تحليل إقتصادي: النفط في الاتفاق الأميركي ـ الصيني

TT

تحليل إقتصادي: النفط في الاتفاق الأميركي ـ الصيني

تتأثر أسواق النفط بعوامل عدة في آن واحد، بعضها ذو تأثير مباشر وقصير المدى، مثل حادث صناعي أو جيوستراتيجي قد يؤدي إلى زيادة الأسعار لفترة قصيرة. هذا الحدث يختلف عن اكتشاف مهم كإنتاج النفط الصخري الذي تنتج عنه تغييرات مهمة وطويلة المدى في الأسواق. وهناك، كمثال على ذلك في الأسابيع الماضية، اتفاق المرحلة الأولى للاتفاقية التجارية الأميركية - الصينية التي تم التوقيع عليها في واشنطن في 15 يناير (كانون الثاني) الجاري. يُتوقع أن تترك هذه الاتفاقية بصماتها على أسواق النفط الدولية لسنوات عدة مقبلة كما تنص عليه بنودها وكما تدل على ذلك الاتفاقية الأميركية - الصينية، نظراً إلى أهميتها في ضمان حصة كبيرة للسلع الأميركية في السوق الصينية.
تتعهد الصين، حسب الاتفاقية، باستيراد حصة مهمة من صادرات الطاقة الأميركية لاستهلاكها في السوق الصينية، ثاني أكبر سوق استهلاكية للطاقة في العالم، ولهذه العلاقة الاقتصادية ما بين الدولتين الكبيرتين انعكاسات مهمة على العلاقات السياسية المستقبلية بينهما.
تجدر الإشارة هنا إلى أن معدل إنتاج الولايات المتحدة في عام 2019 سجل نحو 12.3 مليون برميل يومياً (من النفط التقليدي والصخري)، ومن المتوقع أن يزداد الإنتاج بنحو مليون برميل يومياً في عام 2020 (معظمه من النفط الصخري)، الذي بدأ تصديره خلال النصف الثاني من هذا العقد.
ينص اتفاق المرحلة الأولى للاتفاقية التجارية الأميركية - الصينية، بأن تتعهد الصين بزيادة مشترياتها من الولايات المتحدة بما قيمته 200 مليار دولار عن قيمة ما استوردته من سلع صناعية وزراعية وطاقة وخدمات من الولايات المتحدة في عام 2017، وألا يقل ثمن منتجات الطاقة التي ستستوردها الصين من الولايات المتحدة في عام 2020 عن 18.50 مليار دولار. كما لا تقل قيمة استيرادات الطاقة في عام 2021 عن 33,9 مليار دولار. وستشمل صادرات الطاقة الأميركية للصين كلاً من الغاز المسال والنفط الخام والمنتجات البترولية.
وينص الاتفاق على استمرار زيادة الاستيراد السنوي الصيني للسلع الأميركية، ومنها الطاقة، خلال الفترة من 2023 إلى 2025، الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة قد ضمنت من خلال مفاوضات المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية، سوقاً جديدة لمنتجاتها من الطاقة في الصين، هذه السوق التي تسجل سنوياً أرقاماً قياسية في الطلب على النفط.
تعد الصين أكبر دولة مستوردة للنفط في العالم. وقد استوردت فعلاً في عام 2019 أكثر من 10 ملايين برميل يومياً. وتعتمد الصين في معظم استيرادها للنفط على الشحن البحري بالناقلات الضخمة جداً، باستثناء ما تستورده من حقول شرق سيبيريا الروسية بأنابيب ضخمة الحجم وطويلة المدى.
يُتوقع أن يزداد الطلب الصيني على النفط إلى نحو 400 ألف برميل يومياً خلال عام 2020، وهذا هو ما ستحاول الولايات المتحدة تغطيته بصادراتها المستقبلية للصين. وبما إن الصادرات النفطية الأميركية هي من نوعية النفط الخفيف الذي يتميز به النفط الصخري، وبما أن واردات الصين الحالية من النفط الخفيف مصدرها إما نفوط غرب أفريقيا (أنغولا ونيجيريا) وإما نفوط بحر الشمال (بريطانيا والنرويج)، فمن ثم يتوقع أن تحاول الصين، بهذه الحالة، وضع سقف للنفوط المستوردة من هذه المناطق المنتجة للنفط الخفيف لتغطية زيادة الطلب المحلي من النفط الخفيف، الأمر سيؤثر بدوره على أسواق وأسعار النفط الخفيف عالمياً.
* ما الذي حققته الولايات المتحدة من هذا الاتفاق؟
استطاعت الولايات المتحدة تأمين حصة وافية من سوق الطاقة الصينية المستقبلية، التي تتوسع سنوياً بنسب عالية، بسبب النمو القياسي للاقتصاد الصيني خلال السنوات الأخيرة. ومن ثم، ضمنت الولايات المتحدة سوقاً ضخمة مهمة لصادراتها حديثة العهد من النفط الصخري.
من الملاحظ أيضاً أن الأمر لا ينحصر فقط على تجارة النفط الخام، إذ إن تجارة الطاقة ما بين البلدين تشمل أيضاً الغاز المسال. ومن المعروف أن المعادلة السعرية لبيع الغاز المسال الأميركي تنافس معادلات مبيعات الغاز المسال التقليدية. وأن هذا الأمر لا يزال موضوع تفاوض ما بين مصدّري ومستوردي الغاز المسال.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد لاغارد تتحدث إلى الصحافيين عقب اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت (رويترز)

