يمنيون: حتى فتات الأموال لم يعد يستخدم في صنعاء تحت بطش الحوثيين

تهديدات للتجار والمصارف بالعقوبة وسحب التراخيص

يمنيون بإحدى أسواق صنعاء (إ.ب.أ)
يمنيون بإحدى أسواق صنعاء (إ.ب.أ)
TT

يمنيون: حتى فتات الأموال لم يعد يستخدم في صنعاء تحت بطش الحوثيين

يمنيون بإحدى أسواق صنعاء (إ.ب.أ)
يمنيون بإحدى أسواق صنعاء (إ.ب.أ)

لم تترك أم أحمد الوصابي (35 عاماً) أي متجر أو صيدلية قريبة من منزلها في حي الصافية بالعاصمة صنعاء للحصول على علبة من حليب الأطفال لرضيعها الذي لم يتجاوز الثانية من عمره، لكنها عادت منكسرة القلب بعدما طافت المدينة بدموعها بسبب رفض الباعة قبول المبلغ المالي الذي تحمله من الفئات النقدية.
أم أحمد وغيرها من اليمنيين أصبحوا ضحايا قرار الميليشيات الحوثية منع تداول فئات العملة اليمنية المطبوعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة من قبل الحكومة اليمنية الشرعية في عدن، ورفض الجماعة التراجع عنه بعد شهر من اتخاذه رغم تحذيرات اقتصاديين بكارثيته إنسانياً وتسببه في حرمان عشرات آلاف الموظفين من الحصول على رواتبهم، ومفاقمة شح السيولة النقدية. يقول سكان في صنعاء وخبراء اقتصاديون إن فتات الأموال أو تلك المبالغ البسيطة التي وردت إلى بعض الأسر بعد دفع مرتبات التقاعد لم تعد لها طريقة للاستخدام بعد الحظر الحوثي.
واتخذت الجماعة القرار قبل نحو شهر، ضمن سعيها لمحاربة الحكومة الشرعية بسحب الفئات النقدية المطبوعة حديثاً عبر البنك المركزي في عدن، ومنحت مهلة شهراً للسكان من أجل تسليم ما بحوزتهم من أموال، ووعدت بأنها ستقوم بتعويضهم ضمن سقف محدد إما بمبالغ نقدية من الفئات القديمة المتهالكة، وإما عبر ما تسميه «الريال الإلكتروني».
وزعمت قيادات انقلابية (الأحد) عبر فرع البنك المركزي في صنعاء الخاضع لها أن قرار منع تداول العملة لقي تفاعلاً كبيراً، وأن السكان استجابوا للقرار بعدم التعامل مع العملة التي تصفها بـ«غير القانونية»، وأنهم بادروا طوعاً إلى تسليم ما بحوزتهم منها، وتسلم مقابلها فئات من العملة التالفة القديمة. وخصصت الجماعة منذ إعلان قرارها الكارثي نقاطاً عدة في صنعاء وغيرها من المناطق لسحب العملة الجديدة، في حين نشأت سوق سوداء موازية يشرف عليها قادة حوثيون؛ بحسب مصرفيين في صنعاء، للاستيلاء على المبالغ الموجودة في أيدي المواطنين مقابل منحهم من فئات العملة القديمة، وبنقص يصل إلى حدود 20 في المائة.
وتوعدت الجماعة في بيان لفرع البنك المركزي في صنعاء ببدء شن حملات لمصادرة أي مبالغ من العملة الجديدة بعد أن انقضت المدة المحددة وهي شهر لتسليمها طوعاً من قبل المواطنين.
وفي حين زعم البيان أن القطاع التجاري في مناطق سيطرة الجماعة التزم بالقرار، شدد على أهمية الاستمرار في رفض تداول العملة الجديدة من قبلهم وإلا فستطال متداوليها عقوبات الجماعة.
وهددت الجماعة القطاع المصرفي وبنوك وشركات ومنشآت الصرافة بأن أي تداول للعملة المطبوعة حديثاً سيكلفهم سحب التراخيص والإحالة للمحاكمة، زاعمة أن هذه الإجراءات التعسفية هدفها «حماية الاقتصاد الوطني ومنع التضخم».
وفي الوقت الذي تحاول فيه الجماعة أن تفرض التعامل بما أطلقت عليه «الريال الإلكتروني» للتغلب على مشكلة شح السيولة النقدية كما تزعم، رفض أغلب التجار والسكان في مناطق سيطرتها التعامل به خوفاً على أموالهم من الضياع، خصوصاً في ظل عدم وجود أي سند قانوني يدعم هذا التدبير الانقلابي.
اقتصاديون يمنيون بينوا كارثية القرار الحوثي على المستويات الإنسانية والاقتصادية والسياسية، خصوصاً في ظل تسببه في حرمان عشرات آلاف الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة من رواتبهم التي كانت تدفعها الحكومة الشرعية إلى ما قبل صدور القرار الحوثي وإحجام المصارف والبنوك عن تحويل الأموال من الفئات الجديدة من المناطق المحررة إلى مناطق سيطرة الانقلاب. وأكد «فريق الإصلاحات الاقتصادية» في اليمن (مبادرة طوعية تتألف من نخبة من القطاع الخاص والخبراء الاقتصاديين) في بيان له أن القرار الحوثي يتسبب في تداعيات خطيرة «حيث سيؤدي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي وزيادة معاناة المواطنين اليمنيين ويكبد القطاع الخاص والاقتصاد اليمني خسائر فادحة».
معالجة هذه القرارات؛ بحسب الفريق الاقتصادي، «تأتي في إطار الحل السياسي الشامل الذي يفترض أن يتجه إليه اليمنيون بأقرب فرصة ممكنة»، داعياً إلى ضرورة العمل على حل عاجل لتفادي مزيد من الخسائر الأكثر تكلفة على المستويات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما قد يترتب عليها من الدخول نحو مراحل أكثر عمقاً من المجاعة وتفشي الأوبئة القاتلة والكوارث.
