنهم يرون أن «تلك الأسباب المباشرة تحركها تغيرات المناخية»، أشار إليها كريج مايسنر، الخبير الاقتصادي البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي.

ويقول مايسنر، في مقال نشره مطلع مايو 2020 بمدونته على موقع البنك الدولي، إن «هبوب العواصف الترابية يزداد خلال فترات الجفاف، المرتبطة بتغيرات المناخ، حيث تنشأ العواصف القوية إذا كانت التربة السطحية جافة».

إلى جانب ذلك، يشير مايسنر إلى أن سلوكيات البشر تتحمل بعض المسؤولية، حيث يعد تدهور الأراضي أحد الأسباب الرئيسية وراء كثير من العواصف الرملية والترابية.

وتعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تزايد تدهور الأراضي، ونتيجة لذلك تبلغ خسائر خدمات النظام الإيكولوجي في المنطقة حوالي 4 أضعاف المتوسط العالمي، ويظهر ذلك بشكل واضح في الأردن، حيث تغطي الأراضي الرعوية أكثر من 80 في المائة من مساحة البلاد، ومع ذلك تدهورت الأراضي لدرجة أن الماشية لم تعد قادرة على أن تجد ما تأكله في المناطق الرعوية، كما يوضح مايسنر.

وتشير دراسة لأستاذ هندسة الموارد المائية بجامعة لوند الفرنسية، حسين الهاشمي، إلى هذا المزج بين الأسباب المناخية والبشرية، حيث ذهب في دراسته التي نشر الموقع الإلكتروني للجامعة ملخصاً عنها في 5 مايو الماضي، إلى أنه «توجد أعلى كثافة لمصادر الغبار في الشرق الأوسط في العراق بين نهري دجلة والفرات، وعلى طول الحدود السورية - العراقية».

ويقول الهاشمي، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، بالتزامن مع نشر الدراسة، إن «المصادر الطبيعية للعواصف الرملية والترابية هي في الأساس الصحاري والأراضي الجافة، وفي الأشهر الحارة في الصيف تحمل الرياح الشمالية الشرقية القوية كميات كبيرة من الجزيئات عبر المنطقة، ومع ذلك أصبحت هذه العواصف أكثر تواتراً، فهي تمتد على فترات زمنية أطول وتنتشر إلى منطقة أوسع». وأضاف: «من المحتمل أن يكون تغير المناخ دافعاً، لكن توجد أيضاً عوامل بشرية مثل مزيد من الأراضي الزراعية المهجورة، وإدارة المياه في المنبع، والهجرة إلى المناطق الحضرية، وهجرة السكان وترك الأراضي بسبب النزاعات والحروب».

ونتيجة لذلك، يتوقع خالد أيوب، باحث المناخ بجامعة تولين الأميركية، «ارتفاع تكلفة فاتورة العواصف الترابية عن الرقم الذي حدده تقرير البنك الدولي قبل سنوات». وقال أيوب لـ«الشرق الأوسط» إن «تلك الفاتورة تشمل الضرر الواقع على المحاصيل وصحة الإنسان والحيوان والمباني والبنية التحتية، وتوقف العمل بالقوة خلال وقت العاصفة».

ووفق تقرير البنك الدولي، فإن الضرر الواقع على الصحة، يشمل زيادة حالات الربو بعد العواصف الترابية، ففي الكويت على سبيل المثال، أدت العواصف الترابية إلى زيادة بنسبة 8 بالمائة في دخول المصابين بنوبات الربو لغرف الطوارئ يومياً خلال فترة 5 سنوات، وفي قطر حدثت زيادة بنسبة 30 بالمائة في الإبلاغ عن نوبات الربو بعد هبوب الرياح.

ورغم ذلك لا تحظَ الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والصحية المدمرة الناجمة عن العواصف الترابية باهتمام كافٍ، وهو ما دفع الأمم المتحدة أخيراً إلى إطلاق «تحالف جديد لمكافحة العواصف الرملية والترابية».

ووفق أيوب، فإن هذا التحالف هدفه «رفع الوعي بخطورة المشكلة وضخ الموارد لمواجهتها، كضخ استثمارات مثلاً لمعالجة تدهور الأراضي في المنطقة، حتى لا يساعد وضعها المتدهور على هبوب الرياح، وتوفير أنظمة الإنذار الأرضية أو المعتمدة على الأقمار الصناعية، والخاصة بهبوب العواصف الترابية والرملية».


«المركزي اليمني» ينفي الإشاعات عن إفلاسه الوشيك

جانب من اجتماع المسؤولين اليمنيين في عمان مع ممثلي صندوق النقد (إعلام رسمي)
جانب من اجتماع المسؤولين اليمنيين في عمان مع ممثلي صندوق النقد (إعلام رسمي)
TT

«المركزي اليمني» ينفي الإشاعات عن إفلاسه الوشيك

جانب من اجتماع المسؤولين اليمنيين في عمان مع ممثلي صندوق النقد (إعلام رسمي)
جانب من اجتماع المسؤولين اليمنيين في عمان مع ممثلي صندوق النقد (إعلام رسمي)

نفى البنك المركزي اليمني، ومقره في مدينة عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد، الإشاعات المتداولة عن قرب إفلاسه، مؤكداً أن لديه احتياطياً نقدياً يمكنه من القيام بوظائفه وتأمين استيراد المواد الأساسية.

نفي «المركزي» جاء في وقت أوضح فيه صندوق النقد الدولي أن الهجمات التي شنتها ميليشيات الحوثي على منشآت النفط حرمت الحكومة اليمنية من معظم إيراداتها.

وقال مصدر مسؤول في «المركزي» اليمني، في تصريح وزع على وسائل الإعلام، إن الحملات ضد البنك تقف خلفها جهات «مشبوهة» تستهدف استقرار الأوضاع ومعيشة الناس بالترويج لمعلومات مغلوطة وغير صحيحة عن نفاد الاحتياطيات الخارجية. ودعا إلى التنبه لخطورة مثل هذه الإشاعات التي وصفها بـ«الكاذبة».

مبنى البنك المركزي اليمني في مدينة عدن (سبأ)

وذكر «المركزي» في بيانه أن الاعتداءات الإرهابية من الميليشيات الحوثية على قطاعات النفط واستهداف المرافئ وناقلات النفط وتعطيل تصدير النفط الخام، بالإضافة إلى الإيرادات المفقودة منذ اتفاق الهدنة والتهدئة من الرسوم الجمركية والضريبية لسفن الوقود، «أثرت سلباً على إيرادات الدولة»، لكنه استطاع أن يحافظ على الاستقرار وتغطية جزء من احتياجات العملة الصعبة المخصصة لاستيراد السلع الأساسية والبضائع من خلال المزادات وتأمين المرتبات وبدعم من «الأشقاء والأصدقاء».

