انطلاق معرض «مسقط للكتاب» بمشاركة 35 دولة و211 فعالية ثقافية

الدورة الـ29 تشهد استضافة «الأيام الثقافية السعودية»

الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة خلال مشاركته في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة خلال مشاركته في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
TT

انطلاق معرض «مسقط للكتاب» بمشاركة 35 دولة و211 فعالية ثقافية

الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة خلال مشاركته في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة خلال مشاركته في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)

انطلقت (الخميس) فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب الـ29 بمشاركة 674 دار نشر تمثل 35 دولة، ويشتمل المعرض على برامج وفعاليات ثقافية وأدبية متنوعة تستمر حتى الثالث من مايو (أيار) المقبل. وتشهد هذه الدورة الاحتفاء بالثقافة السعودية ضمن برامج «أيام ثقافية سعودية» التي تضم تنفيذ الكثير من البرامج والفعاليات في جناح المملكة بالمعرض.

وافتُتح المعرض في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض تحت رعاية الدكتور فهد بن الجلندى آل سعيد، رئيس جامعة السلطان قابوس، بحضور الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة حاكم إمارة الشارقة، والدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي، وزير الإعلام رئيس اللجنة الرئيسية المنظِّمة لمعرض مسقط الدولي للكتاب.

الإصدارات

يبلغ عدد العناوين والإصدارات المدرجة في المعرض نحو 681.041 ألف عنوان منها 467.413 ألف إصدار عربي و213.610 ألف إصدار أجنبي. وتنقسم دور النشر المشاركة في المعرض ما بين 640 بصورة مباشرة، و34 بصورة غير مباشرة، وتتوزع على 1141 جناحاً.

وتتصدر مصر الدول المشاركة في المعرض بـ119 دار نشر، تليها سلطنة عمان بـ98، ولبنان بـ73، وسوريا بـ69، إضافةً إلى مشاركة عدد من دور النشر العربية والأجنبية. فيما بلغ عدد المجموعة العُمانية 274.64 ألف كتاب، وعدد الإصدارات الحديثة التي طُبعت بين 2024 و2025 نحو 52.205 ألف كتاب.

فعاليات ثقافية

وسيشهد المعرض إقامة 211 فعالية ثقافية وبرامج متنوعة تتوزع ما بين مسابقات ترفيهية، ومبادرات علمية، وعروض مسرحية، وحلقات عمل ثقافية، منها مبادرة «تحدي الوقت مع القراءة»، ومبادرة «مشروع بيرق التميز»، إضافةً إلى تقديم عرض مسرحي لعرائس الأطفال بعنوان «كتابي رفيق دربي» وعرض مسرحي بعنوان «نور المعرفة».

كما سيتم تقديم فقرات «حكايات شعبية عمانية» بمشاركة عدد من «الحكواتيين»، إلى جانب تنظيم برامج للأطفال، واستعراض للفنون التشكيلية، ومسابقات الإلقاء وكتابة القصة والشعر، وحلقة عمل «مبادئ الخط العربي للأطفال»، وحلقة عمل أخرى بعنوان «قرى تحكي»، إضافةً إلى حلقة عمل تعليمية بعنوان «المبتكر الصغير».

وستقام جلسات ثقافية في عدد من الأجنحة التي ستشهد مشاركة الجهات ذات العلاقة بصناعة ونشر الكتاب، وحضور مؤلفين للتوقيع على إصداراتهم، وإبرام عقود الإنتاج والنشر، ومشاركة المؤسسات المعنية بصناعة الكتاب وما يتصل به من إعداد وتجهيز وتغليف وإخراج فني.