وطالب الفريق الحوثيين «بتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية في العدول عن القرار لما سيسببه من إعاقة للنشاط الاقتصادي ومضاعفة المعاناة لحركة تنقل البضائع والسلع والنقود بين المحافظات اليمنية في وقت يعيش فيه المجتمع اليمني أسوأ حالات الفقر والركود».
ومنذ قيام الحكومة الشرعية بنقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر (أيلول) 2016 وطباعة الفئات النقدية الجديدة من العملة لتوفير السيولة في الأسواق ودفع رواتب الموظفين، شنت الجماعة مئات الحملات لنهب المليارات منها ومنع دخولها إلى مناطق سيطرتها.
وتضطلع الحكومة الشرعية منذ بدأت في ترتيب تدابيرها الاقتصادية بصرف رواتب جميع موظفي الدولة في مناطق سيطرتها إضافة إلى صرف رواتب المتقاعدين في مختلف مناطق البلاد، فضلاً عن دفع الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين للقضاة وأعضاء النيابة وموظفي القطاع الصحي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى جانب دفع نصف رواتب أساتذة الجامعات، وكذا دفع رواتب الموظفين في الحديدة وبعض مديريات محافظة حجة.
ويعتقد اقتصاديون يمنيون أن قرار الجماعة الحوثية منع الفئات النقدية المطبوعة في عدن من التداول هدفه في الأساس حرمان عشرات الآلاف من رواتبهم في مناطق سيطرتها والإبقاء على أزمة السيولة النقدية التي تسببت فيها لإجبار السكان على التعامل بعملتها الوهمية التي أطلقت عليها «الريال الإلكتروني».
ويقول مصرفيون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن الجماعة الحوثية، اتخذت هذا القرار بعد أن أصبحت الفئات النقدية المطبوعة من قبل الحكومة الشرعية بالمليارات في الأسواق، نظراً لتهالك الفئات القديمة وشح السيولة منها، وهو ما يعني أنها فقط تهدف للاستيلاء على هذه الأموال، ومنح المواطنين أموالاً وهمية تسميها «الريال الإلكتروني».
وأوضح المصرفيون أنه يفترض أن يحدث العكس، «حيث يتم سحب الأموال التالفة من الأسواق ومن التجار، بالتفاهم مع الحكومة الشرعية لطباعة فئات بديلة لها وفق القانون، لا سحب الأموال الجديدة، وإغراق السوق بالفئات النقدية التالفة».
ويرجح المصرفيون أن الجماعة الحوثية وعبر وكلائها والتجار التابعين لها يحصلون على الفئات الجديدة، سواء بمصادرتها من التجار أو المصارف أو المواطنين أو سحبها مقابل «الريال الإلكتروني» الوهمي، ثم يقومون بشراء البضائع العينية من مناطق سيطرة الشرعية بهذه الأموال أو شراء العملات الأجنبية.
كما يعتقد أن سبب ارتفاع صرف قيمة الدولار في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية عن مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يعود لإقبال الجماعة والشركات التابعة لها على شراء العملة الصعبة مقابل الفئات الحديثة من العملة المحلية المطبوعة عبر الحكومة الشرعية.
وكان البنك المركزي اليمني في عدن أصدر تحذيرات شدد فيها على عدم الانصياع لقرار الميليشيات، وقال إن «عدم قبول العملة الوطنية المصدرة من الجهات الرسمية والمخولة دستورياً وقانونياً، يعد مخالفة يعاقب عليها القانون».
وطلب البنك من «كافة البنوك الالتزام بالقوانين النافذة والتعليمات الصادرة عن البنك المركزي، بشأن القواعد التنظيمية لتقديم خدمات النقود الإلكترونية التي تلزم البنوك الترخيص المسبق لإصدار نقود إلكترونية».
في السياق نفسه؛ أكدت الحكومة اليمنية أن «وسائل الدفع الإلكترونية غير القانونية التي أعلنت عنها الميليشيات الحوثية كوسيلة نهب لأموال المواطنين، لا يمكن بموجبها استعادة الأموال المنهوبة بأي شكل من أشكال العملات النقدية المحلية أو الأجنبية، وهو ما يخالف ضوابط وأساسيات الإصدار النقدي الإلكتروني المعروف عالمياً».
وقال رئيس الحكومة معين عبد الملك في تصريحات رسمية سابقة إن «استمرار السياسات التدميرية للجماعة الحوثية لضرب الاقتصاد الوطني وتهديد الأمن القومي والمعيشي للشعب اليمني، وآخرها منع تداول العملة الجديدة الصادرة عن الحكومة الشرعية، يضع المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام محك حقيقي لوضع حد للتلاعب والمتاجرة بحياة المواطنين وتعميق الكارثة الإنسانية التي تسببت بها».
وأوضح عبد الملك أن «اتخاذ ميليشيات الحوثي الانقلابية هذه الخطوة في ظل مساعي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط عليها لتنفيذ الشق الاقتصادي الخاص باتفاق استوكهولم، لتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن ودفع مرتبات موظفي الدولة، يعكس استهتارها بحياة اليمنيين ومعيشتهم».
وشدد رئيس الوزراء اليمني على الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، مارتن غريفيث، والمجتمع الدولي، للضغط على الجماعة، للكفّ فوراً عمّا وصفها بـ«سياسات الإفقار والتجويع التي تنتهجها لتحقيق مكاسب سياسية على حساب معيشة وحياة المواطنين».