وتحدث «المركزي» اليمني عن امتلاكه احتياطات خارجية في عدة بنوك عالمية ما يمكنه من «القيام بوظائفه وتأمين الاحتياج». وتعهد باستمرار المزادات الأسبوعية لبيع الدولار لتغطية جزء من احتياجات السوق من العملات الأجنبية لاستيراد المواد الأساسية والضرورية عبر آلية شفافة وتنافسية. واتهم شبكات المضاربة بـ«بث الإشاعات».

لقاء «النقد الدولي»

رئيس مجلس الحكم اليمني يجتمع في وقت سابق مع رئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي

وفي العاصمة الأردنية عمان، اختتمت الاجتماعات التشاورية بين السلطات اليمنية برئاسة محافظ البنك المركزي أحمد غالب ووزير المالية سالم بن بريك مع بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة جويس وونج؛ حيث كرست لمناقشة المستجدات الاقتصادية والسياسية والنظرة المستقبلية والتقدّم الذي حققته الإصلاحات الرئيسية في اليمن.

وقالت ممثلة «النقد الدولي» إنه على الرغم من التفاؤل الحذر بشأن عملية السلام الجارية، فما زالت الأزمة الاقتصادية والإنسانية ماثلة في اليمن حيث تشير التقديرات الحالية إلى أن 17 مليون شخص سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، فيما استطاعت الأمم المتحدة جمع 1.2 مليار دولار أميركي فقط من أصل 4.3 مليار دولار ضرورية لمواجهة هذه الأزمة.

حقائق

17 مليون يمني

سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد

ونقل الإعلام اليمني الحكومي عن المسؤولة الدولية قولها إنه على الرغم من الانخفاض الأخير في أسعار الغذاء والوقود العالمية، ما زالت الأسعار المحليّة مرتفعة حيث وصل معدّل التضخم في أسعار الغذاء إلى 45 في المائة في 2022.

وأكدت وونج أن الهجمات على مرافق تصدير النفط في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 حرمت الحكومة من معظم إيراداتها بالعملة الأجنبية التي تساوي نحو نصف إيراداتها الإجمالية.

وأدّى هذا وارتفاع أسعار النفط عالمياً - بحسب وونج - إلى اتساع العجز في المالية العامة إذ وصل إلى 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2022. وقالت إنه من المتوقع أن يتسع هذا العجز أكثر في عام 2023 إذا لم تُستأنف صادرات النفط رغم خفض النفقات الضرورية.

ووفق ما قالته ممثلة صندوق النقد الدولي فإن السلطات واصلت جهودها لتعزيز المؤسسات بما فيها تحسين الرقابة على الإنفاق، وتخطيط الموازنة، وإدارة الضريبة، وإعداد التقارير المالية. كما اتخذت المزيد من الخطوات نحو اعتماد أسعار صرف السوق للإيرادات الجمركية، وفي الوقت ذاته الحد من التضخّم من خلال الحفاظ على نمو صفري في القاعدة النقدية.

عامل في صنعاء يعد النقود في أحد محلات الصرافة (إ.ب.أ)

تقدم في التقارير

بعثة صندوق النقد شجعت السلطات اليمنية على الحفاظ على هذا الزخم الإصلاحي المرحب به بما في ذلك الدفع بإصلاحات قطاع الكهرباء لخفض التكاليف وزيادة تحصيل الإيرادات. وقالت إنه من الضروري الحفاظ على استمرار نظام مزاد بيع العملة الأجنبية الأسبوعي الذي يوفر العملة الأجنبية لتمويل الواردات الأساسية بصورة شفافة وبأسعار صرف السوق وذلك للحد من التضخم ودعم استقرار سعر الصرف من خلال استيعاب السيولة.

ورأت ممثلة الصندوق أن التقدّم الذي تحقق في إعداد التقارير المالية ووضع اللمسات النهائية على عمليات التدقيق المعلقة من شأنه أن يساعد على تعزيز حوكمة البنك المركزي. وأكدت «الحاجة المُلحة للدعم الخارجي» لرفع الضغوطات عن التمويل، وخفض التمويل النقدي، وحماية سعر الصرف، واستقرار الأسعار الذي تحقق بصعوبة بالغة.

وقالت إنه من الضروري إجراء مزيد من تحسينات الحاكمية إلى جانب جهود معالجة الفجوات في البيانات وبخاصة على صعيد الدّيْن المحلي والخارجي لتعزيز الشفافية والمساعدة في نهاية المطاف في تحفيز المزيد من التمويل.

وأكدت بعثة الصندوق استمرار التواصل الوثيق مع المانحين بشأن تطوير القدرات لسدّ الفجوات المتبقية وزيادة توافر التمويل والإسراع بالدعم. وأوضحت أنه لهذه الغاية، أجرت نقاشات موسعة مع السلطات والمانحين لتحسين تنسيق الأنشطة وترتيب الأولويات وتسلسلها، مؤكدة أن الصندوق سيواصل توفير المساعدة الفنية الشاملة لليمن لتعزيز القدرات المؤسسية بشكل أكبر.


البابا فرنسيس يستقبل أمين مركز الحوار العالمي

البابا فرنسيس يصافح الدكتور زهير الحارثي لدى لقائهما في سانتا ماريا بالفاتيكان (الشرق الأوسط)
البابا فرنسيس يصافح الدكتور زهير الحارثي لدى لقائهما في سانتا ماريا بالفاتيكان (الشرق الأوسط)
TT

البابا فرنسيس يستقبل أمين مركز الحوار العالمي

البابا فرنسيس يصافح الدكتور زهير الحارثي لدى لقائهما في سانتا ماريا بالفاتيكان (الشرق الأوسط)
البابا فرنسيس يصافح الدكتور زهير الحارثي لدى لقائهما في سانتا ماريا بالفاتيكان (الشرق الأوسط)

استقبل البابا فرنسيس في سانتا ماريا بالفاتيكان، الأربعاء، الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، وتناولا أهمية تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من أجل مواجهة العنف، وترسيخ السلام، والتعايش والتقارب بين الشعوب كافة.

وأشاد البابا بجهود «كايسيد» في تكريس الحوار والتسامح والقيم المشتركة بين أتباع الأديان والثقافات، بوصفه منصة عالمية لحل الخلافات من خلال مبادراته وأنشطته.

جانب من لقاء البابا فرنسيس والدكتور زهير الحارثي في سانتا ماريا بالفاتيكان (الشرق الأوسط)

من جانبه، نوه الحارثي بدور الفاتيكان في المساعدة على إنشاء ودعم عمل برامج «كايسيد» المعنية بالحوار على الصعيد العالمي وتعزيز أهميته بين أتباع الأديان وسيلة أساسية لتحقيق السلام، مجدداً التأكيد على التزامهم المستمر ببناء جسور التواصل وتعزيز التعايش السلمي بالعالم.

