نشرت «الشرق الأوسط» في 19 أغسطس (آب) العام الماضي خبر تطوير باحثين بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) رقاقة ذكية تُسهل دراسة سلوك الحيوانات البحرية. وتقوم هذه المنظومة الخاصة، بوسم الكائنات البحرية إلكترونيّاً على مطاط صناعي قابل للتمدد مصنوع من السيليكون، يمكنه تحمُّل الالتواء والتمزق والتمدد، حتى عند التعرض لضغوط عالية في المياه العميقة.
واليوم خطا باحثو «كاوست» خطوة متقدمة بتطوير تلك الرقاقة الإلكترونية اللاصقة بحيث أصبحت تتمتّع بقدرات رصد شديدة الدقة والحساسية يتوقع لها العلماء أن تُحدث تغيراً جذرياً في مراقبة الكائنات البحرية وبيئتها، على عمق يصل إلى كيلومترين، في سابقة هي الأولى من نوعها.
وتندرج أهمية مراقبة تلك الكائنات وبيئاتها من اهتمام البشرية منذ القدم باستخراج الأحياء البحرية لاستخدامها في الغذاء والكساء والمأوى، بل وحتى في علاج الأمراض المستعصية وتحسين الوضع الصحي لسكان العالم.
في مختبرات «كاوست» صُممت الرقاقة البحرية المطورة هذه المرة بواسطة مادة قائمة على البوليمر، تتميّز بالمرونة وخفّة الوزن، وتحتوي على إلكترونيات مدمجة تستطيع تعقب حركة الحيوان البحري وأسلوب غوصه، وكذلك سلامة البيئة البحرية المحيطة به. و«البوليمر» مادة مصنوعة من سلاسل طويلة ومتكرّرة من الجزيئات، بعضها لديه القدرة على الانثناء والتمدد، وبعضها الآخر يتمتع بالصلابة والقوة.
ولهذه النسخة الأحدث والأكثر متانة من المستشعرات قدرة على العمل على أعماق غير مسبوقة، ويمكن إلحاقها بالكائن محلّ الدراسة باستخدام سوار أو غلاف لا يخترق جسده، دون الحاجة لأي من أنواع الغراء التي قد تؤذي جلدَ الكائن البحري المعروف بحساسيته.
ويوضح سُهَيْل شيخ، أحد باحثي الدكتوراه في فريق «كاوست» البحثي: «يستطيع أن هذا النظام العمل في أعماق تصل إلى كيلومترين، وهو ما لم يحققه أحدٌ من قبل».
كما جرى تعزيز حساسية أجهزة الرصد الإلكترونية في الرقاقة المحدثة بمعدل يصل إلى 15 ضعفاً، بحيث تُظهر البيانات المجمعة عُمق الكائن الذي يضع اللاصقة، ودرجة حرارة وملوحة المياه الموجود بها.
ويخطط الباحثون لإجراء مزيد من التطوير على الرقاقة، يتيح قدرات استشعار بيئية إضافية، مثل قياس مستويات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون، والتتبع الدقيق للموقع الجغرافي. ويشير شيخ إلى أن تعزيز الرقاقة بنظام قوي يتحمل العمل في أعماق أكبر، كان تحدّياً حقيقياً للباحثين الذين تمكّنوا كذلك من تصغير حجم اللاصقة إلى نصف حجم النُسَخ السابقة.
وأُجريت اختبارات بلصق الرقاقة على أسماك مختلفة شملت القاروس، والمرجان، والسمك الذهبي الصغير، ظهر من خلالها تحسنٌ في أداء النسخة الجديدة ومرونتها وقدرتها على التحمل. كما أظهرت الاختبارات المعملية سلامة الرقاقة، رغم غمرها شهراً كاملاً في مياه البحر الأحمر عالية الملوحة، وبعد 10 آلاف دورة انحناء قصوى.
يُذكر أن نسخاً أوّلية من الرقاقة كانت قد أثبتت جدواها عندما لُصقت على سرطان البحر السابح Portunus pelagicus.
من جانبه، يقول البروفسور محمد مصطفى حسين، أستاذ الهندسة الكهربائية الذي طوَّرت مجموعته البحثية نظام الرقاقة اللاصقة بالتعاون مع مجموعة أستاذ علوم البحار، البروفسور كارلوس دوارتي، وكلاهما في كاوست: «تُمثّل الرقاقة البحرية ابتكاراً فريداً وغير مسبوق في التكنولوجيا القابلة للارتداء الخاصة بالحيوانات البحرية».
ويضيف حسين أن الرقاقة البحرية تتفوق في أدائها على كل البدائل الموجودة، مؤكداً استمرار العمل على تطويرها لتحسين قدراتها على الاستشعار، والأداء الكلّي، والاعتماد عليها في سياق تكلفة مقبولة.
لاصقة إلكترونية ترصد حركة الكائنات البحرية على عمق كيلومترين
علماء «كاوست» يطورون نسخاً متقدمة منها
لاصقة إلكترونية ترصد حركة الكائنات البحرية على عمق كيلومترين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة