عشاق الموسيقى الكلاسيكية يحتفلون بالذكرى الـ250 لميلاد بيتهوفن

عزف سوناتاته على آلات تحاكي حقبة الموسيقار العالمي

الموسيقار بيتهوفن
الموسيقار بيتهوفن
TT

عشاق الموسيقى الكلاسيكية يحتفلون بالذكرى الـ250 لميلاد بيتهوفن

الموسيقار بيتهوفن
الموسيقار بيتهوفن

يحتفل عشاق الموسيقى الكلاسيكية في أرجاء العالم بالذكرى السنوية الـ250 على ميلاد الموسيقار العالمي لودفيغ فان بيتهوفن، الذي خلف إرثا غنيا، كبيرا ومتنوعا، في مكتبة الموسيقى العالمية الخالدة، ويعد من أعظم عباقرة التأليف الموسيقي في التاريخ، أبدع منذ سن مبكرة، وألف تسع سيمفونيات، ومقطوعات للبيانو والكمان، هذا فضلا عن اثنين وثلاثين سوناتا للبيانو، والكثير غيرها من الأعمال الموسيقية العالمية. ومعروف عنه أنه لم يتوقف عن الإبداع حتى حين بدأ يشكو من مشاكل في السمع، وألف سيمفونيته التاسعة والأخيرة، والتي أنهاها عام 1824 وهو فاقد السمع، رغم ذلك يبقى من أعظم الشخصيات في تاريخ الموسيقى العالمية، ويجمع النقاد على القيمة الفنية المميزة لجميع أعماله، ويصنفون سيمفونيته التاسعة على أنها أعظم قطعة موسيقية كُتبت على الإطلاق.
طبيعي أن تكون ذكرى ميلاد موسيقار عالمي بحجم بيتهوفن مناسبة يهتم لها كثيرون من عشاق الموسيقى، ويحتفل بها كل منهم على طريقته، وغالبا بحضور غير مباشر لبيتهوفن نفسه، عبر موسيقاه الخالدة. ويكون للاحتفال بالذكرى السنوية 250 على ميلاده، التي تصادف هذا العام رونقا خاصا، عندما يدور الحديث عن فعاليات يقيمها لهذه المناسبة الوسط الموسيقي الروسي في موسكو، المدينة التي تُعد من عواصم الموسيقى الكلاسيكية. إذ أعلن موسيقيون من «كونسرفاتوار تشايكوفسكي»، أو معهد تشايكوفسكي الحكومي للموسيقى في موسكو، عن إصدار تسجيل كامل لجميع سوناتات بيتهوفن، من أداء مجموعة من كبار الموسيقيين الروس، على آلات موسيقية تحاكي حقبة بيتهوفن. وهي المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا التسجيل في روسيا منذ 30 عاماً.
والمميز في هذه الفعالية الموسيقية المكرسة لذكرى ميلاد بيتهوفن، أنها المرة الأولى التي يتم فيها عزف سوناتاته على آلات موسيقية تم تصنيعها لتكون نسخة طبق الأصل تقريبا عن تلك الآلات التي عُزفت عليها تلك السوناتات في حياته. وتعود فكرة نسخ تلك الآلات لاستخدامها في هذه الفعالية الموسيقية، إلى أليكسي لوبيموف، البروفسور في كونسرفاتوار تشايكوفسكي، الذي قال إن «الموسيقي، عازف البيانو والمتخصص بترميم الأدوات الموسيقية القديمة، الأميركي بول ماكنالتي، قام بتصنيع نسخ مطابقة للآلات الموسيقية المستخدمة في زمن بيتهوفن»، موضحا أن «تلك الآلات أعطت كامل لوحة البيانو لدى بيتهوفن». وأشار إلى أن تسجيل حفلات الـ32 سوناتا لبيتهوفن جرى في مسارح موسكو ووارسو ومدينة برنو التشيكية.
وتم تسجيل مجموعة سوناتات بيتهوفن كاملة على تسعة أقراص. وساعد لوبيموف في عزفها سبعة من طلابه، في تجربة فريدة، قال أحد المشاركين فيها إنها كانت بالنسبة له بمثابة نوع مختلف من الحوار الموسيقي، وفرته الآلات الموسيقية التي تبدو وكأنها قادمة من زمن بيتهوفن نفسه. وفضلا عن الـ32 سوناتا التي ألفها بيتهوفن، تم كذلك تسجيل سبعة من أعماله الطفولية والشبابية، التي تصنف أيضاً ضمن فئة «سوناتا». وقال عميد معهد تشايكوفسكي للموسيقى في موسكو إن تلك الأقراص عمل فني فريد، وتشكل منارة على درب الطلاب عشاق الموسيقى الكلاسيكية، لأنهم سيلمسون من خلالها أهم أعمال بيتهوفن، بأصواتها الفريدة على آلات موسيقية قادمة من حقبته.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».