البنوك المركزية والحرب العالمية الكورونية

البنوك المركزية والحرب العالمية الكورونية
TT

البنوك المركزية والحرب العالمية الكورونية

البنوك المركزية والحرب العالمية الكورونية

فاجأنا هذا الزائر «الإرهابي» غير المرحب به بزيارة غير متوقعة لكافة دول العالم بلا استثناء يذكر، حاملا معه هداياه وعطاياه غير المرغوب فيها. وشدد إصراره بالوقوف على أعتاب منازلنا ومؤسساتنا ومصانعنا ينتظر من يفتح له الباب ليمارس عمله التخريبي. ومن وراء النوافذ والأبواب المغلقة وقف الخلق ينظرون ويتأملون آثار زياراته المدمرة ويتساءلون عمن يغيثهم بتقديم سبل الوقاية وعقاقير العلاج، وعمن يقي اقتصاد العالم من فوضى وهيستيريا مالية واحتمالات ركود. ولأن هجوم هذا الإرهابي جاء جامحاً متعدياً للحدود، كان لا بد من إعلان «حرب عالمية» ضده لمنعه من الزيارة أو لمعالجة من تضرروا من هداياه.
واتقاءً لشرور هذا الزائر، تبنت الحكومات سياسة «خليك بالبيت» التي تعني الانغلاق والتقوقع الكل في مسكنه دون حراك. فأغلقت الحدود بين الدول، وأوقفت حركة الطيران بينها، وتعطلت جزئيا بعض الصناعات، وحظرت بعض الصادرات، فتعثرت سلاسل التوريد وارتفعت تكلفة الشحن بارتفاع درجة المخاطر، ووصلت التجارة الخارجية لأعتاب مرحلة التجميد القسري وكأنها لا يكفيها ما عانته من سياسات حمائية اتبعت في السنوات الثلاث الأخيرة.
ولأن سياسة «خليك بالبيت» لم يصحبها معرفة إلى متى؟ أصبحت حالة «عدم التأكد» هي الحقيقة الوحيدة المؤكدة بين كل أصحاب المصلحة في جميع أنحاء العالم. ولأن من أعدى أعداء أسواق المال ومستثمريها حالة عدم القدرة على التنبؤ، شهدنا رد الفعل في صورة تسييل متسارع للأصول المالية، عبرت عنها مؤشرات أسواق المال المتدهورة مما زاد من حالة الهلع والذعر في أوساط المستثمرين خوفا من تكرار أحداث الأزمة المالية العالمية 2007 - 2008 واقتنعت السلطات المالية والنقدية بأن الركود الاقتصادي يدق الأبواب.
وعندما طبقت الحكومات سياسة خليك بالبيت، تدهورت إيرادات الكثير من الشركات الإنتاجية والخدمية، رغم الالتزامات الواقعة عليها في توقيتات محددة، وضغطت احتمالات التعثر على إداراتها، فبدأ البعض منهم في الإسراع بتحصيل مستحقاته من المدينين، ولجأ آخرون للسحب من خطوط الائتمان التي سبق أن تعاقدوا عليها، ولجأ البعض الثالث إلى تقديم طلبات للاقتراض قصير الأجل من البنوك، مما قد يزيد من تراكم ديونها التي من المحتمل أن تتعثر مستقبلا.
وفي ظل «عدم التأكد» تزايدت مخاطر السوق التي تواجه البنوك، وتزايدت احتمالات تزايد طلبات السحب النقدي منها بما يؤثر في مستويات سيولتها النقدية، خصوصا مع تزايد رغبة أعضاء القطاع العائلي القابعين بالبيوت في الاحتفاظ بسيولة نقدية كبيرة لمواجهة احتمالات أن تطال البنوك وفروعها قرارات الإغلاق القسري كغيرها.
وإزاء كل ما تقدم أصبح أمام الحكومات والسلطات النقدية تحديات هائلة، فهل تطمئِن وتنقذ المستثمرين في أسواق المال؟ أم تلقي بأطواق النجاة لمن تقلصت أحجام أعمالهم وتدهورت إيراداتهم؟ أم تقدم السيولة اللازمة للبنوك لكي تدرأ عنها مشاكل نقص السيولة وتساعدها على مساعدة باقي قطاعات الأعمال؟
وبسبب عدم اختصاص البنوك المركزية وسلطات النقد بمساندة أسواق المال أو دعم المستثمرين فيها، تحتل مساندة البنوك أهميتها القصوى لدرء المخاطر التي يمكن أن تتسلل للبنوك ضمانا لاستقرار القطاع المصرفي وحماية لأسواق النقد، ولمساعدتها على مساندة الشركات قبل تعثرها وتنشيط الطلب قبل ركوده. ولكن كيف يتم ذلك؟ وما هي درجة قدرة علاجات البنوك المركزية على درء احتمالات حلول الركود على اقتصاداتنا أو التخفيف من درجة حدته؟
