معرض «القاهرة للكتاب» يختتم فعالياته بمبيعات «قياسية»

عضو في «الشورى» السعودي يشيد بإصدارات جناح المملكة

الدورة الـ51 من معرض القاهرة للكتاب شهدت إقبالاً كثيفاً من الزوار
الدورة الـ51 من معرض القاهرة للكتاب شهدت إقبالاً كثيفاً من الزوار
TT

معرض «القاهرة للكتاب» يختتم فعالياته بمبيعات «قياسية»

الدورة الـ51 من معرض القاهرة للكتاب شهدت إقبالاً كثيفاً من الزوار
الدورة الـ51 من معرض القاهرة للكتاب شهدت إقبالاً كثيفاً من الزوار

اختتمت أمس فعاليات الدورة الـ51 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي عقدت في مركز المؤتمرات الدولية بـمنطقة التجمع الخامس (شرق القاهرة)، وسط حضور جماهيري كبير، ونسب مبيعات قياسية للكتب.
وزار المعرض الذي بدأت فعالياته في 22 يناير (كانون الثاني) الماضي أكثر من 3 ملايين زائر، وفق مسؤولي المعرض، وشهدت الدورة الـ51 من المعرض نسب بيع كتب مرتفعة، إذ حققت الهيئة العامة لقصور الثقافة رقماً قياسياً جديداً من مبيعات إصدارتها، حيث تم بيع نحو 80 ألف كتاب، فيما أعلن هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة العامة للكتاب، أن «مبيعات هيئة الكتاب بالمعرض تجاوزت الـ90 ألف كتاب». وشهدت موسوعة «شخصية مصر»، للكاتب الراحل جمال حمدان (ضيف شرف المعرض في دورته الـ51)، إقبالاً شديداً طوال أيام المعرض، لدرجة أن كتبه كانت تنفذ في الساعات الأولى من أيام عمل المهرجان كل صباح بسبب إقبال القراء الكبير على اقتناء الموسوعة.
والتقى جمهور معرض القاهرة الدّولي للكتاب باللاعب المصري الدولي لاعب نادي أستون فيلا الإنجليزي محمود تريزيجيه (أحد سفراء معرض القاهرة الدولي للكتاب) في ختام المعرض أمس، وسط حضور جماهيري كبير.
وعبّر اللاعب عن سعادته بوجوده وسط هذا الحشد الكبير، وأوضح أنّه «لا يتردد لحظة في تلبية أي طلب يخدم مصلحة مصر»، وقال: «لا يوجد شخص ناجح بالصدفة، ولكن يجب أن يعمل كل شخص بجد واجتهاد ومثابرة حتى يستطيع تحقيق ما يريد».
وبلغ عدد أجنحة المعرض هذا العام نحو 808 أجنحة، بزيادة 86 جناحاً، وعدد الناشرين والجهات الرسمية المصرية والأجنبية 900 دار نشر، بزيادة 153 دار نشر عن العام الماضي.
وكانت اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب قد اختارت لأول مرة عدداً من الشخصيات العامة كسفراء له، من بينهم الدكتور زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، والفنانة القديرة سميحة أيوب، والفنان التشكيلي أحمد مصطفى، والمهندس العالمي هاني عازر، بجانب اللاعب محمود تريزيجيه.
وكرمت وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم، أمس، اسم الكاتب الشاب الراحل محمد حسن خليفة الذي توفي في بداية الدورة الـ51 إثر أزمة صحية مفاجئة، وأثارت وفاته موجة تعاطف كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر. ووجهت عبد الدايم بـ«طباعة مؤلفاته في هيئة الكتاب»، وقالت إن «القدر لم يمهله لتأكيد موهبته»، وقدمت لأسرته درع الدورة الـ51 لمعرض الكتاب.
وأعلنت وزيرة الثقافة أيضاً عن استحداث تقليد جديد خاص بضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب، تمثل في إجراء مراسم لتسليم اللقب إلى الدولة التي تحمله خلال الدورة المقبلة، حيث سلم إيلي صايبى، سفير دولة السنغال بالقاهرة، ضيف شرف الدورة 51، اللقب إلى نيكولاس جاريليدس، سفير دولة اليونان التي تحمله في الدورة الـ52.
وقالت عبد الدايم، في حفل ختام المعرض، إنّ عدد الجمهور وصل إلى أكثر من 3 ملايين و200 ألف زائر، وأثنت على المشاركة السنغالية المتميزة هذا العام.
وفي سياق متصل، زار عضو مجلس الشورى السعودي المهندس أحمد بن محمد الأسود الجناح السعودي المشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب أمس، وكان في استقباله مدير الشؤون التعليمية والأكاديمية ومدير الشؤون الثقافية والإعلام بالملحقية الثقافية السعودية بالقاهرة. وقال الأسود إن «جناح المملكة بمعرض القاهرة للكتاب استطاع أن يكون سفيراً جيداً للملكة العربية السعودية، من خلال المشاركة التي تركزت على إبراز تاريخ المملكة، و(رؤية 2030)، وتنظيم القمة الاقتصادية (G20)». وأضاف أن «حكومة خادم الحرمين الشريفين لم تدخر جهداً من أجل دعم الثقافة والمعرفة»، مشيداً بالكتاب السعودي الذي أصبح ذا مكانة مرموقة في مختلف المحافل الثقافية والمعارض الدولية، ويتسم بحسن التنظيم والتنسيق»، مؤكداً أن «هذه الإصدارات استطاعت إبراز الوجه الحقيقي للثقافة والأدب والتراث والتاريخ السعودي العريق».


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)