عدنان الزرفي... خرق جدار «الجيل الأول» من القيادات الشيعية

يتأهب لتولي الموقع السياسي الأول في العراق

عدنان الزرفي... خرق جدار «الجيل الأول» من القيادات الشيعية
TT

عدنان الزرفي... خرق جدار «الجيل الأول» من القيادات الشيعية

عدنان الزرفي... خرق جدار «الجيل الأول» من القيادات الشيعية

وسط الظروف الصعبة التي يعيشها العراق، كلّف عدنان الزرفي، محافظ النجف السابق، بتشكيل الحكومة العراقية. غير أن كل المؤشرات تبين أن التحديات التي تواجه الزرفي جدية. بل يرى كثيرون أن مهمته أشبه بـ«المهمة الانتحارية» في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد بسبب تردي أسعار النفط، والأزمة الصحية بسبب تفشي فيروس الكورونا، والخلل الأمني، ناهيك من الانقسام السياسي – وبالذات، داخل البيت الشيعي.

تولت دبابة أميركية ضخمة عصر التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 تحطيم تمثال الرئيس الأسبق صدام حسين في ساحة الفردوس بالعاصمة العراقية بغداد مؤذنة بإسقاط نظامه الذي استمر 35 سنة. غير أن تلك الدبابة باتت بعد 17 سنة من وصول معظم الطبقة السياسية على ظهرها، بمن فيهم رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، مصدر خوف وقلق للطبقة السياسية ذاتها. ثم إن الأفراح التي رافقت دخول الدبابات الأميركية إلى بغداد، آتية من الكويت عبر البصرة، كانت نظم معظمها قيادات المعارضة العراقية التي أقنعت الولايات المتحدة الأميركية بضرورة إسقاط نظام صدام حسين.
يومذاك جاء الإقناع على مراحل، بدءاً من عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، في تسعينات القرن الماضي، الذي وقّع «قانون تحرير العراق» ورصدت له واشنطن – في حينه - نحو 97 مليون دولار أميركي... وانتهاء بعهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.
في عهدي الرئيسين كلينتون وبوش الابن كانت الذريعة واحدة هي نزع أسلحة الدمار الشامل التي مارس النظام السابق سياسة الإنكار بشأنها، من دون أن يتعامل بشفافية مع فرق التفتيش الدولية التي تضاعفت مخاوفها بشأن امتلاكه لها أو بعضا منها.

بعد الدخول الأميركي

وفي أعقاب دخول الأميركان إلى بغداد ومعهم قادة المعارضة العراقية معهم، كان قد دخل العراق أيضاً عدد كبير من العراقيين من مستويات مختلفة. هؤلاء كانوا من معارضي الداخل حتى عام 1991 بعد حصول «الانتفاضة الشعبانية» التي تمكن صدام من القضاء عليها، فتوجهت أعداد من هؤلاء إلى معسكر رفحاء بالمملكة العربية السعودية، وتحوّلوا بعدها على مراحل إلى قارات العالم المختلفة.
كان من بين هؤلاء شاب من أبناء مدينة النجف اسمه عدنان الزرفي، يحمل شهادة في الفقه. كانت حصة الزرفي الولايات المتحدة الأميركية، قبل حصوله على شهادات أخرى من بينها شهادة بالأمن الوطني.
بعد عام 2003. وبالذات في أبريل من ذلك العام، عاد الزرفي مع من عاد من كبار قادة المعارضة ممن كانت لهم صولات وجولات في الإعلام والذين تشكل ما عرف بـ«مجلس الحكم» الانتقالي منهم ومن سواهم.

محافظ النجف

في الواقع، لم يكن الزرفي آنذاك سوى مترجم شاب، بمعنى أنه لم يكن ضمن القادة، ولا الصف الثاني وربما حتى الثالث. بيد أن هذا الشاب لفت الأنظار إليه بقوة، خصوصا، بعدما أصبح محافظا لواحدة من أهم المحافظات العراقية ذات الخصوصية الدينية وهي محافظة النجف، حيث مقر الحوزة الدينية ومقر إقامة أعلى مراجع الشيعة في العالم آية الله علي السيستاني.
الزرفي وبعد نجاحه اللافت في هذه المحافظة تمكن من انتزاع ولاية ثانية لها فيها ليواصل تقدمه فيما بعد حتى دخول الانتخابات البرلمانية. ومع أنه يملك كتلة سياسية اسمها «الوفاء» لكنه دخل في انتخابات عام 2018 ضمن تحالف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.

