{دبابيس} عمر الزعني تنطلق مجدداً

«نادي لكل الناس» يكرّمه في «دار النمر»

الزعني من مؤسسي الأغنية الشعبية
الزعني من مؤسسي الأغنية الشعبية
TT

{دبابيس} عمر الزعني تنطلق مجدداً

الزعني من مؤسسي الأغنية الشعبية
الزعني من مؤسسي الأغنية الشعبية

في السادسة والنصف من مساء اليوم الخميس 20 فبراير (شباط) الجاري وفي «دار النمر» الثقافي في بيروت ستصدح أشعار عمر الزعني، ويلقى الضوء على أعماله الغنائية الشعبية بدعوة من «نادي لكل الناس». ويتضمن برنامج هذه الأمسية التي تحيي ذكرى أحد الشّعراء اللبنانيين الذي تركت أعماله أثراً على الثّقافة الشّعبية عرض فيلم مصوّر يحكي عنه. كما سيتم تناول أهم محطات حياته وأثرها على الماضي والحاضر. وستختتم بالتعريف عن الثورة التي قادها بأغانيه لأجل الوطن والمواطن. والمعروف أنّ الزعني أغضب كثيرين من المسؤولين في لبنان في فترة الأربعينيات والخمسينيات بكلمات أغان كان يردّدها في حفلاته إلى حدّ وصفها بـ«الدبابيس». واعتمد اللهجة البيروتية في أدائها وكان شعره انتقادياً ساخراً، فلقّب بـ«موليير الشرق».
ويقول نجا أشقر رئيس «نادي لكل الناس» ومنظم هذه الأمسية في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنها ليست المرة الأولى التي ننظّم فيها نشاطاً خاصاً بالشّاعر البيروتي العريق عمر الزعني. فنحن بدأنا بتسليط الضوء على أعماله وأغانيه منذ نحو عشر سنوات. فجمعنا أرشيفه وأصدرناه في كتاب وأسطوانة مدمجة وأيضاً ضمن فيلم سينمائي قصير». ويضيف أشقر في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما شكّل الزعني حجر أساس للثقافة الشّعبية اللبنانية والعربية وكانت أعماله إرثاً يفتخر به من الماضي القريب، وذكرى حاضرة معنا حتى الساعة». ولا تزال أعمال عمر الزعني قبلة فنانين شباب أمثال تانيا صالح وأحمد قعبور وياسمين حمدان وغيرهم من الذين غرفوا من قصائده موضوعات تتماشى مع الزمن الحالي.
ويعلّق نجا أشقر: «لقد كان لديه عين ثاقبة ورؤيا مستقبلية ترجمها في أغانيه السّاخرة الانتقادية، ومن المؤسف أنّنا لا نزال نعاني حالياً من المشكلات نفسها التي تناولها في تلك الحقبة».
تناول عمر الزعني بأشعاره هموم الناس، وآفات المجتمع وكانت له مواقف سياسية نافرة تسببت له بخسارات في حياته المهنية. وأغضبت أولى أغنياته «حاسب يا فرنك» الفرنسيين وأدّت إلى عزله من وظيفته الحكوميّة وطرده من الكلّيّة اليسوعيّة قبل استكمال دراسته في الحقوق. أمّا أغنيته «بدك بحرية يا ريّس» التي انتقد فيها أول رؤساء دولة لبنان الكبير شارل دباس، كانت سبباً في إجباره، على ترك وظيفته الرّسمية تحت ضغوط سياسية، فتفرّغ كلّياً للعمل الفني. وقلة من الناس تعرف أنّ هذه الأغنية لفتت الراحل محمد عبد الوهاب، وقرر تعديل كلماتها وتلحينها على طريقته ليحولها إلى «عندك بحرية يا ريس» بصوت الراحل وديع الصافي. وهي لا تزال من الأغنيات الرائجة حتى الساعة ويغنيها مطربون لبنانيون كثر بينهم ملحم الزين وأحمد قعبور وكذلك الفنان الفلسطيني محمد عساف وغيرهم.
ابتعد عمر الزعني عن الموضوعات الرومانسية في أشعاره، وكان أقرب فيها إلى الشّارع البيروتي، وما يعانيه أهله من فساد وظلم ومواسم انتخابية تكثر فيها الرشاوى والتدخلات السّياسية والحزبية. انتقل إلى العمل في إذاعة الشرق الأدنى مبتعداً عن السياسة، وكانت هذه الإذاعة التي أسّستْها الحكومة البريطانيّة بداية الأربعينيّات من القرن الماضي في يافا قد اتّخذتْ لها استوديوهات للإنتاج في بيروت عام 1952، وكان مديرها الفنّي صبري الشريف. وساهم الزعني بنظم الأغاني ومقدّمات البرامج والإعلانات، كما اشترك في برامج المنوّعات مثل «مفتاح السَّعد»، و«انسَ همومك»، و«استعراض أهل الفنّ»، و«غزل البنات» إلى جانب نجيب حنكش وشامل ومرعي ومطربين وشعراء، وتولّى إخراجها عبد المجيد أبو لبن، وقاد الفرقة الموسيقيّة فيها توفيق الباشا. ومن أعماله المعروفة التي تناول فيها التفاوت بين الطبقات الاجتماعيّة ونهضة المرأة قصيدة «لا تحرموها»، كما ناهض الانتداب وتدهور الاقتصاد والفساد في قصيدتي «الطقس جميل» و«ضيعانك يا بيروت». أمّا في أغنياته «الدنيا كرزة» و«شبان شيك وسمباتيك» و«روق لا تهتم» و«البنت المستورة مقهورة» خاطب الزعني البيروتيين بلسان حالهم بكلمات جريئة تعكس حياتهم الاجتماعية الحقيقية على أرض الواقع.
وفي الأمسية المخصّصة للفنان البيروتي مساء اليوم في «دار النمر»، سيعرض فيلم «تحية لعمر الزعني» من إخراج رنا المعلم ومدته 24 دقيقة. «في هذا الفيلم القصير الذي نفذ في عام 2010. سنتابع عمر الزعني في بورتريه عنه وعن أشخاص عرفوه أو سمعوا عنه». يوضح نجا أشقر في حديثه لـ«الشرق الأوسط».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».