يشار إلى أن «كايسيد» هو منظمة حكومية دولية أسستها الدول الأعضاء؛ وهي النمسا والسعودية وإسبانيا والفاتيكان بصفة مؤسس مراقب، كما يعد المركز جهة ميسرة ومنظمة للاجتماعات؛ إذ تجمع القيادات الدينية وصناع القرار والخبراء حول طاولة الحوار؛ سعياً منها لإيجاد حلول مشتركة للمشكلات المشتركة. وتتمثل رؤيته في الإسهام في إيجاد عالم يسوده الاحترام والتفاهم والتعاون والعدالة والسلام والمصالحة بين الناس، وإنهاء إساءة استخدام الدين لتبرير القمع والعنف والصراع.


الرياض تحتضن اجتماع «التحالف الدولي لمحاربة داعش»

وصل عدد أعضاء «التحالف الدولي لمحاربة داعش» إلى 85 دولة ومنظمة دولية (واس)
وصل عدد أعضاء «التحالف الدولي لمحاربة داعش» إلى 85 دولة ومنظمة دولية (واس)
TT

الرياض تحتضن اجتماع «التحالف الدولي لمحاربة داعش»

وصل عدد أعضاء «التحالف الدولي لمحاربة داعش» إلى 85 دولة ومنظمة دولية (واس)
وصل عدد أعضاء «التحالف الدولي لمحاربة داعش» إلى 85 دولة ومنظمة دولية (واس)

تشهد العاصمة السعودية الرياض، الخميس، التئام الاجتماع الوزاري لـ«التحالف الدولي لمحاربة داعش» بحضور ومشاركة 85 دولة ومنظمة شريكة، ممثّلة بوزراء الخارجية وعدد من كبار المسؤولين والمهتمين.

ومن أبرز المشاركين في اللقاء، الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن الذي وصل الرياض قادماً من جدة، حيث التقى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وعقد الجانبان لقاء عمل تم خلاله مناقشة التعاون الاقتصادي والأمني وبحث العديد من الموضوعات والملفات التي تهم البلدين.

وتعدّ السعودية أحد أهم الأعضاء المؤسّسين للتحالف الدولي، حيث تُصنف في المرتبة الثانية فيما يتعلق بعدد ضربات التحالف الجوية، حيث نفّذت «القوات الجوية الملكية السعودية» إجمالي 341 طلعة جوية لدعم ضربات التحالف الجوي في سوريا.

وفي أغسطس (آب) من العام 2018، أعلنت السعودية عن مساهمة بقيمة 100 مليون دولار أميركي لـ«التحالف الدولي لهزيمة داعش»؛ دعماً لمشاريع تحقيق الاستقرار في المناطق المُحرّرة من «داعش» في شمال شرق سوريا.

وكانت السعودية، أعلنت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، خلال مشاركتها في اجتماع المديرين السياسيين لـ«التحالف الدولي لمحاربة داعش»، الذي عُقد في لاهاي، استضافتها الاجتماع الوزاري القادم للتحالف الدولي للعام 2023، في «تجسيد لدورها الفاعل كشريك استراتيجي في التحالف الدولي، وتماشياً مع الجهود الدولية التي تبذلها السعودية في مكافحة الكيانات الإرهابية بجميع صورها وأشكالها، ودورها في دعم التعاون الدولي لمحاربة هذه الكيانات»، في حين رحّب «التحالف الدولي لمحاربة داعش» في البيان الصادر عن الاجتماع بإعلان السعودية استضافتها الاجتماع الوزاري الذي يعقد الخميس بالرياض.

من جانبها، تشارك جامعة الدول العربية في الاجتماع الذي سيُعقد في الرياض، بوفد برئاسة الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون العربية والأمن القومي بالجامعة العربية السفير خليل إبراهيم الذوادي. والذي أشار إلى أهمية انعقاد هذا الاجتماع للتشاور وتبادل الرؤى حول سُبل مواجهة التحديات الخطيرة التي يفرضها تنظيم «داعش» الإرهابي.

وكانت أولى هزائم تنظيم «داعش» الإرهابي الذي أعلن سيطرته في العام 2014 على مناطق واسعة في سوريا والعراق في العراق عام 2017، ثم في سوريا العام 2019، كما خسر كامل مناطق سيطرته، ولكن «التحالف الدولي ضد داعش» أكد في مايو (أيار) 2022، أن التنظيم لا يزال يمثّل تهديداً، مؤكداً مواصلة الحرب ضده في سوريا والعراق.

ولا تزال عناصر الخلايا المتوارون عن الأنظار، يشنّون هجمات وإن كانت محدودة في سوريا والعراق ضد القوات الأمنية، كما يتبنى التنظيم هجمات في دول أخرى، ويشكّل خطراً مستمراً على الصعيدين الفكري والثقافي لعدد من المجتمعات.


اتصال هاتفي بين بن فرحان والبرهان... وتصعيد للقتال قبل هدنة مرتقبة

آثار الدمار الذي لحق بمنزل أصيب بقذيفة مدفعية في حي الأزهري بجنوب الخرطوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
آثار الدمار الذي لحق بمنزل أصيب بقذيفة مدفعية في حي الأزهري بجنوب الخرطوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

اتصال هاتفي بين بن فرحان والبرهان... وتصعيد للقتال قبل هدنة مرتقبة

آثار الدمار الذي لحق بمنزل أصيب بقذيفة مدفعية في حي الأزهري بجنوب الخرطوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
آثار الدمار الذي لحق بمنزل أصيب بقذيفة مدفعية في حي الأزهري بجنوب الخرطوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

أكد رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الثلاثاء، «الثقة في منبر جدة» بما يقود إلى سلام مستدام.

وجاء في بيان صادر عن مجلس السيادة، أن البرهان أكد خلال الاتصال على ضرورة التزام قوات «الدعم السريع» بالخروج من المستشفيات والمراكز الخدمية ومنازل المواطنين، وإجلاء الجرحى وفتح مسارات تقديم المساعدات الإنسانية «حتى يحقق منبر جدة نجاحه».

وفي مطلع الأسبوع الحالي، دعت السعودية والولايات المتحدة، في بيان مشترك، الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» للاتفاق على وقف إطلاق نار جديد وتنفيذه بشكل فعال، بهدف وقف دائم للعمليات العسكرية.

وكان الوسيطان السعودي والأميركي قد أعلنا يوم الخميس الماضي تعليق مفاوضات وقف إطلاق النار في مدينة جدة، بسبب ما وصفاه بالانتهاكات الجسيمة والمستمرة من الطرفين لتعهدات وقف إطلاق النار في البلاد.

