«التشاركية»... عنوان التحول الاقتصادي السعودي

المرحلة الحالية لتكامل القطاعين العام والخاص

شدد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد القصبي في أكثر من مناسبة على ضرورة التشارك بين القطاعين العام والخاص (الشرق الأوسط)
شدد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد القصبي في أكثر من مناسبة على ضرورة التشارك بين القطاعين العام والخاص (الشرق الأوسط)
TT

«التشاركية»... عنوان التحول الاقتصادي السعودي

شدد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد القصبي في أكثر من مناسبة على ضرورة التشارك بين القطاعين العام والخاص (الشرق الأوسط)
شدد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد القصبي في أكثر من مناسبة على ضرورة التشارك بين القطاعين العام والخاص (الشرق الأوسط)

برزت مؤخراً تصريحات لمسؤول حكومي رفيع في السعودية عن توجه صريح تبديه الحكومة في المملكة نحو تحقيق تشاركية جادة بين القطاع الخاص وأجهزة الدولة، في خطوة تؤيّدها السياسة العامة الماضية حالياً في تولي القطاع الخاص جانباً من قيادة الاقتصاد الوطني للمرحلة المقبلة.
وتنظر المملكة عملياً لأن يتولى القطاع الخاص بمحركاته من شركات ومصانع ومؤسسات وقطاع خدمي، دوراً محورياً للتنمية الاقتصادية في البلاد في ظل وجود هدف رئيس من مستهدفات «رؤية المملكة 2030» الرامية إلى التحرر من مصدر النفط كمورد وحيد لدخل البلاد، والدفع بدماء جديدة في شريان الاقتصاد الوطني من خلال إعطاء أدوار مضاعفة لقطاعات الصناعة والتجارة والاستثمار وفتح قنوات موارد جديدة في الترفيه والسياحة والرياضة.
وحسب جلسات عُقدت مؤخراً بحضور وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد القصبي، أكد تلميحاً وتصريحاً، ضرورة التقارب بين القطاعين الحكومي والخاص في هذه المرحلة والدفع لمزيد من التشاركية لا سيما مع وجود رؤية السعودية التي تحدد هدف بوصلة تحرك اقتصاد البلاد، مشيراً أكثر من مرة إلى أهمية الذهاب إلى أجهزة الدولة وعقد الاجتماعات ورفع التوصيات والمقترحات والتصويبات إلى الوزارات دون تردد.
وإلى تفاصيل أدق لمؤشرات التشاركية المنتظرة بين القطاعين الخاص والعام في المملكة:
- مشروع استراتيجي
في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) المنصرم، التقى القصبي مجاميع رجال الأعمال في العاصمة السعودية الرياض، في حفل إطلاق مجلس التجار الذي أطلقته الغرفة التجارية الصناعية بالرياض ممثلةً باللجنة التجارية، كان مفاد كلام الوزير حينها أن القطاع الخاص لاعب جوهري لا يزال ينتظر منه المزيد.
وأفصح وزير التجارة والاستثمار بوضوح تام عن أن العمل حالياً قائم للانتهاء من مشروع تحولي لدفع القطاع الخاص لدور فعال في الاقتصاد الوطني، كاشفاً عن قرب إقرار برنامج تنمية القطاع الخاص في المملكة، دون تحديد موعد محدد.
ووفقاً للقصبي، فإن الموافقة العليا وشيكة بعد إجراء اجتماعات موسعة مع فئات وشرائح وأنشطة القطاع الخاص المختلفة للاطلاع على التحديات والحلول وحيثيات تتعلق بتفاصيل من شأنها أن تعزز من دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني السعودي.
وطالب القصبي القطاع الخاص بفئات أعماله كافة بما فيها شريحة التجار، التفاعل مع توجه الدولة إلى مزيد من تفعيل القطاع الخاص عبر تحضير مقترحات تفصيلية تشمل التحديات والحلول والتصورات، لوضع المسؤول في صورة الموقف القائم، للوصول إلى وضع يخدم القطاع الخاص.
وتأتي هذه الدعوة المستمرة إلى التشارك بين القطاعين لما لفت إليه الوزير من أن المملكة تشهد تحولاً تاريخياً يخلق فرصاً استثمارية هائلة في شتى القطاعات الصناعية والتجارية والخدماتية، مؤكداً حرص الوزارة على تسهيل الإجراءات وتعزيز جاذبية الاستثمارات.
- جهود للتمكين
وخلال متابعة القصبي لعملية أول انتخابات إلكترونية تشهدها «غرفة عرعر» –شمال المملكة- استخدم عبارة «المشاركة» كذلك، حيث قال في تغريدة له على موقع الرسائل القصيرة «تويتر» نُشرت في السادس عشر من ديسمبر الماضي: «تمكيناً للقطاع الخاص وتوفيراً للوقت والجهد، التصويت لانتخابات الغرف التجارية والصناعية أصبح إلكترونياً بالكامل عن بُعد، دون الحاجة إلى الحضور في الغرف التجارية للتصويت، ومستمرون في شراكتنا وتقديم التسهيلات لكل ما من شأنه تحفيز القطاع الخاص وتعزيز مسيرته».
