نيرودا في المزاد العلني

من أرشيف نيرودا
من أرشيف نيرودا
TT

نيرودا في المزاد العلني

من أرشيف نيرودا
من أرشيف نيرودا

سانتياغو فيفانكو هو رجل أعمال إسباني، يعشق الشعر والأدب الأميركي اللاتيني، أمضى العقود الثلاثة المنصرمة يجوب العالم، يجمع مقتنيات ولوازم شخصية للشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا، وقرر أن يعرضها للبيع في مزاد علني يوم التاسع عشر من هذا الشهر، في مدينة برشلونة بسعر يبدأ بمبلغ 650 ألف يورو.
يقول الخبراء الذين أتيح لهم الاطلاع على محتوى هذه المجموعة، إنها مثل «مغارة علي بابا من الورق»، تضم أكثر من عشرين قصيدة مخطوطة بيد نيرودا، دائماً بالحبر الأخضر، وتسعين طبعة أولى من كتبه، معظمها يحمل إهداءات وتوقيعات منه، ومئات الصور الشمسية والرسائل، إضافة إلى عدد من المجلات التي اعتاد مطالعتها.
ويؤكد الناقد الأدبي جوان مانويل بونيت، أن هذه المجموعة من أوراق نيرودا هي الأفضل بين المجموعات الخاصة المعروفة.
ومن بين الرسائل واحدة مؤرخة في عام 1971، وموجَّهة إلى أميركي لاتيني آخر نال جائزة «نوبل» بعده بسنوات، هو غابرييل غارسيَّا ماركيز، يبدي له فيها سروره؛ لأن الكاتب الكولومبي عثر على نسخة من الطبعة الأولى لديوانه الشهير «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة» الصادرة عام 1924 عن دار «ناشيمنتو». كتب نيرودا في تلك الرسالة: «صديقي العزيز، لك منِّي التهنئة على هذا (الإنجاز) الذي يعود لحوالي خمسين سنة، والذي ليس حتى في حوزتي». وفي القصيدة الثانية من تلك النسخة تصحيحات بقلم نيرودا، دائماً باللون الأخضر.
كما تتضمن المجموعة نسخة نادرة من كتابه «إقامة في الأرض» صدرت عام 1931 بمائة نسخة مرقَّمة، وأربعة أعداد من مجلة «حصان أخضر» التي أصدرها لفترة وجيزة عام 1935.
ومن الكتب الأخرى النادرة في هذه المجموعة نسخة من «إسبانيا في الفؤاد» صدر عام 1937 في خضم الحرب الأهلية الإسبانية التي كان نيرودا خلالها ملحقاً ثقافياً لبلاده في مدريد. ورسالة قصيرة مؤثرة من الشاعر الإسباني الكبير ميغيل هرنانديز إلى نيرودا، مؤرخة عام 1938، جاء فيها: «سـأذهب برفقة فيسنتي إلى بلادك الحزينة والجميلة. آن لنا أن نذهب ونرتاح من هذا النضال ونتنشَّق الهواء الذي ينقصنا». وفيسنتي هو الشاعر الإسباني، والصديق المشترك لنيرودا وهرنانديز، فيسنتي ألكسندر الذي نال جائزة نوبل للآداب عام 1977.
وكان نيرودا شديد الإعجاب بشعر هرنانديز الذي كان راعياً وتوفِّي مريضاً في سجون الجنرال فرنكو، بعد نهاية الحرب الأهلية الإسبانية.
تضم المجموعة أيضاً نسخة من ديوان «النشيد العام» صادرة في مكسيكو عام 1950، مع رسوم للفنان المكسيكي الشهير دييغو ريفيرا، ورسالة بالحبر الأخضر موجَّهة إلى المطربة التشيلية فيوليتا بارَّا التي نشرت الغناء الشعبي التشيلي في أميركا اللاتينية، مؤرخة قبل عام من وفاتها في 1967.
معظم المخطوطات المعروضة للبيع تساعد على تتبع مسار نيرودا الأدبي، ويكشف بعضها عن محطات وعلاقات في حياته الخاصة، كتلك الرسائل التي كان يتبادلها مع شقيقته لاورا، ومع زوجتيه: الأولى ماريَّا أنطونييتا هاغينار، والثانية دليا دل كاريل، أو بطاقة انتمائه إلى «جبهة العمل الشعبي» عام 1931، التي تعكس التزامه السياسي القوي الذي حمله في عام 1970 إلى المشاركة في حملة الانتخابات الرئاسية التشيلية لسالفادور الليندي، الذي تضمُّ المجموعة ثلاثة كتب مهداة إليه من الشاعر. وكان نيرودا قد كتب في مذكراته: «أصبحت شيوعياً خلال الحرب الأهلية الإسبانية».
خلال تقديمه المجموعة التي ستعرض في المزاد العلني أمام الصحافيين، قال فيفانكو: «عندما كنت أحاول في مطلع شباب أن أقرض الشعر لمن تعجبني من الفتيات، وأعجز، رحت أستعير من نيرودا الذي مع مرور الوقت صرت معجباً بشخصيته أكثر من أعماله. ويوم زرت (الجزيرة السوداء)؛ حيث يرقد رفاته في المنزل الذي أمضى فيه سنوات من عمره، ووضع كثيراً من قصائده، ثم أصبح متحفاً يضم مقتنيات كثيرة جمعها خلال تجواله في العالم، أجهشت بالبكاء من شدة التأثر، وقررت أن أطلق على ابنتي اسم (مارينا) تيمُّناً بابنته التي توفِّيت عام 1942».
وليبرر قراره التخلِّي عن هذه المجموعة وعرضها في المزاد، قال فيفانكو المولود عام 1973 بعد أشهر من وفاة نيرودا: «لم يعد بوسعي أن أقوم بالمزيد، والأجدى هو أن تذهب لمكتبة عامة تعتني بها وتوسِّعها وتضعها في تصرُّف الباحثين».
من الجهات التي أعربت عن اهتمامها بمحتويات هذه المجموعة، المكتبة الوطنية الإسبانية، والسفارة التشيلية في مدريد، إضافة إلى بعض الجامعات الأميركية، وإحدى المكتبات العامة الإيطالية التي كان نيرودا يتردد عليها خلال زياراته العديدة لقضاء عطلة الصيف في إيطاليا.



معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
TT

معرض إيطالي لعشرات اللوحات الفنية المصادرة من المافيا (صور)

امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صوراً لرسوم توضيحية لـ«روميو وجولييت» لسلفادور دالي في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (أ.ف.ب)

ينطلق في القصر الملكي في ميلانو «بالاتزو رياله»، يوم الثلاثاء، معرض فني يضم أكثر من 80 لوحة، بينها روائع تحمل توقيع سلفادور دالي، وآندي وارهول، وكريستو، وجورجيو دي شيريكو؛ كلها مصادرة من المافيا جرى إنقاذها على يد محققين متمرسين في تعقّب «الأموال القذرة».

وأوضحت المسؤولة المحلية في المنطقة ماريا روزاريا لاغانا، أن «الأعمال التي كان من المفترض أن تظل مدفونة في دوائر الجريمة المنظمة أُعيدت أخيراً إلى المجتمع لتلعب دوراً رمزياً في مقاومة الجريمة».

منذ سبتمبر (أيلول)، تدير لاغانا الوكالة الوطنية لإدارة الممتلكات المصادرة من عصابات الجريمة المنظمة التي توفّر منصة تتيح للمشترين توجيه أنظارهم إلى الممتلكات المصادرة، بما يشمل سيارات «فيراري» أو دراجات نارية من طراز «هارلي ديفيدسون».

وبينما تُباع هذه السلع بمزادات علنية وباتت في متناول الجميع، يُخصص جزء منها؛ مثل: الشقق، والمنازل، والأراضي الزراعية، مجاناً لمنظمات عامة وأخرى غير حكومية.

أما بالنسبة للأعمال المعروضة في ميلانو، «فهذه سلع كان من الممكن بيعها، لكن تم اختيار الاحتفاظ بها في المتاحف، لأن لها قيمة مهمة»، حسبما أوضحت لاغانا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«ولادة جديدة»

وقالت لاغانا: «إنها ولادة جديدة لهذه الأعمال، ويبدو الأمر كما لو كنا نُخرجها من الأرض، مثل علماء الآثار، لعرضها في أماكن يمكن للجميع رؤيتها فيها».

يحتوي المعرض الذي يحمل عنوان «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» على أكثر من عشرين عملاً تمت مصادرتها في عام 2016 من زعيم في مافيا «ندرانغيتا» النافذة في كالابريا.

امرأة تقف بجوار لوحتَي «بيازا دي إيطاليا» لجورجيو دي كيريكو و«كابانو سولا ريفا» لكارلو كارا في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (رويترز)

في الغرفة الصغيرة المخصصة للأعمال التي صادرتها محكمة ريجيو كالابريا، مطبوعة حجرية بالحبر الهندي لـ«روميو وجولييت»، بتوقيع الرسام السريالي الإسباني سلفادور دالي (1904 - 1989)، بجانب لوحة «ساحة إيطاليا» الزيتية اللافتة المرسومة على قماش بتوقيع المعلم الإيطالي جيورجيو دي شيريكو (1888 - 1978).

كما أن جدران الموقع مغطاة بقصاصات من صحف تشهد على هذه المضبوطات المذهلة، في حين مقاطع فيديو من الشرطة المالية في ريجيو كالابريا تُعرض بشكل متواصل عند مدخل المعرض.

ويأتي نحو ستين لوحة أخرى من عملية مصادرة أمرت بها محكمة روما في عام 2013 بصفتها جزءاً من عملية احتيال ضخمة مرتبطة بشبكة دولية لغسل الأموال.

ومن بين هذه الأعمال شاشة حريرية لنجم الفن الشعبي الأميركي آندي وارهول (1928 - 1987) بعنوان: «فنون الصيف في الحدائق»، وطباعة حجرية لـ«فينوس مغلفة» بتوقيع الفنان كريستو (1935 - 2020) لفيلا بورغيزي في روما.

امرأة تسير أمام تمثال «قرص به كرة» لأرنالدو بومودورو في معرض «سالفارتي... من المصادرات إلى المجموعات العامة» وهو معرض للأعمال الفنية المعاصرة القادمة من عمليات المصادرة التي نفّذتها السلطات العامة ضد الجريمة المنظمة في ميلانو (رويترز)

وقالت لاغانا: «إبداع وجمال (الفن المتحرر) من الأيدي الإجرامية يتم تقديمه للرؤية الجماعية لتعزيز الثقافة، مع تحفيز الوعي بالطبيعة الخبيثة لآفة المافيا».

وتستخدم المافيا الأعمال الفنية المسروقة بوصفها عملة في تهريب المخدرات والأسلحة. ومن بين أبرز السرقات كانت لوحة «الميلاد مع القديسَيْن فرنسيس ولورانس»، وهي لوحة رسمها كارافاجيو، وسُرقت من كنيسة سان لورينزو في باليرمو عام 1969 وبقيت موضع عمليات بحث مذاك.

ويستمر المعرض الذي يمكن دخوله مجاناً حتى 26 يناير (كانون الثاني) في قصر «رياله» في ميلانو، قبل أن ينتقل إلى قصر الثقافة في ريجيو كالابريا، في الفترة من 8 فبراير (شباط) إلى 27 أبريل (نيسان).