المعارك محتدمة في مناطق متعددة بالعاصمة الخرطوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

في هذا الوقت دارت معارك طاحنة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم، وصفها مراقبون بـ«المعارك الفاصلة». ويسعى كل طرف إلى الحفاظ على مواقعه على الأرض، وتحقيق نصر عسكري كبير، استباقاً لضغوط دولية متوقعة للتوقيع على هدنة جديدة، في جدة بالسعودية، لوقفٍ لإطلاق النار يكون ملزماً للطرفين هذه المرة.

وفي موازاة القتال في الخرطوم، تشهد ثلاث ولايات في إقليم دارفور اقتتالاً مستمراً أسفر، بحسب الإحصاءات الأولية، عن مقتل عشرات المدنيين وإصابة آلاف منهم، ونزوح أعداد كبيرة إلى داخل البلاد وخارجها.

الجيش يكثف عملياته

وكثف الجيش السوداني عملياته العسكرية، مستخدماً الأسلحة الثقيلة والمشاة، لضرب المناطق التي دخلتها قوات «الدعم السريع» منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

ووفقاً لشهود عيان تحدثوا لــ«الشرق الأوسط»، تجري، لليوم الثالث على التوالي، مواجهات عنيفة في أحياء «امتداد ناصر وبري» شرق الخرطوم، المتاخمة مباشرة لمقر القيادة العامة للجيش السوداني.

وقال الشهود إن الأحياء تعرضت لقصف شديد بالأسلحة الثقيلة من قبل قوات الجيش و«الدعم السريع»، تسبب بتدمير العشرات من المنازل، وأسفر عن وقوع العديد من الإصابات وسط السكان بشظايا الأسلحة.

كما طال القصف المدفعي العديد من ضواحي مدينة أم درمان القديمة، التي تحتضن مبنى الإذاعة والتلفزيون القومي، ولا تزال قوات «الدعم السريع» موجودة فيها، على الرغم من المحاولات العديدة للجيش السوداني لتحرير المنطقة.

ولا تزال الاشتباكات تدور في الكثير من المناطق في شرق النيل، حيث يستهدف الجيش تجمعات قوات «الدعم السريع» التي تراجعت من بعض الأحياء.

وبحسب مصادر سياسية فضلت حجب هويتها، فإن التصعيد الميداني لطرفي القتال في هذا التوقيت يأتي لتحقيق أهداف عسكرية كبيرة. وفي هذا الإطار أتت المعارك التي دارت بين الطرفين في أحياء جنوب الخرطوم، والتي كان «الدعم السريع» يهدف منها إلى السيطرة على سلاح المدرعات، وكذلك الهجوم الكبير الذي شنه الجيش على معسكر «طيبة» في محاولة للاستيلاء على أكبر معسكرات «الدعم السريع» حالياً في الخرطوم.

وقالت المصادر إن الطرفين يتوقعان أن يتعرضا لضغوط أكبر في المباحثات الجارية في مدينة جدة السعودية، وخاصة بعد موقف الوساطة السعودية - الأميركية بتعليق المفاوضات لعدم جدية الطرفين في الالتزام بتنفيذ وقف إطلاق النار السابق الذي تم تجديده، بالإضافة إلى تزايد التنديدات الدولية والإقليمية بالانتهاكات التي ارتكبها الطرفان المتقاتلان بخرق الهدنة، واستمرار سقوط الضحايا وسط المدنيين العزل في مناطق الاشتباكات.

وختمت المصادر بقولها إن القوى الدولية ستواكب المباحثات الجارية، متوقعة أن تخرج بالتزام الطرفين بعدم خرق الهدنة المقبلة، التي ستفتح الباب لوقف دائم لإطلاق النار وتسهيل الترتيبات الإنسانية لإيصال المساعدات إلى المتضررين في كل أنحاء البلاد.

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (أرشيفية)

مناوي يعلن دارفور منطقة منكوبة

في موازاة ذلك، شهدت ولايات جنوب وسط وغرب وشمال دارفور، تدهوراً أمنياً وإنسانياً حاداً جراء القتال المستمر منذ اندلاع الحرب في الخرطوم. وبحسب مصادر عدة تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، فإن الأوضاع متردية بسبب القتل الذي يتعرض له المدنيون من قبل المجموعات المسلحة.

وأفادت المصادر بأنه لا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد القتلى والجرحى، لكن ولايتي غرب ووسط دارفور شهدتا موجات نزوح كبيرة للأهالي جراء الاقتتال، وانهارت كل الخدمات الأساسية، من صحة وكهرباء ومياه، منذ اندلاع المواجهات بين الجيش و«الدعم السريع» في الخرطوم.

وقالت مصادر محلية إن الأمن معدوم تماماً، ويعاني المواطنون من نقص كبير في الغذاء بعد مغادرة المنظمات العاملة في المجال الإنساني لتلك المناطق.

وأطلق نشطاء من الولايتين نداءات واستغاثات لتقديم العون الإنساني، ومنع انتشار القناصة وعصابات النهب التي تقتل المواطنين، مشيرين إلى أن آلاف الجرحى لا يجدون الرعاية الطبية جراء استمرار القتال.

عناصر من «قوات الدعم السريع» داخل حامية كتم بإقليم دارفور (صفحة الدعم السريع على فيسبوك)

وعاد الهدوء الحذر إلى مدينة «نيالا» عاصمة ولاية جنوب دارفور، بعد أكثر من أسبوعين من مواجهات عسكرية مستمرة بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، خلفت العديد من القتلى وسط المدنيين. ولا تزال المدينة تحبس أنفاسها تحسباً لتجدد القتال في أي وقت.

وتشهد مدينة «كتم» في ولاية شمال دارفور، لليوم الثالث على التوالي، معارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، وعمليات نهب وسلب واسعة، وارتفع عدد القتلى أمس (الثلاثاء) إلى أكثر من 35، إضافة إلى مئات المصابين.

وأفاد مواطنون بأن الأوضاع الأمنية في المدينة في تدهور مستمر، وأن الآلاف من سكان المنطقة بدأوا ينزحون إلى مدينة «الفاشر»، بعد الاعتداءات الغاشمة على منازلهم من قبل مسلحين، مؤكدين أن عمليات النهب واستباحة المنازل مستمرة في المدينة، وأن المدنيين العزل يهربون في كل الاتجاهات للخروج من المنطقة.

وكانت قوات «الدعم السريع» أعلنت على صفحتها الرسمية في «فيسبوك»، السيطرة على الحامية العسكرية في مدينة «كتم»، وبثت تصويراً مسجلاً يؤكد ذلك، إلا أن الجيش دحض صحة هذه الأنباء، مؤكداً أن الحامية لا تزال تحت سيطرته.

