معركة «الثلاثاء الكبير» قد تحدد هوية منافس ترمب في الانتخابات

الديمقراطيون متخوفون من صبغ ساندرز حزبهم بـ«الاشتراكية» وخسارة الرئاسة و«الكونغرس»

معركة «الثلاثاء الكبير» قد تحدد هوية منافس ترمب في الانتخابات
TT

معركة «الثلاثاء الكبير» قد تحدد هوية منافس ترمب في الانتخابات

معركة «الثلاثاء الكبير» قد تحدد هوية منافس ترمب في الانتخابات

يتوجّه الناخبون الأميركيون يوم الثلاثاء المقبل، 3 مارس (آذار) المقبل، إلى صناديق الاقتراع للمشاركة فيما يُعرف بـ«الثلاثاء الكبير»، الذي يشكل الاختبار الحقيقي الأول لجماهيرية المرشح الذي يطمح للفوز بسبق التنافس على رئاسة أكبر دولة في العالم. ومع أن الانتخابات التمهيدية تشبه إلى حد كبير الانتخابات العامة المقررة، يوم الثلاثاء 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإنها قد لا تشكّل الفيصل الذي سيحسم هوية المنافس الديمقراطي في مواجهة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب. ومن ناحية ثانية، فإن ترمب لا يواجه خصماً جدّياً داخل حزبه في معركة تجديد ولايته الثانية والأخيرة، ذلك أن تسميته رسمياً ستبقى مؤجلة حتى «مؤتمر الحزب الجمهوري» المبرمج عقده يوم 24 أغسطس (آب) المقبل.

اسم «الثلاثاء الكبير» ليست مصطلحاً رسمياً، لكنّ النقاد السياسيين والصحافيين درجوا على استخدامه، للإشارة إلى يوم الانتخابات الذي تجري فيه مجموعة من الولايات الأميركية انتخاباتها التمهيدية وتجمّعاتها الحزبية، لتحديد عدد كبير من المندوبين إلى المؤتمرات الحزبية.
المعروف أن يوم الثلاثاء هو اليوم التقليدي للانتخابات في الولايات المتحدة. وتعود تسمية «الثلاثاء الكبير» إلى عام 1976 حين حاولت الولايات زيادة نفوذها في التأثير على عملية الترشيح. وكان أحد الأساليب هو إنشاء كتل جغرافية لتشجيع المرشحين لمنصب الرئاسة على تنظيم حملاتهم، وتمضية بعض الوقت في تلك الولايات. كما أن أحد الدوافع الرئيسية لـ«الثلاثاء الكبير» هو الرد على الانتقادات وتنفيذ اقتراحات لإصلاح النظام الأساسي الحالي، التي ينادي كثير منها بإنشاء قاعدة ابتدائية وطنية أو إقليمية أولية، للقياس عليها في تحديد هويّة المرشح، في وقت مبكر نسبياً.

