خدمات توصيل الطلبات تزدهر في السعودية وتوفر آلاف الوظائف

دخل بعض العاملين فيها يتجاوز 2600 دولار شهرياً

شهد مجال توصيل الطلبات ازدهاراً كبيراً خلال الشهرين الماضيين (رويترز)
شهد مجال توصيل الطلبات ازدهاراً كبيراً خلال الشهرين الماضيين (رويترز)
TT

خدمات توصيل الطلبات تزدهر في السعودية وتوفر آلاف الوظائف

شهد مجال توصيل الطلبات ازدهاراً كبيراً خلال الشهرين الماضيين (رويترز)
شهد مجال توصيل الطلبات ازدهاراً كبيراً خلال الشهرين الماضيين (رويترز)

بالكاد يجد فيصل (26 عاماً) وقتاً للراحة، ومع ذلك فهو مستمتع جداً في عمله الجديد المتمثل في توصيل الطلبات إلى المنازل الذي ازدهر خلال الفترة الأخيرة مع منع التجول في السعودية للسيطرة على فيروس {كورونا}.
يضع فيصل عبوة مطهر اليدين في سيارته ليستعملها باستمرار، ويرتدي قفازين عند تسليم الطلبات إلى الزبائن ويتخذ كل الاحتياطات اللازمة من الفيروس. وعلى غرار فيصل يعمل مئات الأشخاص في هذا المجال الذي ازدهر خلال الشهرين الماضيين. وقال فيصل لـ«الشرق الأوسط»: «لا أجد أي صعوبة في توصيل طلبات الصيدلية أو المتاجر والمطاعم، أما طلبات السوبر ماركت فتأخذ مني وقتاً أطول لتجميع الأغراض، لذا يتجنب كثير من مندوبي التوصيل أغراض البقالة».
ويجد السعوديون في عمال التوصيل همزة الوصل التي تُمكنهم من تأمين حاجياتهم الضرورية، وتوصيلها لهم عبر تطبيقات التوصيل المعتمدة على الهواتف الذكية، التي صارت ملجأ الماكثين في بيوتهم في هذه الفترة؛ اتباعاً لإجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا.
ورغم أن أجور التوصيل زادت في كثير من التطبيقات، لتحفيز الشباب على هذا العمل وسد الحاجة الكبيرة لخدمات التوصيل، فإن ذلك لم يُضعف حماس المستهلكين السعوديين، وبعضهم على استعداد لانتظار وصول الطلب بعد يوم أو يومين، وهنا أكد عامل التوصيل فيصل أن الطلبات كثيرة جداً. مع الإشارة للإجراءات الحكومية الأخيرة التي تبذلها الدولة لدعم وتحفيز هذا القطاع الناشئ. وذكرت بسمة العجلان مديرة التواصل الإعلامي لتطبيق «هنغرستيشن»، أن الشركة نوّعت خدماتها لتلبية احتياجات المستهلكين بما يشمل الأساسيات من الصيدليات والأدوية والمواد الغذائية وغيرها في فترة وجيزة. وأضافت: «تخطينا حاجز توصيل أكثر من 220 ألف طلب في يوم واحد، وذلك من قبل الأزمة الحالية»، مشيرة إلى أن أرقام المبيعات للمواد الغذائية تضاعفت بشكل ملحوظ.
من جهته، أوضح سامي الحلوة مؤسس تطبيق «نعناع» للمقاضي المنزلية، أن حجم استخدام التطبيق تضاعف أكثر من 10 أضعاف مقارنة بالفترة السابقة، وعدد المستخدمين المسجلين خلال هذه الفترة يعادل كل المسجلين لدينا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبالكاد نستطيع أن نغطي الطلبات، فحجم الطلب أكبر بكثير من طاقة كل التطبيقات هذه الأيام».
وأكد الحلوة لـ«الشرق الأوسط» قدرة الشبان العاملين بخدمة التوصيل على جني ربح وفير في ظل الظروف الراهنة، فإلى جانب الدور الوطني لشبابنا فإن الفرد منهم يستطيع أن يحقق من خلال التطبيقات الآن أكثر من 10 آلاف ريال شهرياً (2666 دولاراً)، فمع كل طلب له 35 ريالاً، ولو استطاع توصيل 10 طلبات فقط في اليوم واحد، يكون كسب 350 ريالاً في اليوم بأريحية.
وأوضح الحلوة أنه إلى جانب توصيل الطلبات هناك مهمة تجهيز الطلبات «البعض ممن ليست لديه سيارة أو لم يحصل على الرخصة، خصوصاً من الفتيات، وفرنا لهم حافلات مدفوعة التكلفة، تأخذهم من البيت إلى السوبر ماركت لتجهيز الطلبات». مؤكداً أن كل يوم تزيد رغبة السعوديين للالتحاق بخدمة التوصيل، ما دفعهم لتقديم محفزات للعمل إلى جانب إسهام وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في دعم السعوديين العاملين في خدمة التوصيل.
يأتي ذلك في ظل إيقاف الدفع النقدي، والاكتفاء بالدفع بالبطاقة تحرزاً من تداول النقد. وقال الحلوة: «تسليم المقاضي يتم بطريقة آمنة، ونعطي العاملين معنا أوقاتا مرنة للعمل، من يرغب منهم بالعمل صباحاً أو مساءً أو أي فترة باليوم، على أن يعمل في المواقع القريبة من بيته للتسهيل عليهم ولا يزال عدد الراغبين في خدمة توصيل الطلبات لا يتناسب مع حجم الطلب».
وكانت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أطلقت هذا الأسبوع حملة #جا_دورك التي دعت فيها الراغبين من المواطنين إلى التسجيل في تطبيقات التوصيل المسجلة لديها؛ بهدف الإسهام في تلبية احتياجات المستفيدين الضرورية وتوصيلها إلى منازلهم. وكشفت الهيئة أن مبادرتها تأتي ضمن الجهود الشاملة في تلبية المتطلبات والاحتياجات للمستفيدين خلال فترة منع التجول من خلال تطبيقات التوصيل المسجلة لدى الهيئة، والسعي نحو خدمة المواطن والمقيم وتوفير احتياجاتهم من المواد التموينية والدوائية والمستلزمات المنزلية خلال هذه الظروف الاستثنائية.
وسبق للهيئة أن شددت على مقدمي خدمات التوصيل عبر المنصات الإلكترونية بالاستمرار في الالتزام بالإجراءات الوقائية والضرورية أثناء ممارسة مهامهم وتقديم خدماتهم للمستفيدين؛ بهدف الحد من انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد، وحرصاً على سلامة المستفيدين. إذ ألزمت مقدمي خدمات التوصيل بفحص درجة حرارة مندوبيها يومياً، والتأكد من سلامتهم، والتأكيد على المندوبين بضرورة تطهير اليدين ووضع الكمامات والقفازات واستبدالها بشكل مستمر وعدم المصافحة وتسليم الطلبات على بعد مترين، واستخدام الدفع الإلكتروني، مع التأكيد على تلك الإجراءات في الطلبات الخاصة بالمطاعم وما في حكمها، مشددة على اتخاذ الإجراءات النظامية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة تصل إلى حجب المنصات المخالفة وإلغاء تسجيلها وفرض الغرامات بحدها الأعلى حال عدم الالتزام بتلك الإجراءات الوقائية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».