وكرد فعل لما تقدم، بدأت البنوك المركزية وسلطات النقد في الأسواق المتقدمة والناشئة في مختلف أنحاء العالم بخفض أسعار الفائدة خلال الأسبوعين الماضيين، وهو إجراء حمل في طياته رسالتين؛ الأولى للمقترضين وطالبي الائتمان المصرفي فحواها أن البنوك يمكن أن تقف بجواركم وتقرضكم بتكلفة أقل، والثاني لمستثمري البورصات لتشجيعهم وبث روح تفاؤلية بينهم. لكن خفض أسعار الفائدة عندما تكون أسعار الفائدة قريبة من الصفر، لا يمكن أن يحفز الائتمان المصرفي حتى بأسعار فائدة منخفضة في ظروف تتسم بفقدان شهية الاقتراض لدى بعض الشركات بسبب حالة عدم التأكد التي يعيشونها، وتتسم بعدم ضمان أن يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى زيادة رغبة البنوك في منح المزيد من الائتمان لمختلف المنشآت لأسباب تنظيمية ورقابية أخرى. وتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي كما فعلت الصين سيتيح للبنوك سيولة نقدية قد تقيها شر الوقوع في مشاكل تزايد ضغوط السحب النقدي، ويساعدها على خفض تكلفة الأموال المتاحة للإقراض، وقد يشجعها على توظيف الأموال المستردة من خزائن البنك المركزي. لكن يحتمل أن تتحول هذه السيولة النقدية المستردة إلى احتياطيات فائضة دون توظيف، أو ربما قد تستثمرها البنوك في أصول مالية سيادية آمنة المخاطر كأذون وسندات الخزانة الحكومية.
وعندما أعلنت بعض البنوك المركزية عودتها لممارسة سياسة التيسير الكمي بضخ أموال لشراء أوراق مالية سواء من البنوك مباشرة أو من المؤسسات المالية غير المصرفية كما حدث مؤخرا من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك الصين، فإن الأثر المتوقع هو حقن الاقتصاد الوطني بالمزيد من السيولة النقدية. ومع توافر السيولة لدى البائعين ربما تزداد ودائعهم لدى البنوك التي يتوقع نظريا أن تتوسع في منح الائتمان كنسبة من الودائع الجديدة. وفي ظروف عدم التأكد، والقيود النظامية على التوسع الائتماني لا يوجد ما يضمن أن يزداد حجم الائتمان المصرفي بما يعين الاقتصاد ومنشآته في محنتهما.
وفي ظل كل ما يمكن أن يعيق تأثير محاولات البنوك المركزية وسلطات النقد تنشيط الأسواق والحيلولة دون توسع احتمالات الركود، يتبقى أمام البنوك المركزية تيسيرات أخرى يمكن أن تفرضها على البنوك لمساندة عملائها، مثل إجبار البنوك على تأجيل تحصيل مستحقاتها من بعض نوعيات العملاء، وخفض الرسوم والعمولات التي تتقاضاها عند فتح الاعتمادات المستندية أو عند تقديم خطابات الضمان، وجميعها إجراءات ستؤثر سلبا على ربحية البنوك. ويمكن للبنوك المركزية أيضا أن تسمح بالتيسير على قطاعات معينة كقطاعات الطيران والسياحة والفنادق والمطاعم وغيرها، أو بفرض عمليات التصالح مع المقترضين المتعثرين بما يساعدهم على الاستمرار، أو ببث الثقة في أوساط مديري المحافظ الاستثمارية الراغبين في الخروج من استثمارات الحافظة بتوفير النقد الأجنبي لهم وشراء أوراقهم المعروضة. وأمامها أيضا أن تبث الثقة بين أعضاء القطاع العائلي خصوصا بين من لا يتعاملون إلا باستخدام أوراق النقد.
وختاماً، لا توجد عصا سحرية تضمن أن البنوك المركزية بمفردها ستقي الاقتصاد الوطني من احتمالات حلول الركود، فالسياسات النقدية لا بد أن تعمل جنبا إلى جنب السياسة المالية التي يجب أيضا أن تتحمل جزءا من تكلفة درء المخاطر.
- أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق ومحافظ البنك المركزي المصري الأسبق