مقالات ذات صلة

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

الخليج منظر عام للعاصمة اليمنية المؤقتة عدن (رويترز)

الحكومة اليمنية ترحب ببيان السعودية إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة

رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان الصادر، الخميس، عن وزارة الخارجية السعودية، وما تضمّنه من موقف إزاء التطورات الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الخليج السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

السعودية تحث «الانتقالي» اليمني على الانسحاب من حضرموت والمهرة «بشكل عاجل»

شددت الخارجية على أن «الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه»، معربة عن أمل المملكة في تغليب المصلحة العامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
TT

العليمي يطلب تدخل تحالف دعم الشرعية عسكرياً لحماية حضرموت

العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)
العليمي مجتمعاً في الرياض مع مجلس الدفاع الوطني (سبأ)

توالت التطورات الميدانية والسياسية في المحافظات الشرقية من اليمن، على وقع التصعيد العسكري الذي ينفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، ما دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى طلب تحالف دعم الشرعية في اليمن للتدخل عسكرياً لحماية حضرموت.

وتقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الانتقالي الداعي للانفصال عن شمال اليمن يستغل الظروف الناجمة عن وساطة التهدئة السعودية - الإماراتية للتوسع عسكرياً، على الرغم من أن الوساطة مستمرة، وهدفها إنهاء الصراع سلماً من خلال انسحاب قوات المجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وعودتها إلى معسكراتها خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطة المحلية.

وفي هذا السياق، صرّح مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رشاد العليمي، أُطلع، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وأعضاء مجلس الدفاع الوطني، على مجمل الأوضاع في محافظة حضرموت، بما في ذلك العمليات العسكرية التي وصفها بـ«العدائية» التي نفذها المجلس الانتقالي خلال الساعات الأخيرة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

العليمي طلب تدخلاً عسكرياً من تحالف دعم الشرعية لحماية حضرموت (سبأ)

واعتبر المصدر أن هذا التصعيد، المستمر منذ مطلع الشهر الحالي، يمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، فضلاً عن كونه تقويضاً مباشراً لجهود الوساطة التي تقودها السعودية والإمارات، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، بهدف خفض التصعيد وانسحاب قوات المجلس الانتقالي من محافظتي حضرموت والمهرة.

وبناءً على هذه التطورات، تقدم العليمي - وفق المصدر الحكومي - بطلب رسمي إلى قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، لاتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين في محافظة حضرموت، ومساندة القوات المسلحة اليمنية في فرض التهدئة، وحماية جهود الوساطة السعودية - الإماراتية، مجدداً دعوته لقيادة المجلس الانتقالي إلى تغليب المصلحة العامة ووحدة الصف، والامتناع عن مزيد من التصعيد غير المبرر.