وكان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، أعلن الإقليم منطقة منكوبة، مندداً بالاقتتال الذي يدور في منطقة «كتم». وقال في تغريدة على «تويتر»، أمس، إن «إنسان (كتم) يتعرض لانتهاكات فظيعة»، كما حدث في مدينة «الجنينة».

وعبّر مناوي عن إدانته الشديدة لأعمال القتل والنهب التي تتعرض لها المدينة والمعسكرات حولها، مطالباً بإيصال المساعدات الإنسانية على وجه السرعة لإنقاذ سكان الإقليم.


الرئيس الموريتاني يدعو إلى «عمل عربي مشترك» لمواجهة الإرهاب

الرئيس الموريتاني أمام المندوبين الدائمين لدى جامعة الدول العربية (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني أمام المندوبين الدائمين لدى جامعة الدول العربية (الرئاسة الموريتانية)
TT

الرئيس الموريتاني يدعو إلى «عمل عربي مشترك» لمواجهة الإرهاب

الرئيس الموريتاني أمام المندوبين الدائمين لدى جامعة الدول العربية (الرئاسة الموريتانية)
الرئيس الموريتاني أمام المندوبين الدائمين لدى جامعة الدول العربية (الرئاسة الموريتانية)

قال الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، (الاثنين)، في خطاب ألقاه أمام جامعة الدول العربية، بالعاصمة المصرية القاهرة، إنه من أجل استعادة الأمن والاستقرار في الفضاء العربي والانتصار على الإرهاب والتطرف، «لا غنى عن تطوير عمل عربي مشترك وفعال».

ولد الشيخ الغزواني كان في زيارة صداقة وعمل إلى مصر، أجرى خلالها مباحثات مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وزار جامعة الدول العربية حيث ألقى خطاباً بصفته رئيساً لموريتانيا، ولكن أيضاً بصفته الرئيس الدوري لمجموعة دول الساحل الخمس، المنظمة الإقليمية التي تضم، بالإضافة إلى موريتانيا، كلاً من النيجر وتشاد وبوركينا فاسو، وتهدف إلى «محاربة الإرهاب وتحقيق التنمية».

وفي سياق حديثه عن الأمن في المنطقة العربية، قال ولد الشيخ الغزواني: «لا غنى لنا كدول عربية عن جامعة الدول العربية، وتطوير عمل عربي مشترك فعال، إذا أردنا استعادة الأمن والاستقرار في فضائنا العربي، والانتصار على الإرهاب والتطرف، والتأسيس لتنمية شاملة ومستديمة».

وأضاف ولد الشيخ الغزواني أن الخطوة الأولى على هذا الطريق «تتمثل في إسكات صوت السلاح في عموم وطننا العربي»، معرباً عن مساندة بلاده «لكل الجهود العربية والدولية الهادفة إلى حل النزاعات القائمة في اليمن وسوريا والسودان وليبيا، على النحو الذي يضمن لهذه الدول وحدة وسلامة أراضيها، ويضمن حق شعوبها في الاستقرار والأمن والنماء».

وأوضح الرئيس الموريتاني أن الأزمات الأمنية والبيئية والاقتصادية تؤثر على «أنسجة الدول العربية الاقتصادية والاجتماعية»، ووصف هذه الأزمات بأنها «وثيقة الترابط حيث يغذي بعضها بعضاً بطريقة هدامة، لذلك يجب التعامل معها عبر مقاربة شاملة».

واستعرض ولد الشيخ الغزواني استراتيجية موريتانيا في مجال محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى العمل المشترك الذي يتم بين دول الساحل في إطار ما قال إنه «مكافحة التطرف واجتثاث جذور الفقر»، على حد تعبيره.

وتعليقاً على دعوة الرئيس الموريتاني لتعزيز العمل العربي المشترك من أجل القضاء على الإرهاب والتطرف، قال عبد الصمد مبارك، رئيس مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية والأستاذ بجامعة نواكشوط العصرية، إنَّ «الواقع العربي اليوم يعيش تدهوراً كبيراً فيما يتعلق بالعمل العربي المشترك، ومن الطبيعي أن تنطلق نداءات ومبادرات متعددة في هذا السياق».

وأوضح مبارك في حديثه مع «الشرق الأوسط» أنه من الطبيعي أن ينادي الرئيس الموريتاني بجمع الشمل العربي ومعالجة الإشكالات العربية الراهنة، وقال: «إنَّ خطاب رئيس الجمهورية أمس أمام جامعة الدول العربية، ينطلق من المقاربة الموريتانية ثلاثية الأبعاد لمعالجة إشكالات الأمن والتنمية بصفة عامة».

وقال الأستاذ الجامعي الموريتاني إنَّ خطاب ولد الشيخ الغزواني «يتضحُ فيه أن الرئيس الموريتاني قرر أن يلقي بقوته، وبالمكانة الدبلوماسية والسياسية لموريتانيا، من أجل إطار عربي مشترك يحقق الأمن والتنمية على مستوى جامعة الدول العربية، وعلى مستوى المنظومة العربية»، وأضاف الأستاذ الجامعي أن هذه المنظومة «تعيش ركوداً في ظل متغيرات عالمية لا شك أنها ستؤدي إلى اضمحلال الثنائية القطبية، لتحل محلها منظومة عالمية جديدة، من الضروري أن يجد العرب فيها مكانتهم، وذلك لن يتم إلا بمعالجة الاختلالات التي يعاني منها العمل العربي المشترك».

وأشار الأستاذ الجامعي الموريتاني إلى التأكيد على أن «البلدان العربية التي تعاني من انعدام الأمن والاستقرار، هي في الحقيقة تعاني من أزمة حكم؛ لأنه بعد سقوط الأنظمة المركزية خلال ما عرف بـ(الربيع العربي)، لم تتجسد سلطة مركزية رغم كل الجهود التي بذلت، وبالتالي امتلأ فراغ السلطة بالإرهاب والتطرف والخروج على الشرعية».

وخلص عبد الصمد مبارك إلى القول إن الرئيس الموريتاني حين أكد أن الدول العربية «لا غنى لها عن الجامعة العربية»، كانت قناعته واضحة بها كإطار «حين ينهض، فهو قادر على معالجة كل الإشكالات العربية».

وكان قادة الدول العربية قد أكدوا أهمية تعزيز العمل العربي المشترك، في ختام أعمال الدورة العادية الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي انعقدت شهر مايو (أيار) الماضي في مدينة جدة، بالمملكة العربية السعودية، وهي القمة التي صدر عنها «إعلان جدة» الذي حدد أسساً جديدة ينبني عليها العمل العربي المشترك، ومن أهمها «المصالح المشتركة والمصير الواحد».


