أثر «كورونا» في الإعلام جوهري

أثر «كورونا» في الإعلام جوهري
TT

أثر «كورونا» في الإعلام جوهري

أثر «كورونا» في الإعلام جوهري

في أجواء المتابعة اللاهثة لتفاعلات «كورونا» الخطيرة والسريعة في آن، لم يجد كثيرون الوقت اللازم لتدبر ما قد يحدثه هذا الفيروس من تغيرات جوهرية في الدول والمجتمعات وفي قطاعات العمل والأنشطة الإنسانية.
ظهرت بعض الومضات التي رامت تقييماً إجمالياً ذا نزعة استشرافية في عدد من المجالات، ومع ذلك فإنها خفتت سريعاً، خصوصاً أنها، في معظمها، نحت منحى تعميمياً، واستندت إلى الانطباع، وافتقدت تأييد الأرقام، وبدت رهينة للمخاوف والغموض، ومائلة إلى التشاؤم.
من جانبي، سأجازف وأقترح تقييماً مبدئياً لأثر «كورونا» في صناعة الإعلام، وهو أثر يمكن إجماله في خمسة عوامل؛ أربعة منها إيجابية، أما الخامس فسيكون سلبياً وله تداعيات مؤلمة.
الأثر الأول لـ «كورونا» في صناعة الإعلام يتلخص في أن هذا الفيروس سيشجع الصناعة على إجراء تغيير جذري في آليات عملها، وصولاً إلى ما يمكن وصفه بأنه «نموذج أعمال جديد»؛ حيث سيتم تخفيف أعداد العاملين، والاعتماد على مناوبات لبعض الوقت، والسماح لأعداد كبيرة من الكوادر بالعمل من المنزل، والقيام بتغطيات «ميدانية» عن بعد، وتصميم دورة عمل (Workflow) أكثر ذكاء واعتمادية تقنية.
لقد حدث هذا بالفعل على مدى الأسابيع الفائتة، وحتى هذه اللحظة بدت النتائج أكثر من جيدة، وعبر تقييم النتائج، وتجاوز الأخطاء، ستنتهي أزمة «كورونا» ومعها صيغة عمل إعلامية جديدة، تمت تجربتها، وأثبتت نجاعة.
أما الأثر الثاني لـ «كورونا» في صناعة الإعلام فيتمثل في إعادة صياغة أولويات الجمهور وصناع الأجندات الإعلامية، لقد أمكن لنا أن نختبر قدرة الجمهور على الإخلاص لأولويات جادة، صحيح أن ذلك حدث في أجواء الغموض والخطر، التي تأخذ الجمهور حتماً إلى البحث عن البدائل ضمن التغطيات الموثوقة، لكنه كان تمريناً صحياً على أجندة أولويات لا تتصدرها المعالجات الترفيهية والأخبار الخاطفة للاهتمام والخالية من المعنى.
ويتجسد الأثر الثالث لـ«كورونا» إعلامياً في إعادة الاعتبار لوسائل الإعلام الموصوفة بـ«التقليدية» في مواجهة تلك المعروفة بـ«الجديدة». هنا سيعود الفضل مجدداً لأجواء الغموض والخطر، التي يزيد فيها ميل الجمهور، بحسب خبراء الإعلام، إلى البحث عن المصادر الأكثر صدقاً، والتي تخضع لنمط من المحاسبة والمساءلة بطبيعتها.
بسبب تلك الأجواء من جانب، وطبيعة «السوشيال ميديا» غير الخاضعة لأي نوع من أنواع الضبط من جانب آخر، أُعيد الاعتبار للصحيفة والتليفزيون ووكالة الأنباء، وراحت التفاعلات على «السوشيال ميديا» تنحسر في الأهمية والاعتماد رغم كثافة التعرض، أو على الأقل بات الجمهور أكثر حرصاً على تدقيق ما يرد عبرها، وأبعد خطوة عن الوقوع ضحية لشططها.
واتصالاً بهذه العوامل الثلاثة، وبناء عليها، يبرز الأثر الرابع لـ «كورونا» في الإعلام؛ إذ يبدو أن قطاعات غالبة من الجمهور انخرطت طوعاً في ورشة «تربية إعلامية» (Media Literacy) كبرى.
في هذه الورشة باتت تلك القطاعات أكثر وعياً واهتماماً بطبيعة الوسائل التي تحصل منها على المعلومات، وبسمعتها المهنية، وأكثر تدقيقاً في صحة المصادر، وأكثر رغبة في الاعتماد على مصادر متنوعة موثوقة، وأقل قابلية للتلاعب؛ وهي كلها من نتائج «التربية الإعلامية» الفعالة، التي تستهدف إجمالاً تعزيز قدرات الجمهور على التعامل مع وسائل الإعلام.
في مقابل تلك العوامل الأربعة الإيجابية، يبرز العامل الخامس الذي يتسم بالسلبية للأسف؛ إذ يبدو أن وسائل الإعلام ستُمنى بخسائر اقتصادية كبيرة نتيجة لتراجع عوائد الإعلان، وصعوبات عمليات الإنتاج. قد تتوقف بعض الصحف المطبوعة عن الصدور تحت وطأة الأزمة المستجدة التي تضافرت مع المشكلات المزمنة، وستقلص بيوت إنتاج كبرى عملياتها، وسيتم صرف بعض العاملين.
بسبب «كورونا» ظهر عدد من التأثيرات الإيجابية في صناعة الإعلام، وهي تأثيرات يبدو بعضها جوهرياً، والأمل في أن يكون مستداماً.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».