تشارك في معرض مسقط الدولي للكتاب 674 دار نشر تمثل 35 دولة ويشتمل على فعاليات ثقافية وأدبية متنوعة تستمر حتى الثالث من مايو المقبل (العمانية)

شمال الشرقية: «ضيف شرف»

وتحلّ محافظة شمال الشرقية في سلطنة عمان (ضيف شرف المعرض)، إذ ستشارك بكثير من الأنشطة الثقافية والفعاليات التي تبرز معالمها الحضارية والتاريخية ومآثرها العلمية والإنسانية والوجهات السياحية، وذلك بهدف تسليط الضوء على التراث والتاريخ العماني. وستركز المحافظة عبر الركن المخصص لها في المعرض على تقديم كل ما يميزها من إرث حضاري وعلمي وأدبي وثقافي، حيث تزخر المحافظة بوجود قامات علمية وتاريخية من الأدباء والمفكرين والعلماء الذين أثْروا الساحة الأدبية والعلمية والثقافية في سلطنة عمان والوطن العربي والعالم بالكثير من المؤلفات والأعمال الأدبية والعلمية والثقافية.

الدكتور عبد الله الحراصي وزير الإعلام العماني لدى إطلاق منصة «عين للطفل» في معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)

منصة «عين للطفل»

وأطلقت وزارة الإعلام العُمانية منصة «عين للطفل» ضمن افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب، والتي تعد خطوة نحو استراتيجية تُعزز الحراك الإعلامي العُماني، وإثراء المحتوى المخصص للأطفال، وتزويدهم بمصادر معرفية تُسهم في تشكيل الوعي وتطوير شخصياتهم وتعزيز انتمائهم الوطني.

وتشارك وزارة الإعلام العُمانية في الدورة الـ29 من المعرض بأربعة أجنحة، تتمثّل في وكالة الأنباء العُمانية، والمديرية العامة للإعلام الإلكتروني (منصة «عين» والبوابة الإعلامية)، والمديرية العامة للمطبوعات والمصنفات الفنية، والمديرية العامة للإعلام الخارجي (المركز الإعلامي).



عن الخيال السهل وانحسار التحفة

دان براون
دان براون
TT

عن الخيال السهل وانحسار التحفة

دان براون
دان براون

أضحت الصفوف الطويلة من القراء الجدد، المنتظرة لتوقيع كاتب غير معروف في الأوساط النقدية والأكاديمية، مشاهد متكررة في أكثر من معرض للكتاب في الوطن العربي، الذي لم يحظ فيه كاتب يوماً بهذه الشهرة. وبمراجعة بعض هذه النصوص الروائية، يمكن الوقوف على حقيقة أنها تقف عند تقاطع سرد المغامرات والسفر، والخيال العلمي والعجائبي؛ مع التزامها بقاعدة تخييلية وأسلوبية تضعها بشكل مبدئي ضمن ما يمكن تسميته «الأدب السهل». ظاهرة يمكن أن نجد لها امتدادات في تنامي أروقة فنية انحازت بشكل كلي لفن اللوحة، مع شرط أن تكون «تزيينية» ولا تخلو من نعومة. اختيار لم تخف السينما انحيازها له منذ البداية، بإنجاز مجاورة مسترسلة بين أفلام السهرة والأفلام الروائية ذات العمق الإشكالي.

باولو كويلو

بينما على الصعيد العالمي، وفي حفلات توقيع روائيين من عيار «دان براون» أو«باولو كويلو» ممن يوصفون عادة بالجماهيريين، وهم طبعاً من روائيي الدرجة الثالثة، بات حجز النسخ مسبقاً ودفع ثمنها ببطاقات الائتمان على الشبكة أمراً مألوفاً، إنها إحدى ملامح تحول كتابة الرواية إلى عتبة للثراء الفاحش، بعد بيع ملايين النسخ منها، وتحويلها إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تليفزيوني. وبتعبير أدق هي إحدى صفات تحول الرواية إلى «سلعة»، في مجتمعات استهلاكية تحدد فيها قيمة الأشياء بأرقام مبيعاتها. لهذا لم يكن غريباً أن تلتجئ المطابع في العواصم الغربية الكبرى المنتجة للروايات إلى طحن فائض الإنتاج بعد انتهاء الموسم الثقافي، لتخلي الرفوف للإصدارات الجديدة. إنها العواصم نفسها التي تحتضن أسواق الأعمال الفنية ومزاداتها، حيث تمتزج رغائب امتلاك التحف الجميلة والذخائر الغالية، بمآرب المضاربة وغسل الأموال والتهرب الضريبي، ويبدو الاستثمار في ذخائر تاريخ الفن جنباً إلى جنب مع الاستثمار في الذهب والنفط والعملات.

