النظام الفنزويلي يقصي غوايدو عن رئاسة البرلمان

منع نواب معارضين من المشاركة في التصويت... وفتح جبهة جديدة في الأزمة

غوايدو يتسلّق سياج البرلمان الفنزويلي بعدما رفضت السلطات السماح له بالدخول أول من أمس (أ.ف.ب)
غوايدو يتسلّق سياج البرلمان الفنزويلي بعدما رفضت السلطات السماح له بالدخول أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

النظام الفنزويلي يقصي غوايدو عن رئاسة البرلمان

غوايدو يتسلّق سياج البرلمان الفنزويلي بعدما رفضت السلطات السماح له بالدخول أول من أمس (أ.ف.ب)
غوايدو يتسلّق سياج البرلمان الفنزويلي بعدما رفضت السلطات السماح له بالدخول أول من أمس (أ.ف.ب)

شهد البرلمان الفنزويلي، في الساعات الأخيرة، جلسة سوريالية عكست صورة دقيقة عن الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد منذ فترة، عندما عاد النواب الموالون للنظام إلى المشاركة في أعمال البرلمان، وتمكّنوا من إقصاء الرئيس الحالي خوان غوايدو، بعد أن منعته قوات الأمن وعدداً من النواب المؤيدين له من دخول قاعة المجلس.
كانت قاعة الجمعية الوطنية قد عاشت ساعات طويلة من التوتّر والفوضى، تخللتها الشتائم والمشاحنات في الجلسة التي كانت مقررة لتجديد ولاية غوايدو، الذي أعلن نفسه مطلع العام الماضي رئيساً مكلّفاً للبلاد، اعترفت به أكثر من 60 دولة، فيما كان نظام مادورو يخطط منذ أشهر لإزاحته من رئاسة البرلمان تمهيداً لعزله ومحاصرته سياسياً.
وقبل بداية الجلسة، كان البرلمان قد تحوّل إلى ساحة مواجهة ومنازعات، حول كل شيء، بين المعارضة المؤيدة لغوايدو التي تسيطر على أغلبية المقاعد، والنواب الموّالين للنظام الذين كانوا يقاطعون البرلمان منذ سنوات لعدم اعتراف النظام بشرعيته: الوصول إلى مبنى البرلمان، ودخول النواب إلى قاعة الجمعية العامة، واحتساب النصاب لإعادة انتخاب غوايدو أو إزاحته. وانتهت المواجهة، كالعادة، بفوز الموالين للنظام الذين كانوا قد تحالفوا مع بعض النوّاب المنشقّين عن المعارضة، في مناورة سافرة استدعت انتقادات شديدة من الحكومات المؤيدة لغوايدو انضمّت إليها في الساعات الأخيرة حكومتا المكسيك والأرجنتين اللتان تتخذان موقفاً معتدلاً من مادورو.
وقبل بداية الجلسة البرلمانية، كانت المعارضة المؤيدة لغوايدو، قد اشتكت من أن قوات «الحرس الوطني» المنتشرة حول مبنى البرلمان، الذي يقع في وسط العاصمة كاراكاس، منعت عشرات النواب من الوصول بسياراتهم إلى المبنى، فيما لم يتمكّن غوايدو ذاته من الدخول إلى البرلمان إلا بعد انتهاء الجلسة، متسلّقاً السياج المعدني المحيط به، ومُنِع بعض زملائه المرافقين له من الدخول.
لكن من ناحية أخرى تمكّن النواب الموالون للنظام من الدخول جميعاً إلى قاعة البرلمان، إلى جانب مجموعة من النواب المنشقّين عن المعارضة الذين تحالفوا معهم ضمن مخطط وضعه النظام، منذ أشهر، لمنع إعادة انتخاب غوايدو. وكان النظام قد عمد في الفترة الأخيرة، عبر الأجهزة القضائية التي يسيطر عليها، إلى رفع الحصانة البرلمانية عن عشرات النواب المعارضين بعد توجيه تهم إليهم تقول المعارضة إنها ملفّقة.
وبعد كرّ وفرّ استمرّ ساعات، فشلت المعارضة خلالها في تعطيل الجلسة لعدم اكتمال النصاب والغياب القسري لعدد من النواب، أُعلن انتخاب لويس بارّا رئيساً جديداً للبرلمان بدعم من النواب الموالين للنظام وبعض المنشقّين عن المعارضة. وحاول نائب رئيس المجلس ستالين غونزاليس، المقرّب من غوايدو، الاعتراض على ما حصل من مخالفات قانونية، لكن هيئة المكتب ردّت طلبه.
