ست صفحات أولى توثق بداية الحراك الليبي في ذكراه التاسعة

«الشرق الأوسط» نقلت الصراع المشتعل إلى اليوم منذ اللحظة الأولى

ست صفحات أولى توثق بداية الحراك الليبي في ذكراه التاسعة
TT

ست صفحات أولى توثق بداية الحراك الليبي في ذكراه التاسعة

ست صفحات أولى توثق بداية الحراك الليبي في ذكراه التاسعة

كان عام 2011 محوريا في السياسة الجديدة للشرق الأوسط، فقد احتضن هذا التاريخ ربيع الثورات العربية، التي تحوّلت بمعظمها إلى حروب أهلية رافقها الموت والتشرد والجوع والمآسي، واجتذبت جماعات متطرفة لم يُسمع بها من قبل، نزحت من بقاع كثيرة من العالم وتمركزت في دول عربية مثل سوريا والعراق وليبيا التي بات سيناريو الوضع فيها بكل اضطراباته السياسية والاقتصادية يكاد يكون الأكثر تعقيدا اليوم في فهمه وإيجاد الحلول له، مع استمرار التوتر الأمني وغياب السيادة الحقيقية في بلاد ممزقة. وفي ذكرى انطلاق الثورة من قلب مدينة بنغازي، نستعرض من أرشيف «الشرق الأوسط» ست صفحات أولى وثّقت بدايات الحراك.
في 14 فبراير (شباط) 2011 قدمت نحو 200 شخصية حقوقية وسياسية ليبية بيانا يطالب بتنحي الزعيم معمر القذافي، ويؤكد حق الشعب بالتظاهر من دون تهديد من النظام. ومن يومها بدأت المظاهرات في الشوارع انطلاقا من مدينة بنغازي. عدد «الشرق الأوسط» الصادر في 17 فبراير، وثقت صفحته الأولى، ولأول مرة ضمن أرشيف الصحيفة، الحراك الليبي. وتحت عنوان «في ليبيا واليمن... مظاهرات موالية مضادة لاحتجاجات المعارضين... والسلطات الليبية تعتقل مدونين وناشطين» قالت: «ردت السلطات الليبية، التي تجاهد لمنع احتجاجات شعبية متوقعة اليوم ضد نظام حكم العقيد معمر القذافي، على مظاهرة مفاجئة اندلعت في بنغازي الليلة قبل الماضية، بتسيير مظاهرات لمؤيدي القذافي». وأضافت «واعتقلت السلطات الليبية عددا من الكتاب والناشطين والمدونين».

«احتجاجات غاضبة وقتلى في ليبيا واليمن والعراق» عنوان عريض احتل الحيز الأكبر على الصفحة الأولى من عدد اليوم التالي (18 فبراير). الخبر وثق استمرار الاحتجاجات وانتشارها في مدن ليبيا في إطار ما سمي بـ«يوم الغضب». وقال: «أدت المواجهات إلى مقتل 10 أشخاص، 6 منهم في بنغازي، وأصيب العشرات».

المظاهرات استمرت، والتغطية اليومية وثقت ثورات الدول العربية، وفي عدد 22 فبراير، احتلت الثورة الليبية الحيز الأكبر على الصفحة الأولى بخبر منفرد تحت عنوان: «ليبيا على شفا الانهيار... والطائرات تقصف المتظاهرين». وقال: «باتت ليبيا ونظام العقيد معمر القذافي المستمر منذ أكثر من 4 عقود، على شفا الانهيار، بعد أن وصلت الاحتجاجات المناهضة له إلى العاصمة طرابلس للمرة الأولى». ووثق الخبر تضارب الأنباء حول تبعيّة سرت، مسقط رأس القذافي، والاستقالات في صفوف النظام، والتسريبات التي أنذرت بفرار القذافي.

ظهر القذافي في خطاب متلفز يومها مؤكدا صموده ورفضه للاستقالة، واصفا نفسه بـ«قائد الثورة إلى الأبد». الصفحة الأولى للعدد الصادر في 25 فبراير تضمنت خبرا رئيسيا لتداعيات ذلك تحت عنوان: «القذافي يتوسل لقبائل الزاوية... وأميركا تبدأ التصعيد». وقال الخبر: «في وقت بدا فيه النظام في أوهن حالاته، دعا الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أهالي وقبائل مدينة الزاوية القريبة من العاصمة طرابلس إلى منع أبنائهم من الخروج إلى الشارع، ورمى في خطاب أشبه بالتوسل مسؤولية المظاهرات على زعيم (تنظيم القاعدة)». وأضاف «ولوحت واشنطن بالتصعيد، واتخاذ إجراءات ضد ليبيا مع دول غربية أخرى».

المعارك اندلعت في الشهور اللاحقة بين قوات القذافي والثوار، ومرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا يسمح بتوجيه ضربات جوية ضد ليبيا لمنع القذافي من استخدام القوة ضد شعبه.
شنت قوات التحالف الأجنبية غارات بالفعل على قواعد نظام القذافي واستمرت المعارك وجرى الاعتراف دوليا بثوار ليبيا، وفرّ العقيد معمر. وفي 23 أغسطس (آب) من العام ذاته، أصدرت «الشرق الأوسط» عددها وعنوان صفحتها الأولى كان: «ليبيا تبحث عن مخبأ القذافي» وقال: «يستعد المجلس الوطني الانتقالي الحاكم في ليبيا إلى الانتقال للمرة الأولى إلى العاصمة طرابلس». وأضاف: «وعلمت (الشرق الأوسط) أن المجلس الانتقالي ينتظر اعتقال القذافي أو قتله لإصدار بيان رسمي بتحرير العاصمة وتشكيل حكومة انتقالية».

«القذافي... عاش ومات بالرعب». عنوان عريض اعتلى الصفحة الأولى من عدد «الشرق الأوسط» الصادر في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 يوثق مصرع العقيد الليبي ونجله المعتصم ووزير دفاعه أبو بكر يونس وإعلان تحرير البلاد. ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن العقيد بعد اعتقاله وقبيل قتله قال: «شنو صاير... يا أبنائي أنا القذافي».

ولا يزال الملف الليبي عالقا إلى اليوم بعد نحو عقد على اللحظة التي طالب بها شعب البلاد بأبسط حقوقه.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.