{موقان} في الجزائر أقدم مكتبة في أفريقيا

عادت بثوب جديد لتكون أشبه بمركز ثقافي

مكتبة موقان تهتم بكتاب الطفل
مكتبة موقان تهتم بكتاب الطفل
TT

{موقان} في الجزائر أقدم مكتبة في أفريقيا

مكتبة موقان تهتم بكتاب الطفل
مكتبة موقان تهتم بكتاب الطفل

يُصّرُ العاملون في مكتبة موقان على أنّها الأقدم في أفريقيا، وليس فقط في المغرب العربي، ولا تقارن بمكتبة الإسكندرية التي شُيدت في القرن الثالث قبل الميلاد، وتوافقهم الرأي مُسيرة مكتبة موقان، السيدة سهيلة لونيسي، وتدلّل على ذلك بأن مكتبة الإسكندرية التي تأسست قبل الميلاد انتهت قبل الميلاد، وكانت تعرف باسم مكتبة الإسكندرية الملَكية أو المكتبة العظمى، أكبر مكتبات عصرها، هذا صحيح - تقول السيدة لونسي - لكنّها احترقت وانتهت حياتها عام 48 قبل الميلاد، وأعيد بناؤها عام 2002 باسم مكتبة الإسكندرية الجديدة على أنقاض مكتبة الإسكندرية القديمة، فتعد مكتبة حديثة مقارنة بمكتبة موقان، التي أسسها المعمر الفرنسي ألكساندر موقان عام 1909. وسبق له أن أسّس مطبعة موقان عام 1857، والمكتبة شيّدها لابنته التي كانت شغوفة بالمطالعة، وتسلمتها ابنتها، حفيدته شونتال لوفافر، آخر مديرة فرنسية للمكتبة، وتوفيت في أكتوبر (تشرين الأول) 2015.
وكانت المكتبة قد تعرضت للسرقة عام 2008، ولم تستطع صاحبتها شونتال لوفافر تحمل الخسائر، فأغلقتها. وبعد وفاتها عيّنت الحكومة الجزائرية السيدة سهيلة لونيسي مسيرة لشركة موقان، بحكم قضائي بالغرفة التجارية بمحكمة البليدة عام 2015. وذلك للحفاظ على الإرث الثقافي، وإبقاء العاملين بالشركة، وعددهم 35 عاملاً يعيشون من دخلهم من مطبعة موقان.
وقالت السيدة لونيسي، لـ«الشرق الأوسط»، كان التحدي كبيراً لإعادة المكتبة للحياة مجدداً، «فعندما دخلتها كانت الأتربة تغطي كراتين الكتب ورفوف المكتبة، كانت تشبه مخزناً مهجوراً منذ أمد طويل». وبمعية 35 عاملاً بالمطبعة تمكنت السيدة لونيسي من رفع التحدي بنفض الغبار عن أقدم مكتبة في المغرب العربي - وفي أفريقيا حسب العاملين فيها - وافتُتحت في يناير (كانون الثاني) 2019، الذكرى 110 لتأسيسها. حضر حفل الافتتاح السفير الفرنسي لدى الجزائر ومثقفون جزائريون ورواد المكتبة من سكان البليدة، وما زالت المطبعة والمكتبة ملكية لعائلة موقان حتى اليوم.
عادت مكتبة موقان بثوب جديد للحياة، فلم تعد فقط لبيع الكتب، شأن المكتبات الأخرى، بل أصبحت أشبه بمركز ثقافي، بعدما حدّدت السيدة لونيسي أياماً لأنشطة ثقافية، السبت «منتدى موقان الثقافي» تستضيف فيه مثقفين لتقديم كتب لهم طبعتها مطبعة موقان، لتعريف القراء بالمنتج الثقافي الجديد، كما تستضيف شعراء وأدباء ومفكرين لإلقاء محاضرات وأمسيات شعرية وسرد قصصي. وخصّصت بعد ظهر الثلاثاء لأنشطة الأطفال، لأنه عطلة لتلاميذ الابتدائي، تلك الساعات من الواحدة إلى الخامسة مساءً يمارس الأطفال أنشطة مختلفة، مثل تعليم اللغات، والأشغال اليدوية، والرسم، إلى جانب قص حكايات، تحكيها الحكواتية السيدة زهرة، التي قالت: «حالياً أنا معلمة متقاعدة، أحب الأطفال كثيراً، لذا تطوعت في مكتبة موقان، أحكي للأطفال الحكايات الشعبية، وأقرأ لهم قصص الأطفال، أعمارهم دون التاسعة، يُحضرهم أولياؤهم بعد الظهر، ويأخذونهم قبل الخامسة، تلك الحكايات والقصص تغرس قيماً أخلاقياً واجتماعية في نفوس الأطفال»
