تنبأت ديبورا مكنزي في مقالة نشرت في مجلة «نيو ساينتست ذي كوليكشن» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بتفشي وباء فيروسي جديد وخطير قادم من شرق آسيا. وبعدها بفترة قصيرة وبالتحديد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2019 ظهرت أول حالة للإصابة بفيروس كورونا على أحد مالكي متاجر بيع المأكولات البحرية في سوق هونان في مدينة ووهان الصينية.
وقد حذر خبراء الصحة العامة لسنوات من الأمراض «الناشئة»، والتي يمكن أن تنتقل من المجهول إلى الوباء إذا تحور العامل الممرض أو تغيرت بيئة مضيفيها لجعل انتشاره أسهل. وهذا هو أكثر ما يقلق علماء الأوبئة.
هناك فيروسات وبكتيريا. وبالنسبة إلى البكتيريا مثلاً فقد تكون قاتلة، كما قد تعني مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية أن الأمراض ابتداء من السيلان إلى التهابات المثانة العادية تصبح غير قابلة للشفاء، ولكن بدأ العمل على الأقل في عقاقير جديدة لعلاجها. في المقابل، يمكن أن تتطور الفيروسات وتنتشر بشكل أسرع، وهناك الآلاف لا نعرف عنها شيئاً، ولدينا القليل من الأدوية ضدها. وأن أسوأ الإصابات الناشئة منذ عام 2000 كانت جميعها فيروسات.
لا شيء أكثر إثارة للقلق من تفشي فيروس إيبولا Ebola عام 2014. إذ اصاب الفيروس آلاف الأشخاص أكثر من أي تفشٍ سابق، ووصل إلى المدن الكبرى لأول مرة.
- نظرة تاريخية
في عام 1347 ضرب مرض وبائي شديد جداً لا يمكن تصوره أوروبا وكانت أعراضه في البداية تشبه الإنفلونزا لكنه تحول إلى وباء الطاعون الذي سمي بالموت الأسود وانتشر في كل القارة الأوروبية وخلال أربع سنوات انتشر إلى نصف سكان الأرض لكنه بقي متوطناً في أوروبا حتى القرن الثامن عشر. في الواقع نتحدث عن الطاعون في الوقت الحاضر كتاريخ من دون شك أنه تاريخ طبيعي حيث إن الأمراض المعدية هي جزء من بيئة الجنس البشري وحتى بداية القرن العشرين ورغم أن القتال والجوع كانا السببين الرئيسيين للوفيات لكن الأوبئة تسببت في قتل نصف عدد البشر. واليوم تمثل الأوبئة أقل من ربع الوفيات في جميع أنحاء العالم معظمها في المناطق الفقيرة أو المدارية أما في البلدان الغنية فالنسبة قليلة وفي تناقص مستمر.
- عودة الأوبئة
الأوبئة ستعود مجدداً فقد انتهت الفكرة التي ظهرت في الستينات من القرن الماضي بأن الأمراض المعدية في طريقها إلى الزوال عندما ظهر فيروس نقص المناعة المكتسبة في الثمانينات. كما تسبب العديد من الإصابات مثل إنفلونزا الطيور والسارس SARS والزيكاZika في إثارة القلق لكن أسوأها انتشاراً على الإطلاق كان الإيبولا Ebola في غرب أفريقيا عام 2014. ورغم التطور التكنولوجي في جميع الاتجاهات فإن خطر تطور الأمراض المعدية الجديدة ما زال قائماً فقد كسبنا العدوى من الماشية مثل السل من الأبقار وإنفلونزا الطيور من البط.
نحن الآن نعيش في ازدحام المدن وكثرة السفر وخاصة ضمن المناطق المدارية حيث يكون تنوع العوامل الممرضة أعلى، إضافة إلى العولمة والتجارة الحرة والهجرة والتغير المناخي. وقد بدأت المزارع والمدن تغزو مواطن الحيوانات المليئة بالفيروسات والتي يمكن أن تقفز إلى البشر أو إلى الماشية المزدحمة وتزدهر أيضاً مع زيادة الطلب على البروتين الحيواني.
اكتشف الباحثون أن انتشار فيروس إيبولا أصبح أكثر تكيفاً مع الناس مما سهل طبيعة انتشاره ونتيجة لذلك فقد خرج عن السيطرة تقريباً في نيجيريا. يقول توم فرايدن الرئيس السابق للمركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها «لأن العالم سيتحول إلى هاوية» ولأجل مكافحة الوباء المقبل سنحتاج اللقاحات والأدوية والمستلزمات التشخيصية أيضاً. يرد عليه جيريمي فرار رئيس وكالة الأبحاث الطبية في المملكة المتحدة: «نحن لا نملك كل ذلك».
جاء مشروع يسمى بريدكتPREDICT الممول من قبل وكالة الولايات المتحدة للتنمية المعاصرة، للتحري عن أنواع العدوى الأخرى في بعض الأماكن معظمها استوائية حيث تتفاعل الحيوانات الثديية مع البشر. ويهدف المشروع أيضاً إلى غربلة الناس من ناحية طعامهم وكذلك القوارض والخفافيش والحيوانات التي يتعاملون معها للبحث في التسلسل الجيني للفيروسات في الحيوانات التي تعتبر مستودعات لها وتسبب الأمراض للإنسان. ووجد الباحثون اعتباراً من 2 أغسطس (آب) 2019 أكثر من 1100 فيروس المشتركة عند الإنسان وعند الحيوان منها 931 جديداً واستطاعوا من تحديد خارطة التنوع الفيروسي.
- معرفة العدو
يقول أب أوسترهاوس رئيس مركز «الجديد في بحوث العدوى الناشئة والأمراض المشتركة بين الحيوان والإنسان» في هانوفر ألمانيا هناك الكثير من الفيروسات في العديد من الحيوانات تتفاعل مع البشر وتتطور بطرق غير متوقعة، ويضيف: «نحن بحاجة إلى فهم مفصل إلى متى وأين وكيف تنتقل الفيروسات من الحياة البرية إلى الإنسان» وقد يكون الوباء القادم عبارة عن قفزة من الحيوانات الأخرى إلى الإنسان. ويدعي مارك وولهاوس أن السبب وراء ظهور فيروس كورونا في الصين هو العدد الهائل من السكان وشيوع التعامل مع الحيوانات الناقلة للفيروسات. ويضيف: «لا عجب من أن يكون الانتشار المقبل من الصين أو من هذا الجزء من العالم».
يرجح جوناثان بول أستاذ الفيروسات في جامعة توتنغهام البريطانية أن يكون فيروس كورونا الجديد القاتل قد انتقل من حيوان حامل له وكما هو الحال مع فيروس السارس ظهر في الخفافيش وقطط الزباد ثم انتقل إلى البشر.
الخوف من انتشار فيروس كورونا تحول إلى رهاب، فبمجرد ذكر هذا الفيروس يتبادر إلى الذهن أن جميع الآسيويين مصابون به. وقد أعاد العنوان للأذهان العبارات العنصرية القديمة التي تصور عادات الآسيويين وطعامهم بأنها غير آمنة وغير مرحب بها. وقد استخدم «الإنذار الأصفر» أول مرة في القرن التاسع عشر مع انطلاق موجة الهجرة الصينية الأولى إلى الولايات المتحدة. وانطوى المصطلح آنذاك على نزعة عدائية تجاه الآسيويين عموماً.