عهد لبنان الرئاسي: إخفاقات تفوق الإنجازات!

قراءة هادئة في نصفه الأول

عهد لبنان الرئاسي: إخفاقات تفوق الإنجازات!
TT

عهد لبنان الرئاسي: إخفاقات تفوق الإنجازات!

عهد لبنان الرئاسي: إخفاقات تفوق الإنجازات!

ليست مسألة تقييم أي «عهد رئاسي» في لبنان مهمة سياسية أو إعلامية أو بحثية سهلة، ولا سيّما إذا كان العهد لا يزال في منتصف الولاية، أي لم تنقضِ السنوات الست المنصوص عنها في الدستور، على الرغم من الانتهاكات المتكرّرة لروح الدستور ونصوصه. ذلك أن تقييم أي ولاية رئاسية بعد انتهائها يتيح للباحث إجراء قراءة دقيقة وموضوعية يمكن من خلالها دراسة المحطات التي انطلق منها «عهد» ذلك الرئيس والوقائع التي انتهى إليها، بالإضافة إلى دراسة ما إذا كان هناك من منجزات جدّية يمكن أن يسجلها التاريخ باسم الرئيس. أما وقد مرت ثلاث سنوات ونيف من ولاية الرئيس ميشال عون الذي انتخب يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، فإنه لا بد من تسجيل جملة من الملاحظات الأساسية، قبل التعمّق في إجراء التقييم الفعلي لهذه الحقبة.

بعد نحو 29 سنة من الانتظار تقريباً، نجح العماد ميشال عون في الدخول مجدداً إلى قصر بعبدا الجهوري (الرئاسي) بعدما أُخرج منه عام 1989. ولقد أتاح إخراج عون، آنذاك، وضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ بعدما كان قد عطّل مفاعيله لأشهر عديدة، عبر إصراره على ترؤس حكومة عسكرية فقدت نصابها القانوني وميثاقيتها خلال دقائق معدودات من تشكيلها (بنتيجة استقالة جميع الوزراء المسلمين منها وعددهم نصف عدد الحكومة). ومن ثم، قرّر حل المجلس النيابي المفترَض فيه انتخاب رئيس الجمهورية، الذي تعذّر انتخابه، في حين كان مطلوباً منه كرئيس للحكومة الانتقالية تسهيل هذه المهمة، بالإضافة إلى رفضه «اتفاق الطائف» الذي كان تسوية عربية - دولية لإنهاء الحرب في لبنان وشنه حربين داخليتين عُرفتا بـ«حرب التحرير» و«حرب الإلغاء»؛ ما أدى إلى خسائر فادحة بشرياً ومادياً.
مع هذا، انتخب عون رئيساً عام 2016 وفقاً لـ«اتفاق الطائف» نفسه الذي كان قد رفضه عام 1989، وثمة مَن يقول إن الرأي العام لم يفهم حتى اللحظة التحوّل السياسي الكبير الذي قام به الرئيس، ولا سيّما الدوافع التي أدّت إلى رفضه هذا «الاتفاق» في التسعينات، وخوضه الحملات العسكرية والسياسية والإعلامية ضده ورفض الاعتراف بالسلطة التي انبثقت عنه... ثم تلك التي أدت إلى قبوله به في العام 2016.