مقالات ذات صلة

دراسة تتوقع ارتفاع الإيرادات السياحية في مصر إلى 30 مليار دولار بحلول 2030

الاقتصاد سائحون يتفقدون «المتحف المصري الكبير» الذي ساهم في زيادة أعداد السياح منذ افتتاحه مؤخراً (أ.ب)

دراسة تتوقع ارتفاع الإيرادات السياحية في مصر إلى 30 مليار دولار بحلول 2030

توقعت دراسة حديثة ارتفاع مساهمة قطاع السياحة المصري في الناتج المحلي، من 8.5 في المائة حالياً إلى 15 في المائة (نحو 25-30 مليار دولار) بحلول عام 2030.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر تنتظر 3.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خلال أسابيع

تنتظر مصر أن يصرف صندوق النقد الدولي نحو 3.8 مليار دولار ضمن برنامج القرض الممتد بجانب جزء آخر من صندوق الاستدامة والصلابة.

صبري ناجح (القاهرة)
الاقتصاد شعار صندوق النقد الدولي على مقره بالعاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)

صندوق النقد يتوصل لاتفاق بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر

قال صندوق النقد الدولي اليوم الاثنين إنه توصل ‌إلى ‌اتفاق ‌على ⁠مستوى الخبراء ​بشأن ‌المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر ضمن تسهيل الصندوق ⁠الممدد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً).

رحاب عليوة (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري خلال لقائه وزير الكهرباء (رئاسة مجلس الوزراء)

مصر: الربط الكهربائي مع السعودية يتم تجهيزه لبدء المرحلة الأولى

قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري إن مشروع الربط الكهربائي المصري السعودي يتم تجهيزه في صورته النهائية لبدء تشغيل المرحلة الأولى في القريب العاجل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المؤشرات الصينية ترتفع مع عطلة الأعياد

سيدة تستعد لالتقاط صورة تذكارية مع زينة العام الجديد في أحد الشوارع التجارية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
سيدة تستعد لالتقاط صورة تذكارية مع زينة العام الجديد في أحد الشوارع التجارية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
TT

المؤشرات الصينية ترتفع مع عطلة الأعياد

سيدة تستعد لالتقاط صورة تذكارية مع زينة العام الجديد في أحد الشوارع التجارية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)
سيدة تستعد لالتقاط صورة تذكارية مع زينة العام الجديد في أحد الشوارع التجارية بالعاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

واصلت أسهم البر الرئيسي الصيني مكاسبها يوم الخميس، حيث سجل مؤشر شنغهاي الرئيسي جلسة رابحة للجلسة السابعة على التوالي، مدفوعاً بمكاسب أسهم قطاعي الطيران والروبوتات، في حين كانت بورصة هونغ كونغ مغلقة بمناسبة عطلة عيد الميلاد.

