«تدويل قضايا حقوق الإنسان»... مسار جديد لـ«معارك موازية» في ليبيا

TT

«تدويل قضايا حقوق الإنسان»... مسار جديد لـ«معارك موازية» في ليبيا

يبدو أن الأطراف المتقاتلة في ليبيا عازمة على الانتقال خارجياً بالقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، وسط تراشق داخلي حول الجهة «المتورطة في ارتكاب عديد الجرائم» التي سقط فيها مدنيون، أو اختفوا قسراً في غرب البلاد وشرقها منذ اندلاع الحرب على العاصمة طرابلس قبل 11 شهراً من الآن.
ومبكراً، دعا «الجيش الوطني» على لسان المتحدث باسمه اللواء أحمد المسماري إلى «تحقيق دولي مستقل في جرائم»، قائلاً إن «الميليشيات ارتكبتها في طرابلس»، بعدما وجهت له قوات «بركان الغضب» التابعة لحكومة «الوفاق» تهمة استهداف مركز لإيواء المهاجرين غير النظاميين في مدينة تاجوراء.
غير أن التحركات التي أظهرتها حكومة «الوفاق» خلال الأيام الماضية جاءت متلاحقة وعلى مسارات عدة بدأتها من واشنطن ثم جنيف وانتهت بها في كندا، وهي التحركات التي وصفها رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أحمد عبد الحكيم حمزة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنها «تسييس واضح وصريح للقضايا الإنسانية».
ومنذ الشهر الماضي، حرّكت 6 عائلات ليبية دعوى قضائية لدى المحكمة الفيدرالية في العاصمة الأميركية واشنطن، ضد القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، بتهمة «ارتكاب جرائم حرب وانتهاك حقوق الإنسان»؛ كما عقدت عائلتا الكرشيني والصويد مؤتمراً صحافياً في واشنطن بشأن قضيتيهما المرفوعتين ضد حفتر، وطالب محاموهما بدفع تعويضات عن «انتهاكات حقوقية ضد أفراد من العائلتين قالوا إنها ارتكبت في مدينة بنغازي». ورأى أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، لـ«الشرق الأوسط» أن تحريك مثل هذه القضايا يمكن أن يأتي بنتيجة، لكن لن نكون ذات فاعلية».
وأعلنت عملية «بركان الغضب» نهاية الشهر الماضي، عن انطلاق أولى الحملات الإعلامية المرئية المتجولة في العاصمة الكندية أوتاوا برعاية الجالية الليبية، وقالت إنها تستهدف «عرض مشكلات حقوق الإنسان في ليبيا»، لكن هناك من يرى أن هذه الحملة ينظمها أعضاء جماعة الإخوان في كندا، وتستهدف «تشويه» صورة حفتر.
وتتضمن الحملة وضع صور لقصف منازل المدنيين في طرابلس على حافلات تجوب شوارع أوتاوا، بالإضافة إلى لافتات كبيرة تستعرض أوضاع الجرحى بسبب قصف منازلهم بالعاصمة.
وقال جمال الفلاح، رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية، لـ«الشرق الأوسط» أمس: «من وجهة نظري الكل لديه الحق في تحريك دعاوى قضائية ضد أي شخص، لكن نعلم أن هذه المحاكم ليس لها تأثير على الداخل الليبي». وذهب إلى أنه «عندما قصف حلف (ناتو) ليبيا وقتل الكثير من المدنيين أثناء محاولة إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، بحجة حماية المدنيين لم يبال المجتمع الدولي ولا حتى المحكمة الجنائية الدولية».
ويعتقد الفلاح أن هذه المحاكم «تعمل وفق سياسة معينة تمليها بعض الدول للإطاحة بخصومها فقط»، متابعاً: «هذا شيء رأيناه في الواقع عندما أجرمت الميليشيات في بنغازي بعد الإطاحة بنظام القذافي وعاثت فساداً من قتل وتهجير ونهب وخطف لم نر رداً من هذه المحاكم على الدعاوى العديدة التي قدمت إليها ضد من هم في السلطة من ذلك الوقت».
وتحدث الفلاح عن تحريك العديد من الدعاوى القضائية أمام محاكم دولية ضد قادة الميليشيات المسلحة الواقعة تحت سلطة حكومة «الوفاق» بتهمة انتهاكات حقوق الإنسان، «لكن لم نسمع أو نر أي مردود لهذه الدعاوى».
واستغل فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، مشاركته في أعمال الدورة الـ43 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، وعرض خلال كلمته، صوراً لقصف الكلية العسكرية بطرابلس وإعدام عدد من المواطنين، منسوبة للضابط بالجيش الوطني محمود الورفلي، وصورة للنائبة المُغيبة في مدينة بنغازي سهام سرقيوة. وطالبت فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، السلطات الليبية بتسليم الضابط محمود الورفلي، الذي قالت إنه متهم بقتل 33 شخصاً، لكن «الجيش الوطني» قال إنه سيحاكم داخل البلاد مستبعداً تسليمه للجنائية.
ورأى الفلاح الذي ينتمي إلى مدينة بنغازي، أن «هذه القضايا لا تخلو من تسييس، وتخدم في النهاية بعض الدول المتسببة في الأزمة الليبية».
ورد الفلاح على القضية المرفوعة أمام المحكمة الفيدرالية في واشنطن وتطالب بمصادرة أملاك لحفتر بالبلاد، قائلاً: «قد تجمد هذه الممتلكات (إن وجدت) لوقت معين فقط»، مستدركاً: «ليس من أجل ما يعتقد كثيرون بحجة انتهاك حقوق الإنسان، لأنها تنتهك من 2011»، ولكن «قد تلعب الإدارة الأميركية بهذه الورقة وتضغط على المشير لكبح جماح النفوذ الروسي الداعم للقيادة العامة» للجيش!، و«هذا لا يعني رضائي عن أي انتهاك من أي طرف (...) استفدنا الكثير من تجربة الأعوام السابقة».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.