الإزاحة الجيلية

ينتمي عدنان الزرفي إلى الجيل الثاني من القيادات الشيعية التي لم يتمكن أي منها من القفز إلى الموقع التنفيذي الأول في البلاد، أي منصب رئيس الوزراء الذي يرتبط به منصب ربما أخطر منه هو القائد العام للقوات المسلحة. فعلى مدى الأعوام الـ17 الماضية بقي قادة الجيل الأول يحتكرون هذا المنصب بدءاً من الدكتور إياد علاوي ووصولاً إلى عادل عبد المهدي، مرورا بكل من الدكتور إبراهيم الجعفري ونوري المالكي والدكتور حيدر العبادي. غير أن إشكالية مع الزرفي لا تكمن في كونه ينتمي إلى جيل ثان من زعامات الشيعة ربما لا يزال ينظر إليه على أنه غير مؤهل لتسلم الموقع الأول في البلاد، بل تكمن في التهمة التي ينظر بها قسم من تلك الزعامات إليه وهو كونه من وجهة نظره خيارا أميركيا. والمعروف أن هذا الموقع بات حصراً من حصة المكون الشيعي. وحقيقة الأمر لأنه في ظل الاصطفافات في المنطقة، وفي المقدمة منها الصراع الأميركي ـ الإيراني، فإن الزرفي - الذي كلفه رئيس الجمهورية برهم صالح بموجب الدستور - بدا وكأنه يمثل خرقاً للتوافقات الشيعية التي تبقى هي الحاكمة... بصرف النظر عن اصطدامها بالدستور والمُدد الحاكمة في تكليف رئيس وزراء.

سيرة ذاتية بأثر رجعي

حين ظهر الزرفي عام 2004. إلى جانب بول بريمر - الحاكم الأميركي للعراق آنذاك - بوصفه محافظا للنجف، ما كان يجرؤ أحد على القول إنه «مترجم جاء مع الأميركان»، حاله حال كل قادة المعارضة، بدءاً من أبرز نجوم خطها الأول ممن عينهم بريمر أعضاء في مجلس أطلق عليه تسمية «مجلس الحكم». ولكن، بالفعل، لم تكن له سوى صفة استشارية بالقياس إلى الصلاحيات المطلقة التي كان يتمتع بها الحاكم المدني.
ثم في أعقاب مغادرة بريمر العراق بعد سنة، كتب كتابه المعروف «عام قضيته في العراق» وتحدث كثيرا عن «مجلس الحكم» وأعضائه الخمسة والعشرين الذين تحمل غالبيتهم مسؤوليات كبيرة في العراق، بما فيها مناصب رئيس الجمهورية والوزراء والبرلمان.
غير أن بريمر لم يأت على ذكر القيادي - الشاب في حينه - عدنان الزرفي، الذي استمر يقضم بالمناصب متحليا بكفاءته وجسارته الشخصية، فبات محافظا للنجف ونائبا في البرلمان ومكلفا لرئاسة الوزراء.
المفارقة اللافتة أن ذم الزرفي بوصفه «مترجما للأميركان» ارتبط الآن بتكليفه من قبل الرئيس العراقي برهم صالح لتشكيل الحكومة، ولم يتطرق مناوئوه إلى هذه السيرة التي يعيدون فتحها الآن بأثر رجعي بعد أن اتضح أن الزرفي سيكون خيارا صعبا بالنسبة للقوى المناوئة له، لأنه بينما هم يرونه أميركي الهوى، يرى هو نفسه أنه خيار عراقي وكل أولوياته عراقية بدءاً من طريقة حفظ السيادة.

طريقة تكليف طبيعية

وفي لقاء عقده الزرفي خلال الأسبوع الماضي مع مجموعة من الإعلاميين، وحضرته «الشرق الأوسط»، تحدث الرجل بوضوح عن خياراته ومهامه المستقبلية في حال نالت حكومته الثقة داخل البرلمان. ومما قاله إن «طريقة تكليفي جاءت طبيعية كوني أحد المرشحين للمنصب، ومع نفاد المهلة الدستورية المقررة لاختيار مكلف لتشكيل الحكومة، ولم تكن عبر صفقة بأي شكل من الأشكال مع الرئيس برهم صالح».
وأضاف الزرفي أن «طريقة التكليف طبيعية جداً، خصوصاً، أن رئيس الجمهورية استنفد كل الطرق التي يمكن اتباعها؛ سواءً التزامه المهلة الدستورية، أو طلبه من الكتل السياسية المعنية بالأمر حسم الأمر قبل يوم من نهاية المهلة، فضلاً عن توجيه استفسار إلى المحكمة الاتحادية».
وحول ما يقال عن أنه خيار أميركي للمنصب، أكد الزرفي «إنني خيار عراقي أولاً وآخراً، وإن كون المرء اضطر في فترة من حياته، حين ضاقت السجون والمعتقلات في زمن النظام السابق، للذهاب مجبراً إلى هذا البلد أو ذاك، من ضمنها الولايات المتحدة، ليصبح أميركياً، فإن هذا منطق لا يقبله العقل».

علاقات متوازنة

وأوضح الرئيس المكلّف أن «ما يهمني بالدرجة الأساس هو بناء علاقات متوازنة مع جميع دول المنطقة؛ سواءً كانت عربية حيث إن محيط العراق عربي، أو إسلامية حيث إن محيط العراق إسلامي أيضاً، بالإضافة إلى إقامة علاقات دولة متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية على قاعدة المصالح المشتركة مع أولوية لمصالحنا الوطنية».
وبشأن خياراته في تشكيل الحكومة المقبلة في ظل العديد من الأزمات؛ من بينها أزمة علاقته مع شركائه في البيت الشيعي، قال الزرفي إنه «بدأ أمس مشاوراته لتشكيل الحكومة»، مؤكداً على أهمية «أن يشارك فيها الجميع».
وأشار إلى أن الحكومة العتيدة «فضلاً عن كونها حكومة أزمة، نظراً لطبيعة التحديات التي تواجهها والتي تتطلب مشاركة الجميع فيها، فإن مهمتها سوف تكون لسنة فقط يتم خلالها الإعداد لإجراء انتخابات مبكرة».
كذلك أكد الزرفي أن «قرار إجراء الانتخابات المبكرة ليس قراراً حكومياً فقط؛ بقدر ما هو قرار سياسي يتعلق بطبيعة استعدادات الكتل والقوى السياسية لإجراء مثل هذه الانتخابات، وبالتالي فإنه في حال طلبت مني الكتل السياسية في حال مضيت في تشكيل الحكومة إجراءها في غضون 3 أشهر، فإنني سوف أكون مستعداً لذلك».
وتابع فأوضح أنه «بصرف النظر عن المواقف، فإنني لن أمضي إلا بتوافق جميع الأطراف والمكونات، لأنني أريد حكومة يشارك فيها الجميع»، كاشفاً عن «استمرار اتصالاته مع مختلف الأطراف؛ بما فيها الأطراف التي لا تزال تتحفظ على اختياره».
وبشأن البرنامج الحكومي الذي سيطرحه الزرفي على القوى السياسية، أشار إلى أن «برنامجي الحكومي مختصر طبقاً للتحديات الأساسية التي نواجهها الآن، وهو التحدي الخارجي؛ بما في ذلك مجلس الأمن والتحالف الدولي، حيث إن الموقف من العراق يبدو سلبياً، وربما نتعرض إلى عقوبات ما لم نأخذ ذلك بنظر الاعتبار». وأردف «أما التحدي الثاني» الذي عدّه الزرفي مهماً خلال المرحلة المقبلة، فهو «الاحتجاجات الجماهيرية التي يجب التعامل معها بوصفها أولوية من أولويات عملنا، لا سيما أن المطلب الأساس للمتظاهرين هو إجراء انتخابات مبكرة، وهو ما يجب العمل عليه، علماً بأن التظاهرات كانت عراقية خالصة، ولم تكن حزبية أو مسيّسة. وبالتالي لا بد من الارتفاع إلى مستوى ما مثلته من تحدٍّ لنا جميعاً كطبقة سياسية ومجتمع». ومن ثم، بيّن أن «من بين ما يجب القيام به على صعيد التظاهرات هو التعامل بجدية مع ملف قتل المتظاهرين واختطافهم؛ حيث لا يمكن التغاضي عن ذلك تحت أي ذريعة».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».