وعند الإغلاق، ارتفع مؤشر شنغهاي المركب الرئيسي بنسبة 0.47 في المائة، بينما ارتفع مؤشر «سي إس آي 300» للأسهم القيادية بنسبة 0.18 في المائة.

وكانت أسهم قطاعي الطيران والروبوتات من بين أكبر الرابحين، حيث قفزت المؤشرات الفرعية التي تتبع هذين القطاعين بنسبة 4.39 و2.84 في المائة على التوالي. وكانت أسهم قطاعي الطيران والروبوتات من بين أكبر الرابحين، حيث قفزت المؤشرات الفرعية التي تتبع هذين القطاعين بنسبة 4.39 و2.84 في المائة على التوالي.

وتراجع قطاع العقارات عن مكاسبه السابقة، رغم تخفيف بكين لبعض القيود المفروضة على شراء العقارات بهدف استقرار القطاع المتعثر. وانخفض مؤشر «سي إس آي 300 للعقارات»، الذي يرصد أداء القطاع، بنسبة 0.34 في المائة.

وخففت سلطات بلدية بكين القيود المفروضة على شراء المنازل يوم الأربعاء، وخفضت الحد الأدنى المطلوب لتأهيل المشترين، في أحدث الجهود المبذولة لتعزيز الطلب وسط تراجع أسعار المنازل في العاصمة الصينية.

وتعهد البنك المركزي الصيني باستقرار توقعات السوق والحفاظ على سعر الصرف «مستقراً بشكل أساسي عند مستوى معقول ومتوازن»، وفقاً لبيان صادر عن اجتماع يوم الأربعاء. وسيكون سوق هونغ كونغ مغلقاً يومي الخميس والجمعة بمناسبة عطلة عيد الميلاد. ستُستأنف التداولات في 29 ديسمبر (كانون الأول).

ومن جانبه، سجل اليوان الصيني في السوق المحلية أعلى مستوى له منذ نحو 15 شهراً يوم الخميس، مقترباً من 7 يوانات للدولار، مدعوماً بتسارع المصدرين في نهاية العام لتحويل حيازاتهم من الدولار إلى العملة المحلية، وتوقعات بانخفاض قيمة الدولار الأميركي أكثر في العام المقبل. ورغم أن الارتفاع المتسارع لليوان قد دفع البنك المركزي للتدخل لإبطاء وتيرة صعوده، فإن العديد من المحللين يرون أن هذا الاتجاه ما زال في بدايته.

وقالت شركة «إندستريال سيكيوريتيز» في مذكرة لها: «قد تتحول العوامل التي كانت تعيق اليوان في السابق إلى عوامل مواتية تدفعه نحو مزيد من الارتفاع في المستقبل»، مشيرةً إلى حيازات الشركات من الدولار التي تبلغ قيمتها نحو 1.2 تريليون دولار والتي يتم استقطابها بشكل متزايد إلى الصين.

وارتفعت قيمة العملة الصينية بنحو 5 في المائة مقابل الدولار منذ أوائل أبريل (نيسان)، مع انحسار التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وانتعاش سوق الأسهم الصينية الذي اجتذب تدفقات استثمارية أجنبية.

وقالت شركة «غالاكسي سيكيوريتيز» في تقرير لها: «يعود ارتفاع اليوان إلى تحسن الاقتصاد، وخفض أسعار الفائدة من قِبَل (الاحتياطي الفيدرالي) الأميركي، وتوقعات ارتفاع قيمة اليوان التي تحققت ذاتياً».