- «اتفاق الطائف»
حقيقة الأمر، أن «الاتفاق» لم يُعدّل منه أي حرف، أو فقرة أو مادة، بل بقي على حاله. ولئن كان صحيحاً أن ثمة تفاسير متباينة لبعض مواده، فالصحيح أيضاً أنه أصبح جزءاً من دستور لبنان الذي يفترض أن يطّبق ويُحترم من كل القوى والأطراف السياسية. أما القول بتعديل «الطائف» بـ«الممارسة»، كما يتباهى مناصرو الرئيس عون نواب كتلة «لبنان القوي» (أو تكتل «التغيير والإصلاح» سابقاً)، فهو يعني عملياً المفاخرة بخرق مواد الدستور، وإعادة تفسيرها وتطبيقها بما يتلاءم مع المصلحة السياسية والفئوية والحسابات الخاصة والظرفية.
هذا ما يحصل - على سبيل المثال - في قضية تعيين الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية التي تعطّلها هذه الكتلة التي يقودها عونيّو «التيار الوطني الحر» (الذي أسسه الرئيس ويترأسه حالياً صهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل) تحت ذريعة غياب «التوازن الطائفي»، مع العلم، أن المادة 95 من الدستور واضحة... وهي حصرت ضرورة تأمين هذا التوازن بالفئة الأولى دون سواها. كذلك، فإن هذا التوازن لم يُحترَم في مباريات وزارة الخارجية - على سبيل المثال -، بل جرى التغاضي عنها لأنها جاءت غير متوازنة إنما في الاتجاه المعاكس. وهذا يثبت أن الشعارات المرفوعة لا تهدف حقاً إلى تأمين التوازن الطائفي، بل ترمي إلى تعزيز حضور فئة دون سواها، خلافاً للدستور والأصول والقوانين المرعية الإجراء، مع أن الشراكة ضرورية، وصيغة المناصفة - التي نصّ عليها «الطائف» - هي واحدة من أبرز منجزات الاتفاق التي يفترض الحفاظ عليها بمعزل عن المعايير الديموغرافية.
أما تعطيل الحكومات والمؤسسات تحت عنوان «الميثاقية»، الذي مارسه «التيار الوطني الحر» طوال السنوات الماضية، فإنه لم يطبقه في مرحلة الحكومة العسكرية التي افتقرت إلى التمثيل الإسلامي بكل مكوّناته المذهبية. فكيف يمكن تفسير هذه الازدواجية؟
هذه الملاحظات الشكلية ليست سوى مقدمة لفهم حقيقة وأسس العمل التي يركز عليها العهد، أو بعض المقرّبين منه، الذين يتكلّمون باسمه ويبدّدون من رصيده السياسي والشعبي.

