إردوغان يطالب بوقف فوري للنار في إدلب

مصادر دبلوماسية لـ «الشرق الأوسط» : أولوية أنقرة استعادة حدود سوتشي

TT

إردوغان يطالب بوقف فوري للنار في إدلب

توقع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان التوصل إلى اتفاق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على وقف إطلاق النار «بسرعة» في منطقة خفض التصعيد في إدلب عندما يلتقيان اليوم (الخميس) في موسكو في الوقت الذي تحيط فيه أجواء التوتر باللقاء بسبب المواجهات بين القوات التركية وقوات النظام السوري المدعومة من روسيا.
وقال إردوغان، لمجموعة من الصحافيين بمقر البرلمان التركي في أنقرة أمس (الأربعاء): «ليست هناك أي مقترحات في الوقت الراهن فيما يتعلق بالوضع في إدلب... لنجر زيارتنا أولا، وسنعقد مؤتمراً صحافياً مع السيد بوتين عقب اللقاء».
ولا تشي التطورات التي يعقد في ظلها لقاء إردوغان وبوتين بأنه سيكون كسابق لقاءاتهما المتعددة في العامين الماضيين التي اتسمت بالود والتقارب، فعشية اللقاء، الذي لم تبد موسكو موافقة سريعة على إتمامه، قالت وزارة الدفاع التركية إن جنديين قتلا وأصيب 6 بنيران القوات السورية في إدلب خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، مع استمرار القتال بين الجانبين.
وتصاعد القتال في الأيام القليلة الماضية بين تركيا والفصائل السورية المسلحة الموالية لها من جهة، والقوات السورية المدعومة من روسيا وإيران من جهة أخرى، منذ مقتل 36 جنديا تركيا في ضربة جوية الأسبوع الماضي، حيث كثفت تركيا هجماتها بطائرات مسيرة في المنطقة ردا على الغارات الجوية الروسية التي ساعدت القوات السورية على استعادة على أراض في شرق وجنوب إدلب منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وقتل 59 جنديا تركيا في إدلب منذ بداية فبراير (شباط) الماضي. وقالت وزارة الدفاع إنها ردت على أحدث هجوم وقع ليل الخميس الماضي وأدى إلى مقتل 36 جنديا بضرب أهداف سورية.
وقال متحدث إعلامي باسم وزارة الدفاع التركية، أمس، إن القوات التركية حيدت 3 آلاف و138 عنصراً للنظام السوري، منذ القصف الجوي السوري على نقطة تركية في 27 فبراير. وتم إسقاط 3 مقاتلات و8 مروحيات و3 طائرات من دون طيار وتدمير 151 دبابة و52 راجمة صواريخ و47 مدفعية و8 منصات دفاع جوي للنظام السوري.
وقال مسؤول أمني تركي: «بعد هذا الهجوم، تم ضرب جميع الأهداف في تلك المنطقة ولحقت أضرار جسيمة بعناصر النظام السوري»، مضيفا «مسعى روسيا لضمان أن يحقق النظام أكبر تقدم ممكن على الأرض قبل الاجتماع بين إردوغان وبوتين يسبب مشاكل».
واتهمت روسيا تركيا، عشية زيارة إردوغان، بانتهاك القانون الدولي بحشد قوات في إدلب، وبعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب تفاهم سوتشي الموقع بين الجانبين في 17 سبتمبر (أيلول) 2018 بشأن إقامة منطقة منزوعة السلاح للفصل بين قوات النظام والمعارضة.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الروسية قوله إن مواقع «إرهابية» اندمجت مع نقاط المراقبة التركية في إدلب ما أسفر عن هجمات يومية على قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا.
وقال إردوغان إنه سيصطحب معه صحافيين خلال زيارته لموسكو وسيطلعهم على الكثير من الأمور، مؤكداً أنه لن يبقي أي شيء سراً.
وعن تصريح المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري بخصوص نية واشنطن تقديم ذخائر إلى تركيا، قال إردوغان إنه سبق ونقل مثل هذه الطلبات إلى نظيره الأميركي دونالد ترمب.
