شهدت محافظة إدلب في شمال غربي سوريا أمس، غياباً تاماً للطائرات الحربية عن أجوائها منذ دخول وقف إطلاق النار الذي أعلنته موسكو وأنقرة حيز التنفيذ، في هدوء نادر أعقب 3 أشهر من تصعيد عسكري لقوات النظام بدعم روسي في المنطقة، وذلك حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبدأ عند منتصف ليل الخميس/الجمعة وقف لإطلاق النار أعلنه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، في محاولة لوضع حد لهجوم تتعرض له المنطقة منذ مطلع ديسمبر (كانون الأول)، دفع بنحو مليون شخص إلى الفرار، في إحدى أكبر موجات النزوح منذ بدء النزاع قبل 9 أعوام.
وتحدّث المرصد السوري لحقوق الإنسان ومراسلون عن هدوء في إدلب منذ بدء سريان الهدنة. وأفاد بـ«غياب تام للطائرات الحربية التابعة لقوات النظام وحليفتها روسيا عن أجواء إدلب» منذ منتصف الليل.
ودارت «اشتباكات متقطعة مع تبادل لإطلاق النار في الساعات الثلاث الأولى من يوم الجمعة، ثم توقفت لاحقاً»، وفق «المرصد» الذي أحصى مقتل 6 عناصر من قوات النظام مقابل 9 من فصيل الحزب التركستاني الإسلامي، الذي يضم غالبية من المقاتلين الصينيين من أقلية الأويغور ويقاتل إلى جانب هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً). وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن: «يسود الهدوء الحذر، والهدنة لا تزال صامدة حتى الآن».
وينص الاتفاق، الذي أعلنه بوتين وإردوغان، إثر لقاء استمر 6 ساعات في الكرملين الخميس، على تسيير دوريات مشتركة بدءاً من 15 مارس (آذار)، على مسافة واسعة في محيط طريق «إم فور» الدولية التي تربط محافظة اللاذقية الساحلية بمدينة حلب، ثاني كبرى مدن البلاد. ويتطلع الطرفان إلى إنشاء «ممر آمن» بمسافة 6 كيلومترات من جانبي الطريق، ما يعني ضمنياً منطقة عازلة بطول 12 كيلومتراً.
ورغم تعهد الرئيسين بأن يكون اتفاق وقف إطلاق النار «مستداماً»، فإن السكان لا يعلّقون آمالاً كبيرة عليه.
في مخيم للنازحين قرب بلدة كفرلوسين الحدودية مع تركيا شمال إدلب، يقول أحمد قدور (29 عاماً) النازح من ريف حلب الغربي مع زوجته وطفليه: «عن أي هدنة يتحدثون؟». ويضيف: «لا ثقة لدينا بالنظام وروسيا بشأن وقف إطلاق النار رغم اعتقاد الناس أنه صادق... فالنظام في كل مرة يستهدف التجمعات ويرتكب المجازر».
وتسبّب الهجوم الذي بدأته قوات النظام بدعم روسي منذ مطلع ديسمبر ضد مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل أخرى معارضة أقل نفوذاً في إدلب ومحيطها بالكارثة الإنسانية الأسوأ منذ اندلاع النزاع، مع نزوح نحو مليون شخص، وفق الأمم المتحدة. وأودى القصف بحياة نحو 500 مدني، بحسب «المرصد».
ولا يعد إطلاق النار هذا الأول في إدلب التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة لهجمات عدّة شنتها قوات النظام بدعم روسي وتمكنت خلالها تدريجياً من السيطرة على أجزاء واسعة من المحافظة. ومع الهجوم الأخير، بات قرابة نصف مساحة المحافظة تحت سيطرة قوات النظام، التي تقدمت في جنوب إدلب وغرب حلب.
وأمل بوتين في أن يشكّل نص الاتفاق «أساساً صلباً لوضع حد للمعارك» و«لوقف معاناة المدنيين»، بينما قال إردوغان إن هدفه «منع تفاقم الأزمة الإنسانية في إدلب»، محذراً في الوقت نفسه من أنّ أنقرة تحتفظ «بحق الرد بكل قوتها وفي كل مكان على أي هجوم» تشنه دمشق.
وتوتّر الوضع في إدلب الأسبوع الماضي إثر مقتل 34 جندياً تركياً بضربة جوية نسبتها أنقرة إلى دمشق. ومنذ مطلع فبراير (شباط)، تجاوز عدد قتلى الجنود الأتراك عتبة الخمسين في إدلب، في أكبر حصيلة قتلى تكبدتها أنقرة منذ بدء تدخلها في سوريا في عام 2016.
وردّت أنقرة على مقتل جنودها بقصف مواقع لقوات النظام بالمدفعية وطائرات مسيّرة، أوقعت العشرات من القتلى في صفوف قوات النظام. كما قررت فتح حدودها مع اليونان، ما تسبب في تدفق آلاف اللاجئين والمهاجرين نحو الحدود وأثار غضب دول الاتحاد الأوروبي التي اتهمتها بمحاولة «ابتزازها».
وتتهم دمشق أنقرة بدعم «المجموعات الإرهابية» في إدلب وقيادة الهجمات ضد قواتها. واستبق الرئيس السوري بشار الأسد إعلان الهدنة بتأكيده أن استعادة محافظة إدلب تشكل «أولوية» في الوقت الراهن.
وبموجب اتفاق أبرمته مع روسيا في سبتمبر (أيلول) 2018 في سوتشي، تنشر تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب. وأرسلت خلال الأسابيع الأخيرة تعزيزات عسكرية ضخمة دعماً للفصائل في تصديها لقوات النظام.
وتضمّن اتفاق سوتشي إنشاء منطقة منزوعة السلاح لم يتم استكمال تطبيقها، ونصّ كذلك على إعادة فتح الطريقين الدوليتين؛ «إم فايف» التي تربط مدينة حلب مروراً بإدلب وصولاً إلى دمشق والحدود الأردنية جنوباً، وطريق «إم فور» التي تربط اللاذقية، معقل عائلة الرئيس بشار الأسد، بمدينة حلب، ثم تخترق مناطق سيطرة القوات الكردية شمالاً حتى الحدود التركية. ويشكل الطريقان متنفساً لدمشق كونهما تربطان أبرز المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ومن شأن تأمين تنقلها عبرهما أن يسرع من دوران العجلة الاقتصادية وعملية نقل البضائع والركاب. ويفترض أن تنطلق الدوريات الروسية - التركية المشتركة، وهي الأولى في إدلب، من قرية ترنبة الواقعة غرب مدينة سراقب بمحاذاة طريق «إم فور» وصولاً إلى قرية عين الحور في اللاذقية.
هدوء حذر في إدلب بعد الهدنة الروسية ـ التركية
بعد اشتباكات متقطعة في شمال غربي سوريا
هدوء حذر في إدلب بعد الهدنة الروسية ـ التركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة