انطلاقة «أونلاين» تسيطر على سوق الإعلام والترفيه الأميركية في 2020

حجم سوق عملاق وتوقعات نمو ضخمة

سوق الألعاب الإلكترونية من المتوقع أن تنمو بنسبة 9 % في العام الجديد
سوق الألعاب الإلكترونية من المتوقع أن تنمو بنسبة 9 % في العام الجديد
TT

انطلاقة «أونلاين» تسيطر على سوق الإعلام والترفيه الأميركية في 2020

سوق الألعاب الإلكترونية من المتوقع أن تنمو بنسبة 9 % في العام الجديد
سوق الألعاب الإلكترونية من المتوقع أن تنمو بنسبة 9 % في العام الجديد

مع بداية عام 2020، ما زال التدفق قوياً في أسواق الإعلام والترفيه، وصارت وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي تحمل كل يوم أدوات وأشكالاً جديدة على منصات بثّ المحتوى بفئات متنوعة، وهي تنفق مليارات الدولارات في معارك تستهدف ضمان حصة سوقية في منافسة شرسة على سوق ضخمة للمستخدمين.
ويُعدّ التفاعل بين شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية الموضوع الرئيسي في زخم الجدال حول مستقبل الإعلام والترفيه في العام الجديد.
وترى ناتاشا لوماس الكاتبة المتخصصة في الإعلام في موقع «تيك كرانش» أن هناك تحولاً كبيراً حادثاً في وسائل الإعلام باختلاف منصاته، خصوصاً ما يتصل بمحتوى الفيديو الرقمي أو الألعاب الإلكترونية.
وفيما يخص مجال محتوى الأفلام والتلفزيون، فإن المعركة مستمرة للمنافسة مع منصة «نتفليكس» في العام الجديد بصورة أكبر مما كانت عليه في العام المنقضي (2019). ففي الولايات المتحدة أطلقت شركة «ديزني» شرارة بداية العام بشبكة «ديزني بلاس» التي صار لها 10 ملايين مشترك مع انطلاقها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ويتوقع البعض أن يصل عدد مشتركيها إلى 25 مليون مشترك بحلول مارس (آذار)، ومن بينهم المشتركون جزئياً لفترة مجانية، ومَن يحصلون على اشتراك هدية من خلال الشراكة مع شركة «فيريزون» لشبكات الهاتف الجوال.
ومن خلال ملكيتها لشبكتي «هولو» و«إي إس بي إن بلاس» فقد جعلت «ديزني بلاس» مؤسسة «ديزني» العملاقة ومعها «أمازون» و«نتفليكس» يمثلون الثلاثة الكبار في السوق الأميركية.
ومن جانبها، أطلقت شركة «إيه تي آند تي» في مايو (أيار) الماضي اشتراكا بنحو 15 دولارا أميركيا شهريا، ورغم أنه من غير المحتمل أن يجعلها ذلك ضمن الثلاثة الكبار، لكنها بالتأكيد جعلها تنافس على المركز الثاني.
وفي هذه المنافسة هناك خدمة «آبل تي بلاس» باشتراك بلغ 5 دولارات شهرياً، ولكن هذه الخدمة تتضمن عدداً قليلاً من المنتجات الإعلامية.
على أن أكثر التطورات الإعلامية في هذا القطاع لعام 2020 سيكون هو انطلاق خدمات منصة «كويبي» للفيديو عبر الهاتف الجوال، في أبريل (نيسان) من هذا العام، التي يبلغ اشتراكها نحو 5 دولارات شهرياً، وتقدّم عروضاً مهمة لمستخدمي الهاتف، كأول مشاهدين، بما يضمن الحصول على نحو مليار دولار، إلى جانب 150 مليون دولار من عائدات الإعلانات.
ومن المقرر أن تكون عروض «كويبي» مقتضبة في زمنها «أقل من 15 دقيقة»، وقد استثمرت الشركة مئات الملايين من الدولارات لاستقطاب الكثير من النجوم للتعاون معها وتقديم عروضها، مثل ستيفن سبيلبيرغ وجويليرمو ديل تورو، في الوقت الذي تقدم فيه شبكات «إن بي سي» و«سي بي إس» عروضاً جديدة معها.
وتخطط «كويبي» لتقديم 125 برنامج محتوى، بعضها في حلقات، بصورة أسبوعية، كما أنها تنفق 470 مليون دولار في التسويق هذا العام.
وفي هذه الأثناء، فما زالت عروض المباريات الرياضية على الهواء هو الأمل المتبقي لشبكات البث التلفزيونية التقليدية، حيث يظل المشاهدون يفضلون مشاهدة المباريات على الهواء، وهو ما دفع شبكات البث الرقمي إلى تقديم خدماتها على الهواء أيضاً، وتسعى إلى تأكيد تقدمها في هذا التنافس في عام 2020.
