«حريم النار»... مسرحية ضد سطوة المجتمعات على حياة النساء

نص إسباني برؤية مصرية عن «الصعيد»

جانب من العرض المسرحي حريم النار
جانب من العرض المسرحي حريم النار
TT

«حريم النار»... مسرحية ضد سطوة المجتمعات على حياة النساء

جانب من العرض المسرحي حريم النار
جانب من العرض المسرحي حريم النار

مباراة مسرحية بين بطلات عرض «حريم النار»، المأخوذ عن نص الشاعر الإسباني فيديركو غارسيا لوركا «بيت برنارد ألبا»، الذي قدّمه فنانون مصريون بطابع مصري خالص يستلهم تراث وتقاليد جنوب الصعيد، وأعرافه الصارمة تجاه النساء.
وتدور أحداث العرض الذي انتهى موسم عرضه الأول على خشبة مسرح الطليعة في القاهرة، أخيراً، حول بيت «فتحية شلجم» وبناتها الخمس. ونعرف من المشهد الأول أنّها في حالة حداد بعد وفاة زوجها، حاكمة على بناتها بالسجن داخل جدران البيت، ويظهر ذلك عبر حوارات وصراعات الفتيات ورغباتهن المكبوتة في الحب.
المسرحية تعتمد على الحبكة الدرامية بمفهومها التقليدي، لكنّها تخلق جواً عاماً يأخذ معه الجمهور للنجع البعيد في أقاصي الصعيد، بل في قلب منزل فتحية شلجم وبناتها، بداية من الديكور الذي يمزج ألوان البيئة الصعيدية مع جذوع النخيل وأضواء مصابيح الجاز الخافتة، فالسينوغرافيا هنا توظف العناصر كافة بشكل جيد، وأسبغت الدلالة المطلوبة على الحوار والصمت لتؤطر إحساس الممثلين وتراكيب الشخصيات في حوارها مع الآخرين، أو في المونولوج الذاتي الذي يكشف لنا خبايا ونقاط ضعف هذه الشخصيات، ويفسر الدوافع التي جعلتها تسلك هذا النحو.
كل شخصية من «حريم النار» تسعى للتحرر من قيود المجتمع، والهروب من الإحساس بالإحباط والعجز والقهر، وضياع الأحلام، وانكسار الإرادة البشرية التي تخالف الفطرة الطبيعية للبشر، إذ تتعلق الفتيات بـ«أحمد علي» الذي يمثل لهن الفارس المخلص. ويتجسد هذا في حوار قوت القلوب عن حبيها: «أعشقه عشق الفراشات للنور».
ولعبت دور فتحية شلجم الفنانة القديرة عايدة فهمي التي جسدت قوة المرأة الصعيدية ببراعة، واستطاعت عبر مونولوج فتحية مع ذاتها أن ترسم البسمة وتنزل الدموع في حالة من الشجن بأدائها المسرحي اللافت. في «حريم النار» العلاقة بين فتحية وبناتها تدور في سياق من الصراع الدائم، إذ تتشابك خطوط الصراع الدرامي بين الصراعات النفسية (الغيرة بين الفتيات) والمطامع الشخصية (ميراث الأب) وفظاظة الواقع (قهر المجتمع للمرأة) وتصورات كل شخصية عن ذاتها (أحلامها وطموحاتها)، إذ يستنطق العرض العواطف النسائية المختلطة بين الحب والأمومة والكراهية والغيرة والحقد والشهوة والنرجسية والشر والرغبة في تدمير الآخرين.
هنا، تحرك الشخصيات الأحداث بشكل مشوق عبر حوارها مع الذات، عاكسة قدراً كبيراً من المرارة التي يتركها المجتمع في نفوس النساء، وتجد فتيات «فتحية شلجم» الخلاص في البطل المجهول الذي ارتأى المخرج بوعي كبير أن يجعل المشاهدين في انتظار ظهوره في كل مشهد، فلا نراه على خشبة المسرح، لكنّ ظهوره يكون في تصرفات وسلوكيات وحوارات الشخصيات، ويظل هو بؤرة الصراع الخفية التي تحرك البناء الدرامي نحو الذروة.
ويستطيع أحمد علي أن يأسر فتيات المنزل «رسمية» و«روح محبات»، و«قوت القلوب» ليقعن في غرامه في أثناء خطبته الرسمية من الأخت الكبرى «رسمية»، الأقبح والأغنى، ويأتي ليلاً لكل منهن يناجيها عبر نافذة منزلها؛ تشي الخادمة بما يحدث وتنذر الأم بمصيبة ستحل في المنزل. فتستشيط الأم غضباً، وتحاول إخفاء انهيار قوتها وجبروتها في السيطرة على بناتها، وتتوعد بالانتقام وقتل أحمد علي، لكنّها في النهاية تقتل ابنتها «قوت القلوب»، وتجد نفسها مرة أخرى تعلن الحداد لسبعة أعوام. تموت الفتاة في رمزية لموت الحب، وانتصار العادات والتقاليد، واستمرار القهر الأنثوي، تارة من المجتمع الذكوري وتارة من النساء للنساء، متمثلاً في قسوة الأم وتسلطها خوفاً من المجتمع.
استطاع المخرج وبطلات العرض الحفاظ على عنصري التشويق والإثارة، فرغم أن الأحداث كلها تدور في إطار البيت الصعيدي، فإنّه نجح في تطويع تقنيات المونتاج والتصوير البطيء في عرض مسرحي حي.
كما برزت موهبة الفنانات منال ذكي، وعبير لطفي، ونشوى إسماعيل، ونسرين يوسف، وأميرة كامل، وكريستين عاطف، في إشراك الجمهور بالحوار، ومخاطبته بصورة مباشرة باعتباره «أهل النجع»، كما أعطت المؤثرات الضوئية والصوتية طابعاً سينمائياً مميزاً للعرض، فالمخرج قدم عرضاً معاصراً حيوياً يبهر الجمهور.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».