- عناوين ومحاور
أما بعد، فلا بد من تقييم السنوات الأولى للعهد من خلال العناوين والمحاور التالية:
أولاً: السياسة الخارجية. والحق أنه لم يسبق أن مرّ لبنان بهذا المستوى المتدني من الحضور الدولي في تاريخه المعاصر، فعدا عن التراجع غير المسبوق لعلاقاته مع عمقه العربي (ولقد حسم «الطائف» عروبة لبنان بعد خلاف دام عقوداً)، أخذت السياسة الخارجية تخرج رويداً رويداً من سياسة النأي بالنفس (التي تماثل شعار: لا شرق ولا غرب بشكلٍ أو بآخر). وصار الخطاب الرسمي اللبناني الذي يعبّر عنه رئيس الجمهورية ووزير الخارجية أكثر التصاقاً بموقف فريق من اللبنانيين يكنّ العداء لقوى عربية ويوالي قوى غير عربية.
لقد أدى تضييق هذا الهامش الذي كان قائماً بين الدولة وأطراف أخرى إلى الإضرار بسياسة لبنان الخارجية وعلاقاته الدولية، بمعنى أن المساحة التي كانت قائمة بين الموقف الرسمي والموقف الحزبي كانت توفر متنفساً للبنان - إذا جاز التعبير - إزاء «المجتمع الدولي»؛ إلا أن الالتصاق (وربما الالتحاق التدريجي) بين هذين المسارين أفقد لبنان الرسمي استقلالية سياسته الخارجية القائمة على العلاقات الطيبة مع محيطه العربي وانتمائه لهذا المحيط دون أي التباس.
لا شك، أن سياسة معاداة إسرائيل كموقف رسمي ووطني وشعبي ثابت هو إنجاز مهم، لكنه ليس كافياً؛ لأنه مرتبط بالاستراتيجية الدفاعية المغيبة تماماً عن النقاش الجدي بفعل سياسة الالتصاق المشار إليها أعلاه.
ثانياً: الاستراتيجية الدفاعية. على الرغم من أن الرئيس عون كان وعد اللبنانيين بإطلاق النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية بعد إنجاز الانتخابات النيابية (2018)، فإنه رغم مرور سنة ونصف السنة تقريباً على انتهائها لم يبادر للدعوة إلى نقاش جدي حول هذه الاستراتيجية. ومن هنا، فإن الالتصاق الذي أشير إليه في البند الأول بموازاة تغييب النقاش الوطني حول الخطة الدفاعية المنتظرة يطرح علامات استفهام كبرى، تعزّزها تصريحات وزير الدفاع الوطني التي تكاد تلغي أي تمايز بين الأجهزة الرسمية اللبنانية وقوى «المقاومة». وهو ما عاد وأكده رئيس الجمهورية، للأسف، في أحد مواقفه المُستغربة التي تساءل فيها عن جدوى وضع خطة دفاعية!
لا يختلف اثنان على أن إسرائيل هي العدوّ التاريخي للبنان، وهي تختزن الكثير من الحقد على تجربته التعددية التي تناقض آحاديتها وعنصريّتها التي كرّسها في قانون «يهودية الدولة» الذي أصدره الكنيست في الفترة الأخيرة؛ إلا أن ذلك لا يلغي أننا نختلف كلبنانيين على كيفية مواجهة الخطر والحقد الإسرائيلي الدائم.
ثم أن الاستفادة من تجربة «المقاومة» ضرورة حتمية تبرّرها الحاجة ويفسرها المنطق، ولا سيما أنها راكمت خبرة كبيرة في مواجهة الاحتلال واعتداءاته المتكرّرة على السيادة اللبنانية وأكملت المسار النضالي الذي أطلقته القوى الوطنية والتقدمية واليسارية؛ إلا أن ذلك يفترض ألا يقفل البحث على سبل دمج هذه القدرات بإمكانات لبنان الرسمية، والوصول إلى مرحلة تحتكر فيها الدولة وظيفة الدفاع عن أراضيها، وهذا حقٌ مكتسب لأي دولة ذات سيادة، وليس موجهاً ضد هذا الفريق أو ذاك. حتى نصل لتلك المرحلة، ثمة مسؤولية كبرى على العهد، تتمثّل بألا يسمح بتحويل لبنان مجدّداً ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية أو أن يدفع هذا البلد الصغير أثماناً لا علاقة له فيه، بل تتصل أولاً وأخيراً بنزاعات المحاور الدولية والإقليمية من طهران إلى واشنطن.
ثالثاً: المسألة الاقتصادية الاجتماعية. إن الوقت الذي أهدر في مطلع الولاية، وهو يناهز السنة ونصف السنة تحت عنوان أن «حكومة العهد الأولى لم تكن حكومة الرئيس»، وأن حكومته الفعلية هي التي ستنبثق عن الانتخابات النيابية، كان كافياً ليعكس ما إذا كان ثمة جدية حقيقية في مواجهة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية المستفحلة!
لقد رفع التكتل النيابي الذي ترأسه الرئيس عون شعار «الإصلاح والتغيير»، إلا أن أياً من هذين الشعارين لم يسلك طريقه الفعلية نحو التنفيذ. رفع «وثيقة الإبراء المستحيل» في وجه تيار المستقبل، ثم «تبرأ» منها عند نضوج التسوية وانتقال الرئيس سعد الحريري لدعم ترشيح عون للرئاسة الأولى. و«اصطدم» مع «القوات اللبنانية» مراراً وتكراراً، ثم وضع كل الخلافات جانباً عند توقيع «تفاهم معراب» الذي أدى كذلك إلى رفع حظوظ عون الرئاسية، ثم عاد وتنصل منه بعد الانتخاب!
المهم أن ينطلق قطار الإصلاح وأن تبدأ الخطوات الجدية، الفورية والجذرية لإحداث تغيير حقيقي في بنية المشاكل الاقتصادية التي تواجه البلاد التي لم تعد تحتمل رفاهية النقاش والبحث، بل إنها أشبعت درساً على مدى سنوات وسنوات والمطلوب خطوات سريعة قبل فوات الأوان.

