تركيا تخوض معركة غاز البحر المتوسّط وإسقاط قيود معاهدة لوزان

سفينة التنقيب التركية «يافوز» (رويترز)
سفينة التنقيب التركية «يافوز» (رويترز)
TT

تركيا تخوض معركة غاز البحر المتوسّط وإسقاط قيود معاهدة لوزان

سفينة التنقيب التركية «يافوز» (رويترز)
سفينة التنقيب التركية «يافوز» (رويترز)

عاشت قبرص في السنوات الأخيرة أزمتين اقتصاديتين كبيرتين، نجمت الأولى عن عملية تكيّف صعبة أعقبت الانضمام إلى عائلة الاتحاد الأوروبي عام 2004، والثانية اعتماد اليورو عام 2008 تزامناً مع الأزمة المالية العالمية التي استمرت تداعياتها حتى العام 2010 وما بعده. وجاء اكتشاف وجود احتياطات كبيرة من الغاز في المياه القبرصية نعمةً رأى فيها القبارصة تباشير مرحلة من الازدهار وملامح مستقبل أفضل لحوالى 900 ألف قبرصي يعيشون في الشطر اليوناني من الجزيرة المعترف به دولياً، وربما لحوالى 300 ألف قبرصي تركي يعيشون في الشطر الشمالي الذي لا تعترف به كجمهورية مستقلة سوى تركيا.
غير أن هذا الانقسام بالذات هو ما يهدّد المستقبل الزاهر الموعود، لا لأن طرفي قبرص غير قادرين على الاتفاق والوصول إلى إعادة توحيد البلاد، بل لأن هناك قوة إقليمية «ضاربة» مجاورة اسمها تركيا تتحرك بوتيرة متسارعة منذ سنوات لتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي وحتى العسكري باتجاه البرّ الآسيوي والحوض المتوسطي، وربما لاحقا المدى الأرحب الأوروبي.
في هذا الإطار، نرى تركيا موجودة عسكرياً بشكل معلن وثابت في سوريا، وفي العراق عندما تدعو الحاجة إلى ضرب المتمردين الأكراد، وتجتاز مسافة غير قصيرة لتعقد اتفاقات مثيرة للجدل مع حكومة «الوفاق» في ليبيا. ونسمع رئيسها رجب طيب إردوغان يستهتر بمنتقدي خطوته الليبية ويهزأ بجهلهم لتاريخ البحر المتوسط وضفافه. وهو لربما يعتبر أن مفاعيل معاهدة لوزان التي وُقّعت عام 1923 صارت في حكم المنتهية، أو على الأقل يجب تقليصها للسماح لبلاده بالانطلاق وتحقيق ما تملكه من إمكانات.
وإذا كان هذا الواقع التركي يستحق بذاته أكثر من بحث معمّق، يمكن الاكتفاء هنا بالقول إن إردوغان يملك بلا شك طموحات كبيرة للجمهورية التي اقتربت من إنهاء القرن الأول من عمرها، ولا يخفي سعيه إلى تحطيم القيود التي طوّقت بها معاهدة لوزان جمهورية مصطفى كمال أتاتورك بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية.

