باليه آنا كارنينا... دراما راقصة لرائعة تولستوي

تجوب بها فرقة «دي ميلانو» مسارح العالم

مشهد يجمع آنا بفرونسكي في لوحات تمزج الباليه الكلاسيكي برقصات معاصرة
مشهد يجمع آنا بفرونسكي في لوحات تمزج الباليه الكلاسيكي برقصات معاصرة
TT

باليه آنا كارنينا... دراما راقصة لرائعة تولستوي

مشهد يجمع آنا بفرونسكي في لوحات تمزج الباليه الكلاسيكي برقصات معاصرة
مشهد يجمع آنا بفرونسكي في لوحات تمزج الباليه الكلاسيكي برقصات معاصرة

إرث أدبي كلاسيكي يتحول إلى دراما، تكتب كلماتها بالأنغام والحركات على مسارح العالم، إنها تراجيديا «آنا كارنينا»، رائعة ليو تولستوي الأدبية عن الصراع بين عاطفة الأمومة والحب، التي لا تفقد بريقها.
بلمسات فنية، تمزج الرقص المعاصر بحركات الباليه الكلاسيكية، تواصل فرقة باليه «دي ميلانو» تقديم عروضها في عدد من دول العالم، من بينها مصر، حيث قدمت الفرقة أخيراً عرضاً على خشبة مسرح دار الأوبرا المصرية، استطاع خطف الأنظار، نظراً لحركاته التعبيرية المميزة، التي ترافقها موسيقى الموسيقار الروسي تشايكوفسكي، ورؤية مصمم الرقصات الإستوني تييت كاسك، الذي قرر أن يبرز ما اختزله تولستوي بين السطور.
يقع العرض في فصلين، يضم الفصل الأول 8 مشاهد مفعمة بالحيوية، ويبدأ بمشهد تعريفي عبر الحفل الراقص الذي نتعرف فيه على كل الشخصيات، ونلمس آفاق الصراع الذي سيحدث فيما بينها لاحقاً، ويجمع المشهد بين حركات الرقص الجماعي، ثم الرقص الثنائي، والرقص المنفرد. تطل الأم والزوجة الارستقراطية آنا كارنينا بحركات رشيقة وقورة على خشبة المسرح، تأسر القلوب من حولها بأناقتها، إلى أن يطلبها الضابط فرونسكي للرقص، وعلى الفور تبدأ شرارة الحب بينهما، فتحلق الباليرينا آريانا كابوديكاسا برشاقة الفراشة مع الراقص الباليرينو أليساندرو أورلاندو بحركات تشع بوهج رومانسي، تجتذب أنظار من حولهما في الحفل، تبدأ آنا في الابتعاد عنه خشية أن تقع في غرامه، بينما تبتعد الشابة كيتي عن فرونسكي الذي يتجاهلها، وتعلق بجنون بحب آنا.
تغادر آنا سريعاً هاربة إلى عاصفة ثلجية، ويبدأ المشهد الثاني؛ حيث تصعد آنا إلى القطار محاولة قراءة رواية بين يديها، لكن عقلها يشرد مع فرونسكي، وإذا به يصعد منتظراً القطار، تحاول آنا الهروب منه، فهي تعرف أن قصة حبهما لن تكتب لها النهاية السعيدة.
في المشهد الثالث، تغادر آنا القطار، لتجد زوجها وابنها في انتظارها، يجبرها زوجها كارنين على تأبط ذراعه، وكأنه يجرها خلفه لتنقاد وراءه، في وداعه تنساق آنا وتعلو وجهها علامات اللامبالاة، لكنها في الوقت ذاته تشعر بنفور من طريقة معاملة زوجها وعدم اكتراثه لها، بينما يزيد إعجابها بفرونسكي الذي يقدم نفسه لزوجها، بينما تجاهله الزوج.
نتعرف في المشهد الرابع على جوانب أخرى من شخصية زوج آنا، حيث يقبل بتودد إحدى الصديقات له، في وجود آنا وابنهما، تتجاهلهما آنا، وتنصرف للاهتمام بابنها، وتشجعه على تقديم أنشودة روسية تقليدية، ثم تصطحبه المربية خارج الغرفة.
في المشهد الخامس، يتألق بطلا العرض في إبراز الصراع بينهما، عبر الإيماءات والتعبيرات الجسدية، إذ يلتقي كارنين بفرونسكي في حفل شاي للطبقة العليا من المجتمع، ويلحظ كارنين فرحة كل من فرونسكي وآنا باللقاء، لا يتمكن من السيطرة على غضبه، فتطلب منه آنا الانصراف على الفور، بحركات تعبيرية بأيديها وقفزات تعبر عن رغبة في التحرر والانطلاق.
برع المصمم تييت كاسك في إخراج المشهد السادس حيث يروي بالرقص الجدال بين كارنين وزوجته، بعد أن انتظرها في المنزل، فبرقصات وأرجل قوية تضرب خشبة المسرح يعبر الراقص عن غضب كارنين من زوجته، وإحراجها له أمام الناس دون كلمات، وتبدأ الراقصة في التعبير عن حالة آنا التي تواري حقيقة حبها، وفي الوقت نفسه تخجل من البوح والاعتراف وتحاول نفي الشكوك حولها.
