الصين تعود للعمل وأوروبا تدخل مراحل الشلل

TT

الصين تعود للعمل وأوروبا تدخل مراحل الشلل

في الوقت الذي بدأت فيه الصين الإعلان عن عودة عمل المصانع واستئناف الإنتاج، تشدد الدول الأوروبية الخناق، فتغلق الشركات والمصانع، للسيطرة على تفشي فيروس كورونا، رافعة شعار «خليك في البيت».
وبعد أن بدت أوروبا بؤرة تفشي الفيروس، أعلنت لجنة الدولة للتنمية والإصلاح الصينية، أمس (الثلاثاء)، أن أكثر من 90 في المائة من المؤسسات الصناعية الرئيسية على مستوى المقاطعات في الصين قد استأنفت العمل والإنتاج بفضل التدابير المتخذة.
وأوضحت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، أن هذا الاستئناف لا يشمل مناطق محددة، بما فيها مقاطعة هوبي، التي كانت الأكثر تضرراً بفيروس كورونا. وقالت منج وي، المتحدثة باسم اللجنة، إن مناطق من بينها تشجيانغ وجيانغسو وشنغهاي وشاندونغ وقوانغشي وبلدية تشونغتشينغ، شهدت تقريباً عودة ما يقرب من 100 في المائة من مؤسساتها إلى الإنتاج.
كما أشارت البيانات المتعلقة باستخدام الكهرباء إلى الحيوية المستعادة بشكل كبير في مختلف القطاعات. وشهدت صناعة المعادن غير الحديدية عودة استخدام الطاقة مرة أخرى إلى المستوى الطبيعي للعام الماضي، في حين شهدت الصناعات الدوائية والكيميائية والإلكترونية ارتفاع معدل استخدام الكهرباء مرة أخرى إلى 90 في المائة من المستوى العادي.
وقالت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الحكومية، المعنية بالتخطيط في الصين، أمس، إن اقتصاد البلاد سيعود إلى وضعه الطبيعي في الربع الثاني من العام، مع سريان تدابير دعم اتخذتها الحكومة للحد من تأثير تفشي فيروس كورونا.
كما قال مسؤولون من اللجنة للصحافيين، خلال إيجاز صحافي، إن لدى الصين وفرة من أدوات السياسة، وإنها ستنفذ إجراءات مناسبة في الوقت الملائم.
وعاودت شركة «نيسان موتور» اليابانية لصناعة السيارات فتح مصانعها في الصين، عقب إغلاقها لأسابيع لاحتواء تفشي فيروس كورونا.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن الشركة القول إنها تتخذ هذه الخطوات لاستئناف إنتاج السيارات وإعادة المبيعات. وقالت متحدثة باسم الشركة إنه تم استئناف الإنتاج في مصنعها في إقليم هوبي، بؤرة تفشي الفيروس، الخميس الماضي، ومصنع آخر في إقليم هينان، السبت الماضي.
وتسعى «نيسان» إلى تجنب توقف طويل في الإنتاج، ما يهددها بخسائر قيمتها 170 مليار ين (6.‏1 مليار دولار).
وكانت مبيعات «نيسان» في الصين قد تراجعت بنسبة 80 في المائة خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، لتسجل 15111 وحدة.
كما أعلنت شركة «مازدا موتور كورب» استئناف العمل في مصنعين بالصين أمس، لكنهما لم يعودا للعمل بصورة كاملة.
في غضون ذلك، خفض «غولدمان ساكس» تقديراته للناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الأول إلى انكماش نسبته 9 في المائة على أساس سنوي، من توقع سابق بنمو نسبته 2.5 في المائة، استناداً إلى بيانات اقتصادية «ضعيفة بشكل لافت» في يناير (كانون الثاني) وفبراير.
وأظهرت بيانات صادرة، الاثنين، أن الإنتاج الصناعي في الصين تراجع بأكبر وتيرة في 3 عقود في أول شهرين من العام، بعد أن عرقل وباء فيروس كورونا المستجد خطى ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وكتب «غولدمان» في مذكرة، أمس، أن انتشار الوباء بسرعة في دول أخرى، يجعل من المتوقع تباطؤ النمو خارج الصين أيضاً بشكل كبير في الربع الثاني، وبالتالي فإن أي تعافٍ في الأنشطة الاقتصادية الصينية سيكون محدوداً على الأرجح.
وأضاف أنه لا يتوقع عودة الناتج المحلي الإجمالي لمساره السابق قبل انتشار المرض حتى الربع الثالث. كما خفّض من توقعه لنمو الناتج المحلي الإجمالي للعام بأكمله من 5.5 في المائة في التقدير السابق إلى 3 في المائة.
في مقابل هذه التطورات، يواصل تفشي فيروس كورونا المستجد الذي أصاب أكثر من 7 آلاف شخص حتى الآن الإلقاء بثقله على العالم؛ حيث تواجه الاقتصادات العالمية تحدياً كبيراً، وأغلقت الحدود، وفُرض عزل تام في كثير من الدول، وأرجئت انتخابات.
وفي أوروبا، التي باتت البؤرة الجديدة للوباء الذي ظهر في ديسمبر (كانون الأول) في الصين، بدأت فرنسا وسكانها البالغ عددهم 67 مليون نسمة، ظهر الثلاثاء، فترة حجر شامل، على غرار ما فرض في إسبانيا وإيطاليا.
وغادر كثير من سكان باريس المدينة، مساء الاثنين، استباقاً للحجر الذي فضلوا قضاءه في الريف؛ حيث كانت الطرق المؤدية إلى خارج العاصمة مكتظة بالسيارات، والصفوف أمام محطات الوقود طويلة.
وأغلقت أوروبا منتصف النهار كامل حدودها الخارجية لـ30 يوماً. ويجري قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 الثلاثاء قمة استثنائية عبر الفيديو.
وتدور «الحرب» بمواجهة الفيروس كذلك على الجبهة الاقتصادية. واتخذت الحكومات والمصارف المركزية تدابير لدعم الأسواق والشركات والموظفين.
وأعلنت باريس استعدادها لتأميم شركات «إذا لزم الأمر»، مشيرة إلى احتمال دخول اقتصاد فرنسا في حالة انكماش. وتستعد روما أيضاً لتأميم شركة الخطوط الجوية الإيطالية التي تواجه كثيراً من الصعوبات. وستقدم فرنسا مساعدة بقيمة 45 مليار يورو لدعم الشركات والموظفين، كما تنوي نيوزيلندا دفع 6.5 مليار يورو للغرض نفسه، والبرازيل 26 مليار يورو.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، للمرة الأولى أنه من المحتمل دخول الولايات المتحدة في حالة «انكماش» اقتصادي، خلال قمة عبر الفيديو لدول مجموعة السبع، التي أعربت عن عزمها القيام «بكل ما يلزم» لإنعاش النمو العالمي.
وبعد الصين، تسجل إيطاليا أكبر عدد وفيات (2158) وإصابات (27980)، تليها إيران (853 وفاة، و14991 إصابة)، ثم إسبانيا (309 وفيات، و9191 إصابة)، وفرنسا (148 وفاة، و6633 إصابة).
وحذر رئيس الوزراء الإيطالي أن الوباء في إيطاليا لم يصل بعد إلى «ذروة تفشيه». وفي إسبانيا، حذرت الحكومة من أن مدة العزل الشاملة قد تطول، في حين دعي السكان في ألمانيا إلى «البقاء في المنازل» وإلغاء مخططات العطل.
وفي بريطانيا، التي لم تتخذ حتى الآن إجراءات مشددة كما الدول المجاورة، أوصت الحكومة أخيراً السكان بتفادي أي «تواصل اجتماعي» وتحرك «غير ضروري».


