السعوديون ينعون «عراب التطوع» نجيب الزامل

حاز جائزة «شخصية العمل التطوعي في العالم العربي» في نسختها الأولى عام 2010

نجيب الزامل
نجيب الزامل
TT

السعوديون ينعون «عراب التطوع» نجيب الزامل

نجيب الزامل
نجيب الزامل

نعى السعوديون أمس أحد أبرز رواد العمل التطوعي والخيري في بلادهم والخليج، نجيب الزامل، عضو مجلس الشورى السابق ورئيس مجلس إدارة جمعية العمل التطوعي، الذي توفي في ماليزيا بعد معاناة طويلة مع المرض، مخلفاً وراءه سيرة عطرة، وقدراً وفيراً من المحبة والتقدير لأبناء وطنه الذين تسابقوا على نعيه في شبكات التواصل الاجتماعي.
ودوّن الراحل آخر وصاياه في تغريدة كتبها عبر حسابه في «تويتر» قال فيها: «يجب أن تملك المعرفة كي تعرف متى تتحدث، وأن تملك الحكمة كي تدرك متى تصمت».
إلى ذلك، قال سليمان أبا حسين وهو إعلامي سعودي ورفيق رحلة الزامل في عالم الصحافة والكتابة: «فقدنا اليوم قامة فكرية كبيرة وشخصية مثقفة على درجة عالية من الوعي، فلقد امتاز الراحل بأهم تجارة وهي تجارة الفكر والمعرفة». ويرى أبا حسين أن نجيب الزامل لم يكن كاتباً وإعلامياً فقط، بل مجموعة في واحد، بحسب وصفه. وتابع: «تجلت لديه كل الصفات الإنسانية الجميلة».
وأضاف أبا حسين لـ«الشرق الأوسط أن الزامل كان سخياً في منح المعرفة للآخرين، مشيراً إلى أنه منذ بدايات حياته كان محباً للاطلاع والمعرفة، فهو منذ سن مبكرة بدأ ينهل من جميع العلوم.
ولا تقتصر قراءات نجيب الزامل على المؤلفات الفكرية والأدبية العربية فقط، إذ أكد أبا حسين أن الزامل كان مطلعاً جداً على الثقافات الأجنبية، بحكم تمكنه من اللغة، ومن غزارة الاطلاع تشكل الجانب الفكري والثقافي لديه.
وللراحل بصمة قوية أخرى في مجال العمل الخيري والتطوعي، وهنا يقول أبا حسين: «هناك أمور كثيرة لا أحد يعرفها ولم يبح بها نجيب الزامل تتعلق بعمل الخير، لكنه كان نشطاً بها بشكل غير عادي، وهو دوره في مد أواصر العلاقة ما بين الناس الفاقدين لأسرهم، حيث كان ضليعاً في متابعة هذه الأمور داخل وخارج المملكة».
واللافت ما تحدث عنه الراحل نجيب الزامل في مقطع فيديو ظهر فيه شهر مايو (أيار) الماضي، أنتجه المركز الجامعي للاتصال والإعلام في جامعة الملك فيصل بالأحساء، بأنه صادق في شبابه كبار المؤلفين في كتبه المبعثرة بين مكتبيه في الدمام والرياض وداخل سيارته وتابع: «اكتشفت أن أصدقائي هم الناس الذين في هذه الكتب، وأبطالها، ومؤلفيها».
وعن الرمز في حياته، قال الزامل: «أعتبر أن العقاد هو من أكبر رموز القرن العشرين، ولعلي أصل إلى ما وصل إليه». وأردف: «الذين غيروا الناس هم من قرأوا كثيراً». وكثيراً ما تحضر أقوال الزامل حول القراءة والمعرفة في أوساط الشبان الذين اعتبروه قدوة لهم، وكذلك زملاؤه وأصدقاؤه الذين شهدوا للزامل بحب العلم والاطلاع والمعرفة.
الزامل الذي تلقى تعليمه المبكر في مدارس شركة أرامكو، وتعلم منها وفيها الاعتماد على النفس، عُرِف بوقوفه إلى جانب الشباب، حيث أسهم بنشر ثقافة التطوع، وحاز على جائزة «شخصية العمل التطوعي في العالم العربي» في نسختها الأولى عام 2010. وهو مؤسس فرق «أبناء وبنات المدن»، التي عمت معظم مدن السعودية مع بداية العقد الماضي، وانتقلت فكرتها إلى دول الخليج العربي. كما أسّس الزامل ورأس مجلس إدارة جمعية العمل التطوعية، التي تعد من أكبر جمعيات العمل التطوعي الميداني المدني.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».