«الغرسات العصبية» قد تصبح قادرة على قراءة أفكار الإنسان وتعديلها

تطورات كبرى في تقنيات التحفيز العميق للدماغ

«الغرسات العصبية» قد تصبح قادرة على قراءة أفكار الإنسان وتعديلها
TT

«الغرسات العصبية» قد تصبح قادرة على قراءة أفكار الإنسان وتعديلها

«الغرسات العصبية» قد تصبح قادرة على قراءة أفكار الإنسان وتعديلها

تُستخدم «الغرسات العصبية»، أي الأدوات والأقطاب الصغيرة المزروعة في الدماغ والجهاز العصبي، في التحفيز العميق للدماغ، وتحفيز العصب المبهم، وكذلك للتحكم بالأطراف الصناعية عبر الدماغ.
- غرسات عصبية
قد يبدو الأمر خيالاً علمياً، ولكن الغرسات العصبية قد تصبح بعد سنوات من اليوم قادرة على قراءة وتعديل أفكار البشر. وتستخدم الغرسات العصبية اليوم لعلاج الأمراض، وإعادة تأهيل الجسم بعد الإصابة، وتحسين الذاكرة، والتواصل مع الأطراف الصناعية، وغيرها كثير.
وقد خصّصت وزارة الدفاع الأميركية ومعاهد الصحة الوطنية مئات ملايين الدولارات لتمويل هذا القطاع، ويتصدّر هذا الموضوع عناوين أوراق بحثية تُنشر بشكل أسبوعي في أهمّ الدوريات العلمية في البلاد. وقد خصصت مجلة جمعية المهندسين الكهربائيين الأميركيين فصلاً خاصاً للحديث عنها. فما هي الغرسات العصبية؟ وكيف تعمل؟ وما إمكاناتها؟
- ما هي الغرسة العصبية؟ الغرسة العصبية هي جهاز يوضع داخل الجسم ويتفاعل مع الأعصاب. والأعصاب هي خلايا تتواصل بلغة الكهرباء، إذ تُطلق نبضات كهربائية بأشكال محددة تشبه شفرة «مورس». أمّا الغرسة، فهي جهاز من صنع البشر يوضع داخل الجسم عبر الجراحة أو الحقن، وتأتي عادة على شكل قطب كهربائي يُزرع في الجسم، ويحتكّ بالأنسجة التي تحتوي على الأعصاب، ليتفاعل مع هذه الأعصاب بطريقة ما.
وتتيح هذه الأجهزة الصغيرة تسجيل النشاط العصبي الفطري، ما يسمح للباحثين بمراقبة أنماط التواصل بين الدوائر العصبية الصحيحة. وتستطيع الغرسات العصبية أيضاً إرسال النبضات الكهربائية إلى الأعصاب للسيطرة على أنماط النشاط الفطرية، وإجبارها على التواصل بطريقة أخرى.
بمعنى آخر، تتيح الغرسات العصبية للعلماء اختراق الجهاز العصبي. ويمكننا أن نطلق على هذه العملية عدداً من الأسماء، كـ«تعديل العمليات العصبية» أو «التحفيزات الكهربائية» أو «الإلكترونيات البيولوجية»، التي تعتبر جميعها تدخّلات بواسطة غرسات عصبية قادرة على التحول إلى أدوات طبية عظيمة القوّة.
ووظائف الجهاز العصبي كثيرة جداً، فهو الذي يتحكّم بالتفكير، والنظر، والسمع، والشعور، والحركة، والتبوّل، وغيرها كثير. كما أنّه يسيطر على كثير من العمليّات غير الإرادية، كوظائف الأعضاء وأجهزة الجسم التنفسية، والمناعية، والقلبية.
يقول جين سيفيلّيكو، عالم الأعصاب في معاهد الصحة الوطنية رئيس برنامج «سبارك» فيها المتخصص بتحفيز العصب المحيطي، إن «أي شيء يقوم به الجهاز العصبي يمكن دعمه أو شفاؤه من خلال تدخل كهربائي نشط، إذا عرفنا كيف نطبقه».
