تحليل اقتصادي: الخلاف النفطي... الأسباب والنتائج والتوقعات

تحليل اقتصادي: الخلاف النفطي... الأسباب والنتائج والتوقعات
TT

تحليل اقتصادي: الخلاف النفطي... الأسباب والنتائج والتوقعات

تحليل اقتصادي: الخلاف النفطي... الأسباب والنتائج والتوقعات

يعود سبب تدهور أسعار النفط إلى انهيار الطلب العالمي على النفط بسبب تفشي وباء فيروس كورونا عالمياً، واللجوء إلى إيقاف الرحلات الجوية بين كثير من دول العالم. ويبلغ استهلاك وقود الطيران العالمي نحو 8 ملايين برميل يومياً، مقارنة بمجمل الطلب العالمي البالغ نحو 100 مليون برميل يومياً. هذا بالإضافة إلى قرارات عزل الحركة الطبيعية في المدن الكبرى الموبوءة في كل من الصين وشمال إيطاليا، حيث يقبع الملايين من السكان في منازلهم للوقاية من الفيروس، وآلاف الموظفين في الشركات الكبرى الذين طلب منهم العمل من منازلهم، ناهيك بإغلاق المدارس والجامعات في عشرات الدول.
اقترح وزراء «أوبك» تخفيض الإنتاج 1.5 مليون برميل يومياً، بالإضافة إلى مستوى التخفيض الحالي، وتمديد فترة التخفيض هذه حتى نهاية عام 2020، بدلاً من نهاية يونيو (حزيران) 2020؛ طالبت مجموعة «أوبك» بهذه الاقتراحات لتوقعها انخفاض الأسعار بشكل حاد، في ظل عدم توازن ميزان العرض والطلب في الأسواق، حيث الفائض النفطي التجاري لا يزال عالياً، والطلب على النفط سينخفض بسرعة مع تفشي وباء كورونا، كما هو حاصل فعلاً، إلا أن موسكو أصرت على موقفها، وانقطعت المفاوضات بين الطرفين حتى إشعار آخر.
تدهورت أسعار النفط الخام نحو 40 دولاراً مؤخراً، لينخفض سعر نفط برنت من نحو 70 دولاراً إلى حوالي 30 دولاراً، والتوقعات أن يستمر انخفاض الأسعار في المستقبل المنظور، في ظل الظروف الحالية.
وتشكل هذه التطورات السلبية الناتجة عن وباء كورونا مسؤولية كبيرة على الدول المنتجة، وبالذات على أقطار منظمة «أوبك» وحلفائها من المنتجين (أوبك بلس). والعبء الإضافي الملقى على هذه المجموعة كان قد بدأ منذ نحو 3 سنوات تقريباً، هادفاً إلى تقليص الإنتاج لتخفيض الفائض النفطي التجاري في أسواق العالم. وتكمن خلفية هذه المجموعة في الاتفاق النفطي بين السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط عالمياً، وروسيا، أكبر دولة منتجة، إذ استقطبت السعودية بقية الأقطار الأعضاء في منظمة «أوبك»، بينما قادت روسيا دولاً منتجة غير أعضاء في «أوبك»، ليبلغ مجمل عدد الدول التي شاركت في مجموعة «أوبك بلس» نحو 22 دولة. واتفق أعضاء المجموعة على تخفيض الإنتاج بين 1.2 و1.9 مليون برميل يومياً، لتخفيض الفائض تدريجياً، ولأجل استقرار الأسعار والأسواق.
لكن اتضح هذه المرة أن هناك قراراً قد اتخذ على أعلى المستويات في موسكو للحد من معدل تخفيض إضافي، بالإضافة إلى تحديد فترة التخفيض الإضافية إلى أقصر فترة ممكنة. وكان من الصعب على مجموعة «أوبك»، بقيادة السعودية، الموافقة على هذه التحفظات خلال هذه الفترة. فوباء كورونا قد بدأ يتفشى عالمياً، مما يعني انكماشاً اقتصادياً على المستوى الدولي، يوحي بنمو اقتصادي نحو الصفر لعام 2020.
ومما لا شك فيه أن الخلاف قد أدى إلى تدهور الأسعار، لكن من الواضح أيضاً أنه من دون الاتفاق لتعميق تخفيض الإنتاج، فإن النتيجة الحتمية لاستمرار الفائض النفطي وانخفاض الطلب هي تدهور الأسعار، بالإضافة إلى زيادة الفائض النفطي، مما سيؤدي إلى خلل كبير في ميزان العرض والطلب النفطي مستقبلاً. ومن المتوقع، في ظل الأوضاع الحالية، أن تلحق خسائر جمة بكثير من الشركات النفطية، كما حصل في الخلافات السابقة وتجارب تدهور الأسعار، الأمر الذي سيعني انخفاض الاستثمار في تطوير طاقة إنتاجية جديدة، وبطالة الآلاف من موظفي شركات النفط. كما سيعني هذا التدهور السعري، طبعاً، عدم توازن موازنات الدول المنتجة نفسها.
جدير بالذكر أن اتفاق مجموعة «أوبك بلس» خلال السنوات الثلاث الماضية كان يعد في حينه واحداً من أنجح وأهم الاتفاقات بين منظمة «أوبك» والمنتجين غير الأعضاء في المنظمة. وقد قاد هذا التحالف كل من السعودية وروسيا، من خلال مشاورات مستمرة متواصلة. وكما كان متوقعاً منذ بداية الاتفاق، فقد برزت خلافات خلال هذه الفترة بين الطرفين حول كمية التخفيض الإنتاجي، ومدة التخفيض، ومدى التزام بعض الدول المشاركة بحصص التخفيض.
وكانت الخلافات متوقعة نظراً لطبيعة الصناعة النفطية. فالدول تلتزم باتفاقيات مع الشركات النفطية العالمية للاستكشاف والتطوير والإنتاج لحقول جديدة. وهذا أمر طبيعي مستمر في الصناعة النفطية. ومن جهتها، تضغط الشركات على الحكومات للسماح لها ببدء الإنتاج، حال الانتهاء من تطوير حقل ما، لتغطية نفقاتها وتحقيق الأرباح المتوقعة. ويختلف الأمر في حال الدول التي تسيطر فيها شركة نفط وطنية على مجمل الإنتاج، عنه في حال الدول التي تعمل بها شركات نفط عالمية، وحدها أو بالتعاون مع شركة النفط الوطنية في الدولة المعنية.
وبعد سنتين من تنفيذ الاتفاق، بدأت تبرز الخلافات على السطح، وتم نشر معظمها في وسائل الإعلام النفطية. وبالفعل، تدخلت السعودية مع العراق لتقليص الإنتاج إلى المعدل الذي التزمت به بغداد، وبادرت روسيا من جانبها بالتدخل مع كازاخستان لكي تؤجل زيادة إنتاجها من الحقول المطورة حديثاً. وكان «سبب الإقناع»، في كلتا الحالتين، أنه من الأجدى تخفيض الإنتاج إلى المعدلات المحددة، ومن ثم الحصول على أسعار أعلى. وفي الوقت نفسه، بدأت وسائل الإعلام النفطية تشير إلى محاولات شركة «روسنفت» الروسية، واحدة من أكبر شركات النفط في روسيا حالياً، وهي مقربة من الكرملين ومملوكة مناصفة بين القطاع العام والخاص، الاعتراض على استمرار العمل في تخفيض الإنتاج مع مجموعة «أوبك بلس»، نظراً إلى زيادة طاقتها الإنتاجية، واضطرارها للتخفيض من طاقتها الإنتاجية. وبدأت تصدر تصاريح رسمية من موسكو، قبيل الاجتماعات الوزارية لمجموعة «أوبك بلس»، بعدم الرغبة في تخفيض الإنتاج، أو تمديد فترة التخفيض لفترة طويلة. وقد استمرت هذه التصريحات من كبار المسؤولين الروس، رغم المفاوضات المستمرة التي تسبق، كالعادة، الاجتماعات الوزارية لأجل التوصل إلى قرار جماعي في نهاية المطاف.
وتدل التجارب السابقة عند الخلاف بين المنتجين إلى طول الفترة التي تمتد عدة أشهر لإعادة المفاوضات، والتوصل إلى اتفاق جديد حول الإنتاج، في ظل أوضاع السوق في حينه. وتدل المؤشرات المتوفرة حالياً على أوضاع اقتصادية صعبة في معظم دول العالم. والاهتمام الأساسي والأولوية بالطبع لكيفية وسرعة احتواء فيروس كورونا.

