سجل الشهر الماضي أدنى حصيلة للقتلى في سوريا منذ 9 سنوات. «فقط 103» مدنيين قُتلوا، نصفهم جراء القصف والغارات. أما الباقون، فقتلوا بانفجارات وألغام واغتيالات.
لا يعود انخفاض عدد القتلى (وهو ليس قليلاً في معايير دول أخرى)، إلى نصف عدد ضحايا فبراير (شباط)، إلى وجود قرار ذاتي صرف بوقف البحث عن «انتصار عسكري» بقدر ما هو القلق من «انتشار نار (كورونا) في الهشيم السوري». ويمكن الحديث عن ستة أسباب متداخلة:
الأول، الهدنة التي أبرمها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في موسكو، 5 مارس (آذار) الماضي. الهدنة جمدت هجوماً عسكرياً واسعا شنّته قوات النظام بدعم روسي على مناطق في إدلب في شمال غربي البلاد، تسبب بنزوح نحو مليون شخص منذ ديسمبر (كانون الأول)، هرباً من التصعيد، ما زاد الضغط على المخيمات المكتظة أساساً بعائلات أجبرت على الفرار جراء موجات عنف سابقة.
تضمن الاتفاق إقامة منطقة أمنية على جانبي طريق حلب - اللاذقية تمهيداً لتشغيله، وتسير دوريات روسية - تركية. لم يكن تنفيذ ذلك سهلاً، كما كان متوقعاً، إذ إن الدوريات قوبلت باحتجاجات محلية، فاضطرت تركيا إلى تسيير دوريات منفردة على الطريق الدولي.
ردّت دمشق على ذلك بالتلويح بشن عملية عسكرية، بسبب عدم التزام تركيا بتنفيذ تعهداتها، الأمر الذي لم يُقابَل بارتياح في «الكرملين».
الثاني، التدخل الروسي، إذ إن الرئيس بوتين أوفد وزير دفاعه سيرغي شويغو إلى دمشق، بعد أسبوع من اتفاق موسكو. الرسالة الروسية إلى القيادة السورية، هي ضرورة التزامها الاتفاق وعدم شن عمليات عسكرية في إدلب، ذلك أن موسكو تريد إعطاء وقت إضافي إلى أنقرة، كي تنفذ ما يخصها من تعهدات. أيضاً، بالنسبة إلى بوتين، فإن العلاقة مع تركيا هي أوسع وأهمّ من تفاصيل إدلب، على الأقل في الوقت الراهن، دون أن يعني ذلك عدم الاستمرار في ممارسة الضغوط على إردوغان.
الثالث، الدعوة الأممية لوقف النار، إذ إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وجّه نداء عالمياً لـ«وقف نار شامل» في جبهات الصراع، أعقبه المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن بدعوة الأطراف السورية إلى هدنة شاملة وفورية، بهدف التفرُّغ إلى العدو المشترك المتمثل بـ«وباء كورونا»، مع تحذيرات من مخاطر الأعمال العسكرية في إدلب المكتظة، بأكثر من 3.5 مليون مدني.
الرابع، فيروس «كورونا»، ذلك أن الخوف المضمر والمعلن من هذا الوباء، لأن سوريا «عرضة أكثر من غيرها بكثير لأضراره»، دفع الأطراف المحلية والخارجية إلى إعطاء أولوية لمحاربته في الوقت الراهن. صحيح، أن بعض القوى الخارجية تحاول الإفادة من الهدنة الحالية لتعزيز مواقعها العسكرية ذلك أن التعزيزات السورية والتركية والإيرانية لا تزال مستمرة إلى الجبهات، لكنها في الوقت نفسه مشغولة بقلق قاعدتها الشعبية من «وباء كورونا». في هذا السياق، كان لافتا أن إحدى «رسائل» شويغو إلى دمشق، كانت ضرورة التعاطي بجدية وشفافية مع «كورونا»، لذلك لم تكن صدفة أن يوزع مكتبه فيديو له، وهو يقوم بإجراء اختبارات الكشف عن الفيروس في طائرته خلال العودة إلى موسكو.
الخامس، «منع الاحتكاك»، ذلك أن روسيا وأميركا لا تزالان ملتزمتين باتفاق عسكري بينهما يمنع الصدام بين جيشيهما في شرق الفرات، الأمر الذي لاحظه بيدرسن. وقال في مجلس الأمن قبل أيام: «أقدر أيضاً أن الترتيبات المتفق عليها بين الأطراف الرئيسية في شمال شرقي سوريا، بما في ذلك وروسيا وتركيا والولايات المتحدة، إضافة إلى الأطراف السورية ما زالت تُطبّق بشكل عام».
سادساً، القوى المحلية، اتخذت القوى المحلية في «مناطق النفوذ» الثلاث، مناطق الحكومة وفصائل إدلب والإدارة الكردية، مبادرات لحظر التجول وتقييد الحركة وتجميد خطوط التماس تحسباً لتفشي «كورونا». وكان لافتاً أن بيدرسن نوّه بدور القوى المتحكمة بالأرض، إذ قال في مجلس الأمن: «اتخذت الحكومة السورية عدداً من الإجراءات المهمة لمواجهة الفيروس. في الوقت ذاته، قام الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية والسلطات المتحكمة في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة باتخاذ خطوات أيضاً. إنني أسجل هذه الجهود وأحث الحكومة والسلطات المتحكمة على اعتماد الشفافية في نقل المعلومات حول كيفية تأثير الفيروس على جميع السوريين». غير أنه بالتوازي مع هذا الهدوء والانخفاض في عدد القتلى، لا يزال هناك قلق من انفجار، لذلك فإن التحذيرات والضغوط مستمرة للحفاظ على وقف النار، لاعتقاد مسؤولين أممين أن «تجدُّد العنف سينتشر الفيروس كالنار في الهشيم، بما لذلك من تداعيات إنسانية واجتماعية واقتصادية كارثية على الشعب السوري، ويمكن أن يكون لذلك ارتدادات عبر الحدود الدولية».
(تحليل إخباري) : هدنة إدلب والقلق من انتشار «كورونا» في «الهشيم السوري»
(تحليل إخباري) : هدنة إدلب والقلق من انتشار «كورونا» في «الهشيم السوري»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة