هبوط تاريخي للمركبة الفضائية «روزيتا» على المذنب «67 بي»

بعض الخبراء شبهوا العملية بالنزول على القمر عام 1969

علماء في مركز أبحاث الفضاء الأوروبي في تولوز بفرنسا يحتفلون بعملية الهبوط (أ.ف.ب) وفي الإطار صورة وزعتها وكالة الفضاء الأوروبية تظهر انفصال المسبار «فيلاي» وهبوطه على المذنب (إ.ب.أ)
علماء في مركز أبحاث الفضاء الأوروبي في تولوز بفرنسا يحتفلون بعملية الهبوط (أ.ف.ب) وفي الإطار صورة وزعتها وكالة الفضاء الأوروبية تظهر انفصال المسبار «فيلاي» وهبوطه على المذنب (إ.ب.أ)
TT

هبوط تاريخي للمركبة الفضائية «روزيتا» على المذنب «67 بي»

علماء في مركز أبحاث الفضاء الأوروبي في تولوز بفرنسا يحتفلون بعملية الهبوط (أ.ف.ب) وفي الإطار صورة وزعتها وكالة الفضاء الأوروبية تظهر انفصال المسبار «فيلاي» وهبوطه على المذنب (إ.ب.أ)
علماء في مركز أبحاث الفضاء الأوروبي في تولوز بفرنسا يحتفلون بعملية الهبوط (أ.ف.ب) وفي الإطار صورة وزعتها وكالة الفضاء الأوروبية تظهر انفصال المسبار «فيلاي» وهبوطه على المذنب (إ.ب.أ)

أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية أن المسبار «فيلاي» هبط بنجاح على المذنب «67 بي تشوريوموف - جيراسيمينكو». وقالت الوكالة أمس (الأربعاء) إنها تلقت إشارة من مركزها في مدينة دارمشتات الألمانية إلى بدء عملية هبوط الإنسان الآلي (الروبوت) «فيلاي» على المذنب.
وذكرت الوكالة أن «فيلاي» انفصل عن مركبة الفضاء «روزيتا» ليقطع آخر 22.5 كيلومتر تبعده عن المذنب للوصول إليه عقب ظهر أمس. وتعتبر الوكالة الهبوط المنتظر نقلة نوعية في الأبحاث الفلكية، ويشبه بعض الخبراء عملية الهبوط هذه بالهبوط على القمر عام 1969. وكانت تتوقع الوكالة حدوث مشكلة في الوحدة التي ستعمل على ألا يرتد المجس مبتعدا عن سطح المذنب سيكون الاعتماد كليا على خطاطيف تثبت المجس على سطح المذنب.
وقال باولو فيري رئيس المهام في وكالة الفضاء الأوروبية: «حدثت خلال الليل مشكلات عدة في التحضيرات، لكن قررنا المضي قدما. (روزيتا) مستعدة لعملية الانفصال».
وعلى الفريق أن يتأكد من إطلاق المجس فيلاي ذي الثلاثة أرجل في الوقت المناسب وبالسرعة المناسبة، لأنه لا سبيل للتحكم في عملية هبوطه على سطح المذنب التي تستغرق 7 ساعات. وكان موعد الهبوط المتوقع على سطح المذنب هو 1530 بتوقيت غرينيتش.
ويقيم الخبراء عملية الهبوط بأنها شديدة الصعوبة بسبب بنية تربة المذنب. ويسعى العلماء للحصول على بيانات عن نشأة النظام الشمسي عبر مهمة المركبة «روزيتا» التي تم إطلاقها في الفضاء قبل 10 أعوام. وانفصل المجس قبل فترة عن مركبة فضاء أوروبية استعدادا لهبوطه على سطح المذنب.
وكان علماء أوروبيون أمس (الأربعاء) بدأوا أول تجربة على الإطلاق لإنزال المجس على سطح مذنب وانفصل المجس بالفعل عن سفينة الفضاء (روزيتا)، وبدأ عملية الهبوط المتوقع التي استمرت 7 ساعات. وتعتبر هذه المرحلة أهم وأصعب مرحلة من مهمة مستمرة منذ 10 سنوات لجمع العينات لمعرفة المزيد عن تاريخ مذنبات الكون.
ويمكن لهذه العينات أن تكشف كيف تشكلت الأرض والكواكب الأخرى لأن المذنبات هي مخلفات من تشكل المجموعة الشمسية منذ 4.6 مليار عام. ويعتقد علماء أن المذنبات قد تكون مسؤولة عن جلب جزء كبير من المياه التي تمتلئ بها المحيطات الآن.
وقال علماء تابعون لإدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) يوم الجمعة الماضي، إن المذنب مر بكوكب المريخ الشهر الماضي وأمطره بآلاف الشهب في الساعة وكون طبقة جديدة من الجزيئات المشحونة بالأيونات في الغلاف الجوي للكوكب الأحمر.
ومع قرب حلول الظلام، اكتست سماء المريخ بمسحة من اللون الأصفر نتيجة الصوديوم الموجود في الغبار المتبخر للمذنب، مما أحدث ضوءا أصفر يشبه أضواء المصابيح في أماكن وقوف السيارات على الأرض.
وقال نيك شنايدر، عالم الكواكب في جامعة كولورادو في بولدر، للصحافيين في مؤتمر عبر الهاتف: «أعتقد أن رؤية هذا العدد الكبير من الشهب في الوقت نفسه كانت ستصبح تجربة مذهلة».
واستخدم العلماء أسطولا من المركبات الفضائية غير المأهولة التي دارت حول المريخ لدراسة المذنب «سايدينغ سبرينغ» لدى مروره يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) . ومر المذنب على بعد 139.500 كيلومتر فقط عن المريخ، أي أقل من نصف المسافة بين الأرض والقمر وأقرب 10 مرات من المسافة التي وصل إليها أي مذنب مر بالأرض من قبل.
وجاء المذنب من منطقة بعيدة في الفضاء تسمى سحابة أورط بها البقايا المتجمدة الناتجة عن تكون المجموعة الشمسية قبل نحو 4.6 مليار سنة. وترك المذنب بصمته على المريخ فخلف كميات كبيرة من الغبار في غلافه الجوي، متجاوزا توقعات نماذج الكومبيوتر. وغيرت «ناسا» من مسارات مركباتها الفضائية حتى تصبح خلف المريخ، وذلك لحمايتها من تأثير الغبار عند هبوب عاصفة الشهب.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».