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (الشرق الأوسط)

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي هاتفياً مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو المستجدات الإقليمية والموضوعات المشتركة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحليل إخباري الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

السعودية وفرنسا تسعيان لرفع علاقاتهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، و«الإليزيه» يقول إن باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات».

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله سيباستيان ليكورنو في الرياض (واس)

وزير الدفاع السعودي ونظيره الفرنسي يبحثان في الرياض أفق التعاون العسكري

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع سيباستيان ليكورنو وزير القوات المسلحة الفرنسية، مستجدات الأوضاع الإقليمية وجهود إحلال السلام في المنطقة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي خلال لقاء جمعهما على غداء عمل في باريس (واس)

وزير الخارجية السعودي يبحث مع نظيره الفرنسي تطورات غزة ولبنان

بحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي جان نويل، الجمعة، التطورات في قطاع غزة وعلى الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (باريس)

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع تقييمات الأسهم الأميركية يثير مخاوف المستثمرين من تصحيح وشيك

أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)
أعلام أميركية خارج بورصة نيويورك (رويترز)

تتزايد المخاوف في الأسواق المالية بعد الارتفاعات الكبيرة بتقييمات الأسهم الأميركية في الأسابيع الأخيرة؛ ما يشير إلى أن السوق قد تكون على وشك تصحيح. وقد يتجه المستثمرون إلى الأسواق الأوروبية الأقل تكلفة، ولكن من غير المرجح أن يجدوا كثيراً من الأمان عبر المحيط الأطلسي؛ إذ إن الانخفاض الكبير في الأسواق الأميركية من المحتمل أن يجر أوروبا إلى الانحدار أيضاً.

تُعتبر سوق الأسهم الأميركية مبالَغاً في قيمتها، وفقاً لجميع المقاييس تقريباً؛ حيث بلغ مؤشر السعر إلى الأرباح لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، على مدار 12 شهراً، 27.2 مرة، وهو قريب للغاية من ذروة فقاعة التكنولوجيا التي سجَّلت 29.9 مرة. كما أن نسبة السعر إلى القيمة الدفترية قد بلغت أعلى مستوى لها على الإطلاق؛ حيث وصلت إلى 5.3 مرة، متجاوزة بذلك الذروة السابقة البالغة 5.2 مرة في بداية عام 2000، وفق «رويترز».

