الموت «يطفئ شمس» نادية لطفي

رحلت عن عمر ناهز 83 سنة بعد صراع مع المرض

الفنانة المصرية نادية لطفي
الفنانة المصرية نادية لطفي
TT

الموت «يطفئ شمس» نادية لطفي

الفنانة المصرية نادية لطفي
الفنانة المصرية نادية لطفي

غيّب الموت، أمس، الفنانة المصرية نادية لطفي عن عمر يناهز 83 سنة، بعد صراع مع المرض، ونعت نقابة المهن التمثيلية والدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية، الفنانة نادية لطفي، وقالت في بيان صحافي أمس، إن «الراحلة تربعت على عرش السينما العربية باعتبارها علامة بارزة صنعت جزءاً من تاريخ هذا الفن، وكانت كلمة السر لنجاح نخبة من أعظم الأعمال الخالدة»، مشيرة إلى أنّ «مسيرتها الطويلة تميزت بالنضال والوطنية والبطولة إلى جانب الإبداع الفني».
اسم نادية لطفي ارتبط في الذاكرة العربية بالوجه الحالم، والجمال الخاص، والحضور الطاغي، فهي «لويزا» الطيبة في «الناصر صلاح الدين»، و«شهيرة» الحبيبة القوية في «لا تطفئ الشمس»، و«أحلام» البنت الرزينة في «السبع بنات»، و«مادي» المُتخبطة في الحياة في «النظارة السوداء»، لتحقق عبر مشوارها الفني الطويل علامات درامية مميزة، من خلال 75 عملاً تركت بها أثراً لم يخفت عبر السنين.
وُلدت نادية لطفي، في 3 يناير (كانون الثاني) عام 1937 في حي عابدين بالقاهرة، لأب وأم مصريين، اسمها الحقيقي بولا محمد مصطفى، ووراء اسمها الحقيقي قصة، وهي أن والدتها عانت كثيراً خلال ولادتها، وفي المستشفى التقت ممرضة تُدعى بولا، لازمتها طيلة فترة ولادتها الصعبة، فقررت والدتها «فاطمة» أن تُطلق على ابنتها اسم بولا محبة بتلك الممرضة. إلّا أنّ اسم «بولا» لم يُرافقها إلى عالم السينما، فقرر مُكتشفها المخرج المصري رمسيس نجيب أن يُطلق عيلها اسم نادية لطفي، وهو اسم الشخصية التي لعبت الراحلة فاتن حمامة دورها في فيلم «لا أنام»، وحسبما جاء في سيرتها، فقد كانت نادية لطفي مُرتبطة بشكل كبير بالراحلة فاتن حمامة وكانت من أشد معجبيها، وكانت حريصة قبل دخولها الوسط الفني على حضور جميع أفلام فاتن حمامة في السينما.
حصلت نادية لطفي على دبلوم المدرسة الألمانية في مصر عام 1955، ودخلت عالم السينما عبر سلسلة من الأفلام الشهيرة، كان أولها فيلم «سلطان» مع الراحل فريد شوقي، ثم توالت الأعمال على مدار أكثر من 30 عاماً من بينها فيلم «أبداً لن أعود»، و«رحلة داخل امرأة»، و«قصر الشوق»، و«وسقطت في بحر العسل»، و«الإخوة الأعداء»، و«المومياء»، و«أبي فوق الشجرة»، و«للرجال فقط» و«الباحثة عن الحب»، و«كانت أيام»، و«بين القصرين» و«السمان والخريف»، وغيرها، بالإضافة إلى عمل مسرحي واحد وهو «بمبة كشر»، وعمل تلفزيوني واحد وهو «ناس ولاد ناس» الذي توقفت بعده عن التمثيل مكتفية بنشاطاتها العامة والاجتماعية.
ورغم ابتعادها عن الفن، فإنّها لم تنسحب من الظهور في الحياة العامة، وفضلت الظهور على سجيتها سواء في الحديث، أو حتى في هيئتها بعد أن تقدم بها العمر فلم تلجأ لعمليات التجميل، وكانت لا ترفض التصوير وإجراء الحوارات معها حتى وهي في آخر فترات حياتها بالمستشفى، وكانت الفنانة الراحلة حريصة على خلق علاقة وديّة مع جمهورها حتى وهي في أوج نجوميتها، حتى إنّها في لقاء مع الإعلامي الراحل وجدي قنديل عام 1964 عبر برنامج «لقاء المشاهير»، قالت إنها تتلقى في اليوم الواحد عشرات الرسائل من دول العالم العربي، وإنّها تحرص قدر ما تستطيع على الإجابة عنها بنفسها بخط يدها، وفي سنوات حياتها الأخيرة حيث كانت تُقيم أغلب الوقت في غرفة بمستشفى كانت تستقبل الزائرين وتلتقط معهم الصور، وكان يشع من طلتها وهيئتها حُب وإقبال كبيرين على الحياة، حتى إنّ غرفتها كانت تغمرها الورود التي كانت لا تنقطع من زيارات محبيها.
