مطرب شعبي مصري يتصدر «الترند» بعد تفوقه على نجوم عالميين

أغنيته حققت المركز الثاني في تطبيق «ساوند كلاود»

حسن شاكوش
حسن شاكوش
TT

مطرب شعبي مصري يتصدر «الترند» بعد تفوقه على نجوم عالميين

حسن شاكوش
حسن شاكوش

تصدر اسم «مطرب المهرجانات المصري حسن شاكوش، قوائم الأكثر تداولا عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بعد إعلان تطبيق الأغنيات الشهير (ساوند كلاود) مؤخراً عن اختيار أغنيته «بنت الجيران» في المركز الثاني بقائمة أكثر الأغنيات استماعاً، حيث استمع لها أكثر من 45 مليون شخص، منهم 4 ملايين ونصف المليون مستمع الأسبوع الماضي فقط.
أغنية «بنت الجيران» صدرت نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وشارك في غنائها مع حسن شاكوش المطرب الشعبي عمر كمال، ووصل عدد مستمعيها عبر موقع الفيديوهات «يوتيوب» إلى ما يقرب من 70 مليون مشاهد، واحتفل بذلك عدد من الفنانين من بينهم الفنانة منى زكي، والفنانة التونسية لطيفة، وحصل حسن شاكوش مؤخراً على درع «يوتيوب الذهبي»، وذلك بعد تخطي عدد مشتركي قناته مليون مشترك، رغم الانتقادات التي وجهت إلى مطرب المهرجانات باقتباس لحن الأغنية من أغنية المطرب محمد حماقي «حاجة مستخبية».
ورغم ما حققه شاكوش في الآونة الأخيرة من انتشار لافت، بالأوساط الغنائية المصرية والعربية، فإن طلب الحصول على عضوية نقابة المهن الموسيقية المصرية، لم يتم اعتماده حتى الآن، وقال أحمد رمضان، سكرتير عام نقابة المهن الموسيقية لـ«الشرق الأوسط»: «حسن شاكوش ليس عضواً بالنقابة، وكل ما يردده حول اجتيازه امتحان النقابة غير صحيح بالمرة... تم اختباره من قبل لجنة موسيقية تضم عدداً من الموسيقيين المصريين الكبار، ولكن النتيجة لم يتم الإعلان عنها حتى الآن».
مشيراً إلى أن «قبول شاكوش من عدمه في النقابة سيكون عقب تنفيذ مشروع النقيب هاني شاكر بتأسيس (شعبة مطربي المهرجانات) بالنقابة، التي من المقرر وضع هيكلها النهائي، في نهاية الشهر الحالي، قبل أن نطلب من مطربي المهرجانات التقدم بطلب انضمام للنقابة وسيخضعون جميعا للاختبار، ومن لديه صوت جيد فسيتم منحه عضوية النقابة».
وعن سبب قيام النقابة بمنح شاكوش تصاريح غناء، قال رمضان: «النقابة ليس دورها المنع والتعنت مع المواهب الغنائية، لكن نحن ندعم الأصوات الواعدة، وكل من يريد أن يغني نساعده ونمنحه تصريح غناء ونذهب لنراقب ما يقدمه، ولكن التصريح الذي تعطيه النقابة مؤقت ينتهي بنهاية الحفل ولا يحق له بعدها الغناء».
وتحظى أغنيات المهرجانات حالياً بشعبية كبيرة في مصر، لا سيما بعد تخطي بعضها عشرات الملايين من المشاهدات على الإنترنت، وأصبحت أمراً واقعاً رغم الانتقادات الموجهة إلى مطربيها والذين يتم اتهامهم بتقديم أغنيات «غير لائقة»، لا تناسب الذوق المصري.
وتقول الناقدة الموسيقية ياسمين فراج، الأستاذة بأكاديمية الفنون المصرية، لـ«الشرق الأوسط»: «لو حللنا ما يقدمه مطربو المهرجانات نقداً موسيقياً فسيكون ردي هو أن ما يقدمه هؤلاء ليس فنا، ولا يمت للفن بصلة، ورغم هذه النتيجة، فإننا يجب أن نعترف بأن هؤلاء لديهم شعبية كبيرة، وهناك فئات كثيرة بالمجتمع لا تسمع غيرهم، وهو أمر يجعلنا نقف أمام ما يقدمونه ونحاول تفسيره وأخذه في الاعتبار».
وأضافت: «لا أريد التقليل من شأنهم، لأن ما دام هناك من يستمع إليهم، فلا بد أن ننصت إليهم ونتحاور معهم، وأنا أتفق مع الفريق الذي يطالب بضمهم لنقابة الموسيقيين، لكي نستطيع التحكم فيما يقولونه وما يرتدونه».
وعن أسباب نجاح مطربي المهرجانات المصريين وتحقيقهم أرقاماً عالمية، قالت: «هؤلاء يقدمون شكلاً غنائياً جديداً ومختلفاً، بعد عدم ابتكار بعض المطربين المعروفين وأصحاب الخبرات، لأعمال وقوالب غنائية جديدة، ما دفع المستمعين إلى البحث عن الذين يقدمون الموسيقى والألحان المختلفة».
وأغنيات المهرجانات الشعبية، هي لون موسيقي شعبي مصري، عبارة عن خليط من موسيقى الراب والتكنو، أو موسيقى إلكترو شعبي، وذاع صيتها في مصر مع عام 2007 بعد ظهور المطربين أوكا وأورتيجا، اللذين حققا انتشاراً كبيراً بعد عام 2011، لا سيما أن كلمات أغنياتهما كانت تدور حول مشكلات الفقر والتهميش والمخدرات والصداقة، ثم ظهر بعدهما حمو بيكا، وحسن شاكوش، وغيرهما.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)