ما زالت أعداد غير قليلة من الكسبة وأصحاب المهن الصغيرة، مثل عمال البناء وباعة الخضراوات والفاكهة وسائقي سيارات الأجرة والـ«التوك توك»، في العراق يمارسون أعمالهم المعتادة لمواجهة متطلبات الحياة اليومية لعوائلهم غير عابئين بالحظر الصحي الذي تفرضه السلطات الحكومية لمنع تفشي فيروس «كورونا» المستجد في البلاد.
ورغم أن حظر التجوال ساهم بشكل كبير في ركود الأسواق وتراجع حركة التجارة والبيع والشراء بشكل عام، فإن أصحاب الدخل المحدود والفقراء يواصلون بصبر الخروج لأعمالهم ويفضلونه على البقاء في المنازل وانتظار المجهول. وعادة ما تتركز علميات خرق الحظر في الأحياء والمناطق الشعبية المكتظة البعيدة عن مراكز المدن في بغداد وباقي المحافظات، باستثناء إقليم كردستان، التي تفرض السلطات فيها حظراً صارماً على المواطنين هناك ولا تسمح إلا بحركة فئات محددة، مثل الكوادر الطبية والبلدية وبعض العاملين في المجال الإعلامي.
وحيال عمليات خرق حظر التجوال المتواصلة وفي مسعى للحد منها، أعلنت «قيادة عمليات بغداد»، أمس، عن إلقاء القبض على 4569 مخالفاً لحظر التجوال منذ فرض تطبيقه في 17 مارس (آذار) الحالي، وقامت بحجز 569 عربة ودراجة نارية مختلفة، كذلك قامت بفرض 26353 غرامة مالية على المخالفين. ومع ذلك ما زالت عمليات كسر الحظر متواصلة في مدن الأطراف والأحياء الشعبية.
وينقل شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» مشاهداتهم لمواصلة عمال البناء وجودهم اليومي في الأماكن المخصصة لهم والتي تعرف محلياً بـ«المساطر» في بغداد والمحافظات. ويؤكدون وجود العمال في «مسطر» بغداد الجديدة، وبقاءهم فيه حتى منتصف النهار من كل يوم على أمل أن يأتي من يستأجرهم لعمل ما.
إجمالاً؛ لا يساور القلق المعيشي العراقيين من أصحاب المهن والدخل المحدود فحسب هذه الأيام، بل يتعداهم ليشمل الموظفين الحكوميين الذين يخشون من عدم قدرة الحكومة على تأمين رواتبهم الشهرية نتيجة أزمة البلاد المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط وتعطل مجمل النشاطات التجارية بسبب جائحة «كورونا»، مما دفع بالبنك المركزي العراقي، أمس، إلى طمأنة الموظفين والمتقاعدين بأن مرتبات شهر أبريل (نيسان) «متوفرة في حساب وزارة المالية».
بدوره، يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة المستنصرية ميثم لعيبي أن «ادعاء المقدرة على توفير الرواتب الخاصة بالموظفين يمثل مثلبة كبرى للإخفاق الحكومي في الاقتصاد العراقي». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كثير من المحللين ومتخذي القرار يتباهون بهذه الحجة، لكن ذلك لا يعدو أن يكون تكريساً لمسلسل الإخفاق في إدارة ملف النفط الذي نتوقع أن تكون قوته أعلى في كل مرة عن التي قبلها وذلك إلى الحد الذي سيصل لعدم توفير جزء من هذه الرواتب، والاضطرار إلى حلول قاسية تتضرر منها فئة أصحاب الرواتب والدخل المحدود».
ويرى لعيبي أن «انخفاض أسعار النفط عامل رئيسي وحاكم على الاقتصاد العراقي، لأن أسعاره وكمياته هي أساس إيرادات ونفقات الموازنة العامة، وانخفاضها سيصيب الاقتصاد بركود كبير، سواء في القطاع العام والخاص، فالأخير يتغذى ويتعيش على الأول».
وفي مسعى من الحكومة لتقليل الضغوط المعيشية على المواطنين خلال فترة الحظر الصحي وتوقف معظم الأعمال، دعت وزارة التجارة، أمس، المواطنين إلى تسلم «4 مواد غذائية، هي: الطحين والسكر وزيت الطعام والأرز» من حصصهم التموينية، وحسب الرقعة الجغرافية. غير أن قطاعات سكانية واسعة باتت منذ سنوات تشكك في عمل وزارة التجارة والحكومة المتعلق بالبطاقة الغذائية التي أقرت خلال فترة الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي، أو ما عرف بنظام «النفط مقابل الغذاء»، نظراً لتراجع نوعية وكمية المواد الموزعة على المواطنين منذ عام 2003.
من جهته؛ شدد عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي على ضرورة تشكيل «هيئة عليا للكوارث والأزمات» في العراق لحماية المواطنين. وقال الغراوي في بيان، أمس، إن «أزمة فيروس (كورونا) والحجر المنزلي الإجباري يلزم الحكومة بتوفير مفردات الحصة التموينية بشكل مضاعف للشعب العراقي، خصوصاً الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود». وعدّ الغراوي في بيان أن «الأزمة قد تستمر، ومع توقف الأعمال وعدم وجود مصادر رزق، فإننا قد نكون أمام أزمة معيشية حادة تقتضي أن تقوم الحكومة بواجباتها بتأمين قوت الشعب». وأضاف «أننا ما زلنا نؤشر الحاجة الماسة إلى تشكيل (الهيئة العليا للكوارث والأزمات) في العراق لتقوم بمهامها بحماية حقوق المواطنين في جميع الأزمات وتأمين متطلبات الإغاثة الإنسانية لهم».
وبحسب البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية، فإن «نسبة الفقر في العراق تضرب 20 في المائة من مجموع سكانه، وهي تعادل نحو 7 ملايين مواطن يوجد معظمهم في المحافظات الجنوبية». وأتت جائحة «كورونا» وما نجم عنها من حظر للتجول وتوقف معظم النشاطات التجارية، لتزيد من معاناة تلك الشرائح الفقيرة، مما دفع بكثير من الفعاليات المدنية والدينية، في الأسبوعين الأخيرين، إلى القيام بحملات واسعة للتبرع وتقديم سلال غذائية وإيصالها إلى العوائل الفقيرة. غير أن ذلك لن يكون بديلاً، بحسب مراقبين اقتصاديين، عن الحاجة لعودة الحياة إلى طبيعتها وتوفير فرص عمل حقيقية لتلك الشرائح المحرومة وتمكينها من الانخراط في سوق العمل.
الحظر يضيّق معيشة فقراء العراق... ومطالبات بـ«هيئة عليا للكوارث»
الحظر يضيّق معيشة فقراء العراق... ومطالبات بـ«هيئة عليا للكوارث»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة