يهدد بما هو أسوأ من «الانهيار الكبير»... «كورونا» قد يدمر الاقتصاد العالمي

مواطنون يرتدون كمامات في شوارع إسطنبول للوقاية من «كورونا» (رويترز)
مواطنون يرتدون كمامات في شوارع إسطنبول للوقاية من «كورونا» (رويترز)
TT

يهدد بما هو أسوأ من «الانهيار الكبير»... «كورونا» قد يدمر الاقتصاد العالمي

مواطنون يرتدون كمامات في شوارع إسطنبول للوقاية من «كورونا» (رويترز)
مواطنون يرتدون كمامات في شوارع إسطنبول للوقاية من «كورونا» (رويترز)

خلال أسابيع، أدى تفشي فيروس كورونا المستجد وعزل ملايين الأشخاص إلى إضعاف الاقتصاد العالمي إلى درجة أن خبراء الاقتصاد يتوقعون أعنف انكماش في التاريخ الحديث، وقد يكون أسوأ من «الانهيار الكبير».
ويتوقع أن يواكب ذلك ارتفاع في معدل البطالة. وسيكون حجم الصدمة مرتبطاً بأساليب العلاج التي تتبعها الحكومات والمصارف المركزية والمؤسسات الدولية، وبمدة الأزمة الصحية، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
يتوقع خبراء الاقتصاد في وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، أن «تواجه اقتصادات دول مجموعة العشرين الصدمة في الجزء الأول من العام وتسجل انكماشاً في 2020 قبل أن تسجل ارتفاعاً من جديد في 2021».
وقال الأمين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، أنخيل غوريا، لشبكة «بي بي سي»، إنه يتوقع أن يعاني الاقتصاد العالمي «لسنوات».
وتبدو الأزمة الحالية أقسى من تلك التي حدثت في 2008؛ لأنها لا تطال القطاع المالي فقط، بل تطال جزءاً من الاقتصاد الحقيقي أيضاً مع انهيار الإنتاج وبالتالي العرض، وكذلك الطلب بسبب العزل المفروض على ملايين الأشخاص.
والنقل والسياحة والتوزيع كلها قطاعات منكوبة، لكن قطاعات أخرى وضعها أفضل مثل الصيدلة والصناعات المرتبطة بالمعدات والمنتجات الصحية والتجارة الإلكترونية للمواد الغذائية.
ويفترض أن تشهد دول مجموعة العشرين مجتمعة انكماشاً نسبته 0.5 في المائة في إجمالي الناتج الخام هذه السنة، حسب وكالة «موديز». في الولايات المتحدة سيبلغ هذا الانكماش -2 في المائة، وفي الاتحاد الأوروبي –2.2 في المائة. وتضيف «موديز»، أن نمو الصين سيبلغ 3.3 في المائة، وهي وتيرة ضعيفة جداً لهذا البلد.
وتتوقع مجموعة «موديز» المصرفية للولايات المتحدة انكماشاً نسبته 3.8 في المائة في 2020، بينما يرى «دويتشه بانك» أنه أسوأ انكماش للاقتصاد الأميركي منذ «الحرب العالمية الثانية على الأقل».
في أوروبا، تحدث وزير الاقتصاد الألماني عن انكماش «لا يقل» عن 5 في المائة في 2020 في ألمانيا وفرنسا، بينما تتوقع وكالة «موديز» نسبة 1.4 في المائة. ويتحدث نونو فرنانديز الأستاذ في جامعة «آي أي إس أي بيزنس سكول» عن انكماش نسبته -2 في المائة في 2020 وفق سيناريو يعتمد على انتهاء الأزمة الصحية في نهاية يونيو (حزيران). وبالنسبة للمملكة المتحدة، تتوقع مجموعة «كي بي إم جي» تراجعاً أكبر يبلغ 2.6 في المائة، ويمكن أن يبلغ الضعف إذا استمر الوباء حتى نهاية الصيف.
في منطقة اليورو التي تمتلك تشريعات للعمل أكثر حماية، يتوقع مكتب «كابيتا إيكونوميكس» ارتفاعاً في معدل البطالة بنسبة 12 في المائة بحلول نهاية يونيو «ما يسقط سبع سنوات من المكاسب في هذا المجال»، وإن كان تحسن سيسجل في النصف الثاني من العام.
في بريطانيا والولايات المتحدة، يبلغ معدل البطالة مستويات منخفضة تاريخياً بفضل ارتفاع عدد الوظائف الهشة في إطار «أعمال صغيرة».
وفي الولايات المتحدة، حيث يمكن تسريح الموظفين الذين لديهم عقود طويلة الأمد، أعلنت وزارة العمل الخميس تقدّم 3.3 مليون شخص بأول طلب لتعويضات البطالة المسجلة، وذلك للأسبوع الممتد بين 15 و21 مارس (آذار) وبارتفاع بثلاثة ملايين طلب عن الأسبوع السابق الذي سجّل نحو 282 ألف طلب جديد. ويعدّ هذا الرقم غير مسبوق في الولايات المتحدة.
حتى إنّ جيمس بولارد، رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» في سانت لويس، صرح في مقابلة مع وكالة «بلومبرغ» للأخبار المالية، بأن معدل البطالة قد يرتفع إلى 30 في المائة في الأشهر المقبلة.
يثير وباء كورونا المستجد الكثير من الشكوك حول تغير الأسعار بين مخاطر كساد اقتصادي وانكماش إذا انهار الطلب لفترة طويلة، لكن مع الضغط التضخمي إذا تم تخفيض أسعار العملات أو حدثت أزمات نقص في المواد... وتعدّ معدلات التضخم منخفضة حالياً وبعيدة بشكل عام عن أهداف المصارف المركزية، خصوصاً في المملكة المتحدة.
في المملكة المتحدة، يوضح كارل إيمرسون من معهد الدراسات الضريبية، أن الدين الذي يشكل نحو 90 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي مرتفع حالياً، لكنه «بلغ نحو 260 في المائة بعد الحرب العالمية الثانية».
أما عجز الحسابات العامة، فكان منذ فترة غير بعيدة يبلغ 2 في المائة؛ وهو ما جعله المحافظون قاعدة في ميزانيتهم، وارتفع إلى 10 في المائة خلال الأزمة المالية في 2008.
ويفترض أن يشكل الدين والعجز أصغر هموم المسؤولين بينما معدلات التمويل منخفضة تاريخياً على حد قول جوناثان بورت أستاذ الاقتصاد في جامعة «كينغز كوليدج» في لندن.
لكن من واشنطن إلى برلين، يبدو أن السلطات تغض النظر عن السياسات الميزانية المتشددة عبر الإعلان عن خطط إنعاش قيمتها آلاف المليارات من الدولارات.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