نبذة تاريخية

يقول بعض الخبراء في الانتخابات الأميركية إن «الثلاثاء الكبير»، كما نعرفه، جاء نتيجة رغبة الديمقراطيين خلال عقد الثمانينات في ترشيح مرشح أكثر اعتدالاً. ولقد رشّح الديمقراطيون عام 1984 والتر مونديل، الذي كان يُعتبر من المعتدلين، لكنه هُزم في النهاية في الانتخابات العامة أمام الرئيس رونالد ريغان. وفي انتخابات 1988، نقل الحزب الديمقراطي في الولايات الجنوبية الانتخابات التمهيدية بشكل جماعي إلى شهر مارس (آذار)، في محاولة منه للحصول على جناح أكثر محافظة على أمل تعزيز حظوظ مرشح أكثر اعتدالاً. لكن المحاولة لم تسفر عن النجاح المأمول، إذ رشّح الديمقراطيون حاكم ولاية ماساتشوستس (آنذاك) مايكل دوكاكيس، الذي كان يُعتقد أنه أكثر ليبرالية من الديمقراطيين الجنوبيين، ولكن دوكاكيس خسر أمام المرشح الجمهوري جورج بوش (الأب).
اليوم، «الثلاثاء الكبير» أكثر تنوّعاً جغرافياً وأقل اهتماماً بمناطق محددة تحاول التأثير على الانتخابات. وبدلاً من ذلك، تسعى كل ولاية لأن تكون لها الكلمة في وقت مبكّر من السباق الرئاسي خوفاً من استبعادها من عملية صنع القرار. ويتطلب الأمر حسن الاختيار لمعرفة المرشح الذي يمكنه الفوز.
لقد تضخّم يوم «الثلاثاء الكبير» لدرجة أنه خلال انتخابات عام 2008 لكل من الديمقراطيين والجمهوريين، أجرت نصف الولايات الأميركية تقريباً انتخاباتها فيه. ويضيف الخبراء أن يوم «الثلاثاء الكبير» يمكن أن يكون حاسماً، ويشير إلى نهاية الانتخابات التمهيدية، كما كان الحال بالنسبة للحزبين عام 2000، كما أنه قد يكون منقسماً بشكل كبير وكافٍ للحفاظ على استمرار السباق الرئاسي التمهيدي لفترة أطول.
وتختلف الولايات التي تعقد الانتخابات التمهيدية (Primaries) يوم «الثلاثاء الكبير» من سنة إلى أخرى، حيث تختار كل ولاية يوم الانتخابات بشكل منفصل، وهو ما يؤدي إلى تقليص أو زيادة عدد المندوبين، الذين يتم اختيارهم لتمثيل الولايات في المؤتمرات العامة للحزبين الجمهوري والديمقراطي في الصيف المقبل. ومن المعروف أن سياسات الولايات المتحدة يهيمن عليها حزبان سياسيان رئيسيان، هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. ويختار الحزبان مرشحهما للرئاسة في «تجمّعات» حزبية (Caucuses) يحضرها مندوبون من الولايات أو عبر انتخابات تمهيدية. ويحدّد قانون كل ولاية كيفية اختيار مندوبي كل حزب، إما عن طريق الانتخابات الأولية أو التجمعات.
هذا العام هناك أكثر من ثُلث المندوبين في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي يعملون للفوز يوم «الثلاثاء الكبير»، والنتائج التي يحققها المرشحون فيه ستحدد إلى حد كبير هوية المرشح الذي يمكنه إقناع جمهور الحزب بالشخصية التي ستمثله في مواجهة ترمب. ذلك أن الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية التي أجريت منذ بداية هذا الشهر، في ولايات آيوا ونيوهامبشير ونيفادا، واليوم تجري في ولاية ساوث كارولينا، لم تشكل مؤشراً حقيقياً لتحديد الخاسرين والرابحين لدى الديمقراطيين، لا سيما أن عددهم ما زال كبيراً نسبياً، إذ يستمر في حلبة المنافسة 8 مرشحين يتأهّبون للمواجهة يوم «الثلاثاء الكبير».
وتجدر الإشارة إلى أن الجمهوريين يمكنهم أن يشاركوا في التصويت، في معظم ولايات «الثلاثاء الكبير»، ولكن بما أن الرئيس ترمب لا يواجه منافساً جدياً، فالتركيز سيكون على انتخابات الديمقراطيين.

ولايات «الثلاثاء الكبير» هذا العام

ما الولايات التي ستصوّت في هذا اليوم، وما عدد المندوبين الذين يُتوقع فوزهم لدى الديمقراطيين؟
ستجري 14 ولاية، بجانب إقليم أميركي واحد، انتخاباتها التمهيدية، لاختيار ما مجموعه 1357 مندوباً. وهي تتوزّع على رقعة الولايات المتحدة، من ولاية كاليفورنيا غرباً إلى ولاية ماين في أقصى شمال شرقي البلاد، وتشمل ولايات آلاباما وأركنساس وكولورادو وماساتشوستس ومينيسوتا ونورث كارولينا وأوكلاهوما وتينيسي وتكساس ويوتاه وفيرمونت وفيرجينيا، ومعها إقليم ساموا في المحيط الهادي، كما سيبدأ الديمقراطيون الذين يعيشون في الخارج في الإدلاء بأصواتهم.
تصويت يوم «الثلاثاء الكبير» سيؤدي إلى تسمية مجموع المندوبين، وليس عدد الأصوات التي تُحسب عند معرفة مَن يفوز بترشيح الحزب للرئاسة؛ إذ يُصار إلى تخصيص عددٍ معيّن من المندوبين لكل ولاية بناءً على عدد السكان ووزنها في الحزب الديمقراطي. ثم تمنح الولايات أصوات المندوبين إلى المرشحين تبعاً للأصوات التي يحصلون عليها. وفي نهاية الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية يفوز المرشح الأول الذي يحصل على غالبية المندوبين، البالغ عددهم 3979، بترشيح الحزب الديمقراطي.