وفي تحذير واضح من المبالغة في تقلبات العملة، تعهد بنك الشعب الصيني يوم الأربعاء بالعمل على استقرار توقعات السوق والحفاظ على سعر الصرف «مستقراً بشكل أساسي عند مستوى معقول ومتوازن». وانعكاساً لهذا الجهد، حدد بنك الشعب الصيني سعر صرف اليوان عند 7.392 يوان للدولار قبل افتتاح السوق يوم الخميس، أي أقل بـ244 نقطة من توقعات «رويترز».

وقالت شركة «إندستريال سيكيوريتيز»: «يشير هذا إلى أن البنك المركزي، الذي يُلمح إلى ارتفاع قيمة اليوان، قد بدأ في إبطاء وتيرة ارتفاعه بشكل طفيف». وتتوقع الشركة أن يرتفع اليوان أكثر العام المقبل، حيث من المرجح أن يتجاوز التيسير النقدي الأميركي توقعات السوق، مما سيدعم ارتفاع اليوان.


وزير الصناعة السعودي: ولي العهد سرّع إلغاء المقابل المالي لتعزيز تنافسية القطاع عالمياً

وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)
وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)
TT

وزير الصناعة السعودي: ولي العهد سرّع إلغاء المقابل المالي لتعزيز تنافسية القطاع عالمياً

وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)
وزير الصناعة متحدثاً للحضور في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، عن كواليس ما قبل إصدار قرار مجلس الوزراء، الأخير، المتمثل في إلغاء المقابل المالي عن القطاع الصناعي، مبيناً أن ولي العهد قاد اجتماعاً كان مدافعاً عن المنظومة، وهو مَن اتخذ القرار بهذه السرعة، في خطوة الهدف منها تعزيز تنافسية الصناعة السعودية على مستوى العالم.

يأتي ذلك بعد أيام من قرار مجلس الوزراء، بإلغاء المقابل المالي المقرر على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية، في خطوة ستسهم في تعزيز تنافسية الصناعة السعودية عالمياً، وزيادة وصول الصادرات غير النفطية وانتشارها في مختلف الأسواق العالمية.

وجاء كلام وزير الصناعة والثروة المعدنية، خلال «مجلس صناعيي الرياض الثامن»، بتنظيم غرفة الرياض، يوم الخميس، مؤكداً أن قرار إلغاء المقابل المالي، يعكس وضوح «رؤية 2030» والحكومة تجاه هذه المنظومة وأهميتها في تنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة الصادرات وخلق الفرص الاستثمارية لنمو القطاع غير النفطي.

استقرار السياسات

واستطرد الخريف: «علينا مسؤولية جماعياً أن نثبت أن هذا القرار صحيح ويخلق تنافسية عالية للقطاع الصناعي ويجعل هذه المنظومة منافسة دون قيود ودون ترقب».

جانب من لقاء وزير الصناعة والثروة المعدنية في مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

وأبدى تفاؤله بأن القرار سيكون عاملاً مهماً لخلق الاستقرار للسياسات المرتبطة بالاستثمار الصناعي، وتمكين المستثمرين لاتخاذ القرارات المناسبة، مطالباً في الوقت ذاته من المنشآت ضرورة الاستفادة من كل الممكنات لخدمة المنظومة.

من جانبه، أشار رئيس مجلس إدارة غرفة الرياض، المهندس عبد الله العبيكان، في كلمته على هامش الحدث، إلى الدور المحوري الذي تقدمه الوزارة في قيادة التحول الصناعي، وتعزيز تنافسية القطاع، وتمكين الاستثمارات النوعية التي تشكل ركيزة أساسية في بناء مستقبل الصناعة الوطنية، والتي تحظى بدعم غير مسبوق من الحكومة، الأمر الذي حوَّل الصناعة إلى محرك حقيقي للنمو، وركيزة أساسية في تحقيق مستهدفات «رؤية 2030».

