مسعفو نيويورك «مرعوبون»... و«كورونا» حوّل مستشفياتهم إلى «ساحات قتال»

قرارات مصيرية بأيدي العاملين في خدمات الطوارئ

مسعفة تستجيب لمكالمة طوارئ في نيويورك (نيويورك تايمز)
مسعفة تستجيب لمكالمة طوارئ في نيويورك (نيويورك تايمز)
TT

مسعفو نيويورك «مرعوبون»... و«كورونا» حوّل مستشفياتهم إلى «ساحات قتال»

مسعفة تستجيب لمكالمة طوارئ في نيويورك (نيويورك تايمز)
مسعفة تستجيب لمكالمة طوارئ في نيويورك (نيويورك تايمز)

كانت المكالمة الأولى، بين عدد من الاتصالات تلك الليلة، لرجل يبلغ من العمر 24 عاماً، ويعاني من الحمى وآلام الجسد والسعال القوي.
عندما قام المسعفون في بروكلين بقياس درجة حرارته (39.4 درجة مئوية)، لاحظوا علامات حيوية مثيرة للفزع تشير إلى إصابته بفيروس «كورونا»: انخفاض حاد في الأكسجين المتدفق إلى الرئتين، مع ارتفاع في ضربات القلب، كما لو كان قد عاد لتوه من سباق الماراثون؛ نُقل فوراً إلى أقرب مستشفى.
وجاءت مكالمة الطوارئ التالية في وقت وجيز، وكانت لرجل يبلغ من العمر 73 عاماً، ويعاني من أعراض مشابهة لأعراض الشاب السابق عليه؛ نُقل بدوره إلى أقرب مستشفى.
وقال أحد المسعفين عن الأوضاع هناك: «إنها أشبه بميدان القتال».
وبعد عدة أيام، جرى إرسال أحد المسعفين، ويُدعى فيل سواريز، إلى منزلين في حي واشنطن هايتس في مانهاتن، حيث وجد عائلات بأكملها تعيش في شقق ضيقة، مصابين جميعهم بالفيروس. وقال سواريز الذي يعمل في خدمات الإسعاف الطبي في مدينة نيويورك منذ 26 عاماً، وساهم في جهود الإنقاذ التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ثم خدم لاحقاً في حرب العراق: «إنني مرعوب للغاية، ولا أعرف بصراحة ما إذا كنت سأستمر على قيد الحياة أم لا. ويشتد خوفي مما يمكن أن أحضره يوماً ما إلى منزلي بعد ساعات العمل».
وحتى مع اكتظاظ المستشفيات في مختلف أنحاء نيويورك بإصابات «كورونا»، يجري ترك بعض الحالات في المنازل، نظراً لعدم قدرة نظام الرعاية الصحية على التعامل معهم جميعاً، وذلك وفقاً لعشرات المقابلات الشخصية التي أجريت مع المسعفين، ومسؤولي إدارة الإطفاء في مدينة نيويورك، وممثلي النقابات العمالية، فضلاً عن بيانات مجلس المدينة.
وفي غضون أيام معدودة، سقط نظام الطوارئ «911» في مدينة نيويورك ضحية الاكتساح الكبير للوباء، وتواتر المكالمات الهاتفية المتّصلة بالجائحة الطبية الجديدة. وفي الظروف العادية، يستقبل نظام «911» نحو 4 آلاف مكالمة لطلب خدمات الطوارئ الفورية في اليوم الواحد. لكن في يوم الخميس الماضي، تلقى المسعفون أكثر من 7 آلاف مكالمة، في ارتفاع بالغ لم تشهده إدارة الطوارئ في المدينة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الإرهابية.
ونظراً لحجم المكالمات الكبير، يتخذ العاملون في خدمات الطوارئ قرارات مصيرية تتعلق بالحياة والموت حول المريض المستحق للنقل إلى غرف الطوارئ المزدحمة، والمريض الذي يمكن السماح له بالبقاء في منزله، وهم يقيّمون الحالات في مكان الإبلاغ، حيث ينبغي للمرضى أن يتلقوا تدابير طبية تستغرق وقتاً طويلاً، مثل الإنعاش القلبي الرئوي، ومحاولات إدخال الأنابيب إلى القصبة الهوائية.