أهميته هذا العام؟

غير أن أهمية «الثلاثاء الكبير» هذا العام تعود إلى أن نتائج الانتخابات ستؤدي إلى تحديد 34 في المائة من المندوبين لمؤتمر الحزب العام، دفعة واحدة، وذلك بعد انضمام ولاية كاليفورنيا، أكبر ولاية أميركية من حيث عدد السكان، إلى الولايات التي ستجري انتخاباتها في هذا اليوم، مع عدد مندوبين يشكل 30 في المائة من المندوبين الذين سيفوزون يوم الثلاثاء.
في المقابل، فإن الانتخابات التي أُجريت في ولايات آيوا ونيوهامبشير ونيفادا، بجانب انتخابات ولاية ساوث كارولينا التي تجري اليوم، لا تقدّم مجتمعة أكثر من 5 في المائة من عدد المندوبين، لترتفع النسبة بعد «الثلاثاء الكبير» إلى 38 في المائة من عدد أصوات المندوبين. وفي حين يصعب تحديد اسم الفائز في هذا اليوم، إلا أن النتيجة ستظهر حتماً حسن أداء هذا المرشح أو ذاك، ومن الذي سيتمكّن من إكمال السباق الطويل للفوز بغالبية المندوبين.
أمر آخر يستحق الإشارة، هو أنه تختلف أوقات إغلاق الاقتراع حسب توقيت الولايات. إذ تغلق صناديق ولاية فيرمونت قرب الساحل الشمالي الشرقي أولاً في الساعة 7 مساء، بينما تغلق في كاليفورنيا على الساحل الغربي في الساعة 11 مساء بالتوقيت الشرقي. ولن تُعرف جميع النتائج يوم الثلاثاء، لأن فرز الأصوات قد يستمر حتى ساعة متأخرة من الليل، لا سيما على الساحل الغربي. بل، قد يستغرق فرز الأصوات في كاليفورنيا أياماً لأن بطاقات الاقتراع بالبريد يجب ختمها يوم الانتخابات.
حتى اللحظة لا يزال سباق الحزب الديمقراطي يفتقر إلى الوضوح. وعلى الرغم من الفوز المقنع الذي حققه السيناتور اليساري بيرني ساندرز (78 سنة) في ولاية نيفادا، واحتمال تحقيقه نتيجة طيبة أمام منافسه الأبرز نائب الرئيس السابق جو بايدن في انتخابات ولاية ساوث كارولينا المقرّرة اليوم، وهذه الولاية الجنوبية المحافظة هي آخر الولايات التي تجري انتخاباتها الأولية خلال فبراير (شباط) المودّع. إلا أن ساندرز، الذي يمثل ولاية فيرمونت الشمالية التقدمية في مجلس الشيوخ، يجد نفسه أمام امتحان صعب يوم الثلاثاء مع تصاعد الحملات السياسية ضده، خصوصاً من منافسيه الديمقراطيين ومن مسؤولي الحزب، بعد تعليقاته السياسية التي أدلى بها في برنامج «ستين دقيقة»، ودفاعه عن الرئيس الكوبي الراحل فيديل كاسترو. قال ساندرز في المقابلة: «عندما تسلّم فيديل كاسترو السلطة، أتعلمون ماذا فعل؟ لقد خلق برنامجاً ضخماً لمحو الأمية. هل هذا أمر سيئ؟ على الرغم من أن كاسترو هو مَن قام به؟».
تصريح أثار غضب الديمقراطيين، الذين هاجموه بشدة معتبرين أن أفكاره انقسامية ومثيرة للجدل، وأن استمراره بالترشح بوصفه ديمقراطياً اشتراكياً سيؤدي إلى وصم الديمقراطيين كلهم بالتشدّد اليساري، ما قد يهدد بخسارتهم غالبيتهم في مجلس النواب. وبين قيادات الحزب الديمقراطي المُعربة عن قلقها، قال السيناتور الديمقراطي مايكل بينيت: «أعتقد أن الفوز بالانتخابات التمهيدية والفوز بالانتخابات الرئاسية أمران منفصلان. على الديمقراطيين اختيار مرشح يستطيع الفوز بولايات متأرجحة، ككولورادو، ويساعدنا على الفوز بغالبية المقاعد في مجلس الشيوخ، وهذا غير سهل».
وانهالت الانتقادات على ساندرز من منافسيه الديمقراطيين فسخر الملياردير مايكل بلومبرغ (عمدة نيويورك السابق) من تصريحاته، وغرّد قائلاً: «إن ميراث فيديل كاسترو القاتم يتألف من مخيمات الاعتقال والقمع الديني والفقر المدقع وفرق الإعدام وقتل الآلاف من شعبه». أما المرشح بيت بوتيجيج، فقارن ساندرز بترمب، وركّز في الأيام الأخيرة على مهاجمة ساندرز بشكل مكثّف لإقناع الديمقراطيين بأنه هو الخيار الأنسب لانتزاع ترشيح الحزب. وقال بوتيجيج في رسائل إلكترونية تهدف إلى جمع التبرّعات، قبل يوم «الثلاثاء الكبير»، إن «حملتنا حملة فائزة، ونحن الحملة الوحيدة التي تمكّنت من هزيمة ساندرز حتى الساعة، وهذا دليل على قدرتنا على توحيد غالبية الأميركيين».
ثم إن السيناتور بوب منينديز، المتحدّر من أصول كوبية، وكبير الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قال: «أنا متأكد من أن المعتقلين السياسيين في سجون كاسترو، الذين أعدموا بإطلاق الرصاص، والذين عذبوا لا يرون برامج محو الأمية بأهمية خسارتهم حرياتهم وحقوقهم. ساندرز مخطئ للغاية، وآراؤه ستؤثر سلباً على السباق الرئاسي».
وأخيراً، شكّك السيناتور الجمهوري المعتدل ميت رومني، أبرز منتقدي ترمب داخل حزبه، بقدرة ساندرز على التغلب على ترمب قائلاً: «لا أعتقد أنه سيتمكن من قهر ترمب؛ فبيرني قال أموراً مثيرة للجدل في الماضي، وعندما تُصرف ملايين الدولارات لنبش الماضي في الحملة الرئاسية، لن يكون ما قاله مناسباً لكثير من الأميركيين».