وفاة سجين في إب يكشف عن تحويل السجن المركزي إلى استثمار لصالح الانقلابيين

شعارات حوثية طمسها السكان في مدينة إب اليمنية (فيسبوك)
شعارات حوثية طمسها السكان في مدينة إب اليمنية (فيسبوك)
TT

وفاة سجين في إب يكشف عن تحويل السجن المركزي إلى استثمار لصالح الانقلابيين

شعارات حوثية طمسها السكان في مدينة إب اليمنية (فيسبوك)
شعارات حوثية طمسها السكان في مدينة إب اليمنية (فيسبوك)

جددت وفاة سجين في محافظة إب (وسط اليمن) التذكير بممارسات الانقلابيين الحوثيين في السجن المركزي، من انعدام الرعاية الصحية والمعاملة القاسية للسجناء، ومحاولات استقطابهم لتأييد مشروع الانقلاب، وتعريضهم لدروس طائفية، وعقد صفقات معهم للإفراج عنهم مقابل العمل مخبرين أو مقاتلين، وتحويل السجن إلى استثمار مالي وعقائدي لخدمة الانقلاب.

وبحسب أهالي مدينة إب، (198 كم جنوب العاصمة صنعاء)، فإن السجين فيصل الصبري، توفي بعد أيام من إصابته بجلطة دماغية داخل السجن، ولم يتم تقديم الرعاية الطبية له في السجن بسبب الإهمال المتعمد، وقصور الملحقات الصحية، وشحة المعدات الطبية في السجن.

وبعد مناشدات ومطالب، جرى نقل الصبري إلى «مستشفى الثورة» في مركز المحافظة، إلا أنه لم يتلقَ رعاية كافية، وتناقل الأهالي صورة له وهو ملقى على أرض المستشفى مصفد اليدين في حالة إغماء. ووفقاً لهم، فقد استمر على تلك الوضعية لوقت قبل أن يتلقى كشفاً طبياً غير كافٍ، لتتم إعادته إلى السجن دون أي تحسن ليفارق الحياة بعدها بساعات.

السجين علي الصبري تعرض لجلطة دماغية وتسبب إهمال الانقلابيين في وفاته دون تلقي العلاج (رويترز)

وتؤكد مصادر في المدينة أن الصبري كان يعاني من أمراض مزمنة، ورفضت إدارة السجن المكونة من عناصر وقيادات حوثية نقله إلى مستشفى لإجراء فحوصات ومعاينة طبية كافية لتشخيص حالته وإقرار برنامج علاجي له، خصوصاً مع تدهور حال الملحقات الصحية في السجن، واستمر في معاناته حتى باغتته الجلطة الدماغية.

وأثارت الواقعة غضباً في الأوساط الشعبية والحقوقية التي استنكرت الواقعة، وعدتها جريمة متعمدة، خصوصاً مع إهمال الانقلابيين الحوثيين كل المطالب والدعوات لتحسين الوحدة الصحية في السجن.

ودعت منظمة محلية للتحقيق في ملابسات وفاة الصبري متهمة المعنيين في السجن المركزي والمستشفى بإهماله واللامبالاة إزاء حاجته الضرورية للعلاج المطلوب لحالته الحرجة، وتركه مرمياً لساعات في أحد ممرات المستشفى.

اعتراف حوثي بالإهمال

وكشف قيادي حوثي عن افتقار السجن المركزي في إب لطبيب عام أو باطنية، ومماطلة قطاع الصحة الذي يديره الانقلابيون الحوثيون في تعيين كادر صحي لتقديم الرعاية الصحية لنزلاء السجن.

وأكد «أبو زنجبيل الحوثي» توفر مختبر متكامل بالأجهزة الحديثة ومعدات عيادة أسنان متكاملة إلى جانب الأجهزة والمعدات اللازمة لتشغيل الوحدة الصحية بشكل يوفر الرعاية الطبية للسجناء، إلا أنها متوقفة عن العمل بسبب إهمال مكتب الصحة في المحافظة، وهو تحت إدارة الميليشيات الحوثية.

وأضاف «أبو زنجبيل» أن المصحة النفسية والعقلية في السجن تضم أكثر من 160 من المرضى النفسيين من السجناء في سجون محافظات إب وتعز والضالع المجاورتين، إلا أنه لا يوجد فيها طبيب نفسي، ولا تتوفر الأدوية رغم وجود توجيهات خاصة بذلك منذ سنوات.

كما تم بناء حجر صحي لعزل المرضى المصابين بالأمراض المعدية كالسل والإيدز برعاية مصلحة السجون، إلا أنه لم يجرِ تقديم أي خدمات طبية أو علاجية سوى من كان لديه ملف لدى البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز قبل دخوله السجن.

ورغم ادعاء «أبو زنجبيل» أن توفر المعدات الطبية وتجهيز الوحدات الصحية في مختلف السجون، بما فيها السجن المركزي في إب، «جاء بسبب حرص وجهود القيادات الحوثية التي تدير قطاع السجون وقطاع وزارة الداخلية، فإن عدداً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي سخروا من هذا الادعاء باعتباره محاولة لتجميل وجه الميليشيات».

وأوضح رواد مواقع التواصل أن السجون كانت تحتوي منذ ما قبل الانقلاب على وحدات صحية مجهزة من قبل مؤسسات الدولة المختلفة، وبتعاون وتمويل من جهات ومنظمات دولية، وأن تدهور السجون وأوضاع السجناء الصحية بدأ منذ الانقلاب وسيطرة الميليشيات الحوثية على السجون.

نزلاء في السجن المركزي في إب لعدوى الكوليرا في ظل إهمال طبي متعمد من الانقلابيين الحوثيين (فيسبوك)

واستشهدوا بتعرض شاب من مدينة إب للاعتداء بالضرب المبرح من قبل عناصر حوثية في السجن المركزي خلال شهر رمضان الماضي، عندما كان يقوم بتنظيم مبادرة مجتمعية لتوزيع وجبات إفطار للسجناء، إضافة إلى عشرات الدلائل والمؤشرات على تعمد الميليشيات الحوثية إهمال السجون وإساءة معاملة نزلائها.

اختلاط ومخدرات

وطبقاً لمصادر قانونية في إب، فإن عدداً من نزلاء السجن المركزي يشتكون من اختلاط السجناء داخل عنابر وزنازين السجن، من دون تمييز بين تصنيفات المسجونين والتهم المنسوبة إليهم، حيث يختلط السجناء الخطرون بالسجناء على ذمة قضايا سرقة واختلاس، بل وحتى بالسجناء الذين لم تصدر ضدهم أحكام قضائية، إضافة إلى وجود سجناء حديثي السن.