لاغارد للقادة الأوروبيين: اشتروا المنتجات الأميركية لتجنب حرب تجارية مع ترمب

حثَّت رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد القادة في أوروبا على التعاون مع ترمب بشأن التعريفات الجمركية وشراء المزيد من المنتجات المصنوعة في أميركا.

«الشرق الأوسط» (فرانكفورت)
الاقتصاد مشاة في حي تجاري بمدينة شينزين الصينية (رويترز)

بكين تُحذر واشنطن من حرب تعريفات «مدمِّرة للطرفين»

حذرت بكين ترمب من أن تعهده بفرض تعريفات إضافية على السلع الصينية قد يجر أكبر اقتصادين في العالم إلى حرب تعريفات مدمِّرة للطرفين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد جناح «فوكسكون» في مؤتمر الذكاء العالمي في تيانجين بالصين (رويترز)

«فوكسكون» التايوانية تتحدى رسوم ترمب... تأثير محدود بفضل الانتشار العالمي

قالت شركة «فوكسكون» التايوانية إنها تتوقع أن يكون تأثير الرسوم الجمركية الجديدة التي يُخطط لها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أقل حدة من منافسيها.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
جيمسون غرير يحضر منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في تشيلي 17 مايو 2019 (رويترز)

ترمب يختار جيمسون غرير لمنصب ممثل التجارة للولايات المتحدة

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الثلاثاء، جيمسون غرير، المحامي والمسؤول السابق في ولايته الأولى، ليشغل منصب كبير مفاوضي التجارة في إدارته المقبلة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«إتش إس بي سي» ينسحب من أعمال بطاقات الائتمان في الصين

مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
TT

«إتش إس بي سي» ينسحب من أعمال بطاقات الائتمان في الصين

مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
مقر بنك «إتش إس بي سي» في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)

قالت مصادر مطلعة لـ«رويترز» إن بنك «إتش إس بي سي» سينسحب من أعمال بطاقات الائتمان في الصين بعد 8 سنوات من إطلاقها؛ حيث كافح البنك للتوسع وجعل المشروع مربحاً في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وقالت 3 مصادر مطلعة مباشرة على الأمر إن البنك الذي يركز على آسيا، توقّف عن إصدار بطاقات جديدة، ويعمل على تقليص الخدمة المقدمة لجزء كبير من العملاء الصينيين. وقال اثنان منهم إن الإغلاق المخطط له يأتي بعد محاولات فاشلة لبيع الأعمال.

وقالت المصادر إن البنك الذي لا يزال في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على الخطط، قد يستمر في خدمة بطاقات الائتمان لشريحة صغيرة من العملاء «المميزين». وقال أحد المصادر إن عملاء بطاقات الائتمان «المستقلين» لدى البنك، أولئك الذين لا يستخدمون خدمات «إتش إس بي سي» المصرفية في الصين، لن يتمكنوا من تجديد بطاقاتهم عند انتهاء صلاحيتها، مضيفاً أن هؤلاء العملاء يشكلون جزءاً كبيراً من الأعمال في البلاد.