- كيف تُستخدم الغرسات العصبية؟ يعتبر التحفيز الدماغي العميق واحداً من أبرز الاستخدامات الإكلينيكية (السريرية) للغرسات العصبية. وفي هذا العلاج، يتمّ وضع الأقطاب الكهربائية في عملية تدخّل جراحي في عمق الدماغ، حيث تعمل على تحفيز تركيبات محددة كهربائياً بهدف تخفيف العوارض الناتجة عن اضطرابات دماغية متعددة.
وصادقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية للمرة الأولى على استخدام التحفيز الدماغي العميق عام 1997 لعلاج مرض نوع من رعاش اليد (essential tremor). ومنذ ذلك الحين، صادقت الإدارة، وغيرها من الجهات التنظيمية العالمية، على استخدام العلاج نفسه لحالات مرض باركنسون، وخلل التوتر، والصرع، والطنين، واضطراب الوسواس القهري، وآلام الاعتلال العصبي. كما يتم حالياً البحث في إمكانية استخدام التحفيز الدماغي العميق لعلاج متلازمة توريت، والاضطرابات النفسية، كالاكتئاب. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 150 ألف شخص حول العالم خضعوا لزرع غرسات عصبية.
- تحفيز العمود الفقري
> علاج العمود الفقري وشلل الأطراف. أمضى الباحثون أيضاً وقتاً طويلاً في اختبار التلاعب بالعصب المبهم بواسطة الغرسات العصبية. ويصل العصب المبهم معظم الأعضاء الأساسية بجذع الدماغ، ويسعى الباحثون لقرصنة هذا الاتصال بهدف علاج فشل القلب، والجلطة الدماغية، والتهاب المفصلي الروماتويدي، وداء كرون، والصرع، والسكري النوع الثاني، والسمنة، والاكتئاب، والشقيقة، وغيرها من الأمراض.
وفي عام 2018، تمكن مريض أصيب بالشلل نتيجة إصابة في عموده الفقري من السير مجدداً بمساعدة تحفيز العمود الفقري.
إن أكثر التجارب المؤثرة التي اعتمدت على الغرسات العصبية كانت في تحفيز العمود الفقري الذي منح أملاً جديداً لكثير من الأشخاص المصابين بالشلل في الجزء السفلي من جسمهم عبر السماح لهم بالحركة والوقوف، وحتّى السير لمسافات قصيرة للمرّة الأولى منذ الإصابة المستدامة التي تعرضوا لها في عمودهم الفقري.
ولكن أياً من أبحاث تعديل العمليات العصبية لم يجذب اهتمام الناس كالأطراف الصناعية التي يتحكّم بها الدماغ. وتتيح هذه الأنظمة لمبتوري الأطراف التحكم بيد أو ذراع أو ساق آلية بواسطة أفكارهم. ويتطلب هذا الإنجاز زراعة غرسات عصبية في الدماغ أو في الجزء الأعلى من منطقة البتر. وتعمل بعض هذه الأطراف الآلية أيضاً على توفير ردود فعل حسية من خلال تحفيز الأعصاب الموجودة فوق منطقة البتر، ومنح المستخدم فرصة للشعور بما يلمسه.
