«اللعب بالنار» في معرض نحت بالقاهرة

محمد عبلة يروِّضها بمحبة الفن وروح المغامرة

أحد الأعمال المعروضة في المعرض  -  محمد عبلة ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني أثناء زيارته للمعرض
أحد الأعمال المعروضة في المعرض - محمد عبلة ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني أثناء زيارته للمعرض
TT

«اللعب بالنار» في معرض نحت بالقاهرة

أحد الأعمال المعروضة في المعرض  -  محمد عبلة ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني أثناء زيارته للمعرض
أحد الأعمال المعروضة في المعرض - محمد عبلة ووزير الثقافة الأسبق فاروق حسني أثناء زيارته للمعرض

يُعيد الفنان المصري محمد عبلة، تشكيل حكاياته العفوية عبر تكوينات نحتية من البرونز في معرضه الجديد «اللعب بالنار»، الذي يستضيفه غاليري «سماح» بالقاهرة حتى 23 فبراير (شباط) الحالي.
بروح شغوفة بالفن والحياة، ينفتح عبلة على مغامرته النحتية، منوّعاً اللعب مع الخامة عبر نحو أكثر من 30 عملاً نحتياً من البرونز، تتنوع ما بين المنحوتات الصغيرة ومتوسطة الحجم، يمتزج فيها عالم البشر بانفعالاته وعواطفه وصخبه الإنساني، وعالم الطبيعة بفطريته وبداهته وطيوره وأسماكه وحيواناته الأليفة. وتنتصب بعض اللوحات في شكل جدارية نحتية، تضم عدداً من هذه الكائنات، في حوارية فنية مرحة، لا تكف عن الحركة من الأعلى والأسفل، وببساطة مغوية، وكأنها في سباق مع الزمن. يعزز هذه الحوارية الفنان باستخدام بعض اللوحات الصغيرة من أعماله السابقة في الرسم والتصوير، معلقة بزوايا معينة بجوار المنحوتات، لربط الرسم بالنحت وإثراء عالم الرؤية في المعرض.
تتواصل مغامرة عبلة في هذا المعرض مع معرضه «خارج الكادر» قبل نحو عامين، الذي شكل عتبة قوية لمغامرته النحتية، حتى تصفو إلى نفسها في هذا المعرض، فالنحت لم يعد مجرد كتلة تسعى إلى التوازن مع الفراغ المحيط بها، وإنما ينبع الفراغ من داخل الأعمال نفسها كطاقة نور، تضيء الداخل والخارج معاً.
بعين مشدودة لبراح الطفولة والحكايات، يتأمل عبلة في معرضه فلسفة النحت وفطرته الأولى، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن النحت في بدايات ارتباطه بالإنسان الأول كان عن طريق اللعب، حيث بدأ في اللعب بالطين، وقادته المصادفة لاقتراب الطين من النار، فشاهد تحوله لمادة صلبة، وقاده ذلك فيما بعد لتشييد حضارات كاملة، كما في نحت التماثيل مثلاً لدى الفراعنة، ويقول: «كنت أسعى في معرضي هذا أن أتواصل مع فطرة النحت وابتكار تقنيات تشبه فني، بعيدة عن مؤسسات النحت التقليدية».
لا تخلو مغامرة «اللعب بالنار» التي يحيل إليها عنوان المعرض من ثيمة تتسم بالخطورة والتحدي، يقول محمد عبلة، إن تلك الخطورة مقصودة بالفعل «النحت لعبة خطرة، هكذا كنت أشعر وأنا أعد لهذا المعرض، تصوّرت أنني في زيارة لعالم النحت، وأنها لعبة قد تستهويني، لدرجة أن تأخذني من عالم الرسم الذي أنتمي له، النحت أيضاً لعبة صعبة، فمن السهولة تمزيق ورقة الرسم إذا لم تعجبني، أما في النحت فالأمر مختلف، لذلك فالنار بدلالتها الخطرة والملهمة أيضاً تلعب دوراً رئيسياً في المعرض، ناهيك عن دورها الفارق في تاريخ الإنسانية وما وصلت إليه من تطور».
يُصيغ عبلة مونولوغات عبر البرونز، ويقود أبطاله في حواراتهم إلى لغة المسرح، حيث فضاء الدراما والحركة والسينوغرافيا، فتتوقف أمام حوار بين صبي وكلبه، يحرر جسدهما من جمود العلاقة ونمطيتها، فتنساب في حالة من اللعب، بينما نجد شخصاً آخر يتحدث لحصانه، ويتسم فضاء التكوين بعلامات الوقار والألفة بين الحصان ممشوق القوام، وصاحبه الذي يتأمله بغبطة وسرور.
وفي تشكيلات أخرى، يفرد عبلة مساحات لموتيفاته الشعبية المنطلقة، فتجد الفتيات يتسلقن الأشجار في مرح، كما تتسرب بهجة النحت وكأنها عنقود من الحكايات والموسيقى تتدفق من عالم بريء مصنوع بالبرونز، ومنسوج من منطقة الحكايات التي تُميز مشروع محمد عبلة الفني على مدار تاريخه.
يحكي عبلة (67 عاماً)، في حديثه عن فكرة الانطلاق التي تسود أعماله غير مُقيدة بجمود الكتلة النحتية، ويقول: «كنت أبحث عن وسيلة وتقنية أستطيع أن أنقل بها مشاعري الفنية دون تقيّد بمراحل النحت الطويلة، واستطعت أن أبتكر وسيلة أنقل بها الرسم للنحت مباشرة، دون المرور بخطوات الصب والقالب التقليدية، وهكذا استطعت الاحتفاظ بحيوية رسومي عند انتقالها لمنحوتات، والحفاظ على القيم التصويرية التي أريد أن أنقلها دون أن فقد إحساسي الخاص».
ويذهب التجديد الذي يُصيغه عبلة إلى الألوان التي ظهرت بها منحوتات البرونز كالأحمر والأخضر والبنفسجي، كما نقل عبلة استخدامات الظل والنور إلى ساحة النحت، الذي يقول إنه قصد أن يوظفها ليمنح بها إحساساً بالمسافة والتجديد.