التحول الرقمي

وقال إن محورَي المجلس هذا العام يتركزان على التحول الرقمي وربط البيانات، وتعزيز المحتوى المحلي ورفع الأثر الاقتصادي، ويمثلان حجر الأساس لأي نهضة صناعية حديثة، وأن الرقمنة ليست مجرد أداة تطوير، بل ركيزة استراتيجية تعيد تشكيل سلاسل الإمداد، وتحسين كفاءة التشغيل، وترفع جودة القرار.

المهندس عبد الله العبيكان في كلمته خلال مجلس صناعيي الرياض الثامن (الشرق الأوسط)

وأكد العبيكان أن المحتوى المحلي ليس مجرد نسبة تقاس، بل قيمة تُبنى واستثمار يعاد ضخه في الاقتصاد الوطني، وفرص عمل تُخلق، وأثر اقتصادي يتسع ويتجذر.

وحسب العبيكان، فإن غرفة الرياض تؤمن بأن دورها يتجاوز تنظيم الفعاليات إلى صناعة الحوار، ودفع البيئة الصناعية نحو التطور، وهذا المجلس، بما يحمله من خبرات ورؤى، يمثل مساحة خصبة لتوليد أفكار عملية وبناءه، والخروج بتوصيات قادرة على المساهمة في تعزيز مسار الصناعة الوطنية.


انفتاح الأسواق الأميركية... عهد جديد للأصول البديلة في 2026

أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)
أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)
TT

انفتاح الأسواق الأميركية... عهد جديد للأصول البديلة في 2026

أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)
أشخاص يغادرون مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في واشنطن (رويترز)

تشهد الأسواق المالية في الولايات المتحدة مرحلة من التحول، والتطور، مع اتساع نطاق الخيارات الاستثمارية المتاحة للمستثمرين الأفراد. وفي هذا السياق، يبرز التحدي في موازنة الاستفادة من الفرص الجديدة مع إدارة المخاطر المحتملة، لا سيما لأولئك الذين يفتقرون إلى الخبرة، أو الدعم الاستشاري المستمر. ومع اقتراب هذه الأدوات المعقدة من متناول الجميع، يطرح السؤال المحوري: هل تمثل هذه الخيارات فرصة حقيقية لتعزيز العوائد، أم إنها تحمل مخاطر لم يعتد عليها المستثمر العادي في خططه التقاعدية التقليدية؟

وفي هذا الإطار، قد يُتاح قريباً للمستثمرين الأميركيين الوصول إلى مجموعة أوسع من المنتجات المرتبطة بفئات الأصول، مثل الائتمان الخاص، والعملات الرقمية، في إطار جهود إدارة الرئيس ترمب، وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لفتح الأسواق. ويرى بعض مستشاري الاستثمار أن هذا التوسع قد يضع عبئاً إضافياً على الأفراد لتحمل مسؤولية حماية أنفسهم مالياً.

واعتمد كل من البيت الأبيض وهيئة الأوراق المالية والبورصات، برئاسة بول أتكينز، منح المستثمرين خيارات أوسع للاستفادة من بعض فئات الأصول التي قد تحقق عوائد مرتفعة. ومع ذلك، يحذر بعض المستشارين الماليين عملاءهم المعتادين على الاستثمار في الأسهم والسندات من أنهم قد لا يكونون مستعدين تماماً لتدفق هذه العروض الجديدة، التي يتوقع محللو السوق ازديادها في 2026، وفق «رويترز».

يقول مارك ستانكاتو، مؤسس شركة «في آي بي ويلث آدفايزرس» في ديكاتور، جورجيا: «سيحدث شيء سلبي، وسيقول الناس: لحظة، لم أدرك المخاطر التي كنت أتعرض لها». ويضيف أن المستثمرين قد يجدون صعوبة في اتخاذ قرارات مدروسة، لا سيما عند تقييم أصولهم التقاعدية.