ثم تأتي الاختبارات التي تشبه الخيال العلمي. فقد نجح الباحثون في تعزيز قدرات الذاكرة لدى بعض الأشخاص للسماح لهم بأداء بعض الوظائف من خلال تحفيز التركيبات الدماغية بطرق محددة. وبفضل غرسات الدماغ، تمكّن أشخاص مشلولون من تشغيل أجهزة كومبيوتر وطباعة جمل بمجرّد استخدام أفكارهم. وطوّر العلماء أيضاً خوارزمية تتيح تحديد مزاج الشخص بناء على نشاط دماغه. كما نجحت بعض الشركات في تطوير وتسويق غرسات عصبية مهمتها تصحيح الاتصال العصبي بين العين والدماغ. وبدوره، كشف إيلون ماسك أنّ شركته (نيورالينك) تخطط لمزامنة الدماغ البشري مع الذكاء الصناعي.
- مستقبل الأبحاث
> ماذا عن مستقبل الغرسات العصبية؟ تقيد الإجراءات الجراحية التدخّلية عادة عمل وفعالية الغرسات على أنواعها، إذ من الصعب تبرير عملية جراحية في الدماغ أو العمود الفقري دون حاجة طبية ملحة. لذا، يعمل المهندسون باستمرار على اختراع أجهزة أفضل تصل إلى أعماق الجسم بأقل تأثير على الأنسجة.
ويعتبر ديفيد ماك مولن، رئيس برنامج التعديل العصبي والتحفيز العصبي في معاهد الصحة الوطنية الأميركية، أن «المهندسين يواصلون العمل على توسيع حدود استخدام هذه الغرسات إفساحاً في المجال أمام تطبيق الإمكانات المتاحة تقنياً. ويعتمد هذا الأمر بالدرجة الأولى على تخفيف العبء الجراحي، وتعزيز ديمومة للغرسة، والمحاولة المستمرة لصناعة أقطاب كهربائية صغيرة تغطي مناطق أوسع في الدماغ».
وابتكر المهندسون غرسات عصبية بحجم ذرة التراب، وأقطاباً كهربائية تتعلق بالأعصاب كالنبات المعترش، وأقطاباً مصنوعة من مواد مرنة كالخيوط النانوكهربائية، وأقطاباً تشبه الدعامات تعرف بـ«الأقطاب الدعامية»، قادرة على الوصول إلى الدماغ عبر الأوعية الدموية، ومهمتها تسجيل النشاط الكهربائي، بالإضافة إلى شبكة إلكترونية قابلة للحقن مصنوعة من أسلاك سيليكونية نانوية، وأقطاباً يمكن حقنها في الجسم على شكل سائل تتحول داخله إلى مادة صلبة قابلة للتمدد كالحلوى.
وتقي الأقطاب الدعامية الناس خيار الجراحة الدماغية، بفضل إمكانية إيصالها إلى الدماغ عبر الأوعية الدموية. ويمكن تطبيق تقنية تعديل العمليات العصبية بطريقة غير تدخّلية باستخدام أقطاب كهربائية أو أسلاك مغناطيسية توضع على أو قرب الجلد. وأثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها في بعض الحالات، رغم أنّها لا ترقى إلى دقّة وفعّالية الغرسات.
ولكنّ الأجهزة المبتكرة هي الوسيلة الوحيدة التي ستذهب بنا إلى مراحل علاجية أبعد. ويتحدّث سيفيليكو عن «مفهوم خاطئ، مفاده أنّ العوائق التي تحول دون تطبيق تعديل العمليات العصبية تقنية بحتة، وأن السبب الوحيد الذي يحول دون امتلاك أجهزة للتحكم بالأفكار هو عدم تطوير أقطاب كهربائية تتمتع بالمرونة الكافية».
ويرى سيفيليكو أن الباحثين يحتاجون إلى مفهوم واضح لفيزياء الدوائر العصبية. كما أنهم يحتاجون إلى خرائط توضح كيفية تواصل الأعصاب، والتأثيرات الدقيقة لهذه الدوائر على الجسم والدماغ. ومن دون هذه الخرائط، لن تستطيع أكثر الغرسات تطوراً وحداثة تحقيق هدفها، وستستمر في إطلاق نبضاتها الكهربائية في المجهول.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
TT