في السياق ذاته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن إردوغان سيعرض على نظيره الروسي مطالب تركيا وأهدافها ومقترحاتها بشأن الأوضاع في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
وأضاف أكار، في تصريحات أمس بمقر البرلمان التركي في أنقرة، أن هدف بلاده هو إيجاد حل سلمي وسياسي للأزمة السورية، وأن الاتفاقات المبرمة مع روسيا بشأن إدلب، تواجه مشاكل عدة، وأن إردوغان سيبحث مع بوتين سبل إنهاء تلك المشاكل.
وأكد أكار أن تركيا تسعى جاهدة من أجل إحلال الاستقرار والأمن في المنطقة، قائلا إن «فعالياتنا في إطار عملية (درع الربيع) (الاسم الذي أطلقته تركيا على هجماتها في إدلب) تسير وفقاً للخطة المرسومة، وجنودنا يؤدون المهام الموكلة إليهم ببسالة».
وتابع أكار أن أنقرة تنتظر من روسيا الوفاء بالتزاماتها كدولة ضامنة واستخدام نفوذها على النظام السوري لوقف هجماته والعودة إلى الالتزام بحدود اتفاق سوتشي.
واعتبر أن الأنشطة التركية في محافظة إدلب تندرج تحت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، المتعلق بـ«حق الدفاع المشروع»، وضمن إطار اتفاقات آستانة وسوتشي، وتهدف إلى عرقلة الهجرة وإنهاء الأزمة الإنسانية في المنطقة، وتوفير أمن حدود تركيا وشعبها.
وشدد أكار على أن تركيا سترد بقوة أكبر، ودون تردد، على الهجمات التي ستتعرض لها وحدات الجيش التركي ونقاط المراقبة في إدلب.
ويأتي لقاء إردوغان وبوتين اليوم في موسكو بعد 4 جولات من المباحثات بين وفود تركية وروسية جرت على مدى الأسابيع الماضية في أنقرة وموسكو دون التوصل إلى اتفاق على تهدئة في إدلب. وتتهم موسكو أنقرة بعد الالتزام بتنفيذ بنود تفاهم سوتشي 2018 وبدعم المجموعات المتشددة في إدلب بالسلاح بدلا عن إخراجهم من المنطقة العازلة منزوعة السلاح التي اتفق الجانبان على إنشائها، فضلا عن عدم قيامها بفتح طريقي حلب اللاذقية (إم 4) وحلب دمشق (إم 5) الدوليين.
وتوقعت مصادر دبلوماسية تركية أن يكون اللقاء بين إردوغان وبوتين حاسما، بعدما ساد التوتر بينهما على خلفية التطورات في إدلب وانعكس في رفض موسكو عقد قمة رباعية تركية روسية فرنسية ألمانية حول إدلب في إسطنبول كانت مقررة اليوم الخميس بحسب ما أعلنت أنقرة مرارا ونفت موسكو، وفي التباطؤ في إعطاء موعد لإردوغان للقاء بوتين، ونفي احتمالية انعقاد اللقاء أكثر من مرة بعدما كرر إردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو أن اللقاء سيعقد في إسطنبول.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة تتمسك بالصيغة الأساسية لتفاهم سوتشي وتطالب روسيا بسحب قوات النظام إلى خلف نقاط المراقبة التركية، بينما ترى موسكو أن التوازنات تغيرت في الميدان بعد تقدم النظام الواسع في إدلب، وعليه فإنه يجب تحديث التفاهم.
ومن المقرر، بحسب المصادر ذاتها، أن يرافق إردوغان وزيرا الدفاع خلوصي أكار والخارجية مولود جاويش أوغلو ورئيس المخابرات التركية هاكان فيدان، حيث يبحثون مع نظرائهم الروس الوضع في إدلب والتطورات الأخيرة وسبل التوصل إلى تهدئة قبيل لقاء إردوغان وبوتين.
وشددت المصادر على أن أولويات أنقرة تتمثل في إيقاف هجمات النظام السوري على منطقة خفض التصعيد في إدلب، وإجباره على الانسحاب حتى حدود اتفاق سوتشي، وإنهاء المأساة الإنسانية، ووقف حركة نزوح المدنيين باتجاه الحدود التركية، وأنها ستلوح بتوسيع عمليتها العسكرية في إدلب ما لم يتم الاتفاق على انسحاب النظام.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.