«المركزي» ملتزم دعم استيراد الضروريات رغم استنزاف احتياطاته بالدولار

TT

«المركزي» ملتزم دعم استيراد الضروريات رغم استنزاف احتياطاته بالدولار

يلتزم مصرف لبنان بسياسة دعم استيراد السلع الأساسية للمواطن اللبناني، والمتعلقة بتوفير السيولة بالدولار الأميركي، لاستيراد الطحين والمحروقات والأدوية، وسط تأكيدات بأن المصرف مستمر بالدعم، رغم استنزاف احتياطاته بالعملة الأجنبية، وأنه «لا أزمة محروقات تلوح في الأفق».
بدأ مصرف لبنان سياسة الدعم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إثر ظهور أزمة الدولار في السوق اللبنانية، وارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية، وهو ما دفع المصرف المركزي لتلبية السوق المحلية بالسلع الضرورية، عبر صرف الليرة مقابل الدولار بالسعر الرسمي وتحويلها إلى الخارج لاستيراد الحاجات الأساسية، وهو ما ثبّت أسعار تلك السلع في السوق، كما كانت عليه قبل الأزمة.
لكن بعض الإجراءات التي اتخذت، أثارت اعتراضات. ومن بين المعترضين مستوردو المحروقات الذين اعترضوا على تأمين 15 في المائة من الأموال المخصصة لاستيراد المحروقات بالدولار الأميركي لقاء فتح الاعتمادات، كما اعترض أصحاب الأفران بأن ارتفاع سعر الدولار انعكس ارتفاعاً بتكاليف الصيانة وثمن «نيلون التوضيب» وغيرها، وهو ما دفعهم للتلويح بالإضراب قبل يومين، قبل أن يتراجعوا عنه.
وترأس رئيس مجلس الوزراء حسان دياب، أمس، اجتماعاً، حضره وزير الطاقة ريمون غجر، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وأوضح غجر أن «الاجتماع تناول موضوع فتح الاعتمادات المخصصة لاستيراد النفط».
وجزم نقيب أصحاب محطات المحروقات سامي البراكس بأنه «لا أزمة محروقات في لبنان»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن الأزمة «تُحل». وقال إن «النسبة التي يلتزم مستوردو النفط بدفعها، والبالغة 15 في المائة من الاعتمادات للاستيراد بالدولار الأميركي، جرى الاتفاق على تخفيضها إلى 10 في المائة»، مشيراً إلى أن الاجتماع «يمهّد لجدولة الأسعار».
ويُضاف ملف المحروقات إلى ملفي الأدوية والخبز، اللذين يدعمهما مصرف لبنان، عبر توفير السيولة بالدولار الأميركي لاستيراد الطحين والأدوية. وتقول مصادر مواكبة لملف تأمين الاعتمادات للأدوية إن «هناك لجنة الآن لتصنيف الأدوية وفصلها عن المستحضرات الأخرى التي تبيعها الصيدليات التي لا تدخل ضمن نطاق الأدوية».
وفي ملف الخبز، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة أن «اتفاقاً تم أمس مع نقابات الأفران، لوضع آلية لعناصر كلفة الرغيف». وقال في مؤتمر صحافي عقده في الوزارة إنه «تم الاتفاق على وضع آلية لسعر الخبز، لنتأكد من أننا ندافع عن المستهلك، ودون إلحاق الخسائر بالأفران، الذين يربحون ضمن الهامش المحدد بالقوانين، وينتجون الخبز بجودة ونوعية عاليتين». وقال: «هذا الاتفاق لن يعيدنا إلى الوراء، لأن هذه الآلية ستمكننا من تحديد البنود الواردة في الكلفة، وأول اجتماع للجنة سيكون يوم الاثنين المقبل، لوضع هذه الآلية، وستصدر الأسبوع المقبل القرارات اللازمة، في ضوء هذه الدراسة، وعلينا توفير الوقت على الجميع».
ونقلت وكالة الأنباء «المركزية» عن نائب رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران، علي إبراهيم، قوله إن «الحلّ لا ينحصر برفع الأسعار، بل نطالب بدعم الطحين وتعديل الأسعار الرسمية»، مشدداً على أن «الطحين غير مدعوم، وكان ذلك يحصل منذ 6 أو 7 سنوات، وما من سلعة أخرى مدعومة تدخل في صناعة الرغيف».
وجزمت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» بأن مصرف لبنان مستمر بتوفير الاعتمادات للسلع الأساسية، من غير أن توضح حجم الاعتمادات التي دُفِعَت حتى الآن منذ أكتوبر الماضي. وبغياب أي أرقام معلنة حتى الآن عن حجم الدعم منذ أكتوبر الماضي، تشير تقديرات غير محسومة إلى أن الاعتمادات تصل إلى 4 مليارات دولار.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة إلى أن سياسة الدعم بدأت مع ظهور مشكلة الدولار في لبنان، إذ قبلها لم تكن هناك أي مشكلة على هذا الصعيد، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن المصرف المركزي يدعم فرق سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية الآن، بالنظر إلى أن السلع المستوردة تُدفع بالدولار، في مقابل الحفاظ على أسعار السلع الأساسية كما هي في السوق. وإذ لم تخفِ أن هذه العملية «تستنزف احتياطات المصرف المركزي من العملة الصعبة لديه»، أكدت أن الأزمة فرضت هذا الأمر الواقع، وتلتقي مع استراتيجية المصرف المركزي لتعزيز الأمن الاجتماعي، علماً بأن ذلك من مهام الحكومة اللبنانية.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.