هل سقط «يوم الثقافة» المصري في فخ «التكريمات غير المستحقة»؟

لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
TT

هل سقط «يوم الثقافة» المصري في فخ «التكريمات غير المستحقة»؟

لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)

تحمس وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو الذي تولى حقيبة الثقافة قبل 6 أشهر، لعقد «يوم الثقافة» بُغية تكريم المبدعين في مختلف مجالات الإبداع، من منطلق أن «التكريم يعكس إحساساً بالتقدير وشعوراً بالامتنان»، لكن كثرة عدد المكرمين وبعض الأسماء أثارت تساؤلات حول مدى أحقية البعض في التكريم، وسقوط الاحتفالية الجديدة في فخ «التكريمات غير المستحقة».

وأقيم الاحتفال الأربعاء برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقدمه الفنان فتحي عبد الوهاب، وكان الوزير قد عهد إلى جهات ثقافية ونقابات فنية باختيار من يستحق التكريم من الأحياء، كما كرم أيضاً الفنانين الذين رحلوا عن عالمنا العام الماضي، وقد ازدحم بهم وبذويهم المسرح الكبير في دار الأوبرا.

ورأى فنانون من بينهم يحيى الفخراني أن «الاحتفالية تمثل عودة للاهتمام بالرموز الثقافية»، وأضاف الفخراني خلال تكريمه بدار الأوبرا المصرية: «سعادتي غير عادية اليوم».

الفنان يحيى الفخراني يلقي كلمة عقب تكريمه في يوم الثقافة المصري (وزارة الثقافة المصرية)

وشهد الاحتفال تكريم عدد كبير من الفنانين والأدباء والمثقفين على غرار يحيى الفخراني، والروائي إبراهيم عبد المجيد، والمايسترو ناير ناجي، والشاعر سامح محجوب، والدكتور أحمد درويش، والمخرجين هاني خليفة، ومروان حامد، والسينارست عبد الرحيم كمال، والفنان محمد منير الذي تغيب عن الحضور لظروف صحية، وتوجه الوزير لزيارته في منزله عقب انتهاء الحفل قائلاً له إن «مصر كلها تشكرك على فنك وإبداعك».