وتأتي جهود الدولة لدعم التحولات الاقتصادية من بينها التغير التقني ومواكبة مستجدات التكنولوجيا، في وقت واصلت مؤشرات الاقتصاد غير النفطي مسارها الإيجابي في ديسمبر الماضي، حيث كشف تقرير صدر عن شركة «جدوى للاستثمار»، تسجيل القطاع غير النفطي ارتفاعاً بنسبة 4.3%، ونمو الناتج الإجمالي المحلي للقطاع الخاص غير النفطي بنسبة 4.2%، وهي النسبة التي تعادل 40% من الناتج الإجمالي المحلي الكلي، يقابله نمو الناتج المحلي للقطاع الحكومي بنسبة 4.6% (تعادل 18% من الناتج الإجمالي المحلي الكلي).
- سوق العمل
وفي وقت استمرت السعودية فيه خلال السنوات الماضية بحملات واسعة لتصفية سوق العمل من العمالة المخالفة، أدت معها إلى تسفير ملايين العاملين المخالفين لأنظمة الإقامة والعمل في المملكة، مما أدى إلى فجوة في الأيدي العاملة حينها، تأتي عملية إصلاح سوق العمل المتعلقة بالعمالة الأجنبية، كأحد مؤشرات عناية المملكة بالقطاع الخاص ورغبة المشاركة من خلال عودة أفواج العمالة لكن هذه المرة بصورة نظامية تلبي الاشتراطات والالتزامات الرسمية كافة، إذ وفقاً لوزير العمل والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد الراجحي، فقد تزايد منح تأشيرة العمل بالسعودية بواقع 100% خلال 2019 إلى 1.2 مليون عامل، بينما كانت قد أصدرت 600 ألف تأشيرة عمل في 2018، في وقت تتواصل جهود الدولة لتوطين قوة العمل البالغة حالياً 1.8 مليون مواطن.
- تسابق حتمي
وحسبما ألمح إليه القصبي، فإن الأجهزة الحكومية قد شهدت نوعاً من التقدم والسباق على القطاع الخاص بيد أن ذلك يأتي في سياق التحول والتغيير الذي تتطلبه مرحلة رؤية المملكة والمعالجة المتوقعة لهذه الفترة.
وجاء في حفل أقامته الغرفة التجارية والصناعية بالرياض بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيس لجنة شباب الأعمال أواخر ديسمبر الماضي، تأكيد القصبي أن «رؤية المملكة 2030» هي صورة نهائية وعمل لكل القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية والتجارية، مشدداً على أن «القطاع الحكومي تسابق مع القطاع الخاص»، لكنّ ذلك جزء من التغيير المنتظر حينها واستجابة للتطوير اللازم.
- مرحلة التكامل
وعودة إلى تشاركية القطاعين العام والخاص، شدد وزير التجارة والاستثمار في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي مجدداً على ضرورة تلاحم القطاعين العام والخاص كلٌّ في مجاله لتكوين تكامل ضروري لتنمية الاقتصاد الوطني.
لكن القصبي عاد ليؤكد أن التغيير والتصحيح مرحلة لا بد منها، وعليه فالقطاع الخاص شريك أساسي في هذه المرحلة بالآراء والمقترحات والحلول، مؤكداً اهتمام الوزارة بما يرد من ملاحظات ومقترحات حول القرارات والأنظمة الصادرة.
وأضاف القصبي أن الوقت حان فعلياً لتحرك القطاع الخاص نحو التكامل مع القطاع الحكومي عبر استفادة كل منهما من الآخر، بالتوجيه والنصح والتصحيح والتصويب والاقتراح وتعديل المسار. وقال: «أرجو الاهتمام بالشراكة والتصويب والتصحيح».
- وقود التغيير
ودعا وزير التجارة والاستثمار القصبي، خلال لقائه رجال الأعمال وقتها، إلى أن الحاجة ماسّة إلى التشارك مع القطاع الخاص لأنه ببساطة سيفرز فرص عمل وأعمالاً تنعكس في نمو الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن دور الغرف التجارية والصناعية مهم جداً في هذا الإطار، واصفاً الغرف التجارية بأنها «وقود التغيير».
وشدد القصبي على أن لدى قطاع الأعمال والصناعيين تحت مظلات الغرف التجارية في البلاد مسارات عدة لعمل التشارك مع أجهزة الدولة، بينها القيام بعمل دراسات علمية واقعية ورفعها إلى الوزارة، على سبيل المثال: دراسة استراتيجية الفرص الجديدة وعمل تحليل لها والتوصية بتطبيقها.
وأشار إلى أن الغرف التجارية لديها دور جوهري، ضمن مسار التشارك، بالتصويب على القرارات التي تقوم عليها الوزارات، لافتاً إلى أن الوقت حان لمرحلة التحول والتغيير للوصول إلى أنظمة وسياسات لتنمية القطاع الخاص في المملكة.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».