ويؤكد قرار الانسحاب، الذي لم يتم الإبلاغ عنه سابقاً، على التحديات التي يواجهها البنك في توسيع نطاق وجوده في الصين كجزء من تعهده بالتحول إلى آسيا وتعميق وجوده في الاقتصادات الإقليمية الرئيسية.

ورفضت المصادر الكشف عن هُويتها لأنها غير مخوّلة بالتحدث إلى وسائل الإعلام. وقال متحدث باسم الشركة لـ«رويترز»، دون الخوض في التفاصيل: «كجزء من خدماتنا المصرفية الخاصة المتميزة والعالمية في البر الرئيسي للصين، نواصل تقديم خدمات بطاقات الائتمان التي تركز على السفر الدولي وميزات نمط الحياة».

وتمثل هذه الخطوة تراجعاً عن طموح البنك في تنمية أعمال بطاقات الائتمان في الصين بسرعة بعد إطلاقها في أواخر عام 2016 كجزء من محوره الآسيوي وتوسيع خدماته المصرفية للأفراد وإدارة الثروات في الصين.

وتُظهر بيانات من إصدارات البنك أن «إتش إس بي سي»، الذي يقع مقره الرئيسي في لندن، والذي يحقق الجزء الأكبر من إيراداته في آسيا، كان لديه نحو مليون مستخدم لبطاقات الائتمان الخاصة به في الصين بحلول سبتمبر (أيلول) 2019.

وقال أحد المصادر إنه في غضون 18 شهراً من إطلاق الخدمة، شهد بنك «إتش إس بي سي» وصول الأعمال إلى 500 مليون دولار من الرصيد المستحق، قبل أن يتوقف النمو وتنخفض المعاملات بسبب عمليات الإغلاق الصارمة الناجمة عن كوفيد في الصين... ومنذ ذلك الحين، شدد المستهلكون الصينيون الإنفاق في ظل تباطؤ الاقتصاد، مما أدى إلى انكماش سوق بطاقات الائتمان بشكل أكبر.

ووفقاً لبيانات من «إنسايت آند إنفو كونسالتينغ»، نما إجمالي إصدار البطاقات في 6 سنوات متتالية ليصل إلى ذروة بلغت 800 مليون بطاقة في عام 2021، وانخفض إلى 767 مليون بطاقة بحلول عام 2023.

وقالت مصادر إن «إتش إس بي سي» واجه أيضاً منافسة شديدة وقيوداً تنظيمية في أعمال بطاقات الائتمان في الصين لم يواجهها من قبل في أسواق أخرى، مثل القواعد المتعلقة بتسعير أسعار الفائدة وكيفية تعامل البنوك مع التخلف عن السداد. وأضافوا أن هذه القيود، إلى جانب ارتفاع تكلفة اكتساب العملاء والاحتيال، قوضت آفاق الأعمال.

وبصرف النظر عن نظرائها المصرفيين الصينيين، تواجه البنوك الأجنبية مثل «إتش إس بي سي» أيضاً تحديات من المنصات الرقمية الصينية التي توسعت بسرعة لتقديم خدمات القروض الاستهلاكية بتكاليف أقل بشكل حاد. ولا تقدم سوى حفنة من البنوك الأجنبية خدمات بطاقات الائتمان في الصين، بما في ذلك «ستاندرد تشارترد» وبنك شرق آسيا.

كما يراجع بنك «إتش إس بي سي» النفقات والضوابط التشغيلية في أعمال الثروة الرقمية الصينية، في خطوة قد تؤدي إلى تسريح العمال، حسبما ذكرت «رويترز»، الشهر الماضي.

وتُعد منطقة الصين الكبرى، التي تضم هونغ كونغ وتايوان، أكبر مصدر للدخل للمجموعة، لكن الصين هي السوق الوحيدة عالمياً التي لم تحقق فيها أعمال الثروة والخدمات المصرفية الشخصية في «إتش إس بي سي» أرباحاً بعد. وفي النصف الأول من عام 2024، أعلنت الوحدة عن خسارة قدرها 46 مليون دولار مقارنة بـ90 مليون دولار في الفترة المقابلة من العام الماضي.