كما تم تكريم المبدعين الذين رحلوا عن عالمنا، وقد بلغ عددهم 35 فناناً ومثقفاً، من بينهم مصطفى فهمي، وحسن يوسف، ونبيل الحلفاوي، والملحن حلمي بكر، وشيرين سيف النصر، وصلاح السعدني، وعاطف بشاي، والفنان التشكيلي حلمي التوني، والملحن محمد رحيم، والمطرب أحمد عدوية.

وزير الثقافة يرحب بحفيد وابنة السينارست الراحل بشير الديك (وزارة الثقافة المصرية)

وانتقد الكاتب والناقد المصري طارق الشناوي تكريم نقيب الموسيقيين مصطفى كامل، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «حتى لو اختاره مجلس النقابة كان عليه أن ينأى بنفسه عن ذلك»، مشيراً إلى أن الاختيارات جاءت على عُجالة، ولم يتم وضع خطوط عريضة لمواصفات المكرمين، كما أنه لا يجوز أن يُرشح نقيب الموسيقيين ورئيس اتحاد الكتّاب نفسيهما للتكريم، وأنه كان على الوزير أن يتدخل «ما دام أن هناك خطأ». لكن الشناوي، أحد أعضاء لجنة الاختيار، يلفت إلى أهمية هذا الاحتفال الذي عدّه «عودة حميدة للاهتمام بالإبداع والمبدعين»، مشدداً على أهمية «إتاحة الوقت للترتيب له، وتحديد من يحصل على الجوائز، واختيار تاريخ له دلالة لهذا الاحتفال السنوي، كذكرى ميلاد فنان أو مثقف كبير، أو حدث ثقافي مهم»، ضارباً المثل بـ«اختيار الرئيس السادات 8 أكتوبر (تشرين الأول) لإقامة عيد الفن ليعكس أهمية دور الفن في نصر أكتوبر».

الوزير ذهب ليكرم محمد منير في بيته (وزارة الثقافة المصرية)

ووفق الكاتبة الصحافية أنس الوجود رضوان، عضو لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة، فإن «الاحتفال حقق حالة جميلة تنطوي على بهجة وحراك ثقافي؛ ما يمثل عيداً شاملاً للثقافة بفروعها المتعددة»، متطلعة لإضافة «تكريم مبدعي الأقاليم في العام المقبل».

وتؤكد رضوان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «تكريم نقيب الموسيقيين لا تُحاسب عليه وزارة الثقافة؛ لأنه اختيار مجلس نقابته، وهي مسؤولة عن اختياراتها».

ورداً على اعتراض البعض على تكريم اسم أحمد عدوية، تؤكد أن «عدوية يُعد حالة فنية في الغناء الشعبي المصري وله جمهور، فلماذا نقلل من عطائه؟!».

ولفتت الناقدة ماجدة موريس إلى أهمية وجود لجنة تختص بالترتيب الجيد لهذا اليوم المهم للثقافة المصرية، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أنه من الطبيعي أن تكون هناك لجنة مختصة لمراجعة الأسماء والتأكد من جدارتها بالتكريم، ووضع معايير محددة لتلك الاختيارات، قائلة: «لقد اعتاد البعض على المجاملة في اختياراته، وهذا لا يجوز في احتفال الثقافة المصرية، كما أن العدد الكبير للمكرمين يفقد التكريم قدراً من أهميته، ومن المهم أن يتم التنسيق له بشكل مختلف في دورته المقبلة بتشكيل لجنة تعمل على مدى العام وترصد الأسماء المستحقة التي لعبت دوراً أصيلاً في تأكيد الهوية المصرية».

المخرج مروان حامد يتسلم تكريمه من وزير الثقافة (وزارة الثقافة المصرية)

وتعليقاً على ما أثير بشأن انتقاد تكريم المطرب الشعبي أحمد عدوية، قال الدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، على «فيسبوك»، إن «أحمد عدوية ظاهرة غنائية غيرت في نمط الأغنية الذي ظل سائداً في مصر منذ الخمسينات حتى بداية السبعينات»، معتبراً تكريم وزير الثقافة له «اعترافاً بالفنون الجماهيرية التي يطرب لها الناس حتى ولو كانت فاقدة للمعايير الموسيقية السائدة».