وتروي المصادر لـ«الشرق الأوسط» ما ينقله السجناء لأقاربهم أو موكليهم من أحاديث عن ترويج وبيع المخدرات داخل السجن، وأن دخول كثير من المواد، سواء المسموح بها أو الممنوعات، يجري بإشراف المسؤولين عن السجن وبمقابل مادي، مشيرة إلى تحويل الميليشيات السجن إلى استثمار خاص بالمشرفين عليه.

وطبقاً للمصادر، فإنه لوحظ تحول خطير على بعض السجناء بسبب استمرار التعسفات ضدهم ورفض الإفراج عنهم من جهة، واختلاطهم بسجناء خطرين من جهة ثانية، وتولد رغبة لدى عدد منهم للعمل لصالح الميليشيات مقابل الإفراج عنهم.

واعتدت الميليشيات منتصف الشهر الماضي، على عدد من السجناء بسبب رفضهم متابعة قناة «المسيرة» التابعة للميليشيات والاستماع لخطاب زعيمها عبد الملك الحوثي، مستخدمة القنابل المسيلة للدموع والهراوات والأسلاك.

قادة حوثيون في زيارة للسجن المركزي في إب (إعلام حوثي)

وأفرجت الميليشيات الحوثية خلال السنوات الماضية، عن عشرات السجناء في السجن المركزي بالمحافظة مقابل العمل لصالحها إما مقاتلين في الجبهات أو مخبرين في أوساط المواطنين، أو مرافقين للقادة الحوثيين المكلفين بأعمال الجباية وتحصيل الإتاوات والسطو على الأراضي والعقارات.

وشهدت المدينة مظاهرات عارمة قوبلت بأعمال قمع عنيفة منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بعد وفاة أحد المختطفين على ذمة مناهضة مشروع الميليشيات وانتقادها من خلال تسجيلات فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تزال أعمال الاختطاف والملاحقة مستمرة.


مدينة ودمدني تكتظ بالفارين من حرب الخرطوم

وضع الأطفال في السودان بلغ مستويات «كارثية» جراء الصراع الدائر في البلاد (أ.ف.ب)
وضع الأطفال في السودان بلغ مستويات «كارثية» جراء الصراع الدائر في البلاد (أ.ف.ب)
TT

مدينة ودمدني تكتظ بالفارين من حرب الخرطوم

وضع الأطفال في السودان بلغ مستويات «كارثية» جراء الصراع الدائر في البلاد (أ.ف.ب)
وضع الأطفال في السودان بلغ مستويات «كارثية» جراء الصراع الدائر في البلاد (أ.ف.ب)

في حديقة صغيرة بمدينة ودمدني، عاصمة ولاية الجزيرة، يلتقي محمد عبد الكريم بأصدقائه ليتجاذبوا أطراف الحديث عن الحرب ومآلاتها وإمكانية وقوفها، فهذا هو هم كل السودانيين الذين يتحدثون عنه في كل مناسبة تجمعهم، حتى لو كانت دقائق معدودة، ويظل سؤال متى تقف الحرب معلقاً بلا إجابة.

اضطر عبد الكريم، (45 عاماً) يعمل قاضياً، وأسرته الصغيرة إلى ترك منزلهم في العاصمة الخرطوم، بعد أيام من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، الذي أوشك على الدخول شهره الثاني. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح العيش في الخرطوم صعباً، الجميع بدأوا يفرون بعد أن تعقدت الأوضاع من دون كهرباء أو مياه أو حتى طعام كاف». وأضاف: «غادرت إلى أقاربي في منطقة رفاعة بالجزيرة، على أمل أن تهدأ الأحوال لكن تطاول أمد الحرب».

لا نريد مغادرة بلدنا

عبد الكريم وأصدقاؤه يريدون لهذه الحرب أن تتوقف الآن، ويعودون إلى منازلهم وإلى أعمالهم ويعود أطفالهم إلى المدارس، يقول: «لا نريد مغادرة بلادنا، لا توجد لدينا نقود للسفر، لو تكاتف الأهل معنا لما استطعنا أن نواجه هذه الظروف الصعبة». الكثير من الأماكن المفتوحة بمدينة ودمدني أصبحت متنفساً للفارين من الحرب داخل البلاد، تركوا وراهم جزءاً من هوياتهم، منازلهم وأوراقهم الثبوتية وذكريات حياة بكل تفاصيلها.

يداومون على الالتقاء بشكل يومي، وعلى رشفات الشاي والقهوة، يقتلون الوقت في تبادل أخبار الحرب وتحليل اتجاهاتها، ولا يفوتون صب جام سخطهم على «جنرالات» أشعلوا حرباً في بلد لم تكن تنقصه كارثة أخرى فوق ما يعانيه. بين الفينة والأخرى ينكبون على هواتفهم، يلتقطون ما يتداول من أخبار على تطبيق المراسلة الفوري «واتساب»، يعيدون مشاركتها مع آخرين، ثم يعودون ليتصفحوا «فيسبوك» لمعرفة آخر المستجدات.

اكتظت مدينة ودمدني، التي تبعد 180 كيلومتراً جنوب الخرطوم، بآلاف الهاربين من جحيم الحرب. وضمن هؤلاء النازحين أطباء وقضاة وأساتذة جامعات وصحافيون وسياسيون ودراميون.

دمار كبير في العاصمة السودانية بعد 7 أسابيع من القتال (أ.ف.ب)

أوضاع قاسية

وافد جديد روى قصته عن الأوضاع القاسية التي عاشها وأسرته محاصراً في منزله تحت دوي القذائف وأزيز الرصاص لأيام من دون أكل وكهرباء ولا ماء، لا ينسى أن يروي مغامرة خروجه وسط الرصاص. وتبدو القصص متشابهة عدا اختلاف الأماكن، فالكل عايشوا الظروف ذاتها وأكثر منها قسوة وخطورة.

وتقول ربة منزل، من منطقة شرق الخرطوم: «علقنا في المنزل أكثر من 10 أيام، والقذائف تتساقط علينا، استحال البقاء، وأصبحنا في خطر كبير». وتضيف ربة المنزل الخمسينية التي فضلت حجب هويتها: «سقطت قذيفة في المنزل المجاور لنا وأصيب قاطنوه، الكثير من الأسر غادرت الحي، ومن تبقى منهم يواجهون يومياً خطر الموت». وتتابع بحسرة: «علمت أن منزلي تعرض للنهب والسرقة، لكن هذا لا يهم طالما خرجت وأسرتي بسلام، هنالك من فقدوا أرواحهم في هذه الحرب».