كذلك فإنهم يقومون بتلك الخدمات، في أغلب الحالات كما يقولون، من دون معدات مناسبة لحماية أنفسهم من العدوى. ووصف المسعفون الأوضاع القاتمة في الوقت الذي تحولت فيه مدينة نيويورك إلى بؤرة من بؤر انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة، مع بلوغ حالات الإصابة إلى أكثر من 30 ألف حالة على الأقل، مع 672 حالة وفاة إلى الآن. وإذا ما استمر معدل النمو الراهن في حالات الإصابة في منطقة نيويورك على منواله، فسوف تعاني المدينة من انتشار أكثر قسوة وضراوة من الذي شهدته مدينة ووهان في الصين أو مدينة لومباردي في إيطاليا.
وقال أحد المسعفين في مدينة نيويورك ممن استجابوا لمحاولة انتحار امرأة شابة تناولت لتراً كاملاً من مشروب كحولي قوي إثر تأجيل تلقيها العلاج من مرض السرطان الذي تعاني منه، إن ذلك يرجع في جزء منه إلى إخلاء المستشفيات في المدينة للأسرة لأجل استقبال حالات الإصابة بوباء كورونا.
وقالت إحدى عاملات الإسعاف الأخريات إنها قد استجابت لكثير من حالات السكتات القلبية في مناوبة عمل واحدة، لدرجة توقف بطارية جهاز تنظيم ضربات القلب لديها عن العمل تماماً. وأضافت العاملة المذكورة من وحدة الإسعاف في بروكلين: «لا يهم أين أنت، أو من تكون، ولا يهم قدر المال الذي بحوزتك؛ إن ذلك الفيروس القاتل لا يميز بين غني أو فقير».
وقال فرانك دواير، الناطق باسم إدارة الإطفاء في مدينة نيويورك، إن حجم العمل الراهن يعد قياسياً وغير مسبوق، بالمقارنة بنظام «911» المعهود في المدينة سابقاً. وتابع دواير: «يقف فريق المسعفين والدعم الطبي لدينا على الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس في أوقات عصيبة وغير مسبوقة في تاريخ الإدارة. وهم يقومون بأعمالهم بكل مهنية واحترافية، ويتابعون أعمالهم بتفانٍ لأنهم يهتمون كل الاهتمام بالمرضى، كما يعنيهم أمر مدينتهم سواء بسواء».
وقالت الإدارة إنها بدأت في ترشيد لوازم الوقاية، في محاولة لتفادي حالات النقص والعجز المحتملة. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أبلغت الإدارة العاملين فيها بأنه يتعين عليهم إعادة أقنعة الوجه من طراز «إن 95» المستعملة، التي تقوم بترشيح 95 في المائة من الجسيمات المحمولة في الهواء شريطة استعمالها بصورة صحيحة، وذلك من أجل الحصول على قناع بديل.
وقال دواير: «تدير الإدارة الأمر بكل عناية، وتراقب استخدام لوازم الحماية الشخصية والإمدادات الحيوية، لضمان وجود ما هو مطلوب لتغطية هذه العملية طويلة الأجل».
وتظهر أوامر العمل على الشاشات الرقمية داخل سيارات الإسعاف، وتصطف أوامر العمل على الشاشة، في توصيف للمرضى والوفيات المتعددة في المدينة، وتتخللها المكالمات اليومية المعتادة التي ما تزال تستلزم الانتباه والتعامل، مثل الإصابات والحوادث والنوبات القلبية.
ولطالما شهدت مختلف شوارع مدينة نيويورك انطلاق «سرينة» الإسعاف أو الإطفاء بين الحين والآخر. لكن الآن، ومع إغلاق كثير من الأنشطة التجارية في المدينة، وهدوء وتيرة الحياة فيها تماماً، ارتفعت أصوات تلك السيارات في تردّد لا نهائي عبر الشوارع شبه المهجورة من المارة والسكان.
وقبل 3 أسابيع فقط، كما يقول المسعفون، كان أغلب المكالمات ذا الصلة بفيروس كورونا يأتي بسبب ضيق في التنفس أو الحمى. أما الآن، ومع نوعية المرضى أنفسهم، بعد عودتهم إلى منازلهم من المستشفيات، أصبحوا يعانون من فشل في بعض أعضاء الجسد أو توقف في عضلة القلب.
