أوروبا تحبس أنفاسها بعد {شفاء} الصين

الجيش الايطالي في شوارع ميلانو (رويترز)
الجيش الايطالي في شوارع ميلانو (رويترز)
TT

أوروبا تحبس أنفاسها بعد {شفاء} الصين

الجيش الايطالي في شوارع ميلانو (رويترز)
الجيش الايطالي في شوارع ميلانو (رويترز)

بعد أن أعلنت الصين لليوم الثالث على التوالي أنها لم تسجّل أي إصابة محلّية جديدة بفيروس كورونا الذي يواصل انتشاره بسرعة في كل الاتجاهات، تحبس الدول الأوروبية أنفاسها أمام التوقعات بموجة قريبة من سريان على نطاق واسع للعدوى، وتراقب بقلق متزايد عدّاد الإصابات الذي يواصل صعوده السريع ويسجّل كل يومٍ رقماً قياسياً جديداً في عدد الوفيات في إيطاليا، فيما بدأت مستشفيات مدريد تطلق نداءات الاستغاثة بعد أن بلغت أقصى قدرتها الاستيعابية في وحدات العناية الفائقة التي زاد الإقبال عليها بنسبة 40 في المائة في الـ24 ساعة الماضية رغم أنها ألغت منذ أسبوع كل الجراحات والمعاينات غير الطارئة لمواجهة أزمة «كوفيد 19» التي اقترب عدد ضحاياها في إسبانيا من 1500 نصفهم تقريباً في العاصمة.
ومع وصول بعثة صحية كورية أمس تضم أكثر من خمسين طبيباً لمساعدة إيطاليا في مواجهة هذه الأزمة، قالت وزارة الصحة الإيطالية إن 3300 من الأطباء والممرضين مصابون بالوباء بسبب من عدم الامتثال الدقيق لإجراءات الوقاية في المستشفيات والتصرفات غير المسؤولة للمواطنين، فيما تتوالى المناشدات من جهات عدة لكي تفرض الحكومة حظر التجول التام والشامل في كل المناطق.
وأمام الارتفاع المضطرد والسريع للإصابات والوفيات من غير أن تظهر علامات على تراجعها قريباً، قررت الحكومة الإيطالية تشكيل لجنة كلّفتها وضع خطة طارئة للانتقال إلى تطبيق النموذج الذي اعتمدته كوريا الجنوبية لاحتواء الفيروس، الذي أظهر نجاعته في الحد بسرعة من انتشاره وخفض عدد الوفيات. وقال ناطق باسم وزارة الصحة إن «التجربة الكورية تؤكد القدرة على إخماد هذا الحريق وسنكون جاهزين للمباشرة في تطبيقها اعتباراً من أواسط الأسبوع المقبل».
تجدر الإشارة إلى أن التجربة الكورية قامت منذ المرحلة الأولى على إجراء أكبر عدد ممكن من الاختبارات لتحديد المصابين وفرض العزل الإلزامي عليهم، ثم اللجوء إلى التطبيقات التكنولوجية المتطورة، عن طريق المعلومات الصحية والهواتف الذكّية وبطاقات الائتمان وكاميرات المراقبة في الشوارع والمتاجر، لتحديد الأماكن التي كانوا يرتادونها والأشخاص الذين تواصلوا معهم تمهيداً لعزلهم أيضاً في المنازل أو المستشفيات حسب درجة خطورة الإصابة. ويقول والتر ريتشياردي مستشار وزير الصحة الإيطالي: «نعرف أن هذا النموذج المقتبس عن التجربة الصينية الأكثر صرامة يواجه تطبيقه بعض العقبات القانونية في إيطاليا، والغرب عموماً، من حيث انتهاكه السرّية الفردية، لكن نحن على يقين من أننا سنتمكن من تذليل هذه العقبات سريعاً في مثل هذا الظرف، خاصة أن الهدف منه هو العودة إلى الحرية».
وما زالت السلطات الإيطالية تواجه صعوبات كثيرة لفرض تطبيق إجراءات الحظر في العديد من المناطق، وهي تدرس تكليف القوات المسلّحة مهمة الإشراف على تنفيذها في جميع أنحاء البلاد اعتباراً من الأسبوع المقبل.
وفي إسبانيا التي سجّلت أكثر من 400 حالة وفاة في يوم واحد، بينما تشدّد الحكومة في بياناتها اليومية على أن الأيام المقبلة ستكون الأصعب، خاصة أن مستشفيات مدريد، حيث سُجّل حتى الآن أكثر من نصف الإصابات والوفيات، تعمل بما يتجاوز بكثير قدرتها الاستيعابية. ويتساءل المسؤولون عن «لغز» العدد الضئيل من الوفيات في حالة ألمانيا التي ما زال عدد الإصابات فيها دون العدد في إسبانيا مع الفارق الكبير في عدد السكّان. ويرجّح الخبراء أن عدد الوفيات الألمانية الذي لم يتجاوز 70 من أصل 19 ألف إصابة، قد يعود لأسباب ثلاثة: أن الوباء ظهر متأخراً في ألمانيا، وغالبية المصابين من الشباب، وأن الإسراع في إجراء عدد كبير من الاختبارات ساهم في رصد الإصابات ومعالجتها قبل تفاقمها.
وعلى صعيد المواجهة الأوروبية للتداعيات الاقتصادية الكارثية المرتقبة للأزمة، تجهد الحكومتان الإيطالية والإسبانية، بالتعاون مع فرنسا، لإقناع الشركاء الأوروبيين بالموافقة على خطة مالية طموحة وبعيدة المدى، تتجاوز الخطة التي أعلن عنها المصرف المركزي مؤخراً بقيمة 750 مليار يورو وخطط المساعدات الوطنية التي يقدّر الخبراء أنها لن تكون كافية إزاء التوقعات بطول الأزمة.
وفي بروكسل بدأ خبراء المفوضية يطلقون على هذه الخطة مصطلح «سندات كورونا»، بعد أن ناقشها وزراء المال والاقتصاد للمرة الأولى مطلع هذا الأسبوع من غير التعمّق فيها أو تحديد مواصفاتها. وتقول مصادر المفوضية إن ألمانيا وهولندا، اللتين تترددان في الموافقة عليها، قد تتجاوبان قريباً مع الخطة إذا تحددت مواصفاتها وشروطها بدقّة، خاصة أن معالجة هذه الأزمة بات يتوقّف عليها مستقبل منطقة اليورو والمشروع الأوروبي بكامله.
وفي تصريحات فسّرها المراقبون بأنها مزيد من الضغط على ألمانيا كي تتجاوب مع فكرة «سندات كورونا»، قالت رئيسة المصرف المركزي الأوروبي إن المصرف ليس قادراً وحده على تحمّل وزر هذه الأزمة، فيما صرّح رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتي إن بلاده لا تريد أن تسمع شيئاً عن المزيد من التقشّف وشدّ الأحزمة، وأن هذه الأزمة ستكون مفصلية في تاريخ المشروع الأوروبي وقد يتوقف بقاؤه على النجاح أو الإخفاق في معالجتها.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».