ما يجب رصده قبل الثلاثاء

ومع تصاعد أسهم عدد من منافسي ساندرز، تتجه الأنظار نحو بلومبرغ الذي حصل على قوة دفع، بحسب استطلاعات الرأي، مع أنه لم يشارك في تمهيديات آيوا ونيوهامبشير ونيفادا؛ إذ أنفق ما يقارب 450 مليون دولار من أمواله الخاصة على الدعايات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي والمنشورات والندوات الشعبية. لكن اتهامه بسياسات عنصرية مثيرة للتفرقة خلال رئاسته بلدية نيويورك وتعليقاته وتمييزه ضد النساء في شركاته، تثير شكوكاً في تمكُّنه من تحقيق نتائج قوية يوم «الثلاثاء الكبير». أيضاً تتجه الأنظار نحو نائب الرئيس السابق جو بايدن، والسيناتورة إليزابيث وارين في تجاوز «الثلاثاء الكبير»، بعد النتائج المخيبة لهم في ولايتي آيوا ونيوهامبشير.
بايدن يراهن على تصويت السود في انتخابات ساوث كارولينا، اليوم (السبت)، بينما تحذّر حملة وارين من أن السباق لا يزال طويلاً، وتتطلع إلى ولايات «الثلاثاء الكبير» لتحقيق إنجاز قوي. (ستصوّت وارين في ولايتها ماساتشوستس، وهي ولاية ديمقراطية بامتياز، وتأمل أن تأتي في المركزين الأول أو الثاني في كثير من الأماكن الأخرى). ولكن ماذا لو خاب أمل بايدن ووارين في 14 ولاية، وهل سيتمكنان من إقناع المانحين والممولين بالاستمرار في دعمهما في السباق؟
حتى حظوظ بوتيجيج (عمدة مدينة ساوث بند السابق في ولاية إنديانا)، الذي حافظ على أداء معقول في الانتخابات التمهيدية الأخيرة، لا تبدو كبيرة لهزيمة ساندرز، وانتزاع ترشيح الحزب له، بعدما سرق الأخير الأضواء من كل المرشحين، بمن فيهم بايدن، الذي يأفل نجمه.
لكن بعض استطلاعات الرأي في عدد من الولايات المشاركة في انتخابات «الثلاثاء الكبير» تثير مخاوف ساندرز وانزعاجه من منافسيه الآخرين. ولا يزال أمامه كثير من الجهود لإقناع المؤسسة الحزبية الديمقراطية بأنه يستطيع قهر ترمب، وأن التشطيب خارج المراكز الثلاثة الأولى في عدد كبير من ولايات «الثلاثاء الكبير» يمكن أن يهدّد بجدّية حجته بأنه يستطيع كسب الانتخابات الوطنية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