تقول الناقدة الفنية صفاء الليثي لـ«الشرق الأوسط»: إنّ «رحيل نادية لطفي هو فقْد جديد لجيل من أجمل الأجيال التي عرفتها السينما المصرية، وهو الجيل الذهبي، فقد لحقت بماجدة الصباحي ومن قبلهما سعاد حسني وفاتن حمامة وشادية». وأضافت: «كان الثنائي الفني الذي جمع بين نادية لطفي وسعاد حسني من أجمل ثنائيات السينما، أذكر مثلا فيلم (للرجال فقط)، ولا أنسى أن نادية لطفي كانت من أشد الناعين لسعاد حسني في وفاتها، وهذا كان من ملامح نادية لطفي الإنسانية، فقد كانت شديدة التعاطف مع كل زملائها، كانت إنسانة كبيرة كما كانت فنانة كبيرة، وبسيطة، ولها انحيازات وطنية كما كانت تعلن دوماً عن دعمها للقضية الفلسطينية». وتضيف الناقدة الفنية أنّه «على الرغم من جمالها الفاتن فقد استطاعت نادية لطفي أن تظهر في أدوار مختلفة ما بين الفتاة الرقيقة والمشاغبة كما في (النظارة السوداء)، وكذلك ظهرت في مشهد صامت محوري في فيلم (المومياء)، إنتاج عام 1969 للراحل شادي عبد السلام، ورغم نجوميتها الكبيرة في هذا الوقت فإنّها وافقت على هذا الظهور الصامت، نظراً لأنّها كانت فنانة مثقفة جداً وتعي أهمية مشروع شادي عبد السلام جيداً».
وتتذكر الليثي اختيار الناقد السينمائي المصري الراحل سمير فريد، تكريم نادية لطفي في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ36 عام 2014، ولم تتمكن وقتها نادية من الحضور وظهرت في مقطع فيديو مؤثر ألقت فيه كلمة مسجلة عبّرت فيها عن سعادتها البالغة بهذا التكريم عن مشوارها الفني، وقد ظهر مُلصق هذه الدورة من مهرجان القاهرة السينمائي وهو يحمل عيون الفنانة الراحلة نادية لطفي.
كما ظهرت نادية لطفي في مقطع فيديو أخير بعد رحيل الفنانة ماجدة الصباحي، في 16 يناير الماضي، نعتها فيه مُعربة عن صدمتها وحزنها الشديد لرحيل ماجدة، مُشيدة بروحها الجميلة وعلاقتها الطيبة بزملائها.
وعُرف عن الفنانة نادية لطفي مساهمتها في أعمال وطنية خلال حرب الاستنزاف وحرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، حيث كان لها إسهام تطوعي في تقديم الرعاية للجرحى من الجنود المصريين آنذاك، وكذلك زيارتها الشهيرة إلى لبنان أيام حصار الجيش الإسرائيلي في 1982 لبيروت، التي ساندت بها المقاومة، وتحدثت في أكثر من لقاء عن جرائم الجيش الإسرائيلي.
رافق مسيرة نادية لطفي كثير من الروايات، أشهرها أن والدتها بولندية، وقد شجع على رواج هذه الرواية ملامحها الأقرب للملامح الأوروبية وإتقانها للغات الأجنبية، وتزوجت نادية لطفي ثلاث مرات، وأنجبت من زوجها الأول ابنها الوحيد أحمد.
وقد حصلت الراحلة نادية لطفي على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون المصرية عام 2017 باعتبارها رمزاً وعلامة مضيئة في تاريخ الفن المصري والعربي، وقد ظهرت نادية لطفي في هذا الوقت ترتدي قبعة الدكتوراه وهي على كرسي متحرك في مستشفى المعادي العسكري، وهو الحدث الذي حرص عدد من الفنانين من أجيال مختلفة على مشاركتها إياه والاحتفال بها.
وكانت الراحلة تقيم في غرفتها بالمستشفى في الفترة الأخيرة بشكل كامل قبل تدهور صحتها، حيث دخلت قبل رحيلها في حالة غيبوبة نُقلت على أثرها إلى العناية المركزة، وأُعلن وقتها أنها تعيش «لحظات حرجة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)