- باحث عراقي متخصص في دراسات الطاقة


مقالات ذات صلة

ظل ترمب يهيمن على اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن

الاقتصاد رجل أمن يقف بالقرب من اللافتات الإعلانية لاجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن (أ.ف.ب)

ظل ترمب يهيمن على اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن

ستكون اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي تستهل يوم الاثنين المقبل، من أكثر الاجتماعات متابعةً في ظل تصاعد الحرب التجارية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

رسوم ترمب تُربك السياسات النقدية وتُجبر البنوك المركزية على إعادة التموضع

تسببت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في اضطرابات واسعة بالمشهد الاقتصادي العالمي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد كريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي خلال مؤتمر «ميلكن» العالمي 2024 في بيفرلي هيلز بكاليفورنيا (رويترز)

غورغييفا: الاقتصاد العالمي يواجه اختبار مرونة جديداً وسط تحولات جذرية

قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا إن الاقتصاد العالمي يواجه اختباراً جديداً لمرونته وسط تحولات جوهرية تُعيد تشكيل النظام التجاري

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد صهاريج نفط وغاز في مستودع تخزين بميناء تشوهاي الصيني (رويترز)

النفط يرتفع 1 % بفعل تكهنات بإجراء محادثات أميركية - صينية

ارتفعت أسعار النفط 1 في المائة، معوضةً خسائرها المبكرة، مع تبني السوق نظرة إيجابية تجاه موقف الصين مع تكهنات بمحادثات تجارية مع أميركا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا خلال مؤتمر صحافي لعرض توقعات التجارة للعام الحالي (أ.ف.ب)