أحدث التقديرات

وبحسب أحدث الاستطلاعات في هذه الولايات تحديداً يحقق بلومبرغ تقدماً بنسبة 1 في المائة على بايدن و4 نقاط مئوية على ساندرز وبوتيجيج في ولاية أركنساس. وفي ولاية كاليفورنيا، حيث سيُصار إلى اختيار 415 مندوباً يتقدم ساندرز على بقية منافسيه بنسبة 4 إلى 18 نقطة. وفي ولاية ماساشوستس، معقل وارين، يتقدم ساندرز عليها بنقطة واحدة، في حين أن السيناتورة آيمي كلوبوشار تحقق تقدماً في ولايتها (مينيسوتا)، متقدمة بـ6 نقاط على ساندرز.
وفي ولاية نورث كارولينا، يتقدم ساندرز على بايدن بشكل طفيف، ويأتي بلومبرغ خلفهما مباشرة، في حين استطلاع آخر يشير إلى تقدم بايدن على ساندرز بـ4 نقاط. وفي ولاية أوكلاهوما يتقدم بلومبيرغ بـ6 نقاط على بايدن وساندرز. وفي ولاية تكساس، التي تُعد من الولايات الكبرى مع 228 مندوباً، تتقارب نتائج بايدن مع ساندرز ويتقدمان على وارين بـ3 نقاط وعلى بلومبرغ بـ5 نقاط. وفي ولاية فيرمونت، معقل ساندرز، يحقق ساندرز تقدماً كاسحاً، بفارق 38 نقطة عن أقرب منافسيه، مسجلاً 51 في المائة من نسبة التفضيل، يليه بوتيجيج ثانياً بـ13 في المائة. وفي ولاية فيرجينيا يتقارب ساندرز وبلومبرغ بـ22 نقطة يليهما بايدن بـ18 نقطة.

مناظرة ساوث كارولينا

المناظرة الأخيرة التي أُجريت الثلاثاء في ساوث كارولينا، واعتُبِرت آخر فرصة للمرشحين لتحسين مواقعهم الانتخابي قبل «الثلاثاء الكبير»، توسّط فيها ساندرز المنصة، للمرة الأولى، بسبب تقدمه في استطلاعات الرأي. إلا أنه جُوبِه بسيل من الهجمات من منافسيه، ولذا تساءل عن سبب تكرارهم اسمه وهجومهم عليه. ولم يوفّر أفكاره التقدمية والأنباء التي تحدثت عن تدخل روسي لدعمه وبرامجه للرعاية الصحية والسلاح والشؤون الخارجية.
في أي حال، اعتُبِرت المناظرة محطة مهمة في مسيرة ساندرز. وهو بعدما عُرف لعقود منتقداً للمؤسسة الحزبية، صار في موقف المدافع، في حين تخشى المؤسسة الديمقراطية من تمكُّن اليساري المسنّ، من التقدم على منافسيه الديمقراطيين، خصوصاً مع اقتراب يوم «الثلاثاء الكبير». وقال بلومبرغ إن كلاً من ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يعتقد أن ساندرز هو الحلقة الأضعف لدى الديمقراطيين لمواجهة ترمب.
وفي الأسبوع الماضي، أقر ساندرز بأن مسؤولين استخباراتيين أبلغوه بأنهم سيطلعونه على أن روسيا تحاول التدخل في الانتخابات لصالحه.


مقالات ذات صلة

ترمب يختار ريتشارد جرينيل مبعوثاً رئاسياً للمهام الخاصة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يختار ريتشارد جرينيل مبعوثاً رئاسياً للمهام الخاصة

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، اليوم، إنه اختار ريتشارد ألين جرينيل، رئيس مخابراته السابق، مبعوثاً رئاسيا للمهام الخاصة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يعهد لرئيس شركته «تروث سوشيال» بقيادة المجلس الاستشاري للاستخبارات

عيّن الرئيس الأميركي المنتخب، السبت، حليفه ديفين نونيز، وهو مشرّع أميركي سابق يدير الآن منصة «تروث سوشيال»، رئيساً للمجلس الاستشاري للاستخبارات التابع للرئيس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص يرجح كثيرون أن يسحب ترمب القوات الأميركية من سوريا (أ.ب) play-circle 01:56

خاص سوريا بعد الأسد من منظور أميركي

يستعرض «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، كيفية تعامل إدارة بايدن مع الأمر الواقع في سوريا وتوجهات إدارة ترمب.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يعتزم إلغاء التوقيت الصيفي في الولايات المتحدة

أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، عن رغبته في إلغاء التحول إلى التوقيت الصيفي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ مؤسس شركة «أمازون» الأميركية العملاقة جيف بيزوس متحدثاً في لاس فيغاس (أ.ب)

عمالقة التكنولوجيا يخطبون ودّ ترمب… بالملايين

اصطف مليارديرات صناعة التكنولوجيا الأميركيون، وآخرهم مؤسس «أمازون» جيف بيزوس، لخطب ود الرئيس المنتخب قبل عودته للبيت الأبيض من خلال تبرعات بملايين الدولارات.

علي بردى (واشنطن)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.