رياضيو غزة يحولون منازلهم إلى قاعات تدريب

الكابتن حسن الراعي في فيديو تدريبي منشور على منصات التواصل الاجتماعي
الكابتن حسن الراعي في فيديو تدريبي منشور على منصات التواصل الاجتماعي
TT

رياضيو غزة يحولون منازلهم إلى قاعات تدريب

الكابتن حسن الراعي في فيديو تدريبي منشور على منصات التواصل الاجتماعي
الكابتن حسن الراعي في فيديو تدريبي منشور على منصات التواصل الاجتماعي

فكر المدرب الرياضي أحمد الصاوي كثيراً، في الحال التي سيصير عليها جسده، الذي داوم على بناء عضلاته من خلال الالتزام بتدريبات اللياقة البدنية ورفع الأثقال داخل أحد النوادي الرياضية على مدار السنوات الماضية، خاصة بعد قرار الجهات الرسمية في قطاع غزة، إغلاق المنشآت العامة وأماكن التجمعات خوفاً من انتشار «كورونا»، لا سيما بعد الإعلان عن تسجيل 12 حالة إصابة، وسط صفوف العائدين إلى غزة.
ويقول الشاب العشريني في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب جداً على شخص يتمتع بلياقة عالية، أن يظل لأيام من دون ممارسة الرياضة وألعاب القوى، بعد أن تكون عضلات جسمه قد اعتادت على نمط معين من الحركة»، مبيناً أنه شعر بالخطر الذي قد يلحق بجهد السنوات التي قضاها في التدريب منذ قرار إغلاق النوادي، ففكر بطرقٍ متعددة تمكنه من الاستمرار في اللعب، وقرر أخيراً أن يطوع الأثاث المنزلي لخدمة مراده، فاختار الثقيلة والكبيرة منها، وبدأ بالتمرن.
ويوضح الصاوي أن الأجواء الحماسية داخل النادي، وقت تدريب عشرات الشباب، لطالما شكلت لديه حافزاً على اللعب، ومنحته طاقة إيجابية عالية، كما أنها كانت تحمل جانباً ترفيهياً يبعده عن هموم الحياة التي تحيط بتفاصيل يوميات سكان غزة، لافتاً إلى أنه يشعر بالارتياح النسبي في تدريباته المنزلية، التي يستخدم فيها الكراسي، والحبال المقوية، ويستعين أحياناً بإخوته الصغار، لكنه رغم ذلك، ينتظر على أحر من الجمر انتهاء الأزمة، ليعود لممارسة رياضته داخل النادي ووسط أصدقائه.
الكابتن حسن الراعي، الذي يعمل مدرباً في رياضة الكاراتيه داخل عدد من النوادي الفلسطينية، كان هو الآخر صاحب تجربة، إذ أعلن منذ بدء الأزمة، أنه حول مساحة في منزله لممارسة رياضته المفضلة، بغية الحفاظ على لياقته الجسدية، ولممارسة شغفه الذي اعتاد على معايشة تفاصيله منذ عشرات السنين. ويشرح أنه يتعمد نشر صور على منصات التواصل الاجتماعي، من داخل المنزل بالزي الرياضي، لتوعية الناس وتحفيزهم على البقاء في البيوت وممارسة كل ما تعودوا عليه من ألعاب وعادات بيتياً، مشيراً إلى أنه وجد تجاوباً مع فكرته، الأمر الذي دفعه لتسجيل فيديوهات توعوية برفقة ابنتيه، ولاحقاً أطلق تحدياً طلب فيه من طلابه وأصحاب المواهب، المشاركة به إلكترونياً، من خلال تسجيل فيديو رياضي منزلي، وبثه عبر مواقع التواصل.
ووفقاً لكلام الراعي، فإن الانتشار الواسع لفكرة ممارسة الرياضة في البيت وتفاعل الكثير معها عبر منصات التواصل، دفع إحدى شركات التسويق الرياضي العالمي ومقرها الإمارات، لإطلاق بطولة دولية عبر الفيديو في رياضة «الكاراتيه»، إذ يلتحق فيها أصحاب المواهب والقدرات إلكترونياً من داخل منازلهم، منبهاً إلى أن البطولة ستعقد في الفترة الحالية للشباب، وخلال الأيام المقبلة سيتاح للأطفال والنساء وذوي الحاجات الخاصة فرصة المشاركة.
أما الشابة قمر عبد الغني، التي اعتادت على ممارسة الجري صباح كل يوم على شاطئ بحر غزة، فتروي أنها لم تعد قادرة على فعل ذلك منذ بدء حالة الطوارئ، ولأجل المحافظة على عادتها اليومية، اتجهت لشراء جهاز رياضي منزلي بمبلغ 300 دولار، وتقول: «أتمنى أن تنتهي الأزمة سريعاً، وأعود للركض بالقرب من البحر، ولأراقب مظاهر الحياة الصباحية في المدينة المحاصرة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».