وأوضحت السيدة لونيسي أنّ كل تكاليف الأنشطة الثقافية للكبار والصغار تتحملها مكتبة موقان، والمعلمات والمربيات متطوعات، يُقدّمن عملاً خيريّاً برضا خاطر. وقالت باعتزاز: «كان المؤسس لهذا الصرح الثقافي السيد ألكساندر موقان، وقدم جريدة (التل) النصف شهرية مجاناً للبليديين، عندما كان يلصق أوراق الجريدة على زجاج نوافذ وباب المكتبة ليقرؤوها من دون شرائها، فنحن اليوم نقدم مجاناً تعليماً للطفل، لأنه قارئ المستقبل ومثقفه، لذا نركز نشاطنا على الطفل». وأوضحت: «بدأت ورشات الأطفال في أبريل (نيسان) 2019. ندعوا الأولياء لإحضار أولادهم لمكتبة موقان، ونحن نرعاهم ثقافياً، ومتوسط حضور الأطفال 15 طفلاً، يتغير بعضهم كل ثلاثاء، وبعضهم يواظب على الحضور، وقد تكونت لهم علاقة دافئة مع مكتبة موقان».
تقع مكتبة موقان وسط مدينة البليدة (50 كيلومتراً جنوب الجزائر العاصمة)، تحتل ناصية شارعين، مقابل «ساحة التوت» الاسم القديم للساحة إبان الاستعمار الفرنسي، وأصبحت «ساحة أول نوفمبر» بعد الاستقلال.
عائلة موقان من «المعمرين الفرنسيين» بالجزائر، حاولت مساعدة السكان ثقافياً لمن يقرأ منهم حينذاك، فأصدر ألكساندر موقان جريدة نصف شهرية بعنوان «التل» عام 1864. كان يلصق صفحاتها على زجاج المكتبة الخارجي ليتمكن المارة من قراءة الأخبار والمقالات، واستمرت بالصدور حتى عام 1964، إلى أن أمرت السلطات الجزائرية بتوقيف الجريدة، وأغلقت بالذكرى المئوية لتأسيسها، وقام ألبير بولانجي ابن ألكساندر موقان بجمع أعداد جريدة التل خلال قرن في مجلدات، وقدمها هدية إلى مركز البحوث، لتكون وثيقة تاريخية في متناول المؤرخين، فقد أرخت لأحداث عاشتها الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي (1830 - 1962)، لذا تكتسي تلك المجلدات أهمية تاريخية.
عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 كانت عائلة موقان من أصدقاء الثورة، ولم تغادر الجزائر بعد الاستقلال، حتى في سنوات عشرية الإرهاب في تسعينات القرن الماضي بقيت عائلة موقان في البليدة تمارس عملها في إدارة مطبعة ومكتبة موقان.
ألكساندر موقان مؤسس المطبعة والجريدة والمكتبة بقي على رأس عمله 59 عاماً وتوفي 1916. وتسلم ابنه إدارة المطبعة، وابنته إدارة المكتبة، التي ورّثتها لابنتها لوفافر.
الزائر لمؤسسة موقان يلاحظ أن المكتبة تتكئ على جدار المطبعة في مبنى فرنسي قديم، أمامه قناطر، تسقف رصيف المكتبة، وتطل على ساحة التوت الشهيرة، التي يرتادها البليديون في أيام الصحو، واعتادوا على زيارة مكتبة موقان بحثاً عن الكتب الجديدة، كما قالت السيدة زبيدة، وهي أستاذة في جامعة البليدة: «نرّوح عن أنفسنا بساحة التوت، وبجوارنا مكتبة موقان، نشتري الإصدارات الجديدة، سواء للكبار أو للأطفال».
والمطبعة التي كانت تطبع دفاتر مالية ومحاسبة وفواتير ووثائق عند تأسيسها 1857. أصبحت اليوم تطبع إلى جانب ذلك الكتب، وبكل اللغات، أكثرها بالعربية والفرنسية والإنجليزية والصينية والإسبانية. تطبع سنوياً ما لا يقل عن 50 عنواناً، ولكل عنوان 1000 نسخة، تأخذ مكتبة موقان حصة منها لتبيعها، وقالت لونسي: «إن منتدى موقان يُعرف القراء على الكتب الجديدة، وننشر ملخصات من تقديم الكتب على موقع مكتبة موقان ووسائل التواصل الاجتماعي (إنستغرام) و(فيسبوك) و(تويتر) لتعريف القارئ على الجديد، وهو ما نقوم به أيضاً لزوار المكتبة، فنعرض لهم الإصدارات الجديدة، وننصح الزائر بالكتب التي يبحث عنها».
وتبقى مكتبة موقان برفقة المطبعة شاهداً على عصر عزّ فيه الكتاب، وكانت شمعة تنير الظلام.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.