ومن الخرطوم تأتي أخبار غير سارة، سقطت قذيفة في منزل فلان وحولته إلى ركام، واقتحمت قوات عسكرية منزلاً آخر، واتخذوه مسكناً لهم، بالإضافة إلى اللصوص الذين يفرغون المنازل من كل شيء. هكذا يقضون ساعات النهار، تدور أحاديثهم على ما حاق بالبلاد من خراب ودمار، وعندما تلوح أشعة الغروب مؤذنة بالمغيب، يهمون بالرحيل على أمل أن يلتقون غداً.

جنود من الجيش السوداني في إحدى مناطق الارتكاز بالخرطوم (أ.ف.ب)

ملجأ مؤقت

ودمدني وغيرها من المناطق الأخرى التي نزح إليها الهاربون من الخرطوم، ملجأ إلى حين انجلاء الحرب، يعودون بعدها للخرطوم، لكن عند بعضهم محطة مؤقتة يستعدون منها إلى مغادرة البلاد إلى غير رجعة.

ولا تزال المدينة تستقبل يومياً أفواجاً من المغادرين بحيث تحولت المدارس وداخليات الطلاب الجامعيين إلى دور إيواء وملاجئ لآلاف الأسر، من بينهم من حالت ظروفهم المادية لا تسمح لهم بتحمل تكاليف استئجار منزل صغير، فيجمع أفراد الأسرة، ويفوق سعر إيجار شقة متواضعة أفخم الإيجارات في الخرطوم في الظروف العادية.

ويقول يوسف محمد (39 عاماً): «نزحنا من الخرطوم دون خطة لنواجه مصيراً مجهولاً». وأضاف: «الحياة هنا صعبة نتيجة للظروف الاقتصادية القاسية، رغم أننا نسكن مع أقربائنا. نأتي إلى وسط المدينة للقاء الأصدقاء والتفاكر حول خطة السفر إلى الخارج وطلب اللجوء، لمساعدة أهالينا داخل السودان».


الاتحاد الأوروبي يتوعد بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في السودان

أعمدة الدخان تتصاعد في سماء الخرطوم مع دخول الحرب أسبوعها الثامن (أ.ف.ب)
أعمدة الدخان تتصاعد في سماء الخرطوم مع دخول الحرب أسبوعها الثامن (أ.ف.ب)
TT

الاتحاد الأوروبي يتوعد بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في السودان

أعمدة الدخان تتصاعد في سماء الخرطوم مع دخول الحرب أسبوعها الثامن (أ.ف.ب)
أعمدة الدخان تتصاعد في سماء الخرطوم مع دخول الحرب أسبوعها الثامن (أ.ف.ب)

أعلن الاتحاد الأوروبي، الاثنين، أنه يراقب ويوثق ما وصفها بـ«انتهاكات حقوق الإنسان» في السودان، متوعداً بمحاسبة المسؤولين عنها. كما حث الاتحاد الأوروبي، في بيان، طرفي الصراع في السودان على وقف الأعمال القتالية على الفور، وإفساح المجال أمام استئناف عملية انتقال سياسي شاملة ذات مصداقية. وأضاف البيان: «سنواصل العمل مع جميع الجهات الإقليمية والدولية المعنية؛ بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى السودان، لتحقيق تلك الأهداف».

ورحب الاتحاد الأوروبي أيضاً بقرار مجلس الأمن بشأن تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لتقديم المساعدة خلال الفترة الانتقالية في السودان «يونيتامس» لمدة 6 أشهر حتى 3 ديسمبر (كانون الأول) 2023.

فوضى أمنية

ومنذ اندلاع القتال العنيف بين القوتين العسكريتين؛ الجيش و«قوات الدعم السريع»، في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، عمت الفوضى البلاد وانتشرت أعمال السلب والنهب والترويع التي طالت الشركات والمحال التجارية، والمصارف؛ وحتى البيوت. كما وصلت الانتهاكات إلى المستشفيات، فاحتل مسلحون كثيراً من المرافق الطبية، لا سيما في الخرطوم وإقليم دارفور بغرب السودان. وإزاء هذه الأوضاع؛ تعالت التحذيرات الدولية والأممية من كارثة إنسانية مقبلة، إثر تعثر وصول المساعدات جراء الوضع الأمني، وعمليات النهب التي تعرض لها بعض مكاتب منظمات الإغاثة.

وكانت الرياض وواشنطن قد دعتا، يوم الأحد، طرفي النزاع في السودان إلى العودة لطاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى هدنة جديدة. وحث البلدان طرفي القتال؛ الجيش و«قوات الدعم السريع» على الالتزام بالترتيبات الإنسانية، وأبدتا استعدادهما لاستئناف محادثات جدة التي علّق الجيش مشاركته فيها الأربعاء الماضي.

في غضون ذلك، استمرت الاشتباكات العنيفة بالأسلحة الثقيلة في العاصمة الخرطوم، في الأسبوع الثامن للحرب، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن إقليم دارفور المتاخم لتشاد هو أيضاً تحوّل إلى مسرح قتال عنيف بين الفصائل المتحاربة.

 

عناصر من «قوات الدعم السريع» خلال الإعلان عن السيطرة على حامية «اللواء 22 مشاة» بمدينة كتم بإقليم دارفور (صفحة الدعم السريع على فيسبوك)

حامية لواء في دارفور

من جهة أخرى، أعلنت «قوات الدعم السريع»، يوم الاثنين، السيطرة علي حامية «اللواء 22 مشاة» في مدينة كتُم بولاية شمال إقليم دارفور، إلا إن الجيش نفى ذلك. وبثت «قوات الدعم السريع» عبر حسابها بموقع «فيسبوك» فيديو يظهر عناصرها داخل الحامية وتفقد قائدها جميع المنشآت.

وكانت القوات المسلحة قد أكدت، يوم الأحد، أنه لا صحة لما تردد عن سقوط مدينة كتم بولاية شمال دارفور في أيدي المتمردين. بدوره، أدان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الانتهاكات التي يتعرض لها السكان في مدينة كتم، مشيراً في تغريدة عبر حسابه بموقع «تويتر» إلى أنه «في الوقت الذي نسعى بكل إمكانيات الإقليم الشحيحة لحماية المدنيين ومحاربة الجريمة؛ أبت الأيدي الآثمة إلا أن تواصل ارتكاب الجرائم ضد المواطن في الإقليم».

وأضاف: «اليوم يتعرض الإنسان في مدينة كتم لانتهاكات فظيعة؛ كما يحدث في مدينة الجنينة»، معبراً عن إدانته بأشد العبارات أعمال النهب والقتل التي طالت وما زالت تجري في المدينة المنكوبة كتم ومعسكر كساب ومدينة نيالا . وأعلن مناوي إقليم دارفور منطقة منكوبة، وطالب العالم بإرسال مواد إنسانية عبر كل الحدود وبكل الوسائل المتاحة لإنقاذ الإنسان في الإقليم المنكوب.