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة

عام 1974، نشرت مجلة «ساترداي ريفيو - Saturday Review» الأميركية الرصينة، التي كانت في عامها الـ50 آنذاك، عدة إصدارات بمناسبة ذكراها السنوية، تناولت كيف أدى القرن إلى حاضر قاتم من الحرب النووية الحرارية الوشيكة، والطفرة السكانية التي سرعان ما ستتجاوز قدرة الكوكب على إطعام سكانه، ونضوب الطاقة القابلة للاستغلال، وغيرها من التعثرات التي تهدد العالم.

الاكتظاظ السكاني وندرة النفط... تنبؤات ما قبل 50 عاماً

في الختام، قدمت المجلة إصداراً خيالياً غير معتاد مليئاً بالتنبؤات والمقترحات الخيالية والمعقدة أحياناً للعالم، لما بعد نصف قرن من الزمان في المستقبل. وكان أحد إصدارات الذكرى السنوية في عام 1974 مخصصاً بالكامل للطرق التي يمكن للعالم من خلالها استعادة ثقته. وأشرف على إصدار الإصدارات محرر المجلة نورمان كوزينز، وهو نفسه مثقف عام غزير الإنتاج وكان ذات يوم أشهر شخصية متفائلة في البلاد.

كان كوزينز وصف في عام 1979، كتابه الأكثر مبيعاً «تشريح المرض كما يراه المريض» كيف نجح في علاج نفسه، جزئياً، بعد تشخيص حالته بمرض مميت، من خلال التمتع بأفلام كوميدية مجنونة وضحكات عالية.

«مستقبليون» سابقون مشهورون

جمع كوزينز قائمة من كبار الشخصيات المشهورين على مستوى العالم، مثل أندريه ساخاروف، ونيل أرمسترونغ، وجاك كوستو، وإسحاق أسيموف، وكلير بوث لوس (المرأة الوحيدة).

وقد تراجعت بعض المشاكل التي كانوا يأملون أن يتمكن العالم من إيجاد مخرج منها، وخاصة ندرة النفط والاكتظاظ السكاني. وسواء كان ذلك بحكمة أو بغير حكمة، فقد حلت محل هذه المخاوف نقيضاتها الظاهرية الحالية.

وباء السمنة وحطام الوقود الأحفوري

في البلدان الغنية حالياً ظهرت مشكلات أخرى، إذ تتعامل اليوم مع أوبئة السمنة و«حطام» الوقود الأحفوري المفرط في الوفرة.

ومن المفارقة أن قيمة شركة «نوفو نورديسك»، المصنعة لعقاقير إنقاص الوزن أوزيمبيك وويجغفي تأتي فقط بعد قيم شركتي النفط والغاز الكبيرتين في العالم، «أرامكو» السعودية و«إكسون».

واليوم تصاب الدول بالذعر إزاء الانحدار العالمي في معدلات المواليد وتقلص أعداد السكان وشيخوخة السكان. وقد أكون مغروراً بقدر ما أصبت في توقعاتي، ولكنني أدرك أيضاً ما أغفلته توقعاتي المستقبلية.

40 % من البالغين لا يريدون الإنجاب

لقد توقعت أن معدلات المواليد المتقلصة سوف تجتاح العالم بأسره، ولكنني لم أتوقع أن يصبح عدد البالغين الذين سوف يختارون عدم إنجاب الأطفال على الإطلاق كبيراً، ففي بعض البلدان تصل نسبتهم إلى نحو 40 في المائة. لقد توقعت بشكل صحيح أن سياسة الطفل الواحد التي تنتهجها الصين سوف تدفع الأسر الصينية إلى الاستثمار بشكل متزايد في تعليم أطفالها من أجل إعدادهم للسوق العالمية. لم أكن أتوقع أن الملايين من الشباب الصينيين المتعلمين في الجامعات والذين يعانون من الإحباط المهني سوف يفضّلون البقاء عاطلين عن العمل لسنوات بدلاً من العمل في وظائف يعدّونها أدنى من مستواهم، أو أنهم سوف يظلون معتمدين على والديهم، غير متزوجين وليس لديهم أطفال.

ازدياد أجيال من غير المتعلمين

لم أكن أتوقع بالتأكيد أن الرخاء وانخفاض معدلات البطالة في أميركا سوف يثني الشباب عن الذهاب إلى الجامعة، أو أن «غير المتعلمين» سوف يلوّحون بعدم حصولهم على الشهادات الجامعية كفضيلة سياسية ثم يتفاخرون بها وبأنهم يمثلون طليعة النهضة الأميركية العظيمة.

صدمة المستقبل

الأشياء التي فاتتني لم تكن جامحة مثل بعض الرؤى الغريبة التي تخيلها طاقم المجلة في عام 1974.

