سفر فلسفي ضخم يعيبه الانحياز

سفر فلسفي ضخم يعيبه الانحياز
TT

سفر فلسفي ضخم يعيبه الانحياز

سفر فلسفي ضخم يعيبه الانحياز

المسألة الأساسية الأولى في كتاب ريتشارد وولين الضخم «غواية اللامعقول» - ترجمة محمد عناني، المركز القومي للترجمة، مصر - هي أن سحر الفاشية ليس مقتصراً على المجرمين والبلطجية، بل هناك كثير من المثقفين وكبار الكتاب وقعوا تحت سحرها، ومنهم جوفريد بن، ومارتن هايدجر، وكارل سميث، وفريدينان سيلين، ووليام بتلر ييتس. والمسألة الثانية، هي أن التفسيرات الماركسية القائمة على الأصول الاقتصادية للفاشية قد انهارت «وهو ما يقضي بضرورة إعادة النظر بصورة جادة في مسألة الأصول الفكرية للسياسات اليمينية المتطرفة». وهذا صحيح تماماً، ولكنه ليس استنتاجاً جديداً. أما المسألة الثالثة التي يطرحها وولين فهي الأكثر خطورة، إذ يرى أن ما بعد الحداثة أخذ يرتوي من المنهل الفكري عند نيتشه، وهايدجر، وموريس بلانشو، وهكذا «فإن الاتجاه المناهض للديمقراطية الذي اتسم بإقبال الناس عليه في الثلاثينات قد بدأ العودة خفية». وهذه المرة، كما يقول، في رعاية الأكاديميين اليساريين».
وبالنسبة إليه، فإن اللامبالاة الساخرة بالعقل والديمقراطية هي ما يشكل جوهر فكر ما بعد الحداثة. وبعبارة أخرى، إن هذا الفكر يحاول أن يطيح بكل إنجازات عصر التنوير، منذ القرن الثامن عشر لحد الآن، وخاصة حقوق الإنسان. وهو يقصد بـ«ما بعد الحداثة» رفض الفرضيات الفكرية والثقافية للحداثة باسم «إرادة السلطة»، عند نيتشه، أو باسم «السيادة»، عند باتاي، أو باسم «بداية أخرى»، عند هايدجر، أو باسم «الاختلاف والإرجاء»، عند دريدا، أو «اقتصاد مختلف للأجساد»، عند فوكو.
فيما يخص النقطة الأولى، يشن المؤلف هجوماً عنيفاً على نيتشه بشكل خاص، وكأنه أبو الشرور كلها إلى جانب هايدجر، فهما اللذان أفسدا الحياة الفلسفية والفكرية، وخاصة في فرنسا، إذ أصبحا «الأصنام الفكرية المعبودة في فرنسا في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية». وهذا يعني، فيما يعنيه، أن المفكرين والفلاسفة الفرنسيين وقعوا تحت سحر الفاشية.
يعيد وولين هنا تكرار الاتهامات نفسها التي ألحقت بنيتشه منذ شُوه مفهومه عن الإنسان السوبرمان، الذي كان يعني به ضرورة السعي لتحقيق السمو والكمال الإنسانيين، لكن النازية كما هو معروف استغلت هذا المفهوم بطريقة فجة، وأفرغته من محتواه الحقيقي. ويستغرب المرء كيف لمؤلف بوزن وولين، وهو أستاذ للتاريخ والعلوم السياسية، ومتخصص في «التاريخ العالمي للأفكار، كما يذكر المترجم، لم يطلع على الأقل على رسائل نيتشه، التي نشرتها أخته بعد موته، ويقول في إحداها: «أحس بقرابة النسب مع النبلاء الفرنسيين والروس، ولا أحس بقرابة النسب أبدا مع الذين يسمون أنفسهم النخبة المميزة من أبناء بلدي، والذين يحاكمون كل شيء من مبدأ ألمانيا فوق الجميع».
هل هناك أوضح إدانة للفكر النازي، إذا سميناه فكراً، من كلام نيتشه هذا؟ ثم، ألم يقل في مكان آخر: «حينما تتوسع ألمانيا بنفوذها وتأثيرها فإنها تدمر الثقافة»؟
لا يقل هجوم وولين على «ما بعد الحداثة» ضراوة. إنها «علم الشياطين»، وعدوة للمنطق، وهي «تنفي جميع القضايا القائمة على الالتزام الأخلاقي أو السياسي. أما مداخلات فوكو المدافعة عن حقوق الإنسان، فتعتبر استثناء من ذلك».
وواضح هنا، أن عداء وولين لما بعد الحداثة صادر من استعلاء مركزي أوروبي، لا يريد أن يرى أن هناك مخرجاً من المركزية الأوروبية، التي هيمنت على العالم الفكري والثقافي ارتباطاً بالتوسع الإمبريالي لأوروبا، وأن العقل والتنوير لا يمكن أن يتحقق إلا من داخلها. ما بعد الحداثة ليست سوى حركة سعت لتفكيك هذا المفهوم، وإنهاء السيطرة الفكرية، وهيمنة منظور على آخر، فهناك ثقافات كثيرة خارج أوروبا، وحتى داخلها، قمعت وغربت طويلا، وعانت من نظرة الغرب الدونية لها طوال قرون.
«غواية المجهول» سفر ضخم عن فلسفات ومدارس فكرية وسياسية قديمة ومعاصرة، لكنه للأسف مليء بالتعميم والانحياز الآيديولوجي المسبق.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).