ويقول موظف الإسعاف من بروكلين الذي يعمل حالياً لدى إدارة الإطفاء: «إننا نصل بهم إلى نقطة تجاوز حد المعاوضة، إذ إن الطريقة التي يجتاح بها الفيروس جسم الإنسان تعصف بكل ما نعرفه عن الإسعافات الطبية».
وبالطريقة نفسها التي تكافح بها مستشفيات المدينة من أجل القوى العاملة والموارد، يتلاعب الفيروس الجديد بتدابير خدمات الطوارئ الطبية التقليدية بسرعة غير معقولة. فإن المسعفين الذين كانوا ينقلون مرضى يعانون من الوعكات الصحية المعتدلة إلى المستشفيات، أصبحوا يشجعون أي شخص ليس لديه مرض خطير أو مشكلة صحية عاجلة بالبقاء في المنزل. وعندما يتلقون الاتصال من كبار السن لمشكلات صحية متنوعة، يخشى المسعفون من نقلهم إلى غرف الطوارئ في المستشفيات، حيث يمكن أن يتعرضوا للإصابة بالفيروس القاتل هناك. وقالت إحدى عاملات الإسعاف لمريضة تبلغ من العمر 65 عاماً في بروكلين، كانت قد نقلتها قبل ذلك إلى المستشفى بسبب مشكلات صحية متكررة، إنه يتعين عليها المكوث في المنزل هذه المرة، والاتصال مباشرة بطبيبها المعالج.
وفي مدينة نيويورك، تتلقى مكالمات الطوارئ على رقم «911» من شعبة الإسعاف في إدارة الإطفاء، وشركات الإسعاف الخاصة الموزعة على مناطق المستشفيات. ومهامهم متماثلة بالقدر نفسه من الفاعلية: الاستجابة إلى مكالمات الطوارئ الطبية نفسها، التي تتحدد بدرجة كبيرة من خلال أقرب أفراد طاقم الطوارئ، وأيهم متاح على نحو السرعة. ولم تصدر المدينة أو وزارة الصحة في الولاية أو المراكز الفيدرالية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها القواعد الصارمة لكيفية استجابة المسعفين لمكالمات التعامل مع فيروس كورونا. وفي الأيام الأخيرة، منحت سياسة إدارة الإطفاء، التي تنسحب على أطقم سيارات الإسعاف التابعة لنظام «911» للطوارئ كافة- مزيداً من المجال للمسعفين لاتخاذ القرارات بشأن كيفية التعامل الفوري مع المرضى الذين يظهر لديهم فيروس كورونا.
ووجهت الإرشادات الأخيرة المسعفين الطبيين إلى مداومة ارتداء الأقنعة الجراحية والقفازات وحماية العين عند التعامل مع المرضى المشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا. ولا يتم ارتداء أقنعة «إن 95»، التي يوجد نقص في المعروض منها، إلا في بعض الحالات والإجراءات المعينة فقط.
ونظرا لأن كثيراً من المستشفيات في حاجة شديدة إلى معدات الحماية الشخصية، مثل أقنعة «إن 95»، فإن هناك حالة من العجز في تلك اللوازم لدى أطقم الإسعاف التي تستعين بها المستشفيات حالياً.
وقالت عاملة الإسعاف من بروكلين إنها بدأت في حياكة الأقنعة المحلية الخاصة بها باستخدام المناديل ومرشحات القهوة المنزلية، فيما ذكرت مسعفة أخرى من بروكلين أيضاً أنها ظلت تستخدم قناع «إن 95» نفسه لمدة أيام. وفي الأسبوع الماضي، عندما كانت تغادر هي وشريكتها مبنى سكنياً بعد الاعتناء بأحد المرضى، التقى بهما مشرف المبنى في الطابق الأرضي الذي لاحظ المعدات البالية التي بحوزتهما، وأعطى كل منهما قناع «إن 95» جديداً وعبوة من مادة مطهرة.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.