- ملف أزمة الكهرباء
لا يخفى على أحد أن «أم المشاكل» في لبنان هي الكهرباء؛ كونها تستنزف نحو ملياري دولار سنوياً من المالية العامة، فضلاً عن أنها لا تتوافر على مدار الساعة في كل المناطق أسوة بما هو قائم في مختلف دول العالم. وبمعزل عما إذا كان «التيار الوطني الحرّ» يتحمّل وحده مسؤولية هذا الإخفاق - أقله منذ توليه وزارة الطاقة والمياه منذ نحو عشر سنوات - لا شك في أن هذا الملف يشكل إحباطاً جماعياً لدى اللبنانيين ويعكس فشل السلطة السياسية، ولا سيما من تولى الحقيبة الوزارية، في الإخفاق بإيجاد الحلول المطلوبة لهذه المشكلة المزمنة.
لقد توقّع اللبنانيون أن تسلك شعارات «الإصلاح والتغيير» طريقها بكثير من الانسيابية مع انتخاب عون إلى الرئاسة، لكن هذا، للأسف، لم يحدث. أغلب الظن أن المسؤولية لا يتحملها الرئيس وحده، بل بعض من هم في الدائرة المحيطة به ممن لم يوفقوا في إدارة الملفات الموكلة ولم ينجحوا في تعزيز الالتفاف السياسي حول الرئيس ليتمكن من إنجاز المصالحات، بل بددوا الكثير من رصيده السياسي والشعبي وضاعفوا عدد الأخصام السياسيين مجاناً.
وأخذاً في الاعتبار طبيعة التركيبة السياسية اللبنانية، والصيغة التشاركية التي أرساها «اتفاق الطائف» في العملية السياسية وآليات اتخاذ القرار؛ لا بد من الإقرار بأن سلوك مسار التغيير يتطلب نسج تفاهمات وطنية تتيح هذا الأمر وبناء مناخ من الشفافية والتعفّف، ورفض الدخول في الصفقات والسمسرات. وهذا أيضاً، لم يحصل؛ إذ ارتبطت أسماء بعض المحيطين بالعهد بالعديد من الملفات التي تثار حولها علامات استفهام كبيرة... من البواخر إلى الكهرباء وسواها من الملفات من العناوين أعلاه.
لقد فاخر العهد وبعض مؤيديه بشعار «العهد القوي»، ولعل إطلاق هذا الشعار كان خاطئاً من الأساس، ليس لأن الرئيس عون ليس «قوياً»، بل لاختلاف المفاهيم حول فكرة «القوة»، من جهة؛ ومن جهة ثانية، لأنه ساهم برفع التوقعات من الحكم الذي وقف شبه عاجز أمام المشاكل المتفاقمة فلم يفكك أياً منها بشكل ملحوظ من جهة أخرى!
أما مفهوم «القوة» فهو بحد ذاته في حاجة إلى تشريح: هل يكفي القول عن الرئيس إنه قوي إذا كان يرأس قبل انتخابه كتلة نيابية؟ أم أنه قوي بتاريخه النضالي؟ أم يمكن القول عنه إنه قوي إذا كان رجلاً صاحب مبادئ؟ أم أن القوة يوفرها الصوت المرتفع؟ أم ماذا؟