الملعب القبرصي
بالعودة إلى قبرص، تثير حقول الغاز البحرية توتراً ومخاوف، وتتوسّل تركيا مسألة «جمهورية شمال قبرص التركية» لتطالب لها ومن خلالها لنفسها بحصة من هذا المورد الطبيعي. ولا شك في أن أنقرة تعتبر الجزيرة حلقة ضعيفة في المدى المتوسطي الذي تتحرّك فيه. ومن هنا، لم يتردد الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس في توقيع اتفاق أنبوب «شرق المتوسط» للغاز مع اليونان وإسرائيل مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي.
ولا يمكن في هذا السياق إلا الالتفات إلى الاتفاق الذي وقعته أنقرة في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) حول ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية، بهدف تثبيت «حقوقها» على مناطق شاسعة في شرقي المتوسط. واعتبرت كل من قبرص واليونان ومصر وفرنسا هذا الاتفاق «باطلاً ولاغياً»، وكذلك اتفاق التعاون العسكري بين الجانبين التركي والليبي. لكن في أي حال، سيؤدي الاتفاق التركي-الليبي حتماً إلى تأخير بناء أنبوب «شرق المتوسط» الذي يفترض أن يمر عبر مناطق بحرية تطالب بها أنقرة. وهذا يعني خصوصاً محاصرة الغاز القبرصي واضطرار نيقوسيا للتعاون مع الأتراك، وربما اعتماد تركيا نقطة لتصدير غاز الجزيرة إلى أوروبا.
في غضون ذلك، يواصل الأتراك القيام بعمليات تنقيب وعرض عضلات عسكرية في مياه تلامس حدود المناطق الاقتصادية الخالصة لبعض الدول، وربما تتجاوزها، غير آبهة بعقوبات الاتحاد الأوروبي ولا بالاعتراضات من هنا وهناك.
في ظل هذا الواقع، وقعت قبرص في ديسمبر (كانون الأول) عقداً مع مصنّع الصواريخ الأوروبي «إم بي دي إيه» بقيمة 150 مليون يورو، لشراء صواريخ أرض-جو قصيرة المدى من نوع «ميسترال»، كما نشرت صحيفة «لا تريبون» الأسبوعية الفرنسية. ولاحقاً وقّعت البحرية القبرصية مع المصنّع نفسه عقداً آخر بقيمة 90 مليون يورو لشراء صواريخ مضادة للسفن من نوع «إكزوست».
وبالطبع، يجب ألا ننسى أن أي تهديد تركي محتمل لقبرص لن يكون مصدره البحر وحده، ففي الشطر الشمالي من الجزيرة قوات تركية منذ العام 1974، تاريخ الحرب الأهلية القبرصية التي انتهت بالتقسيم.
أمام هذا المشهد، لم تقف الولايات المتحدة صامتة، فقال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة فرانسيس فانون قبل أيام، إن حكومته تؤيد حق قبرص في تطوير مواردها في مجال الطاقة وتقاسم العائدات بين القبارصة اليونانيين والأتراك كجزء من اتفاق لإعادة توحيد الجزيرة.
والأهم من ذلك ما نقله موقع «ذي إنترسبت» الأميركي عن تشريع اعتمده الكونغرس يرفع حظر بيع السلاح لقبرص المفروض منذ العام 1987، ويعد بمساعدة أميركية لتطوير موارد الغاز الطبيعي قبالة سواحل قبرص (حيث تتولى التنقيب شركة إكسونموبيل الأميركية) وإسرائيل، بما في ذلك دعم إنشاء خطوط أنابيب ومحطات للغاز الطبيعي المسال وإنشاء مركز للطاقة خاص بشرق المتوسط تديره وزارة الطاقة الأميركية...
بناء على ذلك، يتضح حجم اللعبة الإستراتيجية التي تضم لاعبين محليين وإقليميين ودوليين، والتي تخاض على وقع توترات سياسية كبيرة، وقرقعة السلاح في حروب قريبة، وتجاذبات حادة لا يمكن أن نغفل فيها دور روسيا الحاضرة بقوة متنامية في كل هذه المفاصل.


مقالات ذات صلة

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد حقل تابع لشركة «قطر للطاقة» (الشركة)

«قطر للطاقة» و«شل» توقعان اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى الصين

أبرمت شركة «قطر للطاقة» اتفاقية بيع وشراء جديدة طويلة الأجل مع شركة «شل» لتوريد ثلاثة ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد منصة نفط بحرية قبالة ساحل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا 14 نوفمبر 2024 (رويترز)

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

قال مسؤول تنفيذي في شركة إكسون موبيل إن منتجي النفط والغاز الأميركيين من غير المرجح أن يزيدوا إنتاجهم بشكل جذري في ظل رئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (رويترز)

عقوبات بريطانية على 30 سفينة إضافية تابعة للأسطول «الشبح» الروسي

أعلنت الحكومة البريطانية اليوم الاثنين فرض عقوبات على 30 سفينة إضافية من «الأسطول الشبح» الذي يسمح لموسكو بتصدير النفط والغاز الروسي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

يعمل الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على إعداد حزمة واسعة النطاق في مجال الطاقة، لطرحها خلال أيام من توليه المنصب.


«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.