كتاب جون بورغر عن بيكاسو

ويخيل إليّ أن أحد الأسباب الرئيسية لذيوع الرواية ورواج أنواعها وانتشارها، ليس أنها تحقق مآرب انقلابية عظيمة على الأمد البعيد، كأن تساهم في تغيير العالم حولنا مثلاً، أو تحسن معارفنا بالمجتمع والتاريخ، وبالمدن والحضارات، وبالنفس البشرية؛ أو لأنها تساهم بشكل ما في تطوير استعمالات اللغة ومفرداتها ومجازاتها، ولكن لأن نصوصها الجذابة والآسرة تملأ فجوات حياتنا اليومية. وبتعبير أكثر دقة، فإن الرواية مهيمنة لأنها تحسن تبديد وقتنا القاتل، الذي لا ندري ما نفعل به، وتملأ ما لا يُملأ من لحظات الوجود، خارج مطحنة التواصل مع الآخرين. تلك الوظيفة التي سرعان ما تحولت إلى قيمة تباع وتحقق ثروات طائلة، تماماً مثلما أن وظيفة اللوحة أو المنحوتة الفنية اليوم هي تزيين القصور والمؤسسات السيادية والمتاحف، قبل أن تكون أسلوباً أو علامة أو مجازاً.

والظاهر أن علاقة القراء بالنصوص الروائية، ونظرتهم للوحات والأفلام، وما سواها من أعمال بصرية تتجلى بوصفها تأرجحاً محيراً بين صعقة الانجذاب العابر، ولوعات الصداقة الدائمة، القائمة على جدل لافت بين الاعتقاد في جوهر القيمة، والنفور من الأسلوب المنهك؛ وغير خاف أن الانجذاب الأولي الخالب يتصل في معظمه بظواهر فنية رائجة، تبيع ملايين النسخ في شهور، ثم تدريجياً تنمحي من الوجود، كما قد تتصل بأفلام سيئة السمعة، تتألق كنيازك سرعان ما تنطفئ، بينما لا تعقد جل النصوص الخالدة صفقة متعة على عجل، ففي طبيعة أعمال من قبيل «موت إيفان إليتش» لتولستوي، و«أوليس» لجيمس جويس، و«الموت في البندقية» لتوماس مان، لعبة تطويع للصور والدلالات، وسعي لاعج لفهم المخفي بإيحاءات كثيفة من المفردات والتخييل، وبتعبير ماريو بارغاس يوسا فبعد قراءتها وإعادة قراءتها: «ينتابنا دائماً شعور مربك بأن أمراً ملغزاً قد بقي في النص بعيداً عن المتناول، حتى بعد قراءته بتأن أكثر. ثمة خلفية قاتمة وعنيفة، شبه منفّرة». وسرعان ما تسلمنا جولات القراءة المجهدة، والمستمرة في الزمن، إلى أحاسيس ملتبسة، بعيدة عن دوائر السحر، ومن ثم فإن تلك الأعمال البالغة العمق والمتقنة الصيغة قد لا تعجبنا.

الروائية لعبد الله العروي، من «الغربة واليتيم

في نقاش جمعني قبل سنوات بأحد الروائيين العرب عن الأعمال الروائية لعبد الله العروي، من «الغربة واليتيم» إلى «غيلة» مروراً بـ«الفريق» و«أوراق» ونصوص أخرى، قال إن أعماله تتضمن نزعة عقلانية ظاهرة، وجرعة من التجريد المربك، وهندسة بناء صارمة، كل هذا يجعلها روايات جيدة، لكنها لا تعجبه، لا يتحمل المضي في قراءتها حتى النهاية. لم يفاجئني الرأي، فثمة عدد كبير من الروائيين ومن النصوص الروائية التي لا تعجب من ينتسبون إلى حقل الكتابة الروائية، وبالأحرى القراء العاديون، لكنها تصنف تحفاً روائية. في هذه النقطة تحديداً أجدني دوماً حائراً في تفسير منبع الخلل المولد للثنائية المتضمنة لتعارض ملحوظ، القيمة الثابتة والفشل في إغواء القارئ والاستحواذ عليه، ويمكن أن تكون رواية «المسخ» لكافكا نموذجاً على هذا التعارض المحيرّ، نص لم أستطع لسنوات تقبله مقروناً بكل تلك الأوصاف المبجلة من قبل مؤرخي الرواية، قبل أن تنعقد في لحظة ما صداقة وثيقة معه، جعلته مرجعاً دائماً في تقييمي للروايات المختصرة للكون بتكثيف خيالي باهر.