المجلس الانتقالي الجنوبي اتخذ إجراءات عسكرية أحادية في حضرموت والمهرة (إ.ب.أ)

وفي السياق ذاته، قالت المصادر الرسمية اليمنية إن العليمي رأس اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني، بحضور 3 من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ورئيس الحكومة، وقيادات عسكرية وأمنية، إلى جانب محافظ حضرموت، لمناقشة تداعيات الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن الوطني والإقليمي.

واطلع الاجتماع - بحسب الإعلام الرسمي - على تقارير ميدانية بشأن الانتهاكات التي طالت المدنيين في حضرموت والمهرة، وصولاً إلى الهجمات الأخيرة في وادي نحب، التي عدّها المجلس «مخالفة صريحة» لجهود التهدئة، وتمرداً على مؤسسات الدولة الشرعية.

وأكّد مجلس الدفاع الوطني دعمه الكامل للوساطة التي تقودها السعودية، مشدداً على ضرورة عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.

تحذير من العواقب

على وقع هذه التطورات، كانت السعودية أعادت رسم خطوط التهدئة شرق اليمن، عبر بيان واضح صادر عن وزارة الخارجية، شدّد على رفض التحركات العسكرية الأحادية، والمطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة.

وأكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الموقف تُرجم ميدانياً بتوجيه ضربة جوية تحذيرية في حضرموت، حملت رسالة مباشرة بعدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة.

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت في إطار الردع الوقائي، محذرة من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أكثر صرامة، في مؤشر على انتقال الرياض من سياسة الاحتواء السياسي إلى ضبط ميداني حاسم لحماية الاستقرار.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي بياناً حاول فيه تبرير تحركاته، معتبراً أنها جاءت استجابة لـ«دعوات شعبية»، ومعلناً انفتاحه على التنسيق مع السعودية، رغم وصفه الضربة الجوية بأنها «مستغربة».

ويرى مراقبون أن أي تنسيق محتمل لن يكون مقبولاً إقليمياً ما لم يبدأ بإنهاء التصعيد، وخروج القوات، وتسليم المعسكرات، والعودة إلى طاولة الحوار، دون فرض الأمر الواقع بالقوة.

منطق الوهم

يحذر سياسيون يمنيون من أن تعنت المجلس الانتقالي وإصراره على عسكرة حضرموت، رغم الجهود الصادقة التي تبذلها السعودية والإمارات، يلحق ضرراً فادحاً بالقضية الجنوبية العادلة نفسها، عبر اختزالها في المدرعات والنقاط العسكرية، بدل تحويلها إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

ويستدعي هذا السلوك مقارنات إقليمية مؤلمة، أبرزها تجربة حميدتي وميليشيات الجنجويد في السودان، التي اعتمدت السلاح والإرهاب لتنفيذ أجندات خارجية، وكانت النتيجة خراب المدن وانهيار الدولة. كما يستحضر نموذج جنوب السودان، الذي وُلد من رحم الصراع المسلح، لينتهي إلى دولة منهارة وصراعات داخلية مفتوحة.

رغم إقرار اليمنيين بعدالة القضية الجنوبية فإن المجلس الانتقالي يحاول أن يستغلها للتصعيد شرقاً (أ.ب)

ويؤكد خبراء أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالدول والمؤسسات، لا بالميليشيات، وأن تجربة «أرض الصومال» مثال واضح على عزلة المشاريع التي تُفرض بالقوة، مهما طال أمدها. كما أن فشل محاولات انفصال كتالونيا عن إسبانيا يبرهن أن العالم لا يشرعن الانفصال الأحادي خارج الدولة والدستور.

ويجمع محللون على أن حضرموت أكبر من أن تكون غنيمة لميليشيا مناطقية (إشارة إلى هيمنة مناطق بعينها على قرار المجلس الانتقالي)، وأعمق من أن تُدار بالعنف والسلاح، وأن أي محاولة لجرّها إلى الفوضى تمثل جريمة بحق مكاسب الجنوب وفرصه السياسية.

ويرى مراقبون أن عسكرة حضرموت خطوة غير عقلانية، تعكس إصراراً على فرض الأمر الواقع بأدوات الترهيب ذاتها، التي يدّعي المجلس الانتقالي محاربتها، في تحدٍّ صريح لرغبات المجتمع الدولي الداعية إلى ضبط النفس، والحفاظ على استقرار الجنوب واليمن عموماً.

وكان البيان السعودي شدّد على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تكون عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة، بما يحفظ وحدة اليمن ومركزه القانوني، ويمنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.


تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.