* نبوءة نيل أرمسترونغ. تنبأ نيل أرمسترونغ (رائد الفضاء الأميركي) بوجود مجموعات كاملة من البشر يعيشون في محيط من مادة الميثان اللزجة تحت سطح كوكب المشتري الذي يمكنهم البقاء عليه. سوف يعملون في وظائفهم اليومية، ويتسوّقون ويحتفلون بينما يطفون في بدلات السباحة، ولكن فقط بعد إجراء عملية جراحية لاستبدال قلوب ورئات المستعمرين بأجهزة أكسجين قابلة للزرع. ومن الغريب أن أرمسترونغ، وهو مهندس طيران، رأى هذا باعتباره رؤية وردية لعام 2024.

* نبوءة أندريه ساخاروف. كما قدم أندريه ساخاروف، والد القنبلة الهيدروجينية السوفياتية والحائز على جائزة نوبل للسلام (1975)، أفكاراً حول كيفية إخراج الناس «من عالم صناعي مكتظ وغير مضياف للحياة البشرية والطبيعة».

كان ساخاروف يعتقد أن عالم عام 2024 سوف ينقسم إلى مناطق صناعية قاتمة وأحزمة خضراء مكتظة بالسكان حيث يقضي الناس معظم وقتهم. لكن سطح الأرض لن يكون كافياً لـ«7 مليارات نسمة في عام 2024» (كان ينقصه مليار). كما توقع ساخاروف مدناً شاسعة في الفضاء ستكون موطناً للمزارع والمصانع. أعتقد أن هذا يبدو وكأنه رؤية طوباوية إذا كانت الحياة البائسة على سطح الأرض أسوأ بكثير.

* نبوءة كلير بوث لوس، المحافظة السياسية ومدمنة عقار «إل إس دي»، والتي كانت كاتبة مسرحية وممثلة في الكونغرس وسفيرة في إيطاليا وزوجة لرجال أقوياء، أن التقدم البطيء للغاية الذي أحرزته النساء تمكن رؤيته في ملامح ماضيهن.

كانت لوس تعتقد أن المساواة للمرأة سوف تأتي، لكنها ستستغرق قرناً أو أكثر. وقد كتبت: «يؤسفني أن أقول إن الصورة التي أراها هناك ليست صورة المرأة الجالسة في الغرفة البيضاوية في البيت الأبيض في عام 2024».

إيمان مستقبلي

في الآونة الأخيرة، كنت أحاول أن أرى المستقبل من خلال قضاء بعض الوقت في مواقع بناء مراكز البيانات التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد لالتقاط ملامح الطفرة في الذكاء الاصطناعي.

إن أحد التنبؤات المذهلة التي تحرك الأموال والسياسات اليوم أن العالم سينفق أكثر من تريليون دولار لبناء البنية الأساسية للبيانات (يتوقع سام ألتمان، مؤسس شركة «OpenAI» سبعة تريليونات دولار) للحوسبة من الجيل التالي التي يمكن أن تلغي التنبؤ البشري وتستبدله بنماذج تنبؤية تديرها الآلات.

ورغم أنه لا أحد يعرف إلى أين ستقود كل هذه القوة الحاسوبية، فإن العالم يراهن عليها بشدة مع ذلك. إن هذه الطفرة تجعل خيالي - وهو شيء كنت فخوراً به للغاية - يشعر بالضآلة والإرهاق.

رؤية مفعمة بالأمل لدحر التشاؤم

لقد جاء دافع كوزينز للتنبؤ بالمستقبل أكثر من منطلقات الذكاء العاطفي له والرؤى المفعمة بالأمل له وأمثاله الذين وظّفوا معرفتهم للانفصال عن الماضي، وأقل من منطلقات رؤيته للمستقبل المستنبطة من الحقائق المعروفة في زمنه.

ومن المفارقات، كما أشار كوزينز، أن التنبؤات لا تأخذ في الحسبان التفاؤل الذي يتوقعه الناس في المستقبل.

وأضاف، في حينه، أنه إذا كان لدى عدد كافٍ من الناس إيمان بأن الجنس البشري يتمتع بالقدر الكافي من الذكاء والطاقة للعمل معاً على حل المشاكل العالمية، فإنه استخلص أن «التوقعات المتشائمة للخبراء سوف تفقد قدرتها على الشلل أو الترهيب. لذا فإن أكبر مهمة تواجه البشرية في السنوات الـ50 المقبلة سوف تكون إثبات خطأ الخبراء [المتشائمين]».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».