منظمة التجارة: المزيد من الرسوم قد يؤدي إلى أكبر تباطؤ منذ الجائحة

خفّضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لتجارة السلع العالمية بشكل حاد؛ من نمو قوي إلى تراجع بنسبة 0.2 في المائة هذا العام، يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (جنيف)

النفط يتراجع مجدداً مع عودة المخاوف من تداعيات الرسوم الجمركية

مصفاة النفط التابعة لشركة «لوك أويل» في فولغوغراد - روسيا (رويترز)
مصفاة النفط التابعة لشركة «لوك أويل» في فولغوغراد - روسيا (رويترز)
TT

النفط يتراجع مجدداً مع عودة المخاوف من تداعيات الرسوم الجمركية

مصفاة النفط التابعة لشركة «لوك أويل» في فولغوغراد - روسيا (رويترز)
مصفاة النفط التابعة لشركة «لوك أويل» في فولغوغراد - روسيا (رويترز)

انخفضت أسعار النفط بأكثر من 1.5 في المائة يوم الاثنين، مع تركيز المستثمرين مجدداً على المخاوف من أن الرسوم الجمركية الأميركية على شركائها التجاريين ستُشكّل رياحاً اقتصادية معاكسة تُقلّل من نمو الطلب على الوقود.

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 1.10 دولار، أو 1.6 في المائة، لتصل إلى 66.86 دولار للبرميل الساعة 02:55 بتوقيت غرينتش، بعد أن أغلقت مرتفعة بنسبة 3.2 في المائة يوم الخميس. وبلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 63.57 دولار للبرميل، منخفضاً بمقدار 1.11 دولار، أو 1.7 في المائة، بعد أن أغلق مرتفعاً بنسبة 3.54 في المائة في الجلسة السابقة. كان يوم الخميس آخر يوم تسوية الأسبوع الماضي بسبب عطلة الجمعة العظيمة.

وصرح ييب جون رونغ، استراتيجي السوق في «آي جي»: «لا يزال الاتجاه العام يميل نحو الانخفاض، حيث قد يجد المستثمرون صعوبة في إقناع أنفسهم بتحسن توقعات العرض والطلب، لا سيما في ظل تأثير الرسوم الجمركية على النمو العالمي وارتفاع إمدادات أوبك بلس».

ولا يزال من المتوقع أن ترفع «أوبك بلس»، وهي مجموعة المنتجين الرئيسيين، بما في ذلك منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاء مثل روسيا، إنتاجها بمقدار 411 ألف برميل يومياً بدءاً من مايو (أيار)، على الرغم من أن بعض هذه الزيادة قد تُعوّض بتخفيضات من الدول التي تجاوزت حصصها.

كما انخفضت الأسعار مع انحسار بعض المخاوف بشأن الإمدادات عقب مؤشرات على تقدم في المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران يوم السبت.

وصرح وزير الخارجية الإيراني بأن الولايات المتحدة وإيران اتفقتا خلال المحادثات على البدء في وضع إطار عمل لاتفاق نووي محتمل، وذلك بعد محادثات وصفها مسؤول أميركي بأنها حققت «تقدماً جيداً للغاية».

يأتي هذا التقدم في أعقاب فرض الولايات المتحدة عقوبات إضافية الأسبوع الماضي على مصفاة نفط صينية مستقلة تزعم أنها تُعالج النفط الخام الإيراني، مما زاد الضغط على طهران في خضم المحادثات.

ودفعت المخاوف بشأن تقليص إمدادات النفط الإيراني والآمال في التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خامي برنت وغرب تكساس الوسيط إلى الارتفاع بنحو 5 في المائة الأسبوع الماضي، مسجلين أول مكسب أسبوعي لهما في ثلاثة أسابيع.

مع ذلك، لا تزال الأسواق قلقة بشأن آثار سياسة التعريفات الجمركية الأميركية العدوانية وحربها التجارية مع الصين، مع انخفاض الدولار وأسواق الأسهم الآسيوية يوم الاثنين.

أظهر استطلاع أجرته «رويترز» في 17 أبريل (نيسان) أن المستثمرين يعتقدون أن سياسة التعريفات الجمركية ستؤدي إلى تباطؤ كبير في الاقتصاد الأميركي هذا العام والعام المقبل، مع اقتراب متوسط ​​احتمال حدوث ركود في الأشهر الـ12 المقبلة من 50 في المائة. تُعدّ الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم.

يترقب المستثمرون صدور العديد من البيانات الأميركية هذا الأسبوع، بما في ذلك مؤشر مديري المشتريات التصنيعي والخدماتي الأولي لشهر أبريل، لمعرفة اتجاهات الاقتصاد. قال ييب، من «آي جي»: «قد تُبرز سلسلة بيانات مؤشر مديري المشتريات لهذا الأسبوع الأثر الاقتصادي للرسوم الجمركية، مع توقع تحسن ظروف قطاعي التصنيع والخدمات في الاقتصادات الرئيسية»، مُضيفاً أن أسعار النفط تواجه مقاومة عند مستوى 70 دولاراً.