أدمغة الطيور المغردة تمكنها من العثور على شريك العمر

تشبه استخدام البشر للأصوات في التواصل

دماغ الطيور المغردة هو الذي يختار شريك الحياة (غيتي)
دماغ الطيور المغردة هو الذي يختار شريك الحياة (غيتي)
TT

أدمغة الطيور المغردة تمكنها من العثور على شريك العمر

دماغ الطيور المغردة هو الذي يختار شريك الحياة (غيتي)
دماغ الطيور المغردة هو الذي يختار شريك الحياة (غيتي)

إذا أراد «كيوبيد» (إله الحب عند الإغريق) أن يجعل طائرين مغردين يقعان في الحب سيكون من الأفضل له استهداف دماغيهما، وذلك لأن الطيور المغردة، التي تقضي حياتها مع الشريك نفسه، لديها أنظمة داخل أدمغتها مجبولة على التواؤم والتوافق. في الوقت الذي تقرأ فيه رسائل المعجبين لتحدد الشخص، الذي يمكن أن تقضي معه عيد الحب، يمكنك التفكير في الطيور التي تنتمي إلى فصيلة الشرشوريات. تتعلم الذكور الشابة في هذه العائلة من الطيور المغردة، أغنية والدها وتعمل على إجادتها وأدائها عند البلوغ من أجل جذب الإناث اللاتي سيصبحن شريكات لحياتهم طوال العمر. وتكون تلك الأغنية صادحة ومحكمة ومحددة، فهم يقولون: «تشريب تشريب، دماغي سليم وجسمي معافى، وهذه من الأمور التي تحبونها، أليس كذلك؟». كذلك تتعلم أنثى الشرشوريات أغنيات والدها منذ سن صغيرة، لكنها لا تؤديها، فدورها هو دور الناقد، حيث تحلل كل تفاصيل وعناصر الأغنية التي يصدح بها الذكر، وتقارنها بنموذج الأب الذي لديها، وتقرر ما إذا كانت تريد هذا الذكر أم لا. إذا رأت أن الأغنية بسيطة أكثر مما ينبغي، أو غير جيدة بأي شكل من الأشكال، لن تبد أي اهتمام بالمؤدي. إنها في غاية الانتقائية لأن الشريك الذي ستختاره سوف يساعدها في تربية الصغار حتى يفرقهما الموت.
أخذ الباحثون يفحصون طوال العقد الماضي أدمغة تلك الفصيلة من الطيور، التي لا يزيد حجمها على حجم حبة الحمص، واكتشفوا أن كل جنس يستخدم ما يُطلق عليه نظام التحكم الصوتي من أجل تحويل الموجات الصوتية إلى رسائل اجتماعية، ومن ثم استخدامها في العثور على شريك الحياة، وهو ما يشبه طريقة استخدام البشر للأصوات في التواصل. في الوقت الذي تتسم فيه تلك الأنظمة بالتطور والانضباط لدى الجنسين، تختلف الروابط العصبية الخاصة بكل منها. وتقول سارة وولي، عالمة الأعصاب التي تدرس طيور الشرشوريات في معهد «زوكرمان» بجامعة كولومبيا: «يوجد أكبر اختلاف بين دماغي الذكر والأنثى من الفصيلة ذاتها لدى الطيور المغردة». وتضيف قائلة: «يكمن سحر الطائر المغرد في ندرة وجود التعلم الصوتي في عالم الحيوان». ولطالما كان يتم بحث الأنظمة الصوتية لدى الشرشوريات المخططة والبنغالية وذات الذيول الطويلة داخل معمل دكتورة وولي لمعرفة كيف تستقبل أمخاخها الأصوات وتعالجها بما في ذلك تعلم الأجزاء المختلفة منها، وأداؤها، وتحليلها، من أجل صياغة أغنيات. يستطيع النظام لدى الذكر التعرف على أغاني الذكور الآخرين وتقليد أغنية والده. إذا لم يتمكن من تعلم وإجادة وحفظ أغنية والده خلال الـ90 يوماً الأولى من حياته، حين يكون مخه لا يزال مرناً، فلن ينجح في ذلك أبداً. سوف يظل قادرا على التغريد، «لكن تغريداته ستكون كارثية... ولن تهتم أو تبالي الإناث به إطلاقاً» على حد قول دكتورة وولي.
حين يكون مخ أنثى هذا النوع من الطيور يافعاً ومرناً، تحفظ أغنية والدها وتخزنها في ذاكرتها كنموذج يساعدها على تقييم أغنية الشريك المحتمل لاحقاً.
يذكّرها هذا النموذج بأنها لم تمت، ويساعدها والدها في تأكيد ذلك، وربما ينجح أمر ما يشبه ذلك مع صغارها. وتميل الإناث نحو تفضيل الأغاني الطويلة المسهبة التي تتضمن مقاطع كثيرة.
وتعتمد قدرة الطيور على التعلم على مدى الاستعداد الوراثي لتقليد ومحاكاة أصوات فصيلتها، لكن للخبرة أهمية كبيرة أيضاً، فنظراً لقوة العلاقات الاجتماعية، يمكن أن تؤدي نشأة الطير وهو فرخ بين طيور من فصيلة مختلفة إلى تعلم أغنية طيور من فصيلة أخرى حتى إذا كانت أغنية الطير الأب الفعلي مسموعة بوضوح بحسب ما توضح دكتورة وولي. وتضيف قائلة: «سحر الطائر المغرد يكمن في ندرة وجود التعلم الصوتي في عالم الحيوان، حيث لا يستطيع أي قرد القيام بذلك، وكذا أي نوع من القوارض». وتعتقد دكتورة وولي أن فهم المزيد عن كيفية استخدام الطيور المغردة لأدمغتها لإدراك الأصوات سوف يتيح معرفة المزيد عن كيفية استخدام البشر لأدمغتهم من أجل تطوير اللغة المتحدثة في وقت مبكر للتواصل في مرحلة لاحقة من الحياة. ربما تكون أهمية الأغاني في العثور على شريك أقل بالنسبة إلى الطيور المغردة، التي تقيم علاقات مع أفراد من الجنس ذاته طوال العمر، وإن ظلت عاملا مهماً في نقل الرسائل.
رغم أن اهتمام بعض البشر بالكلمات أقل من اهتمامهم بأمور أخرى مثل المظهر، أو الرائحة، أو الشباب، أو المال، أو القوة والسلطة، أو ما يمكن أن يبدو عامل جذب لدى الشريك، تذكّرنا الطيور المغردة بأن التواصل الجيد بين أي زوج يجعل الحب ممكناً. أخيراً تقول دكتورة وولي: «يقع الناس في الحب من خلال الحديث إلى بعضهم البعض».


مقالات ذات صلة

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

يوميات الشرق طفل يمتطي حصاناً في سوق الماشية بالسلفادور (رويترز)

دراسة تربط الخيول بإمكانية ظهور وباء جديد... ما القصة؟

كشف بحث جديد أنه يمكن لفيروس إنفلونزا الطيور أن يصيب الخيول دون أن يسبب أي أعراض، مما يثير المخاوف من أن الفيروس قد ينتشر دون أن يتم اكتشافه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تشعر فعلاً بالألم (غيتي)

الكركند والسرطانات «تتألم»... ودعوة إلى «طهوها إنسانياً»

دعا علماء إلى اتّباع طرق إنسانية للتعامل مع السرطانات والكركند والمحاريات الأخرى داخل المطبخ، بعدما كشفوا للمرّة الأولى عن أنّ القشريات تشعر فعلاً بالألم.

«الشرق الأوسط» (غوتنبرغ)
يوميات الشرق العلماء الدوليون ألكسندر ويرث (من اليسار) وجوي ريدنبرغ ومايكل دينك يدرسون حوتاً ذكراً ذا أسنان مجرفية قبل تشريحه في مركز إنفيرماي الزراعي «موسغيل» بالقرب من دنيدن بنيوزيلندا 2 ديسمبر 2024 (أ.ب)

علماء يحاولون كشف لغز الحوت الأندر في العالم

يجري علماء دراسة عن أندر حوت في العالم لم يتم رصد سوى سبعة من نوعه على الإطلاق، وتتمحور حول حوت مجرفي وصل نافقاً مؤخراً إلى أحد شواطئ نيوزيلندا.

«الشرق الأوسط» (ويلنغتون (نيوزيلندا))
يوميات الشرق صورة تعبيرية لديناصورين في  بداية العصر الجوراسي (أ.ب)

أمعاء الديناصورات تكشف كيفية هيمنتها على عالم الحيوانات

أظهرت دراسة حديثة أن عيَّنات من البراز والقيء وبقايا أطعمة متحجرة في أمعاء الديناصورات توفّر مؤشرات إلى كيفية هيمنة الديناصورات على عالم الحيوانات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق يشكو وحدة الحال (أدوب ستوك)

دلفين وحيد ببحر البلطيق يتكلَّم مع نفسه!

قال العلماء إنّ الأصوات التي يصدرها الدلفين «ديل» قد تكون «إشارات عاطفية» أو أصوات تؤدّي وظائف لا علاقة لها بالتواصل.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.