والحق أنه بإعمال النظر في هذا التأرجح بين الفتنة والصداقة، في تداول الأعمال الإبداعية، يمكن أن نتمثل الظاهرة بصرف النظر عن وجود خلل ما، وذلك من منطلق التمييز بين مبدأ اللذة ومبدأ القيمة، بين المتعة الحرة المؤقتة وشرط الإضافة الأصيلة، ففي منظومة تاريخ الأدب والفنون وُضع «الانطباع» في مقام ثانوي، قياساً إلى التحليل، الذي يكشف ما لا يعلن، وما يستعصي التقاطه بيسر من جوهر صامد أمام عتي الزمن، وما نسعى لإدراكه بتأهيل العين والذهن.

هل الصمود مناقض للذة؟ أعتقد ذلك، لأن من قواعد اللذة الانطفاء، والانتقال إلى لذات موعودة أخرى، بينما القيمة مقرونة بمكابدة المعنى. يحلو لي هنا أن أستحضر سعي تاريخ الفن إلى إنصاف القيمة، بعد لحظة البدايات المرزئة التي عاشها رموز عديدون، لم يكن لهم حظ، «رونوار» أو «بيكاسو» للنهل من فتن العيش، أستحضر «رابرانت» و«فان غوخ» و«سيزان» ممن سعت أسواق الفن بعد وفاتهم بعقود إلى ترجمة قيمتهم في أرقام فلكية، في الآن ذاته الذي قد تجد فيه أعمالاً لهم غير قابلة للتداول الجماهيري بوصفها صوراً خالبة.

في كتاب «الستارة» يتحدث ميلان كونديرا عن رواية فيلدينغ «توم جونس» الممتدة في 18جزءاً، واستعمل مفردات هجائية لـ«استبدادية القصة»، التي تستحوذ على الأذهان، وتسحر، وتسرع إيقاع المتابعة للوصول إلى الأسطر الأخيرة، بينما تشكل الحرية جوهر النثر الروائي، المناقض لمبدأ اللذة، حيث اختراق قواعد القصة باستطرادات مشرعة على الآراء والتأملات ينغص لعبة «حكي ما جرى للشخصيات». وفي هذا السياق يمكن استيعاب أعداد كثيرة من الدراسات النقدية التي جعلت من مهامها نقض علامات أدبية وفنية من سيرفانتس إلى بيكاسو، ومن نجيب محفوظ إلى فلليني. تحاليل تتأرجح، في الغالب الأعم، بين نقض قاعدة اللذة وتقويض جوهر القيمة.

وفي كتاب جون بورغر عن بيكاسو، عبر أزيد من ثلاثمائة صفحة، يسعى الناقد الماركسي البريطاني إلى إعادة تركيب أسطورة الفنان العالمي، انطلاقاً من سياقات تكوين شخصيته ومعالم فنه، وسياقات عبوره درجات التأثير، كانت القيمة هي شاغله، حيث عدّ، في أهم مفصل بالكتاب، أن بيكاسو انتهى بما هو «قضية وثورة ومعلم مع انتهاء الحرب العالمية الثانية»، ولم تعُدْ ثمة قيمة جديدة في منتجه، إلا ما اصطنعه نقاد الفن، والمستثمرون في أعماله، ممن كان الإعجاب الموروث والمؤبد حافزهم لإعادة إنتاج الأسطورة.