- علاقة «القوة» بـ«الصلاحيات»
عملياً، ما هي العناصر التي يمكن اعتمادها للقول إن هذا العهد، أو أي عهد رئاسي، هو عهد «قوي»؟ الرئيس الراحل فؤاد شهاب ما كان يرأس كتلة نيابية، لكن تاريخه ودوره في ثورة 1958 وسجله العسكري وتعففه وشفافيته عناصر جعلت منه رئيساً يحقق المنجزات من دون أن يرفع شعار «الرئيس القوي».
ثم أن السلطة التنفيذية في لبنان بعد «اتفاق الطائف» أصبحت منوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً. طبعاً، هذا لا ينتقص من مكانة رئيس الجمهورية وموقعه ودوره الذي لا يزال له صلاحياته المهمة. لكن هذا التحوّل بحد ذاته يجعل رفع شعار «الرئيس القوي» غير ذي جدوى، بل هو يثقل كاهل الرئيس بدلاً من أن يخففها عنه. وفي «الديمقراطية اللبنانية» المرتكزة إلى التوافقات والتفاهمات والتوازنات، تسقط مقولة «الرئيس القوي» عند كل منعطف وفي كل محطة، إلا إذا استعمل الرئيس «قوته» للجمع بين اللبنانيين وتقليص المسافات بينهم، وأن يمارس فعلاً دور الحكم والمرجع الأعلى لتكريس الاستقرار والسلم الأهلي.
ختاماً، إن أي لبناني عاقل يتمنى للعهد النجاح؛ لأن نجاحه يعني بصورة أوتوماتيكية نجاح لبنان في تخطي أزماته التي تُستولد وتتفاقم كل يوم. وأي لبناني عاقل يعتبر أن نجاح الرئيس عون يعني تجاوز الوضع الراهن نحو واقع أفضل لا يفقد فيه الأمل ويشعر فيه بالطمأنينة... لكن «المكتوب يُقرأ من عنوانه»!

- تيار عون «يستأثر» به باسيل
> نُظّمّت الحالة الشعبية العونية الموالية للعماد ميشال عون ضمن هيكل سياسي حمل اسم «التيار الوطني الحر» بعد عودة الجنرال من منفاه الباريسي في مايو (أيار) 2005، رغم أن نواة الحزب وُضعت قبل عودة عون من باريس، وكان مناصرو التيار يتداولون بالاسم الذي بات حزباً قانونياً قبل هذه الفترة.
حاز التيار العلم والخبر «الرقم 163/ أ د»، الذي يمكّنه من مزاولة نشاطه السياسي كحزب بوجهة قانونية، من وزارة الداخلية اللبنانية في مايو 2006. وتقدّمت الجمعية السياسية المسماة «حزب التيار الوطني الحر» بطلب تعديل في النظام الأساسي وتعديل مركزه في عام 2015، حين جرت الموافقة على التعديلات.
منذ ظهور التيار، بقي العماد ميشال عون، الذي بات نائباً في البرلمان اللبناني منذ انتخابات عام 2005، رئيساً له. لكن عام 2015 انتقلت رئاسة التيار إلى صهره وزير الخارجية السابق جبران باسيل إثر انتخابات فاز فيها الأخير بالتزكية؛ وهو ما ولّد انقساماً في صفوف التيار على مستوى قياداته والشخصيات البارزة فيه وأقرباء عون نفسه. وعلى الأثر، أعلنت قيادات رافقت مسيرة منذ سنين الانسحاب من التيار. وتحدث آخرون من مواكبي مسيرة التيار عن «إقصاء» لمعارضي باسيل من التيار، متهمين باسيل بالاستئثار، وباستبعاد قيادات تاريخية بينهم نعيم عون - ابن شقيق عون -، وزياد عبس القيادي البارز، وغيرهم. ولقد نظّم هؤلاء صفوفهم ضمن إطار سياسي ناهز عدده السبعين شخصاً، وأصدر في العام الماضي بياناً بعد انتخابات التيار في 2019 التي فاز فيها باسيل بالتزكية برئاسة التيار لولاية ثانية.