وعلى الرغم من أن التقييمات المرتفعة كانت قائمة لفترة من الزمن؛ فإن ما يثير الانتباه الآن هو التفاؤل المفرط لدى مستثمري الأسهم الأميركية. تُظهِر بيانات تدفق الأموال الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن حيازات الأسهم تشكل الآن 36 في المائة من إجمالي الأصول المالية للأسر الأميركية، باستثناء العقارات، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة الـ31.6 في المائة التي تم تسجيلها في ربيع عام 2000. كما أظهر أحدث مسح شهري لثقة المستهلك من مؤسسة «كونفرنس بورد» أن نسبة الأسر الأميركية المتفائلة بشأن أسواق الأسهم قد وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 37 عاماً، منذ بدء إجراء المسح.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن القلق المتزايد بين المستثمرين المحترفين بشأن احتمال التصحيح في «وول ستريت» ليس مفاجئاً.

لا مكان للاختباء

قد يتطلع المستثمرون الراغبون في تنويع محافظ عملائهم إلى الأسواق الأرخص في أوروبا. ويتداول مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي حالياً عند خصم 47 في المائة عن مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» عند قياسه بنسب السعر إلى الأرباح، وبخصم 61 في المائة، بناءً على نسب السعر إلى القيمة الدفترية. وقد أشار بعض مديري صناديق الأسهم الأوروبية إلى أنهم يترقبون، بفارغ الصبر، انخفاض أسواق الأسهم الأميركية، معتقدين أن ذلك سيؤدي إلى تدفقات استثمارية نحو صناديقهم.

ولكن يجب على هؤلاء المديرين أن يتحلوا بالحذر فيما يتمنون؛ فعندما تشهد الأسهم الأميركية انخفاضاً كبيراً، يميل المستثمرون الأميركيون إلى سحب الأموال من الأسهم، وتحويلها إلى أصول أكثر أماناً، وغالباً ما يقللون من تعرضهم للأسواق الأجنبية أيضاً.

وعلى مدار الـ40 عاماً الماضية، في فترات تراجع الأسهم الأميركية، شهدت أسواق الأسهم الأوروبية زيادة في سحوبات الأموال من قبل المستثمرين الأميركيين بنسبة 25 في المائة في المتوسط مقارنة بالأشهر الـ12 التي سبقت تلك الانخفاضات. ومن المحتمَل أن يكون هذا نتيجة لزيادة التحيز المحلي في فترات الركود؛ حيث يميل العديد من المستثمرين الأميركيين إلى اعتبار الأسهم الأجنبية أكثر خطورة من أسواقهم المحلية.

ولن تشكل هذه السحوبات مشكلة كبيرة؛ إذا كان المستثمرون الأميركيون يمثلون نسبة صغيرة من السوق الأوروبية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذا لم يعد هو الحال. ووفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية، فقد زادت حصة الولايات المتحدة في الأسهم الأوروبية من نحو 20 في المائة في عام 2012 إلى نحو 30 في المائة في عام 2023. كما ارتفعت ملكية الولايات المتحدة في الأسهم البريطانية من 25 في المائة إلى 33 في المائة خلال الفترة ذاتها.

ويعني الوجود المتزايد للمستثمرين الأميركيين في الأسواق الأوروبية أن الأميركيين أصبحوا يشكلون العامل الحاسم في أسواق الأسهم الأوروبية، وبالتالي، فإن حجم التدفقات الخارجة المحتملة من المستثمرين الأميركيين أصبح كبيراً إلى درجة أن التقلبات المقابلة في محافظ المستثمرين الأوروبيين لم تعد قادرة على تعويضها.

وبالنظر إلى البيانات التاريخية منذ عام 1980، عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في جمع بيانات التدفقات، إذا استبعد المستثمر الأميركي والأوروبي، يُلاحظ أنه عندما تنخفض السوق الأميركية، تزيد التدفقات الخارجة من سوق الأسهم الأوروبية بمعدل 34 في المائة مقارنة بالشهرين الـ12 اللذين سبقا تلك الانخفاضات.

على سبيل المثال، بين عامي 2000 و2003، انخفضت أسواق الأسهم الأوروبية بنسبة 50 في المائة بينما هبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 46 في المائة، وكان ذلك نتيجة رئيسية لسحب المستثمرين الأميركيين لأموالهم من جميع أسواق الأسهم، سواء أكانت متأثرة بفقاعة التكنولوجيا أم لا.

وفي عام 2024، يمتلك المستثمرون الأميركيون حصة أكبر في السوق الأوروبية مقارنة بما كانت عليه قبل 10 سنوات، ناهيك من عام 2000. وبالتالي، فإن تأثير أي انحدار في السوق الأميركية على الأسواق الأوروبية سيكون أكثر حدة اليوم.

في هذا السياق، يبدو أن المثل القائل: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بنزلة برد»، أكثر دقة من أي وقت مضى في أسواق الأسهم.