في أعقاب ذلك، دعا غوايدو إلى عقد جلسة لنواب المعارضة في مقر صحيفة «الناسيونال»، حيث أعيد انتخابه رئيساً للجمعية الوطنية بتأييد 100 نائب كانوا حاضرين في تلك الجلسة. وهنأه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، «على إعادة انتخابه» على رأس البرلمان، ودان «الجهود الفاشلة» للرئيس التشافي نيكولاس مادورو، «لإنكار إرادة المجلس الوطني المنتخب بطريقة ديمقراطية».
أما مادورو، فقد اعترف بلويس بارا المرشح المنافس، معبراً عن ارتياحه لإزاحة غوايدو. فيما برّر الأمين العام للحزب الشيوعي الفنزويلي أوسكار فيغيرا، وهو نائب مؤيد للنظام، ما حصل بقوله: «تمّ الانتخاب برفع الأيدي والنصاب مكتملاً، وتبيّن أن المعارضة مشتّتة».
وينوي زعيم المعارضة مواصلة «معركته»، غير المجدية حتى الآن، لطرد الوريث السياسي لهوغو تشافيز، الذي يتهمه «باغتصاب» السلطة منذ الانتخابات الرئاسية التي تقول المعارضة إنها «مزورة» في 2018.
يذكر أن المواجهة المباشرة بين مادورو وغوايدو بدأت منذ عام بالتحديد، عندما انتخب هذا الأخير رئيساً للبرلمان الذي تعتبره أكثر من 60 دولة، على الأقلّ حتى البارحة، السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد، ما دفعه بعد ذلك بأسبوعين إلى إعلان تولّيه رئاسة الجمهورية بالوكالة، حتى إزاحة مادورو وإجراء انتخابات جديدة. لكن على الرغم من الدعم القوي الذي لقيه غوايدو من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى، لم تُثمر التحركات التي قام بها طوال العام الماضي عن أي نتيجة عملية تذكر في اتجاه إزاحة مادورو أو تغيير النظام، كما تأكّد في هذه الجلسة الأخيرة للبرلمان.
الرئيس الجديد للبرلمان يُعرف عنه أنه نادراً ما كان يشارك في المناقشات البرلمانية، خصوصاً في الفترة الأخيرة، وأنه كان ينتمي إلى حزب «العدالة أولّاً» قبل أن يُطرد منه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعد أن تبيّن ضلوعه في عملية فساد حول المساعدات الغذائية، التي يوزّعها النظام، بالتعاون مع رجل الأعمال الكولومبي آليكس صعب، المتحدّر من أصل لبناني، المورّد المباشر للحكومة الفنزويلية، والملاحق قضائياً في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى بسبب الفساد وأنشطة أخرى غير مشروعة، من بينها صفقات بيع الذهب الفنزويلي التي يحاول النظام من خلالها الالتفاف على الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليه الولايات المتحدة.
كانت المعارضة قد اتهمت بارّا في الأسابيع الأخيرة بضلوعه في الخطة، التي قالت إن الحكومة وضعتها لرشوة نواب معارضين بهدف سحب تأييدهم لغوايدو، أو الامتناع عن المشاركة في الجلسة الأخيرة للبرلمان.
من جهة أخرى، أكّد الممثل الخاص لفنزويلا في إدارة ترمب، إليوت أبرامز، أن غوايدو هو اختيار المعارضة الفنزويلية كرئيس مؤقت وأن الولايات المتحدة تدعمه نتيجة لذلك. وأضاف في تصريحات أمس: «نواصل دعمه بالكامل. لا يوجد تراجع في الدعم على الإطلاق من الولايات المتحدة». وأشار إلى أن إدارة ترمب تعتزم زيادة الضغط الاقتصادي على مادورو وحلفائه في الأشهر المقبلة، وسيشمل ذلك في المقام الأول فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على الأفراد والشركات والكيانات الأخرى المرتبطة بحكومة مادورو.
وتابع أبرامز بأن الولايات المتحدة تأمل أن ترى الاتحاد الأوروبي ودول أميركا اللاتينية الأخرى تكثف من فرض العقوبات على مادورو، مقرّا بأن تواصل بلاده مع المعارضة والضباط العسكريين الفنزويليين «لم يكن كافياً على ما يبدو». وقال إن الخدعة تكمن في معرفة من سيكون له التأثير الأكبر في هذه التوعية، مشيراً إلى اتصالات محتملة مع الضباط المتقاعدين من الجيش.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».