فوز فيلم«طفيلي» بالأوسكار ينعش مطعم «سكاي بيتزا»

زادت مبيعاته بعد ظهوره في الفيلم الكوري الجنوبي

صورة المخرج بونغ جون هو معلّقة على مطعم «سكاي بيتزا» (أ.ف.ب)
صورة المخرج بونغ جون هو معلّقة على مطعم «سكاي بيتزا» (أ.ف.ب)
TT

فوز فيلم«طفيلي» بالأوسكار ينعش مطعم «سكاي بيتزا»

صورة المخرج بونغ جون هو معلّقة على مطعم «سكاي بيتزا» (أ.ف.ب)
صورة المخرج بونغ جون هو معلّقة على مطعم «سكاي بيتزا» (أ.ف.ب)

حاز مطعم البيتزا الذي ظهر في فيلم «باراسايت» أو «طفيلي» الكوري الجنوبي – الذي نال جائزتي أحسن فيلم وأحسن مخرج من بين جوائز أخرى – على شعبية مفاجئة لدرجة نفاد العجائن من المطعم في اليوم التالي.
وفي حين تحتفل كوريا الجنوبية بالمخرج بونغ جون هو، وجوائز الأوسكار الأربع التي حصل عليها الفيلم – جائزة أحسن فيلم، وأحسن سيناريو، وأحسن فيلم روائي عالمي، وأحسن مخرج – ازدهرت الأعمال التجارية لمطعم البيتزا، وأحد المتاجر في سيول، وصناع المعكرونة السريعة.
وقالت إيوم هانغ لي، صاحبة مطعم سكاي بيتزا لشبكة «إيه بي سي الإخبارية»، إنّ «المبيعات زادت بمقدار يزيد على الضعف، ولم يكن مطعمي الصغير مشهوراً أو معروفاً للجميع من قبل كما تعلمون»، وكانت تتحدّث بنبرة هامسة بسبب كثرة حديثها إلى أكثر من 30 صحافياً على مدار يومين كاملين.
ولقد تغير هذا الأمر الآن، وتشعر السيدة هانغ لي بسعادة بالغة ودهشة أيضا لتهافت الكثير من عشاق الفيلم والصحافيين على مطعمها، وقالت: «كما ترون جميعاً، هذا الحي يخضع لإعادة التّطوير العقاري وهو ليس معروفاً. وقال المخرج بونغ إنّ موقعه مثالي للتّصوير».
ويدور فيلم المخرج بونغ جون هو، حول أسرتين – إحداهما ثرية للغاية، والأخرى فقيرة للغاية – حيث تتلاقى عوالم كل منهما عندما تحاول عائلة كيم الفقيرة تلمّس السبل صوب حياة عائلة بارك الثرية. كانت عائلة كيم تعمل في تغليف علب البيتزا في هذا المطعم الصّغير، وفي وقت لاحق تظهر الأم والطّفل وهم يتناولون البيتزا أثناء التّخطيط
لطرد الخادمة المنزلية التي تعمل لصالح عائلة بارك.
وقال السائح ها كيونغسو لشبكة «إيه بي سي الإخبارية»: «جئت لتناول البيتزا ولكي استشعر الأجواء الحقيقية للفيلم، ولكن المطعم صار معروفا للغاية لدرجة نفاد المعجنات منه. لقد استغرق الأمر مني ساعة ونصف الساعة حتى تمكنت من الوصول إلى هنا، لقد قطعت هذه المسافة الطويلة من أجل فيلم باراسايت».
بدأ عشاق الفيلم الكوري الجنوبي في زيارة مختلف مواقع تصوير الفيلم الأخرى مثل السوبر ماركت والسّلالم الطّويلة المتهالكة في أحد الأحياء الفقيرة بغرب العاصمة سيول، حي «أهيون دونغ». وكان سوبر ماركت «بيغ رايس» حيث يتناول نجل عائلة كيم المشروب مع صديق له عرض عليه وظيفة التّدريس لكريمة عائلة بارك.