وتواصل «أمازون» و«يوتيوب» استكشاف مجالات الحقل الرياضي وحقوق بث المباريات، بينما تتراجع «فيسبوك» و«تويتر» في هذا المجال، لتصبح المنافسة بين خدمة «يوتيوب تي في» و«هولو لايف تي في»، لاجتذاب المزيد من المشتركين، بما يؤدي لإلغاء كثير من اشتراكات خدمة الكابل التلفزيونية في عام 2020، والاكتفاء بخدمات «الأونلاين».
ويرى الخبراء أن الفائزين الآن في قطاع الأفلام والتلفزيون كبرى الشركات المنتجة لهذا النوع من المحتوى، وتؤدي الحرب من أجل بسط السيادة في مجال بث الفيديو الرقمي إلى دفع عدد من أغنى شركات العالم في هذا المجال، وحتى بعض الأثرياء الأفراد، إلى تقديم عشرات المليارات من الدولارات في شراء المحتوى.
وتدخل في هذه المنافسة كبرى شركات التوزيع، ولا تدخل أي شركات لخوض غمار هذه المعركة إلا بتقديم بضعة مليارات، والاهتمام ينصب على ابتكار المحتوى وبرامج حية وعروض مشاهدة وليس على منصات برامج تصميم.
أما سوق الألعاب الإلكترونية؛ فمن المتوقع أن ينمو بنسبة 9 في المائة في العام الجديد، وأن يحقق 165 مليار دولار في 2020 بالمقارنة بـ152 ملياراً في 2019 على مستوى العالم، وفقاً لبحث أجرته مؤسسة «نيوزو».
ويصل حجم سوق مستخدمي الألعاب إلى 2.5 مليار مستخدم كل عام، وانتشرت الألعاب على نطاق واسع على مستوى ديموغرافي كبير، ويمثل مستخدمو الألعاب بصورة عارضة على الجوال أكبر شريحة من المستخدمين، ويحققون نسبة 45 في المائة من الصناعة.
ويتواصل النمو في حجم استخدام الألعاب على أجهزة الكومبيوتر المكتبية، حيث مثلت أكثر من 4 في المائة من السوق، العام الماضي، لكن أسرع شريحة للنمو في هذا المجال كانت على أجهزة «كونسول» للألعاب، حيث حققت نمواً بنسبة 13 في المائة في العام الماضي.
وكان أكثر مجال في قطاع الألعاب في العام الماضي هو اللعب المتفاعل عبر منصات مختلفة، مع التركيز على التشابك الافتراضي والتوسع في حجم اشتراكات الألعاب الافتراضية.
وجذبت لعبة «فورتنايت» كثيراً من المستخدمين من خلال مميزات اللعب عبر عدة منصات، حيث تسمح للاعبين بالانتقال بين الكومبيوتر المكتبي، والجوال، و«كونسول»، بما يحمل توقعات بمزيد من التوسع في العام الجديد.
كذلك كانت لعبة «كول أوف ديوتي فرانشيايز» التي انتقلت إلى الجوال وسجلت رقماً قياسياً في حجم تنزيل اللعبة، وهو 100 مليون مرة في الأسبوع الأول من انطلاقها، ومن المتوقع استمرار هذا التوجه الذي يحمل معه نموذج «حرية اللعب».
ويرى الخبراء أن من بين المنصات المتوقع نموها «تيك توك» لمقاطع الفيديو الموسيقية، التي نمت في عام 2019، وتم تنزيل هذا التطبيق الصيني 5.‏1 مليار مرة في ذلك العام، بسبب تزايد الشعبية بين فئات المراهقين وقوة حملاتها التسويقية واستثمارات الشركة في التوسع الجغرافي لتنتشر في نحو 150 دولة.
كما أنه من المتوقّع نمو حجم تسويق المنتجات عبر فيديوهات مقدمي برامج «اليوتيوب» أو من يسمون بالـ«إنفلوينسرز»، رغم أن البعض كان يرى إمكانية تراجع هذا المجال، لكن قوة أداء الشخصيات وتأثيرها في نفوس المستهلكين لشراء المنتجات جعل تلك البرامج منصة تسويقية قوية ومتواصلة النمو في العام الجديد.
كما يرى الخبراء أن منصات التواصل الاجتماعي ستزداد قوة في عام 2020، لا سيما في مجال التجارة الإلكترونية ورغبة المزيد من المستهلكين للشراء المباشر عبر تلك المنصات، بدلاً من التوجه إلى تطبيقات التسوق عبر المتاجر الإلكترونية.
وبالنظر إلى ما قدمته شبكات مثل «إنستغرام» و«فيسبوك» وغيرهما، فإن محتوى التسوق الإلكتروني سيكون أسرع انتشاراً على شبكات التواصل الاجتماعي خصوصاً أن الاستجابة تكون أسرع حتى من خلال تقديم المزيد من المميزات التي تسهل عملية التفاعل بين المستخدمين.


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».