يبدأ التصاعد الدرامي للأحداث، إذ تتجادل آنا مع فرونسكي، معبرة عن صراعها المرير بحركات باليه معاصرة أكثر تعقيداً، ويحاول فرونسكي أن يهدئ من روعها، لكنها تواجهه برغبتها بقطع علاقتها به، نجد فرونسكي يؤدي بحركات دائرية رشيقة وتوظيف لحركات باليه كلاسيكية، مع الأداء التمثيلي، ليقنعها بالاستماع لقلبها والعزوف عن قرارها، فتستسلم للحب.
يبدأ الفصل الثاني من الباليه بمشهد سباق الخيل؛ حيث يسقط فرونسكي من على خيله، لتصدر من آنا شهقة عالية تكشف مشاعرها حياله، يغضب زوجها كارنين، فيجرها بعنف للرحيل للمنزل، لكنها تنهار وتعترف له بحبها لفرونسكي، في مشهد تمثيلي مؤثر، ويمنعها كارنين من رؤية ابنها.
تغادر آنا لتذهب إلى فرونسكي الذي يواسيها ويشفق عليها، يحاول تخفيف معاناتها ظناً منه أن حبه لها قد ينسيها عاطفتها تجاه ابنها، وتجسد الحركات الراقصة الناعمة والخشنة هنا الاضطرابات التي تحيط بحياتهما وتهدد حبهما. بعد لحظات يقسم المسرح ببراعة لغرفة الطفل في روسيا، وغرفة آنا وفرونسكي في إيطاليا، حيث يلهو الابن بقطار في حزن مفتقداً أمه، بينما تحاول آنا الانغماس في قصة حب، لكن قلبها وعقلها مع ابنها.
تقرر آنا في المشهد التالي الهروب لرؤية ابنها سراً دون علم زوجها، وتلتقي بالفعل بالابن، وتجلس لتلهو معه، إلا أن مجيء كارنين يجعلها تفر قبل أن يراها، تعود آنا بحزن يثقل كاهلها، تحاول الانغماس مرة أخرى في حياتها الجديدة مع فرونسكي الذي يبدأ في الانشغال عنها، ويقدم رقصة تتضمن سقطات على الأرض والترنح، تعبر عن انغماسه في معاقرة الخمر والابتعاد عن آنا، التي تحاول إقناعه بالظهور سوياً في حفل كبير بدار الأوبرا، تتعرض آنا للاحتقار من قبل الرجال والنساء، وتسقطها إحدى نساء الطبقات العليا على الأرض، تعود آنا مهرولة للمنزل، يلحق بها فرونسكي، وإذا به يجدها تهاجمه باتهامات، تقدم آنا رقصات عنيفة تجسد حالة الشجار، تتضافر مع إيقاعات الموسيقى السيموفونية العالية، فتؤجج انفعال المتلقين بالمشاعر المتضاربة لآنا وحالتها النفسية المحطمة.
في المشهد العاشر، يأخذنا الديكور لأجواء درامية كئيبة وضبابية، حيث تعايش آنا حالة الإحباط وتفكر في الموت، برقصات تعبر عن حالة الوهن والذبول التي وصلت إليها. تتردد في الانتحار بشرب الدواء المخدر، لكنها تتناوله ليعم المسرح ظلام حالك. في المشهد الأخير، تخرج آنا إلى محطة القطار لنستمتع برقصة جماعية للمسافرين في محطة قطار روسية عتيقة، ووسط المسافرين يظهر فرونسكي ويقوم معهم بحركات جماعية تعكس نسيانه لها، تحمل آنا حقيبة السفر، لكنها متخبطة، والمسافرون الراقصون لا يرونها، وكأنها نسياً منسياً، تحاول آنا أن تلقي التحية في محاولة أخيرة لتستعيد حياتها ووجودها، لكنها تقابل بجمود من المسافرين، تسير آنا متخبطة لنرى ضوءاً شديداً، يصاحبه صوت عجلات القطار السريعة وصافرته، ليسدل الستار على النهاية المأساوية لآنا كارنينا.
يتمرد العرض على التقاليد الكلاسيكية لفن الباليه، فتصميم الديكور للمصمم ماركو بيستا جمع بين البساطة وأدق التفاصيل التي تسرد تفاصيل الدراما الراقصة، مع الحفاظ على المساحات الواسعة لتحرك الراقصين بخفة وحيوية، والاستعانة بستائر من التول المرسومة، ليكثف التعبير عن الوحدة والصراع، واستحوذ فيدريكو فيراتتى بتصميمات الملابس على أعين الجمهور عاكساً أيضاً ملامح كل شخصية وتحولاتها، مع الحفاظ على ملامح الحقبة التاريخية في الملابس. أما المؤثرات البصرية التي أشرف عليها ماركو ترياكا فقد نجحت في إكساب المشاهد المسرحية أبعاداً سينمائية، بل حقيقية، فتشعر كأنك في محطة القطار ووسط عاصفة ثلجية أو في قاعة الرقص الكلاسيكية بأحد قصور روسيا الإمبراطورية في القرن التاسع عشر.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.