الوباء يُحوّلنا إلى سياح افتراضيين

اكتشف العالم وأنت على الكنبة

انتقل بمخيلتك إلى البندقية التي تعدّ من بين أجمل مدن العالم (أ.ب)
انتقل بمخيلتك إلى البندقية التي تعدّ من بين أجمل مدن العالم (أ.ب)
TT

الوباء يُحوّلنا إلى سياح افتراضيين

انتقل بمخيلتك إلى البندقية التي تعدّ من بين أجمل مدن العالم (أ.ب)
انتقل بمخيلتك إلى البندقية التي تعدّ من بين أجمل مدن العالم (أ.ب)

«لا تستمع لما يقولونه؛ اذهب وشاهد بنفسك»؛ هذا مثل شعبي صيني عن السياحة والسفر.
ولكن وبعدما بدأ فيروس «كورونا» من الصين، فلا بد من أن يغير الصينيون المثل، لذا بدأوا بذلك فعلياً بعدما قاموا بتركيب كاميرات تبثّ صوراً حية من فوق سور الصين العظيم، في خطوة لتعريف العالم في زمن «كورونا» على روعة السور وتاريخه.
وعندما قال أوسكار وايلد: «عش من دون تبريرات، وسافر من دون ندم» لم يكن يعرف أنه سيأتي اليوم الذي تمنع فيه الطائرات من التحليق في السماء، وتلغى الأسفار، وتبدد الأحلام، في ثانية امتدت إلى مائة يوم، والحبل على الجرار؛ لأنه لا يعرف أحد بعدُ إلى متى تستمر أزمة «كورونا» ومتى نعود إلى حياتنا ما قبلها، ويبقى السؤال: كيف سنكون بعدها؟
السفر غذاء للروح وملح الثقافة، ففي زمن «كورونا» وبعد أن أصبحت أيامنا متشابهة، تحولت السياحة هي أيضاً إلى العالم الافتراضي، فقام كثير من المواقع الإلكترونية بوضع كاميرات تبث الصور الحية في مواقع ومدن سياحية رائعة لتجعل المحجورين في بيوتهم سياحاً افتراضيين من الدرجة الأولى.
قبل «كورونا»، التقيت بأشخاص جابوا العالم من خلال الكتب والصور والمطالعة، عززوا ذاكرتهم في السفر من دون الحاجة إلى الصعود على متن الطائرة، كانت مخيلتهم هي الطائرة التي نقلتهم على أجنحتها إلى أماكن بعيدة. أتذكر رحلتي إلى تشيلي، تلك البلاد البعيدة التي لم يزرها كثير من عالمنا، سرد لي صديق عزيز أشياء رائعة عن تلك البلاد، ونصحني بالقيام بكثير منها، وزيارة كثير من الأماكن التي ذكرها بأسمائها الصحيحة، وفي النهاية سألته: «متى زرت تشيلي؟». أجاب: «لم أزرها، ولكني قرأت عنها الكثير». وها نحن اليوم نعول على العالم الافتراضي للخروج من بيوتنا، والكاميرات المثبتة في الغابات والأدغال وحول الأنهار والأسوار هي طائرتنا، والكنبات التي نجلس عليها ونكتشف العالم هي مطاراتنا.
ففي بريطانيا؛ لا يملك الجميع حدائق خاصة للتنفس والجلوس فيها، ولهذا قام موقع للمهتمين بالطبيعة بوضع كاميرات في الغابات في بريطانيا، ومن خلال موقع إلكتروني مخصص لمحبي رصد الطبيعة وحياة الكائنات فيها، يمكنك مشاهدة العصافير وهي تبني أعشاشها، وترى ولادة الطيور وخروجها من البيض بصورة حية. ففي دراسة أخيرة تبين أن الوجود في الطبيعة لمدة ساعة يومياً يَقِيكَ الأرق والكآبة، ويساعدك على التخلص من الأفكار السوداء التي قد تؤدي إلى الانتحار الذي زادت نسبته في ظل هذه الجائحة غير المسبوقة.
ومن الموقع الذي يركز على الطبيعة، إلى تطبيقات تساعدك في التعرف على أسماء النباتات، وتجعلك تعرف اسم الطير من صوته، لا سيما أننا نسمع صوت العصافير بطريقة واضحة بعد تدني صوت الضجيج الخارجي من سيارات وطائرات وحركة يومية.
فيروس «كورونا» حَدّ من حركتنا، ولكنه لم يستطع الحد من مخيلتنا، ولهذا فيمكنك السفر بمخيلتك إلى مواقع جنوب أفريقيا وموزمبيق؛ حيث تشاهد محميات الفيَلة وترى الأسود والنمور مباشرة وهي في بيئتها الحقيقية.
إذا اشتقت إلى «تايم سكوير» في نيويورك، التي تعدّ من بين أكثر الساحات زحمة في العالم، فمن خلال الإنترنت يمكنك أن تراها بصورة مباشرة، لترى المحلات فيها مقفلة والحركة فيها معدومة.
وإذا كنت تفضل الرحلات الرومانسية، فانتقل بمخيلتك إلى فلورنسا، أو البندقية التي تعدّ من بين أجمل مدن العالم، تعرف إليها عن بُعد، تعرف إلى جسورها وساحاتها الفارغة، وجندولاتها القابعة بمحاذاة حفة قناة المياه بانتظار السياح الحقيقيين.
سافر إلى عالم الغوريلا في شرق جمهورية الكونغو، فالكاميرات المثبتة هناك لنقل حياة الغوريلا مباشرة، تعمل ليلاً ومساء. وهنا يشار إلى أن الحيوانات أكثر حيوية في فترة المساء.
من أجمل ما يمكنك أن تراه هو «شيبويا»؛ تقاطع المشاة الأشهر في اليابان، وهذه فرصة حقيقية لرؤية مشاهد غير مسبوقة لم تحصل ولن تحصل بعد الانتهاء من الوباء ووجود لقاح له. الممشى فارغ، يتخلل الصور مرور أشخاص لا يتجاوزون عدد أصابع اليد، وبعض حافلات النقل العام شبه الخالية.
ولمحبي الشواطئ التي تكسوها الرمال الحريرية البيضاء، اذهبوا إلى شواطئ تايلاند، التي تبثّ الكاميرات منها مشاهد حية كل يوم، ولا تنسَ أن موعد غروب الشمس هو عند نحو الساعة السادسة النصف مساء بالتوقيت المحلي.
لمحبي السفر بالقطار، سافروا إلى النرويج على متن قطار يأخذكم في رحلة بين الثلوج وبين الوديان والجبال.
السفر الافتراضي دواء الروح حالياً، يأخذك إلى أماكن رائعة في لمحة بصر، يعرفك على أشياء لم تكن تعرفها من قبل، لتضعها على لائحة الأماكن التي ستزورها بطريقة فعلية وحقيقية يوماً ما. فلطالما قلت إن التحضير للسفر قبل الإقلاع مهم جداً، فمن الضروري وضع لائحة بالأماكن والأشياء التي سنقوم بها في السفر، لكيلا نضيع الوقت في البحث عمّا هو مهم.
هذه الكاميرات الحية المربوطة مباشرة بالإنترنت والمعروفة بالـ«ويب كام» فرصة لنا للنظر إلى آفاق العالم الجميلة؛ على أمل أن تنجلي غيمة «كورونا» لتعود الطائرات لتغازلها وتطير فوقها، وتحملنا نحن بأجسادنا ومخيلتنا معاً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».