مساكن رومانية رائعة تعيد فتح أبوابها أمام الزوار في بومبيي الإيطالية

غمرتها الحمم والرماد عندما ثار بركان فيزوفو عام 1979

مساكن رومانية رائعة تعيد فتح أبوابها أمام الزوار في بومبيي الإيطالية
TT

مساكن رومانية رائعة تعيد فتح أبوابها أمام الزوار في بومبيي الإيطالية

مساكن رومانية رائعة تعيد فتح أبوابها أمام الزوار في بومبيي الإيطالية

في إطار خطة طموحة لتدعيم هذه الأبنية مولها الاتحاد الأوروبي بنسبة 75 في المائة، أعادت ثلاثة منازل رومانية في موقع بومبيي الأثري قرب نابولي في جنوب إيطاليا فتح أبوابها لاستقبال الزوار. بدأت هذه الورشة عام 2014 بعد انهيارات كبيرة وكلف إنجاز الأعمال 105 ملايين يورو. إلا أن أعمال الصيانة والتنقيب الأثري ستستمر في هذا الموقع الضخم الممتد على 44 هكتاراً والمدرج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي. وبومبيي غمرتها الحمم والرماد عندما ثار بركان فيزوفو عام 79.
وأوضح ماسيمو أوسانا المدير العام للموقع الثاني في عدد السياح الذين يستقطبهم في إيطاليا بعد الكوليسيوم في روما، خلال مؤتمر صحافي: «أعمال الصيانة متواصلة في بومبيي لأنها مدينة أنقاض» يزورها أربعة ملايين شخص سنوياً. وأضاف أوسانا: «إنها مدينة ضعيفة البنيان ولا يمكننا أن نتوقف عن الاهتمام بها». أشرف أوسانا على الأعمال التي استمرت خمس سنوات.
شملت الأشغال تدعيم الجدران والبنى الأساسية وحماية الأبنية من عوامل التجوية وترميم أساسات بعض الأبنية بعدما خضعت لعمليات تجديد غير موفقة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتعزيز المراقبة بالكاميرات. وسمح هذا المشروع بعمليات ترميم جديدة مثل ثلاثة مساكن كان يقطنها وجهاء في روما القديمة ومعروفة باسم «دوموس» وكشف عنها بحضور وزير الثقافة داريو فرانشيسكيني.
وكانت الكثير من الرسوم الجدارية في هذه المساكن مغطاة منذ عشرات السنين بطبقة سميكة من الرواسب والتراكمات القذرة. وفيما وقف بجانب جدار في مسكن «دار العشاق المتعففين»، قال المرمم ألدو غيدا الذي شارك في العملية «كان علينا أن نعمل بحذر حتى لا نزيل كل شيء. كنا نعمل خطوة بخطوة».
والمسكن مثال فريد على «دوموس» بطابقين وكان مغلقا منذ 40 عاماً إثر زلزال إيربينيا العنيف الذي تسبب بأكثر من 2700 قتيل في 1982. واستمدت الدار اسمها من عبارة مدونة على أحد جدرانها «العشاق مثل النحل يصبون إلى حياة حلوة مثل العسل». استحال الرماد البركاني الذي نفثه فيزوفو قبل ألفي سنة إلى رواسب متحجرة في غالبية مساكن بومبيي، الأمر الذي سمح بالمحافظة عليها مثلما حافظ على الكثير من جثث ثلاثة آلاف شخص حصدت أرواحهم الكارثة.
وأعيد فتح مسكنين آخرين أمام الزوار هما «دار البستان» المزين برسوم جدارية تمثل أشجاراً مثمرة وارفة ترفرف بجانبها طيور رائعة، فضلاً عن «سفينة أوروبا» التي تظهر رسم سفينة تجارية ضخمة بأسلوب قريب من فن الغرافيتي.
في عام 2013 وبعد انهيارات متكررة في الموقع جراء نقص الصيانة والأحوال الجوية القاسية، هددت اليونيسكو بسحب بومبيي عن قائمتها للمواقع المحمية مطالبة بإجراءات جذرية. ورغم تعرض بومبيي لعمليات نهب كثيرة فإن هذه المدينة لا تزال تزخر بكنوز كبيرة. وسمحت الخطة التي وضعت في 2014 بحمايتها فضلاً عن القيام بعمليات تنقيب جديدة في مناطق مهملة. وأوضح أوسانا: «علينا أن نواصل الحفريات فالكثير من المناطق لا تزال غير مستكشفة».
وسمحت حفريات أثرية جديدة في الموقع باكتشاف نقش في عام 2018. يثبت أن المدينة دمرت بعد 17 أكتوبر (تشرين الأول) 79 ميلادية وليس في 24 أغسطس (آب) كما كان يعتقد.
وفي أكتوبر الماضي، كشف علماء الآثار رسماً جدارياً يمثل مصارعاً يحمل درعاً يقف منتصراً على خصم جريح ومضرج بالدماء. والمبنى حيث عثر على هذا الرسم كان على الأرجح مطعماً يرتاده المصارعون والمومسات. وأكد أوسانا: «نقع على الكثير من المفاجآت عندما نجري حفريات أثرية في بومبيي»، معرباً عن ثقته بأن التنقيب في المناطق غير المستكشفة سيؤدي إلى «اكتشافات رائعة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».