دبلوماسية أميركية رفيعة تخضع للتحقيق بشبهة التجسس لمصلحة حكومة أجنبية

تفتيش منزلها ومكتبها وسحب تراخيصها الأمنية

الدبلوماسية روبن رافيل
الدبلوماسية روبن رافيل
TT

دبلوماسية أميركية رفيعة تخضع للتحقيق بشبهة التجسس لمصلحة حكومة أجنبية

الدبلوماسية روبن رافيل
الدبلوماسية روبن رافيل

تخضع دبلوماسية مخضرمة وخبيرة بالشأن الباكستاني لفترة طويلة، للتحقيق الفيدرالي كجزء من تحقيق يتعلق بمكافحة التجسس، وجرى سحب التصاريح الأمنية الخاصة بها، وفقا لما أفاد به مسؤولون أميركيون.
وحسبما أفاد المسؤولون، فقد قام عملاء مكتب التحقيق الفيدرالي، الشهر الماضي، بتفتيش منزل روبن رافيل الواقع شمال غربي واشنطن، بالإضافة إلى تفتيش مكتبها بوزارة الخارجية الأميركية وإغلاقه.
وقد أحيلت رافيل – واحدة من اللاعبين الأساسيين في الأوساط الدبلوماسية ودوائر المراكز البحثية في واشنطن - إلى إجازة إدارية في الشهر الماضي، وبحلول هذا الأسبوع ينتهي عقدها المبرم مع وزارة الخارجية الأميركية. ونعت مسؤولان أميركيان عملية التحقيق بوصفها مسألة تتعلق بمكافحة التجسس، الذي عادة ما ينطوي على مزاعم بالتجسس لصالح حكومات أجنبية. ولا تزال طبيعة التحقيقات التي تتورط فيها رافيل غير واضحة. ولم توجه إليها أي اتهامات.
ومن جهته، لفت المتحدث باسم رافيل أنها كانت تتعاون مع المحققين، ولكن لم تجر إفادتها في أي تحقيق بـ«نطاق أو طبيعة التهمة أو أنها تعد مستهدفة».
وقد أدلى مسؤولون أميركيون بمعلومات شريطة عدم الكشف عن هويتهم لأن عملية التحقيقات ما زالت جارية، بينما رفض المتحدثون باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي وشعبة الأمن القومي التابعة لوزارة العدل التعليق.
عادة ما يجري التعامل مع تفاصيل التحقيقات الفيدرالية المتعلقة بمكافحة التجسس عن كثب، ويمكن أن يمتد أمد قضايا من هذا النوع لسنوات عدة. ورغم أن رافيل أنفقت الكثير من مسيرتها المهنية على العمل في الشأن الباكستاني، لم يكن من المعروف ما إذا كان التحقيق - الذي يديره مكتب التحقيقات الفيدرالي الميداني في واشنطن - له صلة بعملها في ذلك البلد.
ومن جانبها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جنيفر بساكي: «نحن على دراية بتلك القضية الأمنية». وأضافت: «وزارة الخارجية الأميركية تتعاون مع المعنيين بإنفاذ القانون». وأردفت: «إنها لم تعد موظفة عاملة لدى وزارة الخارجية الأميركية».
ولم تستجب رافيل لمحاولات التواصل معها عبر الهاتف والبريد الإلكتروني. كما رفضت ابنتها أيضا التعليق، وطلبت توجيه الأسئلة إلى المتحدث باسم الأسرة.
وبدوره، أوضح أندرو رايس، المتحدث باسم رافيل، أنه جرى تعليق التصاريح الأمنية الخاصة بـرافيل الشهر الماضي، وأنها لم تعد موظفة لدى وزارة الخارجية الأميركية، قائلا: «إنها على دراية بذلك، ويمكن تأكيد وجود نوع من التحقيق».
ورفض رايس توضيح ما إذا كانت رافيل وكلت محاميا لها، كما رفض الإجابة عن الأسئلة حول مكان وجودها.
وقد أقر المسؤولون الأميركيون بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي قام بتفتيش منزل رافيل يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول)، ولكنهم لم يدلوا بتفاصيل حول عملية التفتيش، ويُذكر أن عملاء التحقيق الفيدرالي اصطحبوا معهم أكياسا وحقائب كانت بمنزلها، ولكن لم يكن من الواضح الأشياء التي قاموا بمصادرتها، سواء من منزلها أو مكتبها.
