استعادة الهوايات القديمة بشرفات منازل القاهرة بعد العزلة

قراءة الكتب ولعب الطاولة والشطرنج وأعمال التريكو أبرزها

شريف جاد مع ابنه ولعبة الطاولة في شرفة المنزل
شريف جاد مع ابنه ولعبة الطاولة في شرفة المنزل
TT

استعادة الهوايات القديمة بشرفات منازل القاهرة بعد العزلة

شريف جاد مع ابنه ولعبة الطاولة في شرفة المنزل
شريف جاد مع ابنه ولعبة الطاولة في شرفة المنزل

وإذا كان في كثير من الأحياء المصرية قد تراجع حضور هذا البراح الجميل والمتنفس البسيط للأسر خلال السنوات السابقة بسبب ضيق المسافات بين المباني التي سرقت الخصوصية والإحساس باتساع المكان فإن الشرفة تعود الآن لتجذب من جديد الكثيرين بسبب الملل من الانعزال داخل المنزل حتى في الأحياء المزدحمة.
للشرفة في التراث الاجتماعي المصري قيمة كبيرة تتجاوز تصميمها الهندسي وأهميتها المعمارية فلطالما كانت حاضرة بقوة في حياة المصريين كإطلالة على العالم الخارجي، وملتقى لأفراد الأسرة والأصدقاء والجيران، وبعد تراجع دورها لهثاً وراء التفاصيل اليومية بدأ البعض يعود مرة أخرى إلى هذا البراح الذي بات يمثل متنفساً للكثيرين الذين يحاولون استعادة الهوايات القديمة على غرار قراءة الكتب ولعب الطاولة والشطرنج وممارسة التريكو أو غزل النسيج اليدوي، والتي كانت متعذراً القيام بها في الروتين الوظيفي واليومي قبل ظهور «كورونا».
في شرفتها بحي المعادي الراقي بالقاهرة، تجلس السيدة أمينة محسن، معلمة بإحدى المدارس الدولية، تنسج الخيوط وتحولها إلى قماش. فيما يعرف بـ«التريكو» حيث يوجد بجوارها صندوقان أحدهما يضم الخيوط والإبر، والآخر يحتوي على أحدث مجموعة من الدمى والحقائب والملابس التي صنعتها يدوياً في مرحلة الحجر المنزلي، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «عدت إلى هوايتي الأثيرة التي تعلمتها من جدتي في منزلنا الريفي بمحافظة الشرقية (دلتا مصر)، وفي مدرستي الفرنسية أتقنتها لكن انشغلت عنها فيما بعد بأسرتي وبعملي كمعلمة، إلى أن اضطرتنا جائحة كورونا إلى البقاء بالمنزل، وأصبح لدي متسع من الوقت، فأصبحت أستمتع بغزل التريكو بالبلكونة مع الاستماع للموسيقى الهادئة».
الشرفة بالنسبة لها مكان ملهم ومصدر للهدوء النفسي تجتر به الذكريات، تقول: «الآن أصبحت البلكونة في منزلي من أكثر الأماكن اتساعاً، عادت كما عرفتها في منزل العائلة ترحب بالجميع، وتتسع لتشمل مختلف النشاطات اليومية»، وترى أن الجيل الجديد قد حرمته الحياة العصرية ومواقع «السوشيال ميديا» من هذه اللحظات الاستثنائية التي عاشتها هي وأبناء جيلها، لكنها الآن تحاول جذب أبنائها إلى الشرفة».
وبعد قرار الحكومة المصرية أخيراً بمد حظر التنقل حتى يوم 23 أبريل (نيسان) الجاري، من الساعة الثامنة مساءً وحتى السادسة صباحاً، واستمرار غلق المدارس والجامعات وتعليق حركة الطيران، مع إغلاق النوادي الاجتماعية والمسارح ودور السينما والمقاهي خلال تلك المدة، فإن عدداً كبيراً من المصريين سيضطرون للبقاء فترات طوية في شرفاتهم.
وإذا كان في كثير من الأحياء المصرية قد تراجع حضور هذا البراح الجميل والمتنفس البسيط للأسر خلال السنوات السابقة بسبب ضيق المسافات بين المباني التي سرقت الخصوصية والإحساس باتساع المكان فإن الشرفة تعود الآن لتجذب من جديد الكثيرين بسبب الملل من الانعزال داخل المنزل حتى في الأحياء المزدحمة، فوفق وائل حامد، موظف في هيئة النقل العام بالقاهرة، فإن الشرفات أصبحت الوسيلة المثلى حالياً للاتصال بالمحيط الخارجي.
وبسبب عزلة «كورونا» يقضي وائل أوقاتاً طويلة بشرفة منزله بمنطقة فيصل بالجيزة، لمتابعة الحركة المحدودة بالشارع صباحاً بجانب الاستمتاع بالشمس والهواء.
وظهر الاهتمام ببناء الشرفات في مصر منذ قرون، حيث بدأ تصميمها أولاً في المباني العسكرية والحصون الإسلامية، ثم تطور استخدامها لاحقاً في البيوت مع إضافة الزخارف والكرانيش بها لتضفي شكلاً جميلاً للمنازل. وتتزين عشرات المباني الإسلامية الأثرية بالقاهرة الفاطمية (وسط القاهرة) بشرفات تراثية بديعة، بالإضافة إلى شرفات عمارات القاهرة الخديوية المميزة.
ولاستعادة التقارب بين أفراد الأسرة والبحث عن متنفس حقيقي لمواجهة أجواء العزلة، أعاد شريف جاد، مدير النشاط الثقافي بالمركز الثقافي الروسي بالقاهرة، تصميم بلكونة منزله بمنطقة حدائق الأهرام بالجيزة (غرب القاهرة) وتزويدها بقطع ديكور بسيطة وأنيقة مثل مجموعة من المقاعد و«البوف العربي» والإكسسوارات وطاولة صغيرة وسجادة خضراء ليجعل منها براحاً منزلياً.
ولم يكتف جاد بتحويل شرفته من مساحة خالية من الأنفاس والأثاث إلى براح للتأمل والقراءة والجلسات العائلية الدافئة لكنه وجه الدعوة بشكل غير تقليدي للآخرين ليحذوا حذوه حين التقط مجموعة من الصور الفوتوغرافية له مع الأسرة، لا سيما ابنه عمر الذي يشاركه لعب الطاولة والشطرنج لأوقات طويلة من اليوم داخلها، ونشرها على صفحته الشخصية على «فيسبوك».
ويرى جاد أن إعادة توظيف مساحة لم تكن مستغلة في شقته تعد من أهم مكتسبات عزلة «كورونا» بالنسبة له، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان أهم ما يميز الشرفات في عصور سابقة هو تصميمها المعماري الرائع والمتنوع فهي تعود من جديد أو نعود نحن إليها في إطار مواجهتنا لعزلة (كورونا)».


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.