- «نصف العهد»: توترات أمنية وضغوط خارجية واقتصادية... انفجرت في انتفاضة الشارع
> مثّل تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في السوق الموازية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي دفعت عشرات المؤسسات للإقفال، رأس هرم الأزمات التي عصفت بعهد الرئيس اللبناني ميشال عون منذ ثلاث سنوات، خاضت فيها البلاد تحديات أمنية داخلية وخارجية، وتضاعف فيها التوتر السياسي، ووصلت في منتصف الولاية الرئاسية إلى مرحلة الاضطرابات الاجتماعية التي تمثلت في الانتفاضة الشعبية اللبنانية ضد السلطة.
ورغم ادعاء فريق الرئيس ميشال عون السياسي حرصه على تكريس النمط التوافقي في الحكم، عبر الحكومات الائتلافية، فإن الحملات الممهدة للانتخابات النيابية 2018، كسرت العرف التوافقي، واشتدت الانقسامات بين الأحزاب والتيارات والقوى السياسي. فترنحت الاتفاقات مع حزب «القوات اللبنانية» من غير أن تسقط، وتوترت العلاقة مع «المستقبل»، وشهدت علاقة «التيار الوطني الحر» مع حركة أمل ورئيس البرلمان نبيه برّي أسوأ مراحلها في ظل السجالات والخطابات الشعبوية وتبادل الاتهامات. ويُشار إلى أن تشكيل الحكومتين بعد الانتخابات الرئاسية وبعد الانتخابات، شهد نزاعاً سياسياً أدى إلى تأخير إعلانهما؛ ما أدخل البلاد في فراغ حكومي لأشهر.
التوتر السياسي الذي طغى على مرحلة ما قبل الانتخابات، تجسّد أيضاً بتوتر ميداني في البيئة الدرزية إثر إشكال في منطقة الشويفات (جنوب شرقي بيروت)، أسفر عن مقتل عنصر في الدفاع المدني من أنصار «الحزب التقدمي الاشتراكي» خلال إشكال مع أنصار النائب طلال أرسلان. وتوتّر الوضع فيه مع إصرار أرسلان على رفض تسليم المتهم بالقتل، وسط معلومات عن فرار المطلوب إلى سوريا.
الجبل، كان عرضة مرة أخرى لاشتباك بين أنصار الوزير الأسبق وئام وهاب مع قوة من «قوى الأمن الداخلي» حضرت لاعتقال وهاب، قبل أن يتوتر الوضع في الجبل مرة ثالثة إثر زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إلى الجبل، وإطلاقه تصريحات مرتبطة بحقبة الحرب اللبنانية، ما اعتبره أنصار «الاشتراكي» استفزازاً يتضمن نبشاً في قبور الماضي، وإثارة للنعرات الطائفية. وانفجر الخلاف خلال زيارة باسيل إلى منطقة عاليه، حيث تم إطلاق النار على موكب الوزير صالح الغريب، ما أدى إلى مقتل شخصين.
خلال هذه الفترة، حصل توتر بين «حزب الله» وإسرائيل على خلفية مقتل عنصرين للحزب في غارة إسرائيلية في سوريا، وتفجير طائرة استطلاع إسرائيلية في حي سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت؛ ما دفع الحزب للرد من داخل الأراضي اللبنانية في الجنوب. وهو توتر اضيف إلى توتر دبلوماسي إثر زعم رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو بأن الحزب أنشأ مصانع للصواريخ الدقيقة في لبنان، وهو ما نفاه الحزب. وعلى الصعيد الدبلوماسي أيضاً، فرضت الولايات المتحدة عقوبات ضد شخصيات في الحزب، من بينها رئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد، كما تضاعفت وتيرة العقوبات ضد الحزب وتأثر بها لبنان بالكامل.
هذه العوامل بأكملها، الداخلية والخارجية، مهّدت لأزمة اقتصادية كبيرة تمثلت بفقدان الدولار في السوق، وارتفاع سعر صرفه في السوق الموازية، أدى إلى تراجع سعر العملة المحلية أكثر من 50 في المائة، بالتزامن مع أكبر انتفاضة شعبية يشهدها لبنان منذ عام 1992، أدت إلى إسقاط الحكومة في الشارع، وتأليف حكومة قاطعتها كتل سياسية بارزة. ويقول الناشطون إلى العهد فشل في مكافحة الفساد، حيث لم يُحاسب أي فاسد حتى الآن، كما فشل بتأمين متطلبات العيش اليومية منها تأمين الكهرباء والخدمات، إضافة إلى تسعير الاستدعاءات على خلفية الراي والتدوين، وهوة ما اعتبر استهدافاً للحريات في لبنان.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.