وتجدر الإشارة إلى أن مكتب رافيل بوزارة الخارجية الأميركية ما زال مظلما ومغلقا. وفي وقت مداهمة المكتب، كانت رافيل واحدة من كبار المستشارين في الشأن الباكستاني لممثل وزارة الخارجية لشؤون باكستان وأفغانستان؛ حيث كانت مسؤولة عن إدارة المساعدات غير العسكرية مثل المنح والحوافز الاقتصادية الأميركية.
وجدير بالذكر أن الدبلوماسية الأميركية لمدة 67 عاما كانت واحدة من كبار المستشارين البارزين بالحكومة الأميركية في شؤون باكستان وجنوب آسيا. وشغلت في السابق منصبي مساعدة لوزير الخارجية لشؤون جنوب آسيا، والسفيرة الأميركية السابقة لدى تونس. وفي الوقت الذي قام فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي بتفتيش منزلها، كانت متقاعدة من مكتب الخدمات الخارجية، ولكن كانت تعمل لدى وزارة الخارجية من خلال عقود محددة المدة وقابلة للتجديد تعتمد جزئيا على التصاريح الأمنية الخاصة بها. ولكونها امرأة بارزة ضمن جيل من الدبلوماسيين الذكور، وأيضا لكونها زوجة لأرنولد رافيل، السفير الأميركي البارز، فقد كانت من أكثر المسؤولين البارزين بوزارة الخارجية، وكانت شخصية محبوبة وعادة ما تجاهر برأيها.
وجدير بالذكر أنها كانت زوجة أرنولد رافيل، الذي شغل منصب السفير الأميركي لدى باكستان، والذي قُتل في حادث تحطم طائرة كان على متنها الرئيس الباكستاني آنذاك ضياء الحق عام 1988. ويعد سبب تحطم الطائرة غامضا، ولكن يُفترض، إلى حد كبير، أنها كانت عملية لاغتيال الديكتاتور العسكري. وكانت روبن رافيل منفصلة عن أرنولد رافيل عند وفاته، وكانت آنذاك مسؤولة سياسية تابعة لوزارة الخارجية وتخدم في جنوب أفريقيا، ولكنها قضت الفترات الأولى من حياتها المهنية في باكستان. كما شغلت مناصب في واشنطن وبريطانيا والهند وأماكن أخرى. وفي عام 1993 عينها الرئيس الأميركي بيل كلينتون لتشغل منصب مساعد أول لوزير الخارجية الأميركي لشؤون جنوب ووسط آسيا. وتشير سيرتها الذاتية بوزارة الخارجية الأميركية إلى أن رافيل بدأت عملها الحكومي محللة لدى وكالة الاستخبارات الأميركية، وخدمت لمدة 30 عاما في الخدمات الخارجية، وتقاعدت من منصبها بوزارة الخارجية في عام 2005، ثم عادت للعمل بالوزارة مرة أخرى عام 2009 مستشارة لريتشارد هولبروك، الذي عينته هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، ليكون المبعوث الخاص الجديد لأفغانستان وباكستان. وقبل عودتها للعمل لدى وزارة الخارجية، عملت رافيل بوصفها عضو جماعة ضغط لدى شركة كاسيدي وشركاه، وهي شركة علاقات حكومية يقع مقرها في واشنطن. ووفقا لنماذج الإفصاح الفيدرالية، فقد مثلت رافيل كلا من باكستان وغينيا الاستوائية وحكومة إقليم كردستان العراق.
وحسبما أفاد المتحدث باسم كاسيدي، فإن الحكومة الأميركية لم تتواصل مع الشركة بشأن رافيل، كما أن الشركة لا تعلم شيئا عن أي تحقيقات تتعلق بـرافيل التي كانت تتبعها في السابق.
تعد قضايا التجسس التي تنطوي على مسؤولين بالخارجية الأميركية نادرة نسبيا. فقد كانت آخر قضية شهيرة في هذا الشأن تتعلق بمسؤول سابق لدى وزارة الخارجية الأميركية يُدعى ولتر كيندال مايرز، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2010 عقب إدانته هو زوجته غويندولين شتاينبراغر مايرز بتهم تتعلق بالتجسس لصالح كوبا على مدى 3 عقود، بينما تلقت زوجته حكما بالسجن لمدة تصل إلى نحو 7 سنوات؛ حيث أمد الزوجان كوبا «بمعلومات أميركية سرية للغاية تتعلق بالدفاع الوطني»، طبقا لما أفادت به وزارة العدل.
* خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ {الشرق الأوسط})



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.