القاهرة تستعيد رونق حدائقها التاريخية

بالتزامن مع اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية

حديقة الأورمان
حديقة الأورمان
TT

القاهرة تستعيد رونق حدائقها التاريخية

حديقة الأورمان
حديقة الأورمان

بالاستعانة بالأفلام السينمائية القديمة وضعت مصر مخططاً لتطوير حديقة الأندلس، إحدى الحدائق التراثية، وأول حديقة تسجل في عداد الآثار، وذلك ضمن مشروع قومي متكامل لتطوير الحدائق التراثية، والميادين العامة الشهيرة، بهدف استعادة الوجه الحضاري للقاهرة التاريخية التي تم إعلانها عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2020.
ووضعت اللجنة القومية لحماية وتطوير القاهرة التراثية مخططاً متكاملاً لتطوير وحماية وإدارة الحدائق التراثية في مصر، بطريقة تتناسب مع أهميتها التراثية، ومستقبلها، وتجذب الزوار، حيث تم وضع خطط وتصورات لتطوير هذه الحدائق ومن بينها «حدائق الأزبكية، والأورمان، والحيوان، والأسماك، والقناطر الخيرية، والزهرية، والأندلس»، بالقاهرة، إضافة إلى مجموعة من الحدائق الأخرى خارج القاهرة من بينها «حدائق المتنزه» بالإسكندرية.
ويجري حالياً تطوير حديقة الأزبكية تحت إشراف الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، بالتنسيق مع الجهات المعنية وخاصة هيئة مترو الأنفاق لإعادة تخطيط المحاور المرورية بالمنطقة. وتتميز حديقة الأزبكية بموقعها الفريد وسط القاهرة الفاطمية والخديوية، بالقرب من ميدان العتبة، والأوبرا وسط القاهرة.
ويتزامن المشروع مع مشروع تطوير ميدان التحرير بالقاهرة الذي يتم حالياً بإعادة تخطيط الميدان وتزيينه بمسلة فرعونية، وأربعة كباش أثرية، إضافة إلى طلاء واجهات المباني، وإضاءتها، ووضع قواعد لوضع اللافتات الإعلانية، وتشجير ساحات الميدان.
اللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة، قال في بيان صحافي أول من أمس إن «حديقة الأندلس تعد أول حديقة تسجل كأثر في مصر، وهي جزء رئيسي من ذاكرة أجيال عديدة كانت تستمتع بالتنزه فيها وتتكون من 3 أجزاء هي حديقة الجزيرة، والأندلس، والحديقة الفرعونية، وتقع على مساحة 9 آلاف متر مربع»، معلناً عن «بدء مشروع تطوير الحديقة، بواسطة شركة متخصصة في الترميم التراثي والأثري وتحت إشراف وزارة السياحة والآثار، وتموله مديرية الإسكان بالمحافظة بتكلفة تبلغ نحو 30 مليون جنيه» نحو (2 مليون دولار أميركي).
وللحديقة تاريخ فني طويل، حيث كانت مسرحاً للعديد من الحفلات الفنية لنجوم الفن والطرب في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ومن بينهم فريد الأطرش ومحمد فوزي وفيروز، كما صورت بها بعض الأفلام السينمائية التي تم الاستعانة بها لوضع التصور النهائي لمشروع التطوير، وإعادة الحديقة إلى أصلها، ومن بينها فيلم «أمير الانتقام»، بحسب محافظ القاهرة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن مشروع لتطوير حديقة الأندلس، ففي بداية عام 2017 أعلنت محافظة القاهرة عن الانتهاء من وضع التصورات النهائية لخطة تطوير الحديقة، وبدأت وزارة الآثار في ترميم وتوثيق الآثار الموجودة بالحديقة، وكانت المحافظة قد أعلنت في منتصف عام 2018 عن تخصيص ميزانية تقدر بـ30 مليون جنيه لتطوير الحديقة.
وقال عبد العال إن «الحديقة تعرضت للإهمال لفترة طويلة وهو ما دعا محافظة القاهرة لوضع خطة لتطويرها وإعادة الروح إليها في إطار ما توليه من اهتمام بالتراث»، مشيراً إلى أنه «كانت هناك عدة مشاريع لتطوير حديقة الأندلس لكنها لم تكتمل بسبب ضعف التمويل».
بدروه أكد الدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة السياحة والآثار، لـ«الشرق الأوسط» أن «وزارة الآثار بدأت بالفعل منذ أكثر من عام تنفيذ أعمال ترميم وتطوير الحديقة المسجلة في عداد الآثار منذ عام 2009».
ويتضمن مشروع التطوير مرحلتين، المرحلة الأولى تشمل تطوير البنية التحتية وإصلاح شبكة الري، وتحويلها إلى الري بالتنقيط، وتطوير شبكة صرف النافورة الموجودة في الجزء الفرعوني بالحديقة، أما المرحلة الثانية فتشمل ترميم نماذج التماثيل الأثرية الموجودة بالحديقة، وترميم تماثيل الثعابين الموجودة في الجزء الفرعوني للحديقة.
وتقع حديقة الأندلس في وسط القاهرة، وتطل على النيل من الشرق وعلى أول شارع الجزيرة من الغرب، وعلى ستوديو الجيب شمالا، وميدان الأوبرا، وأول كوبري قصر النيل جنوباً، وأنشأها محمد بك ذو الفقار عام 1935 في أواخر حكم الملك فؤاد الأول، وتتكون من جزأين، الجزء الجنوبي ويسمى حديقة الفردوس العربية، وهو على نمط الحدائق العربية الأندلسية الموجودة في جنوب إسبانيا، والجزء الشمالي ويسمى الحديقة الفرعونية.
وأشار الدكتور عبد الله كامل، أستاذ الآثار الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية الحديقة المقامة على مساحة فدانين كواحدة من حدائق مصر التراثية، التي تضم أيضاً حديقة الأزبكية والأسماك، موضحاً أن «الجزء الجنوبي من الحديقة يتميز بوجود جوسق (مظلة على أعمدة رخامية) مزين بالزخارف الأندلسية العربية الهندسية والنباتية، يتوسطه تمثال لأمير الشعراء أحمد شوقي للنحات محمود مختار، وخمسة تماثيل لأسود تحيط ببركة مياه تحوي نافورتين من الرخام، ويحيط بها ثمانية مدرجات متصاعدة مزروعة بالنجيل، إضافة إلى نافورة رخامية ثمانية الشكل يتوسطها عمود رخامي يحيط به ثمانية تماثيل على شكل أسود ينبثق منها الماء، ويحيط بزواياها ثمانية ضفادع رخامية ينبثق منها الماء، وعلى جانبيها برجولتان خشبيتان.
أما الحديقة الفرعونية فتضم بوابة فرعونية يتوسطها نموذج تمثال «شيخ البلد» مواجه للحديقة التي ينتشر بها النخيل الملوكي وغيره من الأشجار، وتنتشر في جوانب الحديقة نماذج لتماثيل فرعونية مختلفة الأشكال».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».