وأكدت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، والبيت الأبيض استمرار تركيزهما على حماية المستثمرين. وقالت تايلور روجرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض: «يلتزم رئيس الهيئة، أتكينز، بضمان أسواق عادلة، ومنظمة، وفعّالة، مع حماية المستثمرين الأفراد». وأضافت أن الولايات المتحدة تظل «المكان الأفضل، والأكثر أماناً للاستثمار».

وأشار متحدث باسم الهيئة إلى أن تركيزها ينصب على ضمان حصول المستثمرين على «معلومات موثوقة لاتخاذ قرارات مدروسة» بشأن جميع المنتجات الجديدة. وكان أتكينز قد صرّح في سبتمبر (أيلول) بأن إتاحة الوصول إلى الأصول الخاصة تستلزم وضع ضوابط مناسبة. كما قالت وزارة العمل إنها ستضع قواعد وإرشادات لأفضل الممارسات عند تقديم الأصول الخاصة، وغيرها من البدائل لمستثمري التقاعد.

ويُثار التساؤل حول ما إذا كانت هذه الخطوات توفر مزيداً من العوائد للمستثمرين، أو تزيد المخاطر على صغار المستثمرين. فقد أعلنت إدارة ترمب في أغسطس (آب) عن خطط لتسهيل وصول المستثمرين الأفراد إلى أصول مثل الائتمان الخاص، والأسهم الخاصة، وطلب من وزير العمل، المسؤول عن خطط التقاعد، التشاور مع جهات أخرى، بما فيها هيئة الأوراق المالية والبورصات، خلال ستة أشهر. وكان أتكينز قد صرّح في نوفمبر (تشرين الثاني) بأن أدوات التقاعد التقليدية، مثل صناديق التاريخ المستهدف، تتجنب الاستثمار في هذه الأصول، ما يضر بالمستثمرين.

حالياً، تتيح خطط التقاعد، مثل 401(k)، الاستثمار في الأصول المتداولة علناً، كالأسهم، والسندات، عبر صناديق الاستثمار المشتركة، أو صناديق المؤشرات المتداولة. وفتح الاستثمار في الأسهم الخاصة، أو الائتمان الخاص قد يوفر فوائد من حيث التنويع، لكنه يثير تساؤلات حول كيفية تقييم هذه الأصول، وسيولتها، وجودة الخيارات المتاحة للمستثمرين الأفراد.

كما تعمل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على تسهيل وصول المستثمرين إلى العملات المشفرة من خلال تسريع إطلاق صناديق المؤشرات المتداولة الجديدة، عبر اعتماد معايير الإدراج العامة في سبتمبر، ما أزال عقبة أمام إطلاق صناديق المؤشرات المتداولة الفورية المرتبطة بالعملات المشفرة.

وقال روبرت بيرسيكيت، المخطط المالي في شركة «ديلاجيف فايناشال» بارفادا، كولورادو إن العروض الجديدة قد تزيد المخاطر على المستثمرين الأفراد، الذين يعتبرهم الأكثر عرضة للخطر، والأقل خبرة في تقييم مخاطر المنتجات الجديدة، أو المعقدة، مضيفاً: «المستثمر العادي... لا يملك فريقاً من المستشارين لدعمه».

ومنذ تطبيق معايير الإدراج العامة في سبتمبر، شهدت صناديق المؤشرات المتداولة للعملات المشفرة نمواً ملحوظاً، وفقاً لبيانات «مورنينغ ستار»، فيما توقعت شركة «بايتوايز» لإدارة الأصول ظهور نحو مائة صندوق أخرى خلال عام 2026. كما ازداد الاهتمام بصناديق الفترات، وهي صناديق مغلقة تستثمر في الأصول الخاصة، نتيجة استفادتها من توسيع نطاق خطط التقاعد.

وقال برايان أرمور، المحلل في «مورنينغ ستار»: «أتوقع تدفقاً كبيراً للصناديق التي تستثمر في الأصول الخاصة في عام 2026».