وقال لي جيونغشيك، مالك السوبر ماركت البالغ من العمر 77 عاما، للشبكة الإخبارية الأميركية: «أود شكر المخرج بونغ. من كان يعرف أنّه سيجلب كلّ هذه السّعادة والفرح؟ لقد أصبح متجري شهيراً للغاية حول العالم. ويأتينا العديد من العملاء الآن، والكثير من الشباب يلتقطون الصور في الداخل والخارج. وزارنا مراسلون كثر من بلدان بعيدة مثل كندا، وإسبانيا، واليابان، والولايات المتحدة»، وكان هناك مجموعة من السياح يلتقطون الصّور للمتجر من الخارج.
وتابع السيد جيونغشيك قائلا: «إنه حدث تاريخي وعالمي لبلادنا، وأود أن أوجّه الشكر والامتنان للمخرج بونغ جوون وأحييه على نيل جائزة الأوسكار العالمية.
وقالت الطالبة الجامعية يوون سيونغيون: إنّ «كل موقع في الفيلم له معناه ورمزيته الخاصة. إنّها مواقع ممتازة للتّصوير ويسهل الوصول إليها»، وذلك أثناء زيارتها للمعالم التي ظهرت في الفيلم لالتقاط بعض الصور.
وكان العنصر الأكثر لفتا للأنظار في فيلم «طفيلي»، الوجبة المسائية المحلية الخفيفة التي ظهرت في ترجمة الفيلم باسم «رامدون». وفي المشهد تطلب السيدة بارك الثرية من خادمة المنزل إعداد وجبة الشاباغوري حتى يتمكن الأطفال من تناولها حال عودتهم من الرحلة الخلوية التي ألغيت بسبب هطول الأمطار. واتضح أنّ «رامدون» هي عبارة عن مزيج من نوعين مختلفين من المعكرونة سريعة التّحضير والمغطاة بشرائح من اللحم المشوي الممتاز، في استعارة مثالية للكيفية التي تتناول بها العائلات الثرية الوجبات العادية الشائعة لدى أغلب الناس.
وشهدت شركة «نونغشيم» التي تصنع هاتين العلامتين التجاريتين من المعكرونة سريعة التّحضير المعروفة باسم «شاباغوري» و«نيوغوري»، ارتفاعاً كبيراً في المبيعات بنسبة بلغت 60 في المائة، خلال الأيام القليل الماضية مقارنة بالأسبوع السّابق على الإعلان عن جوائز الأوسكار. وكانت الشّركة قد عرضت فيلماً قصيراً على موقع يوتيوب لوصفة إعداد وجبة الشاباغوري ترافقه الترجمة بـ11 لغة أجنبية خدمة للجمهور العالمي.
وسارعت حكومة العاصمة سيول ومنظمة السياحة الوطنية بالاستفادة من الأحداث الرّاهنة ووضعتا خططا لتصميم «جولة للتّعرف على مواقع تصوير فيلم باراسايت» تحت إشراف المختصين في صناعة السينما بالبلاد. ولقد جرى تحميل الجولة السياحية بالفعل على موقع منظمة السياحة الوطنية في سيول. وستُضاف مواقع أخرى إلى الجولة السينمائية وتضمّ أفلاما أخرى لنفس المخرج بونغ جون هو، ومنها، «المضيف»، و«ذكريات قاتلة»، و«أوكجا»، و«الكلاب النابحة لا تعض».


مقالات ذات صلة

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
يوميات الشرق التفوُّق هو الأثر أيضاً (أ.ف.ب)

الشيف دانييل هوم... أرقى الأطباق قد تكون حليفة في حماية كوكبنا

دانييل هوم أكثر من مجرّد كونه واحداً من أكثر الطهاة الموهوبين في العالم، فهو أيضاً من المدافعين المتحمّسين عن التغذية المستدامة، وراهن بمسيرته على معتقداته.

«الشرق الأوسط» (باريس)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)